أخبار وتقارير.. إلى أي مصير ستؤول حرب الظل بين إسرائيل وإيران؟...إسرائيل: سجال حول الجاهزية لضرب إيران...العراق وسورية «يستدرجان» بايدن و... أولوياته.. ما وراء التعاون غير المسبوق بين روسيا والصين..مشاكل إثيوبيا غير مرتبطة بحقبة ما بعد الاستعمار..«طالبان» تقترح وقفاً للنار... وتوتر على حدود باكستان..هل تدعم الولايات المتحدة كل الديموقراطيات... أم الغنية فقط؟..

تاريخ الإضافة الجمعة 16 تموز 2021 - 4:49 ص    عدد الزيارات 2385    القسم دولية

        


إلى أي مصير ستؤول حرب الظل بين إسرائيل وإيران؟...

الجريدة.... كتب الخبر نيو ستاتسمان... يتساءل الكثيرون عما سيحصل في المرحلة المقبلة بين إيران وإسرائيل، لا سيما أن الأخيرة استهدفت منشآت نووية في السابق حيث قصفت عام 1981 المفاعل العراقي في «أوزيراك»، ثم استهدفت مفاعلاً نووياً في سورية عام 2018. حين اشتبكت إسرائيل مع حركة "حماس" في غزة في شهر مايو الماضي، حققت قوات الدفاع الإسرائيلية فوزاً حاسماً، لكن "حماس"، تلك الجماعة الإسلامية الفلسطينية المتشددة التي تحكم قطاع غزة، نجحت في فرض نفسها عبر شنّ اعتداءات بطائرات بلا طيار إلى جانب مئات الصواريخ التي أطلقتها، وتساءل الجميع عن مصدر تلك الطائرات الجديدة التي تشبه طائرات "أبابيل 2" الإيرانية، ربما تقاتل إسرائيل حركة "حماس" لكنها تدرك جيداً أن مصدر التهديد الأساسي يكمن في طهران. لكن شعر الإيرانيون أنفسهم بالخوف على سلامتهم خلال الشهر السابق، ففي 11 أبريل 2021، استهدف انقطاع للتيار الكهربائي، نتيجة مخطط تفجير متعمد، منشأة "نطنز" الإيرانية النووية، حيث تشمل تلك المنشأة المكوّن الأساسي في برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، وهو العنصر الأولي الذي يسمح للبلد باكتساب قدرات نووية، واعتبر المسؤولون الإيرانيون تلك العملية شكلاً من التخريب وحمّلوا إسرائيل مسؤولية ما حصل وتعهدوا بأخذ انتقامهم، وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده: "أنها جريمة ضد الإنسانية وتتماشى هذه التحركات مع جوهر النظام الصهيوني". يُعتبر عامل التوقيت أساسياً في التفجيرات والجهود الدبلوماسية معاً، فوقع الانفجار تزامناً مع اجتماع إيران والقوى الأوروبية في فيينا لمحاولة إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة، أي الاتفاق النووي الذي وقّعت عليه إيران والقوى الخمس في مجلس الأمن إلى جانب ألمانيا في عام 2015، وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد انسحب منه بشكلٍ أحادي الجانب في عام 2018، حيث أراد الإسرائيليون بذلك أن يوجهوا رسالة واضحة: يمكنكم أن تجروا المحادثات لكن احرصوا على عقد اتفاق نقبل به! في السنة الماضية، قُتِل محسن فخري زاده في شارع مزدحم من مدينة "أبسارد" بالقرب من طهران في 27 نوفمبر، وهو واحد من كبار الشخصيات في برنامج إيران النووي، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن تلك العملية، لكن الكثيرين اقتنعوا بمسؤولية إسرائيل التي لم تقدم أي تصريح رسمي حول الحادثة لكنها لم تبذل جهوداً كبرى لتبديد هذه الفرضية، وأمام هذا الوضع، انتشرت المخاوف مجدداً، حيث بدأت إسرائيل تقتل العلماء النوويين الإيرانيين منذ أكثر من عشر سنوات، لكنها لم تستهدف يوماً شخصية بارزة بقدر فخري زاده، وتتجه الأحداث إلى التفاقم بكل وضوح.

