في بامير، الآغا خان رأى حلماً

تاريخ الإضافة السبت 11 كانون الأول 2010 - 5:40 ص    عدد الزيارات 832    التعليقات 0

        

في بامير، الآغا خان رأى حلماً
بقلم أرييل ثيدريل

في قلب آسيا الوسطى، تؤوي قمم غورنو-باداخشان العالية، طوبى. ففي خوروغ، "عاصمة" الإقليم، رأى مولانا الإمام الحاضر شاه كريم الحسيني، المعروف أكثر باسم كريم آغا خان الرابع، حلماً: كَسْر العزلة عن هذه الجبال في بامير ليستقرّ فيها شعبه الذي هو من الأكثر حرماناً في العالم. إنّه تحدٍّ جريء للفقر واليأس والجيوبوليتيك.
هنا، في قلب اللامكان، تنشط الجرّافات لتمهيد 87 هكتاراً من الصخور سوف تُنشأ عليها في غضون سنوات جامعة رائعة تحمل اسم "جامعة آسيا الوسطى". يفتخر غانجالي، أحد المهندسين الذين يشرفون على الأعمال، كثيراً بالحديث بالتفصيل عن التجهيزات المستقبلية: 2000 شقّة، مكتبة، ثمانية ملاعب كرة مضرب، ملعب من 3000 مقعد، ملعب كرة قدم، حلبة تزلّج، مطار للحوّامات...
غانجالي هو إسماعيلي نزاري، شأنه في ذلك شأن حوالى 30000 شخص يسكنون في خوروغ وثلثَي سكّان غورنو-باداخشان. يمثّل النزاريون الفرع الأساسي في الإسماعيلية، وهي مدرسة شيعية أقلّية يعود تاريخها إلى القرن الثامن ميلادي. وقد ألحق بهم أعداؤهم المسلمون ثم الصليبيون سمعة سيئة جداً عبر تلقيبهم بـ"الحشّاشين". روى ماركو بولو أسطورة هؤلاء القساة الذين يدخّنون الحشيش. لكنّ الإسماعيليين في غورنو-باداخشان لم يحفظوا له ضغينة فأقاموا نصباً تكريماً له في خوروغ.
يقع إقليم غورنو-باداخشان في طاجيكستان، الأكثر فقراً بين الجمهوريات الخمس في آسيا الوسطى. تعاني طاجيكستان من حرمان شديد – لا تنتج سوى القطن والألومينيوم الذي يُستورَد مكوِّنه الأساسي، الألومينا، من جامايكا – إلى درجة أنّ عدداً كبيراً من سكّانها اضطُرّ إلى الرحيل، ولا سيما إلى روسيا، لكسب رزقه. تمثّل تحويلات هؤلاء العمّال المهاجرين ثلث إجمالي الناتج المحلي. يغطّي إقليم غورنو-باداخشان الذي يتمتّع باستقلال ذاتي منذ عام 1925، 40 في المئة من الأراضي الطاجيكية لكنّه لا يضم سوى ثلاثة في المئة من السكان، أي حوالى 200000 نسمة. يعترف غانجالي "الحياة هنا قاسية جداً. لهذا ينبغي علينا نحن الإسماعيليين، أن نُظهر تضامناً في ما بيننا".
تمتدّ خوروغ على طول رواق ضيّق ومنخفض، على ضفّة رافد زمرّدي وفائر لنهر بانج الذي ينبثق عنه عند المصب نهر أمو داريا الكبير الذي يقطع 2600 كلم في آسيا الوسطى. المدينة المحاطة بجبال شاهقة قاحلة – يتجاوز ارتفاع القمم الأعلى في بامير 7000 متر – والتي تغرق في أشجار الحور، أشبه بواحة. تعبرها طريق واحدة تربط العاصمة الطاجيكية دوشانبي بالصين. وفقاً للفصل وحال الطقس، تستغرق مسافة الثمانمئة وستيّن كيلومتراً بين خوروغ ودوشانبي بين خمس عشرة ساعة وثلاثة أيام.

