رجل الوسط...

تاريخ الإضافة الإثنين 24 كانون الثاني 2022 - 3:12 م    عدد الزيارات 692    التعليقات 0

        

رجل الوسط...

مركز كارنيغي... مايكل يونغ...

يناقش تيموثي ج. باريس، في مقابلة معه، السيرة التي وضعها عن مسؤول بريطاني بارز عمل في منطقة الشرق الأوسط، يُدعى غيلبرت كلايتون...

تيموثي ج. باريس مؤرّخ ومحامٍ ومؤلّف كتابَين حول الشرق الأوسط، صدر آخرهما في العام 2015 بعنوان In Defense of Britain’s Middle Eastern Empire: A Life of Sir Gilbert Clayton (الدفاع عن الإمبراطورية البريطانية في الشرق الأوسط: حياة السير غيلبرت كلايتون). باريس حائز على دكتوراه في التاريخ من جامعة كامبريدج، وحمل كتابه الأول الذي نُشر في العام 2003 عنوان Britain, the Hashemites and Arab Rule, 1920-1925: The Sherifian Solution (بريطانيا والهاشميون والحكم العربي، 1920-1925: الحل الشريفي). تسلّط هذه السيرة الرائعة والغنية الضوء على حياة شخص بارز أدّت دورًا مهمًا في صياغة السياسة البريطانية في الشرق الأوسط خلال الحرب العالمية الأولى والفترة التي أعقبتها، على الرغم من أنه مجهولٌ إلى حدٍّ كبير بالنسبة إلى عامة الناس. أجرت "ديوان" مقابلة معه في مطلع كانون الثاني/يناير لمناقشة هذه السيرة.

مايكل يونغ: استغرقك الأمر ست سنوات لإجراء الأبحاث اللازمة وكتابة سيرة حياة غيلبرت كلايتون. لمَ اخترت هذه الشخصية بالذات؟

تيموثي ج. باريس: كثيرةٌ هي الكتابات التي تحّدثت عن الحرب العالمية الأولى وتداعياتها في الشرق الأوسط، لدرجة أنني فوجئت بأن أحدًا لم يضع سيرة حياة كلايتون، الذي انخرط، وإن بدرجات متفاوتة، في معظم القضايا المهمة خلال تلك المرحلة. إذًا، شكّلت سيرة حياة كلايتون فرصةً لسدّ ثغرة في المسار التاريخي. على صعيد شخصي، اعتقدتُ أنه سيكون من الممتع كتابة سيرة حياة، ومعرفة المزيد عن بعض الأماكن غير المألوفة لي كمصر والسودان، نظرًا إلى أن كلايتون عمل في عدد كبير من المناطق ضمن سياقات مختلفة. علاوةً على ذلك، أردتُ وضع كتاب يتوجّه إلى الجمهور الأوسع وليس إلى المجتمع الأكاديمي، إذ تتضمن هذه السيرة كمية كبيرة من المعلومات التي لا تُعدّ ضرورية أو مناسبة للباحث المتخصّص.

يونغ: تطرّقتَ إلى نقاش أساسي في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وهو مَن خدع مَن خلال الحرب العالمية الأولى؟ هل خدعت بريطانيا العرب من خلال وعدهم بدولة مستقلة مقابل الانقلاب على العثمانيين، فيما اتفقت مع فرنسا حول تقاسم الشرق الأوسط؟ أم أن العرب هم من خدعوا البريطانيين ودفعوهم إلى الاعتقاد بأنهم قد يصطفّون مع العثمانيين وألمانيا للحصول على مبتغاهم، مع أن هذا الاحتمال كان مستبعدًا؟

