كورونا بين التدمير والتعمير....

تاريخ الإضافة الخميس 2 نيسان 2020 - 4:56 م    عدد الزيارات 1077    التعليقات 0

        

كورونا بين التدمير والتعمير....

كيف نحول التباعد الاجتماعي إلى تقارب أسري؟ ....

الشيخ علاء صالح....

فرض فيروس الكورونا المستجد - في ظل انتشاره -، وضعًا اجتماعيًا جديدًا على جميع العقلاء، متمثِّلًا ببقاء جميع أفراد الأسرة بالبيت، تحقيقًا للسلامة العامة، وتجنبًا للإصابة بالعدوى.

أمام هذا الواقع الحرج تكثر الأسئلة التي تدور على ألسنة الناس وتشغل أذهانهم:

هل يشعل فيروس الكورونا أزمة اجتماعية خانقة قريبًا داخل الأسر؟ هل سيزيد الكورونا من حالات الطلاق العاطفي أو الانفصال الفعلي؟ كيف يمكن أن تمر هذه الفترة على الأسر بسلام وبأقل خسائر ممكنة؟ كيف نستغل الكورونا لإعادة بناء الأمة؟

في البداية، لا بد من الاعتراف أن انتشار ظهور فيروس كورونا أنشأ وضعية معقدة بين بني البشر، تشابكت فيها مشاكل اقتصادية واجتماعية ونفسية، شكَّلت بمجموعها ضغطًا رهيبًا على الأسر، حتى صارت كثير من الأسر عبارة عن قنابل موقوتًا تكاد أن تنفجر في أي وقت...

في الحقيقة، هذه الإجازة القسرية مهمة لأنها تكشف لنا طبيعة علاقاتنا الأسرية وحقيقتها، إما بشاشة وإما هشاشة. إنها - أي الإجازة - سلاح ذو حدين، إما تدمير وإما تعمير، إما إعادة بناءٍ للعلاقات، وإما هدم وازدياد في الخلافات.

وبالنسبة لي ولكل من ينظر إلى الأحداث من حوله بإيجابية وواقعية، فهذه الإجازة فرصة ذهبية لجمع شتات الأسرة ولتقوية روابطها، ولكني أعترف أن المهمة ليست سهلة، ولن ينجح فيها إلا أصحاب الإرادة والفكر والهمة، خاصة لأولئك الذين كانوا يمضون وقتا طويلا خارج البيت في أشغالهم وأعمالهم ومع أصدقائهم. فبالطبع، تحتاج هذه الفترة إلى إدارة نفسية واجتماعية، نحول فيها المحنة إلى منحة، والألم إلى أمل مبني على عمل...

وإليكم - أيها الآباء والأمهات، والأخوة والأخوات، والشباب والبنات - بعض النصائح والإرشادات، والتنبيهات والتعليمات، التي نعوض بها ما قد فات، ونُمضي في هذه الفترة من خلالها أجمل الأوقات، ونُقلِّص من خلالها المشاحنات والمشكلات...

احتسب الأجر في بقائك بالبيت، فمن جلس في بيته بسبب الوباء امتثالًا لأمر الله، وحفظًا للنفس البشرية، فله أجر كأجر الشهيد، وإن لم يمت به، كما أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام: "ليس من عبد يقع الطاعون (أي في بدنه أو بلده) فيمكث في بيته (وفي رواية بلده) صابرًا محتسبًا، يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر الشهيد"

حافظ مع أفراد عائلتك على قراءة القرآن - سيما سورة البقرة - والأذكار والأدعية، سيما في أوقات الإجابة المعروفة، وبعد الركوع من آخر ركعة من الصلوات المكتوبة

مارس الرياضة المنزلية (النط، المشي، الهرولة، الحركات الإحمائية، حركات الضغط والمعدة إلخ...) بالمستطاع يوميًّا، ففيها ترويح عن نفسك، تخفيف من ضغطك، تأليف بينك وبين أسرتك (الرياضة الجماعية)، وتقوية لمناعة جسمك وبنية بدنك

احرص على صنع وتناول نوعية طعام صحية غير مكلفة، مراعاة للوضع الاقتصادي الحالي، وحفاظا على تقوية مناعتك، وبنية جسدك، وتحسين مزاجك، لأن الطعام مؤثر على المناعة والصحة والمزاج

خصِّص فترة من وقتك لمحاسبة نفسك وتقييم أدائك وسلوكك (على المستوى العبادي والدراسي والأسري والعملي إلخ...) ووقتًا للتخطيط لمستقبلك على كل الأصعدة، فلا نجاح بدون تخطيط وعمل منظم...

حاول أن تجدد علاقاتك العاطفية بينك وبين زوجك وأولادك وأبيك وأمك وإخوانك وأخواتك، بكلمات رقيقة حانية، ومواقف تكافلية راقية، وجلسات تَسامُرِيّة... وعوِّد لسانك كلمة أحبك (كلمة تقال للجميع تأسيًّا بكلمة رسولنا لصاحبه معاذ والله إني لأحبك)

أعد اللُّحمة والروابط المتينة مع أسرتك وأقاربك من خلال تفعيل صلة الرحم عن بُعْدٍ بينك وبينهم (الأقارب داخل البلد وخارجه)

بُثَّ الوعي بين أفراد أسرتك بضرورة الالتزام بالتدابير الحمائية والوقائية من انتقال العدوى بالفيروس

خصِّص وقتًا لمراجعة محفوظاتك من القرآن والشعر وسائر المعلومات في مختلف المجالات، وحاول أن تزيد من تلك المحفوظات

خصِّص وقتًا مع أفراد عائلتك لمشاهدة البرامج النافعة والمسلِّية على التلفاز، فضلًا عن خَلْق وسائل ترفيهية داخل المنزل معهم، واحرص على تجنُّب توافه البرامج وسفاسفها