 

شعب على حدة يُعتبَر كافراً
 

لطالما شعر الإسماعيليون في غورنو-باداخشان – أو الباميريون – الذين يعيشون في جزيرة شيعية ضائعة وسط محيط سنّي، بأنّهم على حدة بعض الشيء. يعتبرهم الطاجيكيون كافرين، بسبب عقيدتهم المعقدة التي تجمع بين التقاليد اليهودية - المسيحية، والصوفية، والديانات السابقة للإسلام، مثل الزرادشتية. وبما أنهم تقليدياً أكثر ثقافة من باقي السكّان، كانوا يشكّلون النخب الطاجيكية عندما لم تكن غورنو-باداخشان سوى مقاطعة في الأمبراطورية الروسية، ثم السوفياتية. يذكّر مامادشو إيلولوف، رئيس أكاديميا العلوم ومستشار الرئيس الطاجيكي، إمام علي رحمان، أنّه "في زمن الاتحاد السوفياتي، أُغلِقت المساجد". لكنّه يضيف أنه لم تكن للأمر أهمّية "لأنّه لا قيمة لعبادة الإسلام الخارجية بالنسبة إلى الإسماعيليين الذين يصلّون في المنزل".
لم يتعرّف الباميريون إلى زعيمهم الروحي الذي حُرِموا منه لأكثر من سبعين عاماً، سوى عام 1995 خلال أوّل زيارة قام بها كريم آغا خان المولود في جنيف والحائز على شهادة من جامعة هارفرد والذي عيّنه جدّه، السلطان محمد شاه، الإمام التاسع والأربعين على الإسماعيليين النزاريين، إلى خوروغ. كانت الحرب الأهلية التي اندلعت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، في أوجها في ذلك الوقت. وقد تسبّبت بسقوط حوالى مئة الف قتيل، وأمعنت في إغراق البلاد في الفوضى. يروي يودغور فايزوف، مدير عام "مؤسسة آغا خان" والمدير السابق للشبّان الشيوعيين الطاجيكيين "لجأ عشرات آلاف الطاجيكيين إلى غورنو-باداخشان. لم يكن لدينا لا كهرباء ولا فحم. كان الناس يقطعون الأشجار للحصول على حطب التدفئة. وكانت البلاد بأسرها تعاني من المجاعة".
"شبكة آغا خان التنموية"، أي الشبكة التي تعنى بالتنمية التي أسّسها السلطان محمد شاه – آغا خان الثالث – هي أوّل منظمة غير حكومية اتّخذت مركزاً لها في طاجيكستان. وتبعتها منظّمات أخرى كثيرة. بيد أن الشبكة مع وكالاتها المتعدّدة التي تستخدم حوالى 3000 شخص في طاجيكستان، هي الأكثر تأثيراً، وذلك بسبب "بعدها الأخروي"، كما يشرح مراقب أوروبي. وهو يضيف أنّه في خوروغ "المدينة الوحيدة في العالم التي يتألّف سكّانها من إسماعيليين فقط، يُعتبَر الآغا خان إلهاً".
وهكذا، فإنّ غورنو - باداخشان هي بمثابة مملكة له إلى حد ما. لا يخفي روزيك الذي يدير مرفقاً لتوليد الطاقة الكهربائية من المياه في خوروغ، إعجابه الصادق به: "إنه إمامنا ورجل أعمال جليل". يقال إن إمام علي رحمان مستاء من الأمر. في 27 حزيران الماضي، خلال حفل الوحدة (الذي يحتفي بنهاية الحرب الأهلية)، دشّن الرئيس الطاجيكي مقراً جديداً في الحديقة النباتية التي تطلّ على خوروغ، وهي أشبه بجنّة عدن ساحرة تفوح منها عطور الورود والمنثور القويّة على علو 2300 متر. ينتقده أحدهم بالقول "الغاية من المقرّ هي اقتطاع حوزة له لأنّه لا يأتي إليه أبداً". في خوروغ كما في باقي البلاد، إمام علي رحمان موجود في كل مكان، لكن يبدو أن لا أحد يعيره انتباهاً. تتصدّر صورته العملاقة مدخل المرفق الكهرمائي. يقول روزيك بلهجة جدّية "هذا طبيعي لأنّه صاحب الفضل في تركنا نبني هذا كلّه".
لا بد من الإشارة إلى أنه لطالما شكّكت دوشانبي في أنّه لغورنو-باداخشان ميول انفصالية. يؤكّد المسؤولون في "شبكة آغا خان التنموية" أنّ هذا غير صحيح، فهم يشيرون، بدعم من الأرقام، إلى أنّ عملهم يستهدف مجموع السكّان الطاجيكيين. يُظهر الباميريون روحاً عشائرية راسخة. قبل عامَين، أسفر عزل مسؤول محلي من منصبه عن تظاهرات حاشدة جداً إلى درجة أنّ الرئيس الطاجيكي اضطُرَّ إلى العودة عن قراره.
منير ميرالي، الإسماعيلي المولود في تنزانيا، هو "سفير" الآغا خان في دوشانبي. يرغب في أن يشهر مسدّسه كلما لُفِظت أمامه كلمة "سياسة"، ويمتنع بحذر عن الإدلاء بأيّ تعليق عندما يضيفون أنّ "الفلسفة" التي يتّبعها "رئيسه" – بناء مجتمع مدني، وتشكيل نخب، وتطوير ثقافة قائمة على ريادة الأعمال – تصل إلى حد قلب النظام في هذه الجمهورية السوفياتية السابقة غير الناضجة. في الواقع، لا بد من الإقرار بأنّه على غرار الحكّام الآخرين في آسيا الوسطى، ظلّ إمام علي رحمان منغلقاً تماماً على القيم الديموقراطية.
ولد روزيك في خوروغ قبل ثلاثين عاماً. وعلى غرار عدد كبير من الشبّان الإسماعيليين الآخرين في بامير، حصل على منحة دراسية من "مؤسّسة آغا خان". وقد أتاحت له الدراسة في كلية وارويك لإدارة الأعمال في إنكلترا. اللغة الإنكليزية والمعلوماتية هما الركيزتان الأساسيتان في المؤسسة. تلقّى عدد كبير من الشبّان الباميريين تحصيلهم العلمي في لندن أو تورنتو أو الولايات المتحدة. ويُشترَط عليهم العودة إلى ديارهم بعد الانتهاء من الدراسة للمساهمة في تطوير مجتمعهم.