باريس: لا شكّ أن جميع الأطراف مارست قدرًا من الازدواجية والخداع، إذ لجأ كلٌّ من البريطانيين والفرنسيين والعرب والصهاينة إلى تشويه الحقائق بما يتناسب مع غاياتهم الخاصة. عمد العرب إلى تضليل البريطانيين بواسطة محمد شريف الفاروقي، وهو ضابط عربي انشق عن الجيش العثماني وأقنع المسؤولين البريطانيين بأن العرب قد يقفون إلى جانب ألمانيا في حال لم تدعم بريطانيا قيام الثورة العربية ضدّ الإمبراطورية العثمانية. وقد دفع ذلك المسؤولين البريطانيين، ومن بينهم كلايتون، للتوصل إلى استنتاج خاطئ مفاده أن تحالفًا عربيًا-ألمانيًا كان وشيكًا في العام 1915. لكن كلايتون رأى أن توقيت مقابلات الفاروقي لم تؤثّر سوى على توقيت الأحداث، إذ كان مقتنعًا أساسًا بأن التحالف بين البريطانيين والعرب ضروري للحفاظ على موقع بريطانيا في الشرق الأوسط. كذلك، إن تعهُّد المفوض السامي البريطاني في مصر السير هنري مكماهون في العام 1915 لشريف مكّة حسين بن علي، بأن بريطانيا ستدعم قيام دولة أو دول عربية مستقلة في الأراضي العربية، وهو ما دفعت إليه تلك المقابلات، لم يكن على الأرجح مصمَّمًا لغايات الخداع، على الرغم من أنه كان تعهّدًا غامضًا على نحو متعمّد ومفتوحًا على أكثر من احتمال. لكنه أصبح خادعًا على ضوء اتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور، ومختلف البيانات البريطانية الصادرة في العام 1918، التي لم تنسجم أبدًا مع تعهّد العام 1915.

يونغ: تشير إلى أن السلطات البريطانية، المدنية والعسكرية، لم تُرد في البداية التماهي مع الثورة العربية التي لطالما اعتُبِرت أشبه بحدث أسطوري في الذهنية الشعبية بسبب مشاركة توماس إدوارد لورنس فيها. لماذا؟

باريس: القدر الأكبر من المعارضة للرعاية البريطانية للثورة العربية كان مصدره الحكومة الهندية ومكتب الهند. وفي المنطقة نفسها، سادت منذ البداية بعض الشكوك بشأن ما إذا كان إنفاق الأموال البريطانية والاستعانة بالمعدّات وربما بالرجال البريطانيين يستحق العناء، ولم يصدّق أحد، ولا سيما كلايتون، أن الثورة ستكون ذات أهمية عسكرية. وكانت هناك مخاوف أيضًا من أن الخطط التي وضعها الهاشميون في العام 1915 للدفع باتجاه اندلاع ثورة في سورية ستثير موقفًا عدائيًا لدى فرنسا التي كانت تسعى إلى ممارسة نفوذها في سورية بعد الحرب. أخيرًا، كان ثمة تخوّفٌ من أن ينظر العالم الإسلامي إلى المشاركة البريطانية في الثورة العربية بأنها تدخّلٌ في الأماكن المقدّسة الإسلامية.

ولكن بحلول أواخر العام 1915، كانت جميع القيادات البريطانية في المنطقة – مكماهون، والجنرال السير جون ماكسويل، قائد الجيش البريطاني في مصر، والسير رونالد ستورز، السكرتير المعني بشؤون الشرق لدى الوكالة البريطانية في القاهرة، والسير رجينالد وينغايت الذي كان آنذاك الحاكم العام للسودان، وكلايتون – مقتنعة تمامًا بالإيجابيات التي يمكن أن تترتب عن دعم بريطانيا للثورة. لكن، أبقت الهند على معارضتها دعم الثورة، وكان هذا أيضًا موقف الجنرال السير أرشيبالد موراي في مصر، بعدما حلّ مكان ماكسويل في منصب قائد القوات المسلحة في الشرق الأوسط في آذار/مارس 1916، معتبرًا أن الثورة هي ألعوبة وطريق ملتوٍ لا طائل منه.

يونغ: تبدو وكأنك تحاول السير في الوسط والتوفيق بين موقفَين متباينَين في معرض وصفك لآراء كلايتون حول إعلان بلفور. فمن جهة، تقول إنه كان متلزمًا بتطبيقه، باعتباره سياسة بريطانية رسمية. لكنك كتبت أيضًا أنه أقرّ على ما يبدو بأن الإعلان غير قابل للتطبيق عمليًا. ماذا كان موقفه بالضبط؟