تصنيع قنبلة نووية

تُعتبر هذه التطورات أحدث فصل من ملحمة طويلة امتدت على القرن كله تقريباً، ولو بوتيرة متقطعة، فقد بدأت الأزمة النووية في 14 أغسطس 2002، حين كشفت جماعة المعارضة الإيرانية المعروفة باسم "مجاهدي الشعب الإيراني" تفاصيل كاملة عن موقع "نطنز" الخاص بتخصيب اليورانيوم وعن بناء محطة الماء الثقيل في مدينة "أراك"، ومن المتوقع أن تتمكن هذه المحطة من إنتاج البلوتونيوم بعد تشغيلها. يُمهّد هذان المساران لتصنيع قنبلة نووية محتملة، فقد أدان العالم الدبلوماسي إيران ثم بدأت المفاوضات، وحصدت جماعة "مجاهدي الشعب الإيراني" الإشادة علناً بعد الكشف عن هذه المعلومات، لكن مصادر أمنية خاصة تذكر أن تلك التفاصيل صدرت عن إسرائيل. كانت المفاوضات الرامية إلى الحد من النشاطات النووية الإيرانية مقابل تخفيف العقوبات شاقة ومتقطعة ودامت حتى عام 2015، حين أشرف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على إبرام خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة على نطاق واسع باسم الاتفاق النووي الإيراني، واعتبر أوباما ذلك الاتفاق ركيزة لسياسته الخارجية وحمل نائبه جو بايدن الرأي نفسه حينها، حيث فرضت خطة العمل الشاملة المشتركة ضوابط على إنتاج البلوتونيوم ونشاطات تخصيب اليورانيوم في إيران وسهّلت وصول المفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المنشآت الإيرانية، وفي المقابل، تلقّت إيران أكثر من 100 مليار دولار على شكل أصول مجمّدة في الخارج وتمكنت من استئناف بيع النفط في الأسواق الدولية واستعمال النظام المالي العالمي للتجارة. لكن شعرت إسرائيل من جهتها بالاستياء، ولم يربط أوباما بين ذلك الاتفاق وسلوك إيران الإقليمي، واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حينها أن إيران ستكسب الآن مليارات الدولارات لمتابعة عملياتها الهجومية في العراق وسورية واليمن، كذلك، تعلّق أحد البنود برفع الضوابط المفروضة على قدرات تخصيب اليورانيوم في إيران بعد عشر سنوات (أي في عام 2025) وإلغاء الضوابط المرتبطة بتخصيب اليورانيوم بعد خمس سنوات من ذلك التاريخ، أي في عام 2030. نظرياً، تستطيع إيران بعد تلك المرحلة أن تعمل على تصنيع قنبلة. شعر نتنياهو بالاستياء بعد التوقيع على ذلك الاتفاق، فاعتبر ما حصل نوعاً من "الاستسلام"، لكنه لم يكن الطرف الوحيد المقتنع بهذا الرأي، ففي نيويورك، لم يحبذ قطب العقارات ونجم برنامج الواقع دونالد ترامب ما حصل أيضاً، فكتب التغريدة التالية: "سيصبح الاتفاق النووي من أغبى الأخطاء وأكثرها خطورة في تاريخ بلدنا... يا له من زعيم غير كفء"! بعد مرور سنة، انتُخِب ترامب رئيساً للولايات المتحدة ثم انسحب من الاتفاق في عام 2018، وردّت إيران على ما حصل عبر استئناف تخصيب اليورانيوم، مع أن مصادر محددة اعتبرت ذلك القرار قابلاً للتعديل، ومنذ ذلك الحين، حاول الأوروبيون الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن هذه الخطوة تبقى بلا جدوى من دون المشاركة الأميركية، وعلى غرار ما يحصل مع أي جرح مزمن، تحوّل هذا المأزق الدبلوماسي إلى وضع أكثر خطورة. اليوم، يريد جو بايدن أن يعالج هذه المسائل، وتخشى إسرائيل أن يعود الرئيس الأميركي إلى الاتفاق بكل بساطة بما أنه من أقوى داعميه، فقد عبّر تساحي هنغبي، وزير شؤون الاستيطان، ووزير الاستخبارات والشؤون النووية والمشرف على وكالات الاستخبارات الإسرائيلية مثل الموساد والشاباك سابقاً، عن آرائه حول الأزمة الإيرانية بكل وضوح في حديث جديد معه، وهو معروف بقربه من نتنياهو. قال هنغبي: "ما زلتُ أتمنى أن تعترف الإدارة الأميركية الجديدة بأهمية عقد اتفاق أطول وأكثر قوة، ولا أستطيع التأكيد على اتخاذها هذه الخطوة، لكني أتمنى حصول ذلك". ثم تابع: "لا تضمن خطة العمل الشاملة المشتركة امتناع إيران عن اكتساب قدرات نووية إلى الأبد، بل إنها تعطي شكلاً من الشرعية إلى برنامج تخصيب اليورانيوم، مما يقوي المحاولات الإيرانية للحصول على قدرات عسكرية". يُصرّ الإسرائيليون والإيرانيون معاً على موقفهم، حتى الآن على الأقل، ومقابل كل تحرك إسرائيلي مزعوم، ردّت إيران على المستوى الرسمي عبر استئناف نشاطاتها النووية، وفي يناير 2021، استأنفت إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% رداً على مقتل فخري زاده، وبعد تفجير "نطنز"، أعلنت تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تبلغ 60%، وهي خطوة واضحة باتجاه تصنيع الأسلحة، لكن يمكن تعديل هذين القرارَين بناءً على اتفاق مناسب، إذ لم يمنح البرنامج النووي منافع ملموسة كثيرة لإيران في قطاع الطاقة، لكنّ المنافع السياسية التي حصدتها الحكومة الإيرانية بفضله جعلتها قادرة على فرض مطالبها. لن تستسلم إيران ولا إسرائيل في هذه المواجهة، وفي حين تتبادل حكومتا البلدين الهجوم علناً، يتعقب كل فريق الطرف الآخر في البحار: تهاجم إسرائيل الناقلات الإيرانية في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتردّ عليها إيران عبر ضرب سفن الحاويات الإسرائيلية، لكنّ الاعتداءات الحاصلة داخل إيران هي التي تثير اضطراب الإيرانيين في المقام الأول. في الوقت نفسه، حصل تفجير "نطنز" على الأرجح بمساعدة أطراف داخلية، ونتيجةً لذلك، اختلّ توازن الإيرانييين وهم يهاجمون الخونة والمخرّبين في البرلمان الإيراني.