 

طريق الأفيون
 

تدين خوروغ وغورنو-باداخشان بكل شيء تقريباً للآغا خان. يحصل نحو 90 في المئة من سكّان المنطقة الآن على التيار الكهربائي بفضل "محطة بامير للطاقة" التي بدأت العمل في مطلع القرن الحالي، وسمحت بوضع حد لقطع الأشجار الهمجي، وإطلاق نشاطات اقتصادية واستحداث وظائف. وقد بنى جنود "شبكة آغا خان التنموية" الصغار، وهم في معظمهم أعضاء في الدياسبورا الإسماعيلية الضخمة، جسوراً ومستشفيات ومدارس. وفتحوا أوّل مصرف للقروض الصغيرة، ولقّنوا الأشخاص الذين كانوا يعملون في التعاونيات الزراعية السوفياتية أساليب الزراعة الخاصة، وركّبوا تجهيزات للوقاية من آثار الهزّات الأرضية في هذه الجبال التي تدمّرها الزلازل سنوياً.
تبقى العوائق كثيرة جداً، ويبدو نجاح "شبكة آغا التنموية" هشاً. فغورنو-باداخشان التي تقع على طريق الأفيون الذي يُنتَج في أفغانستان، هي أيضاً معقل للاقتصاد غير النظامي. "لكن هذا لا يمنع أنّ الآغا خان نجح في إطلاق دينامية يحاول الآن تصديرها إلى باقي البلاد وحتى خارجها"، كما يقول أحد الديبلوماسيين. هل هو وهم جنوني؟ يقول خبير في "شبكة آغا خان التنموية": "سوف يتوقّف مفتاح التنمية في شكل خاص على التعاون الإقليمي. إنها فكرة رومنسية بعض الشيء، لكن في العمق، علينا أن نعيد بناء طريق الزراعة القديمة. في الوقت الحاضر، تبقى طاجيكستان ويا للأسف بلداً محاطاً بجيران في حالة حرب أو لا يجمع بينهم ودّ".
وفي الأزمنة الأخيرة، ظهر تهديد جديد. إنه تهديد الإسلام الراديكالي الذي يجد في طاجيكستان أرضاً مثالية له. يبدو الإسماعيليون المتسامحون والتقدّميون، محصَّنين ضدّ الأصولية. بيد أنّ الفرصة ضئيلة بأن تلقى السلطة الروحية لجِنيّهم الطيّب، كريم آغا خان، آذاناً صاغية خارج مجتمعهم.
 


( "الفيغارو" ترجمة نسرين ناضر)      

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,718,257

عدد الزوار: 6,910,137

المتواجدون الآن: 101