باريس: ربما كنتُ مذنبًا بالسير في الوسط لوصف آراء كلايتون بشأن إعلان بلفور والمسألة الصهيونية (وربما كان هذا الأمر مطلوبًا بعض الشيء آنذاك). ولكن ذلك كان إقرارًا مني بواقع أن آراء كلايتون تغيّرت على مرّ السنوات. في البداية، أربكَتْه، أسوةً بكثيرين غيره، عبارة "وطن قومي لليهود"، ولا سيما بعد تلقّيه تعليمات مضحكة من وزارة الخارجية البريطانية بتطبيق هذه السياسة "وفقًا للخطوط المناسبة". ولكن بغض النظر عن المعنى الذي حمله الإعلان، كان كلايتون مقتنعًا بأن على بريطانيا التروّي في تطبيق سياسة الوطن القومي. وازداد قناعةً بضرورة اعتماد مقاربة تدريجية حين أعلمه الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان في آذار/مارس 1918 أن الهدف الذي تسعى إليه الصهيونية هو إقامة دولة يهودية في فلسطين. مع ذلك، أبدى كلايتون دعمه لإعلان بلفور: أولًا، بحكم عمله كمسؤول بريطاني وموظف في الخدمة المدنية؛ وثانيًا، لأنه كان يعتبر حقًا بأن البرنامج الصهيوني يملك حظوظًا بالنجاح إذا تم تطبيقه برويّةٍ وحذر.

أعطيتُ أمثلة كثيرة في الكتاب عن التزام كلايتون بسياسة الدعم البريطانية حين كان حاكمًا على إدارة أراضي العدو المحتلة وكبير المسؤولين السياسيين في فلسطين (1918)، ولاحقًا سكرتيرًا أول (1923-1925) في حكومة الانتداب. لكن بحلول أواخر العام 1923، بات كلايتون مقتنعًا بأن الحكومة البريطانية لا تطبّق كما يجب السياسات المدرَجة في الوثيقة الحكومية الصادرة في حزيران/يونيو 1922، والتي أكّدت أن إعلان بلفور لا يعني أن فلسطين بكاملها ستصبح دولة يهودية. وفي ضوء مشاعر الغضب العارمة، تفهّم كلايتون عمق المعارضة العربية للسياسة الصهيونية. وعلى الرغم من الجهود القصوى التي بذلها، أدرك أنه لا يسعه شيء للتوفيق بين العرب واليهود.

يونغ: أدّى كلايتون، بصفته مسؤولًا سياسيًا في مصر، دورًا أساسيًا في الدفع نحو تسليم مهام الحكم تدريجيًا إلى المصريين، وكرّر هذا النموذج في العراق حين كان مندوبًا ساميًا هناك في العام 1929. ماذا كان المنطق الذي استند إليه، وماذا كان رد السلطات البريطانية على توصياته؟

باريس: كانت مقاربة كلايتون بسيطة. فقد اعتبر أن باستطاعة مصر والعراق إدارة حكومتيهما، وأن من غير الضروري ومن غير المستحب فرض الأساليب البريطانية في أيٍّ من البلدَين. ولم يهمّه كثيرًا ما إذا كانت الحكومتان تُداران بفعالية، وفقًا للمعايير البريطانية. وقد أوجز موقفه في مقطع ورد في رسالة وجّهها في تموز/يوليو 1929 إلى وزير الشؤون الاستعمارية اللورد باسفيلد: "بلغ العراق مرحلةً لا يمكن معها تحقيق تقدّم إضافي في الحكم الذاتي والاعتماد على الذات إلا من خلال منظومة قائمة على التجربة والخطأ. كي يدرك العراقيون الصعوبات التي تعترضهم ويتعلموا التغلّب عليها، يجب أن يتمكّنوا من مواجهتها بأنفسهم".

ما اعتبره كلايتون مهمًا للبريطانيين انعكس في ما يُسمّى "بند المسائل المحتفَظ بها" في إعلان ألنبي الصادر في شباط/فبراير 1922 وفي المعاهدة البريطانية-العراقية التي أُبرِمت في حزيران/يونيو 1930. كان هناك بالطبع رفضٌ من لندن، ولا سيما في ما يتعلق بمصر في العام 1922، إذ أبدى رئيس الوزراء ديفيد لويد جورج، ووزير الدولة لشؤون المستعمرات وينستون تشرشل، وبدرجة أقل، وزير الخارجية جورج ناثانيال كورزون، معارضتهم لإلغاء الحماية البريطانية على مصر، والتي كان كلايتون يعتبرها مسيئةً لمصر وغير مجدية لبريطانيا. وقد تمكّن الجنرال إدموند ألنبي، الذي كان آنذاك مندوبًا ساميًا على مصر، من أن يفرض، بحكم شخصيته القوية، تطبيق إعلان 1922. أما في ما يتعلق بالعراق، فقد استمرت المعارضة طوال فترة سيطرة الحكومة المحافظة ووزير الشؤون الاستعمارية ليو العامري. ولكن حين فاز حزب العمال في الانتخابات العامة في أيار/مايو 1929، أصبح "الوفاق" المصطلح المتداول في السياسة الإمبريالية، وانتصرت سياسة كلايتون.