إبراهيم رئيسي وإثبات النفس

اليوم، تجازف السياسات الداخلية في البلدَين بتأجيج الوضع بدرجة إضافية، ففي الشهر الماضي، انتُخِب إبراهيم رئيسي رئيساً جديداً لإيران، وقد يكون هذا الأخير المسؤول الأكثر تشدداً في أي منصب رسمي، وقد تعهّد بعدم عقد أي تسوية حول برنامج إيران النووي، فلا يتمتع رئيسي بشعبية واسعة في إيران (تكثر الادعاءات التي تتّهم النظام بالتدخل في الانتخابات لضمان فوزه) أو في المنطقة، ونتيجةً لذلك سيضطر الرئيس الإيراني الجديد لإثبات نفسه على مستويات عدة، وفي غضون ذلك، خرج نتنياهو من السلطة في إسرائيل أخيراً بعد 12 سنة على وجوده في الحُكم، وبعد تعداد إنجازاته طوال نصف ساعة، استعمل خطابه الأخير في الكنيست ليقول إن خَلَفه، أي رئيس الوزراء نفتالي بينيت، سيعجز عن التصدي لإيران، ويجب أن يثبت بينيت قدراته الآن أيضاً. باختصار، لا تنذر التطورات الأخيرة بأي وضع إيجابي، لذا يتساءل الكثيرون عما سيحصل في المرحلة المقبلة، ويدرك الإيرانيون أن الإسرائيليين استهدفوا منشآت نووية في السابق: في عام 1981، قصفت إسرائيل المفاعل العراقي في "أوزيراك"، ثم استهدفت مفاعلاً نووياً في سورية في عام 2018. وتعرف إيران أن النظام سيضطر للتحرك إذا ضربت إسرائيل منشآته بدل الاكتفاء باستنكار ما يحصل، وقد يضطر النظام لشن ضربة مضادة، مما يعني اندلاع الحرب بين الطرفين، وقد ذكرت إحدى الرسائل في أبريل الماضي: "أنا أكره الملالي، لكني لا أريد أن أتعرض للقصف أيضاً". تتحرك إسرائيل من جهتها انطلاقاً من مخاوفها الخاصة، فهي تخشى أن يوشك نظام ديني ومعادٍ للسامية على اكتساب أقوى سلاح على الإطلاق، ولن تسمح بحصول ذلك لأي سبب، وفي هذا السياق، يقول هنغبي: "إذا أعطى العالم الشرعية لأي اتفاق غير مناسب، فلن نكون ملزمين باحترامه". وحين سُئِل عن معنى هذا التصريح، أضاف: "دعوني أوضح ما أعنيه. إذا بقيت إسرائيل وحدها لأن العالم أعطى الشرعية لإيران النووية، فلن نلتزم بهذا التوجه، بل إننا سنبذل قصارى جهدنا للدفاع عن أنفسنا، كما فعلنا سابقاً في سورية والعراق".