قلِّلْ / تجنَّب قراءة الأخبار السلبية وتداولها مع أفراد أسرتك وغيرهم، وَاسْعَ لتفادي المواقع التي تنشر معلومات خاطئة حول الفيروس، فكثيرٌ مما يصلك ليس بصحيح، مدمِّر لا معمِّر، مُجهِّل لا مثقِّف

كُن في مهنة أهلك، واعتمد مبدأ المشاركة في الأعمال المنزلية مع العنصر النسائي من أم أو زوجة أو أخت أو بنت، مما يعزز التماسك الأسري (اخدم نفسك بنفسك أحيانًا، درِّس أولادك، نظِّف الصحون، رتِّب غرفتك، شارك في تغيير ديكورات المنزل، اصنع الطعام / الشراب للجميع أحيانًا إلخ...)

قُمْ بعقْدِ نادٍ ثقافيٍّ داخل المنزل بهدف تطوير مستوى ثقافة أفراد العائلة عبر عدة وسائل، منها أن يقرأ فردٌ من عائلتك فصلًا أو جزءًا من أحد الكتب الثقافية المهمة، ثم تتم مناقشة أفكار ذاك الجزء في جلسة حوارية (في كل يوم يقرأ واحد من أفراد العائلة، فتغطَّى أيام الأسبوع بعدد أفراد العائلة) فتكتسبون بذلك مهارة القراءة والمناقشة والتحليل والحوار

ركِّز على النظر إلى إيجابيات أفراد العائلة، وأحسِن الظن بهم، واحرص على اكتشاف مواهب وصفات كل فرد، بهدف الاستفادة منها وتطويرها واستخدامها لما ينفع البلاد والعباد (كصوت جميل، سرعة البديهة أو الحفظ، الإلقاء المؤثر، قدرة على التحليل وربط الأفكار أو حل المشكلات، قوة الشخصية، الشجاعة، ذكاء حاد، بلاغة في الكتابة، حب للقراءة والتأليف، قوة بنية ورشاقة في الجسد إلخ...)

كُنْ مرِنًا، وغُضَّ الطرف عن بعض السلبيات، وتجنَّب التدقيق في التفاصيل، وتصيُّد أخطاء الغير داخل أفراد الأسرة، وحاول مراعاة عادات كل فرد من الأسرة، مع ضرورة السعي لتصويبها أو تنميتها إن أمكن بالأسلوب المناسب

لا تكنْ دكتاتوريًّا محتكرًا للقرارات، وعوِّد أفراد الأسرة على المشاركة وإبداء الرأي والمقترحات في مواضيع الحياة العائلية، ففي ذلك زرع للألفة والوحدة والتفاهم، وتقوية لشخصيات كل فرد من العائلة

ادْعُ أفراد أسرتك إلى اجتماع مصغَّر بين الحين والآخر، بهدف النقاش وتبادل الأفكار، وتثقيفهم بمواضيع مختلفة، وتحميلهم المسؤولية وتعريفهم حقيقة الواقع الذي نعيشه، والمطلوب منا فيه، بأسلوب يتماشى مع عقلية كل فرد، مع ضرورة التأكيد على التزام ثقافة ترشيد الاستهلاك والاقتصار على شراء الأساسيات في هذه الفترة بالذات

شجِّع أفراد أسرتك على المشاركة بالعمل التكافلي التطوعي المنظم المعتمد في مدينتكم، إرضاءً لله سبحانه، وشعورًا بالمحتاجين والفقراء، وسدًّا لحاجتهم

أقِمْ مع أفراد عائلتك بعض المسابقات على أنواعها (الدينية والرياضية والثقافية العلمية والترفيهية والفنية والمطبخية إلخ...) بمشاركة من أفراد الأسرة جميعهم، مع اعتماد مبدأ المكافآت والتحفيزات - المعنوية والمادية - لإضفاء مزيد من الحماسة والتشجيع

خصِّص وقتًا لسماع أخبار كل فرد من أفراد العائلة وشكاواهم ومشاكلهم، وتفصيلات حياتهم، ففي ذلك فهمٌ لطبيعة الآخر وعاداتهم وأفكارهم، وتقريبٌ لوجهات النظر، واكتشاف للجوانب الإيجابية في شخصياتهم، فالتباعد الأسري بين الأفراد يولِّد جهلًا في فهم الآخر، فجفاءً في القلوب، وجفافًا في المشاعر، فظلمًا في الأحكام

ملاحظات مهمة:

التزام المنازل خلال هذه الفترة - إلا للضرورة -، يُعَدُّ واجبًا دينيًّا وأخلاقيًّا وإنسانيًّا، وليس خيارًا شخصيًا، للحد من انتشار العدوى، وإياك والفراغ، فإن الفراغ قاتل، وكما يقول المثل (الفاضي بْيِعمِل قاضي)...

مسؤولية الحفاظ على الأسرة وتقوية روابطها هي مسؤولية مشتركة بين كل أفراد العائلة المميِّزين بلا استثناء - خاصة الآباء والأمهات -، على اختلافٍ في حجم تلك المسؤولية

التوجيه الديني والشرعي والإسراع بتفعيل منظومة التكافل والدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة والمحتاجة، عنصران أساسيان في الإبقاء على تماسك الأسر وترابطها. فاحرصوا على التوجيه العملي والقولي، وسارعوا بتنفيذ العمل التكافلي.

اللهم كن بعون الأسر دومًا، وألهمهم الرشد والسداد، وأنعم عليهم بدفء الحب والتفاهم... آمين...

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,727,532

عدد الزوار: 6,910,678

المتواجدون الآن: 104