يونغ: كيف تصف كلايتون على المستوى الشخصي؟ يبدو في كتابك أنه كان غامضًا بعض الشيء، فقد كان بيروقراطيًا حركًا وكفؤًا، ولم يترك وراءه بصمات ملموسة تُذكر. كيف بدا لك خلال بحثك، على الصعيدَين المهني والشخصي؟

باريس: كان كلايتون دبلوماسيًا ومفاوضًا جيّدًا، وترك علامة واضحة، وإن غير راسخة، في مصر والعراق وشرق الأردن والجزيرة العربية. لعلّ أفضل طريقة لوصفه، في السياق التاريخي، هي أنه كان شخصية مرحلية ساهمت في نقل بريطانيا من إمبراطورية رسمية إلى إمبراطورية غير رسمية، مع أن أفكاره حول التنازل عن جزء من السلطة لم تكن جديدة أو فريدة من نوعها. بصفته مديرًا استخباراتيًا في مصر، كان عمله جيدًا ومجهوده الاستخباراتي التكتيكي كافيًا، لكن لم يكن مبهرًا، في وقتٍ كان جهاز الاستخبارات لا يزال في مرحلة ناشئة.

على الصعيد الشخصي، كان كلايتون بالفعل شخصية غامضة. صحيحٌ أن مواقفه حول مجموعة متنوعة من المسائل تبدّت من خلال المراسلات والأوراق الرسمية، لكن لم يكشف الكثير من الأمور عن نفسه. فهو بقي متكتّمًا حول أفكاره ونواياه ولم يكن تعظيم الذات جزءًا من شخصيته. أجرى تقييمًا له زميلان عرفاه جيّدًا، هما توماس إدوارد لورنس ورونالد ستورز، ولا شكّ أن آراءهما المتبصّرة، وإن لم تكن صائبة تمامًا، تستحق الاطّلاع عليها.

يونغ: تؤكّد، في ختام كتابك، أن كلايتون اعتُبر صديقًا للعرب. وتشدّد في الوقت نفسه على أن أولويته الأساسية كانت الدفاع عن مصالح الإمبراطورية البريطانية. هل هذان الأمران متناغمان؟

باريس: أولًا، لا بدّ أن أقول إن عملي ككاتب سيرة ذاتية تمثّل في جمع كل الأدلة المرتبطة بكلايتون التي أمكنني إيجادها، قبل أن أنكبّ على تقييم هذا الرجل تقييمًا دقيقًا وعادلًا استنادًا إلى سياق زمنه الخاص. لم يكن دوري أن أقيّمه وفقًا لمعايير وعادات القرن الحادي والعشرين، حين يكاد بعض الناس أن يُصابوا بسكتة دماغية عند سماعهم كلمة "إمبريالية". مع ذلك، لا شكّ أن بعض العرب اعتبروا آنذاك أن كل ما هو أقل من الاستقلال التام أشبه بلعنة، مصرّين على نزع كل أشكال التأثير الغربي من منطقة الشرق الأوسط، ما عدا التمثيل الدبلوماسي. هؤلاء لم يعتبروا كلايتون صديقًا لهم.

مع ذلك، خلصتُ إلى أن معظم الأوساط المطّلعة في العالم العربي اعتبرت كلايتون صديقًا، وأن هذا الاعتبار كان صائبًا. فمواقفه حول إلغاء الحماية البريطانية والاعتراف بسيادة مصر والقبول بدخول العراق في عصبة الأمم (اعترافًا به كدولة مستقلة) لم تكن سرًّا، ولاقت ترحيبًا في أوساط معظم العرب. كان الأمير عبد الله في شرق الأردن وعبد العزيز آل سعود في الجزيرة العربية محقّين حين شعرا بالقلق بعد وفاة كلايتون في العام 1929. صحيحٌ أن كلايتون حرص على حماية المصالح البريطانية الحيوية في هذين البلدَين، لكن الكثير من العرب أدركوا آنذاك أن الانتقال إلى الاستقلال التام في ليلة وضحاها أمرٌ مستحيل، وأن كلايتون، على خلاف الكثير من أبناء بلده، دعا إلى الحدّ من النفوذ البريطاني، ما أسهم في إحراز تقدّم في الاتجاه الذي كانوا يريدون.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,105,589

عدد الزوار: 6,753,011

المتواجدون الآن: 106