إسرائيل: سجال حول الجاهزية لضرب إيران

الجيش يطلب زيادة ميزانيته... ونتنياهو وبينيت يتقاذفان الاتهامات

الجريدة...طلب الجيش الإسرائيلي زيادة كبيرة في ميزانيته تبلغ قيمتها مليارات الدولارات حتى يتمكن من الاستعداد بشكل مناسب لهجوم محتمل ضد برنامج إيران النووي. وجاء الطلب خلال مناقشات أولية بشأن الميزانية، التي ستسعى الحكومة الجديدة لإقرارها في الأشهر المقبلة، حسبما ذكرت هيئة الإذاعة العامة، أمس الأول، ونشرتها صحيفة «تايم أوف إسرائيل» . وقالت الإذاعة، إن تلك المفاوضات جرت في وقت بدأت إسرائيل الاستعداد لاحتمال انهيار المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في فيينا، والتي تهدف إلى إحياء اتفاقهما النووي متعدد الأطراف. ووفقاً لتقرير منفصل لـ«القناة 12»، اتهمت المؤسسة الأمنية رئيس الوزراء السابق زعيم المعارضة الحالي بنيامين نتنياهو بإهمال الاستعداد بشكل مناسب لمثل هذا السيناريو. وزعمت مصادر لم تذكر اسمها في المؤسسة الأمنية أن نتنياهو لم يخصص أموالاً لتوجيه ضربة عسكرية، وهو ما قد يكون ضرورياً في الأشهر المقبلة، إذا أرادت إسرائيل مهاجمة إيران قبل أن تصل إلى قدرة الاختراق النووي. وتتطلب مثل هذه العمليات استعدادات كبيرة، وقال مسؤولون دفاعيون لـ«القناة 12» إنهم قلقون من أن التأخير في التخطيط قد يؤدي إلى سيناريو «تلوح فيه إسرائيل بمسدس دون أي رصاص فيه». ونقلت الشبكة عن مصدر مقرب من رئيس الوزراء نفتالي بينيت انتقاداً لسلفه، زاعماً أن «إهماله هو ما سمح لإيران بالوصول إلى المرحلة الأكثر تقدماً حتى الآن في برنامجها النووي». وفي وقت سابق، أمس، نشرت صحيفة «اسرائيل هايوم» الموالية لنتنياهو مقالاً للأخبر زعم فيه أن الحكومة الجديدة بقيادة بينيت «صامتة» لأن «الإيرانيين يندفعون نحو القنبلة». وكان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس حذر، أمس الأول، من تزايد التهديد النووي الإيراني في السنوات المقبلة، مشيراً إلى ضرورة الاستعداد لذلك. وقال غانتس، خلال حفل تخرج الأفراد الذين سيتولون القيادة العليا لمؤسسة الدفاع في السنوات القادمة: «في مواجهة التهديد النووي الإيراني، سنقوم بتوسيع بناء القوة وزيادة العنصر البشري، وتكييف أدواتنا وقدراتنا وخططنا التشغيلية مع كل سيناريو»...

يغذّيه الشعور بضعف الإدارة الأميركية وعدم اهتمامها بقضايا الشرق الأوسط

العراق وسورية «يستدرجان» بايدن و... أولوياته

الراي... | بقلم - ايليا ج. مغناير |.... ما يشجع «المقاومة» في العراق وسورية على الهجوم ضد قوافل تحمل عتاداً لوجستياً للقواعد الأميركية في العراق أو قواعد أميركية أو نقاط نفطية وغازية تحت الحراسة الأميركية في سورية، هو الشعور بضعف الإدارة الأميركية الحالية وعدم اهتمامها كالمعتاد بقضايا الشرق الأوسط. فالمقاومة العراقية استقبلت الرئيس جو بايدن، بطائرة مسيرة أدخلتها في عملياتها ضد أهداف عدة في البلاد. وكذلك استُقبل، وعلى نحو لافت، بضربات ضد حقل العمر وكونيكو في سورية، حين أعلن عن سقوط صواريخ أو هجوم بالمسيرات. ومهما كانت نتائج الهجمات في سورية، أصابت أهدافها أو لم تصبها، فإنها حققت ما أرادته، وهو بعث رسائل ساخنة بأن العراق وكذلك سورية لن يقبلا وجود القواعد الأميركية التي تشكل احتلالاً، ولا تصب تالياً في مصلحة البلدين. ففي العراق، من النادر أن يمر يوم من دون هجوم ضد قواعد أميركية أو قوافل تنقل معدات إليها. أما في سورية، فالمسألة بدأت بتصعيد مستجد لم يحدث من قبل كما حصل أخيراً في الهجومين شرق نهر الفرات في الإسبوعين الماضيين. والثابت أن الرسالة المدوية والواضحة الموجهة للاحتلال الأميركي في سورية والعراق، أتت بإعلان فصائل من المقاومة العراقية القيام بالعمليتين ضد حقلي كونيكو والعمر. وجاء هذا الإعلان بعد الهجوم الذي قامت به الطائرات الأميركية على جانبي الحدود العراقية - السورية وقتلت في القائم أربعة أفراد من القوات الأمنية التابعة لـ «الحشد الشعبي»، وعلى الجانب الآخر من معبر القائم حيث قتلت أربعة مدنيين بينهم طفلة من سكان المدينة. ولم يكن عابراً أن المقاومة العراقية الموجودة في سورية ضد «داعش» هي التي تولت الإعلان عن الهجمات التي تعرضت لها القوات الأميركية الموجودة في البلدين. والغاية كانت القول وعلى نحو واضح إن لا مكان لأميركا في العراق وسورية. ولم ترغب المقاومة الموجودة في سورية في توريط عشائر الشمال الشرقي المحتل، بمهاجمة القوات الأميركية، فكانت عملية إرسال الطائرات المسيرة لضرب مراكز الغاز في شرق النهر من غربه. إذ يمكن رؤية حقل العمر بالعين المجردة وإن من بعيد. ومن يعرف سورية ومجريات الصراع فيها، لا سيما تلك التي وقعت شرق الفرات وغربه، يدرك أنه عندما دخلت روسيا إلى الساحة السورية في سبتمبر من العام 2015، جاء دخولها خجولاً لكنه انطوى على تصميم في الدفاع عن مصالحها البحرية ومنع انتصار «داعش» الذي ضم في صفوفه الآلاف من القوقاز ومن أبناء روسيا عينها. وبسبب وجود روسيا بقواتها الجوية بطلب من الحكومة السورية، ووجود القوات الأميركية تحت مسمى «مكافحة الإرهاب والقضاء على داعش»، أرادت هذه القوات تنظيم طلعاتها الجوية منعاً للتصادم. وقبلت موسكو التفاهم مع واشنطن بإعطاء شرق نهر الفرات للحركة الأميركية وغربها لروسيا. ولم تعتقد موسكو أن واشنطن ستعمل على بقاء قواتها في سورية من أجل النفط، كما أفصح يوماً الرئيس السابق دونالد ترامب. ولم تتردد القوات الأميركية بقصف قوات سورية ومعها مستشارين من الروس، عندما حاول هؤلاء عبور الجسر الرابط بين طرفي نهر الفرات. وعندها اتضح أن أميركا تريد البقاء في سورية ولا تريد الانسحاب حتى ولو بعد دحر «داعش». وتأكدت أهداف الولايات المتحدة حينها عندما أوعزت لأكراد عفرين بالانسحاب وترك ممتلكاتهم لتركيا بدل الدولة السورية. وهذه الأهداف تمثلت بحرمان المناطق التي استردها الجيش السوري والقوات الحليفة له من السلة الغذائية والنفطية والغازية، لممارسة المزيد من الضغط في محاولة تغيير النظام وتبديله. وبدا أكيداً أنه لا توجد خطة واضحة أو أهداف معينة لأميركا في المناطق التي تحتلها في الشمال الشرقي السوري، سوى إبقاء الوضع على ما هو عليه وإبقاء القوات في الشمال والتمسك بالعقوبات القاسية التي تهدف إلى تركيع الشعب السوري وتأليبه للانقلاب على الحكم الحالي ومنع عودة العجلة الاقتصادية إلى طبيعتها. ولن تتخلى أميركا عن الأكراد الذين يتمتعون بإدارة ذاتية في المناطق المحتلة والتي تمثل 23 في المئة من الأراضي السورية. ولن تعطي الولايات المتحدة الأكراد لتركيا ولا تتخلى عن المنطقة لروسيا أو تتيح للدولة السورية العودة لبسط نفوذها على هذه البقعة في الشمال الشرقي، وهي تتصرف على أن وجودها يخدم تأمين موقع قدم لإسرائيل لشن هجماتها داخل العراق (كما فعلت مراراً) أو ضد مواقع إيرانية داخل سورية (أخليت بعد ضربات عدة ضدها لانتفاء مصلحة وجودها هناك). واعتقدت أميركا كذلك أن إنشاء دولة كردية كانت قابلة للتحقيق. إلا أن رفض العراق السماح لكردستان بالاستقلال ودخول تركيا إلى الشمال الغربي قطع الطرق جميعها على «الدولة الكردية» المعروفة لدى الأكراد بـ«روج آفا»، وتالياً لم يعد للإدارة الأميركية خطة واضحة في سورية إلا البقاء وعدم تغيير الواقع في المرحلة الحالية. وكان معبراً أنه عندما تسلم الرئيس بايدن السلطة حدد أولوياته على نحو واضح وهي تدرجت من محاربة «كورونا» إلى مواجهة روسيا والصين، وأضاف إليها الملف النووي الإيراني الذي كان يعتقد الساكن الجديد في البيت الأبيض انه يستطيع تأجيله بالمفاوضات البطيئة. إلا أن طهران فرضت شروطها برفع مستوى التخصيب واستحدثت أجهزة الطرد المركزي، الأمر الذي رفع مستوى «الإنذار» لأميركا وحلفائها، لا سيما إسرائيل. وهذا ما جعل بايدن يسرع الخطى للانخراط بمفاوضات أكثر جدية مازالت جارية. ولم يكن للإدارة الأميركية ما تريد عندما فرض الشرق الأوسط نفسه من بوابة غزة التي استدرجت بايدن من جديد وفرضت نفسها على جدول الأعمال الأميركي. وتبع غزة، الوضع العراقي الذي ازداد حماوة مع ارتفاع وتيرة الهجمات التي قد تدفع بايدن للوقوع في الفخ في حال قرر الرد على هذه الهجمات. وها هي سورية تستغل انشغال بايدن وإدارته عن الشرق الأوسط، ما عدا إيران والعراق وفلسطين، بعدما فرضت هذه الساحات نفسها بالقوة. فقد تحركت جبهة سورية لتدخل مع جارتها العراق إلى سلم الأولويات الأميركي في حال استمرت الهجمات، وحتى ولو لم تلحق خسائر مادية أو بشرية بالقوات الأميركية. وثمة من يعتقد أن هدف محور المقاومة واضح، وأعلن عنه بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وهو إخراج أميركا من غرب آسيا، ورغم أن إيران والمقاومة لم يحددا مهلة زمنية لتحقيق هذا الهدف، إلا انه جرى الالتزام به وما الشرارة في سورية إلا في سياق التناغم مع «محور المقاومة» الذي أصبح متحداً بخبراته وتعاونه وأهدافه.

ما وراء التعاون غير المسبوق بين روسيا والصين

الجريدة.... يجب أن تدرك واشنطن وبروكسل أنهما قد لا تتركان خياراً آخر لروسيا باستثناء تكثيف تعاونها مع الصين إذا قرر الطرفان تشكيل تحالف من الديمقراطيات في وجه الدول الاستبدادية، وعلى رأسهما الصين وروسيا. لم تكن القمة الأخيرة بين جو بايدن وفلاديمير بوتين، بالنسبة إلى موسكو، مؤثرة على التطورات اللاحقة فحسب، بل إنها بالغة الأهمية على مستويات عدة، قد لا تكون عودة السفراء إلى واشنطن وموسكو وإبداء الاستعداد لمناقشة المسائل المرتبطة بالاستقرار الاستراتيجي إنجازاً كبيراً، لكن يمكن اعتبار اجتماع هذين الزعيمَين وحرصهما على تحديد الخطوط الحمراء لدى كل طرف نجاحاً بحد ذاته. بشكل عام، يمكن اختصار تلك الخطوط الحمراء على الشكل التالي: على الجانب الروسي، تتعلق أبرز النقاط بعدم انتساب أوكرانيا إلى حلف الناتو، والامتناع عن استعمال صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في أوروبا، لا سيما في الجمهوريات السوفياتية السابقة، ورفض الغرب محاولات إسقاط لوكاشينكو في بيلاروسيا، ورفض الولايات المتحدة وأوروبا محاولات تنظيم "ثورة ملوّنة" في روسيا، والامتناع عن تقديم أي دعم مالي وسياسي إلى المعارضة المعادية للنظام الروسي، وعلى الجانب الأميركي ترتبط أبرز النقاط بعدم تدخّل روسيا في الانتخابات الأميركية، وامتناع موسكو عن إطلاق اعتداءات إلكترونية ضد منشآت أميركية مهمة، والحفاظ على سيادة الأراضي الأوكرانية، وحماية حقوق الإنسان في روسيا وبيلاروسيا. انعكس اجتماع الرئيسَين الأميركي والروسي على نجاح علاقاتهما الشخصية أيضاً، فساهم في تبديد التوتر الناشئ بين بوتين وبايدن بعدما أكد الرئيس الأميركي على اعتبار بوتين "قاتلاً" حين طرح عليه جورج ستيفانوبولوس هذا السؤال على قناة "إي بي سي"، واتضح هذا التطور من خلال حدثَين بارزَين: بعد لقاء جنيف مباشرةً، ردّ بايدن سريعاً على مراسلة قناة "سي إن إن" التي حاولت بسؤالها أن تستفزه وتدفعه إلى إبداء تعليق سلبي عن بوتين. كان جوابه مقتضباً وسريعاً، أما بوتين، فقد تكلم بطريقة إيجابية جداً عن بايدن في أول فرصة بعد عودته من جنيف، فلم يكتفِ بالإشادة بصفاته الاحترافية كخبير في العلاقات الدولية والمفاوضات، بل أشاد أيضاً بلياقته البدنية. مع ذلك، من المستبعد أن يعطي ذلك اللقاء نتائج جدّية على مستوى تحديد طبيعة العلاقات الروسية الأميركية. لقد أصبحت الخطوط الحمراء الروسية واضحة، لكن يصعب أن تلتزم الولايات المتحدة بها، فقد حددت واشنطن من جهتها خطوطها الحمراء بأسلوب مبهم جداً، ولا شيء يوحي بأن روسيا ستلتزم بها أيضاً. لطالما أعلنت موسكو أنها لم تتدخل يوماً في الانتخابات الأميركية ولم تطلق أي اعتداءات إلكترونية ضد الأهداف الأميركية، أما في ما يخص حقوق الإنسان، فتظن روسيا أنها مسألة داخلية ومن الأفضل أن يهتم الأميركيون بحماية حقوق الإنسان في بلدهم حيث تكثر المسائل العالقة على أقل تقدير. بعد لقاء جنيف، أوضح بوتين في مناسبات متكررة أن الخطوط الحمراء التي حددتها روسيا لها طابع وجودي، مما يعني أن أي عقوبات أو ضغوط من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لن تجبر روسيا على التخلي عن تلك المطالب من دون تقديم تنازلات من الطرفين. لم يتطرق الاجتماع الأخير إلى الملف الصيني بطريقة منفصلة عن المواضيع الأخرى، لكن كان موضوع الصين والعلاقات القائمة في المثلث الروسي الصيني الأميركي حاضراً بشكلٍ ضمني في جنيف، فقبل القمة وبعدها، صدرت تصريحات عدة من السياسيين الأميركيين والروس مفادها أن الولايات المتحدة والغرب ككل يشعران بقلق شديد من التقارب الروسي الصيني، ويجب أن يتحرك الأميركيون كي لا تصل روسيا إلى "الحضن" الصيني في نهاية المطاف. كان دونالد ترامب المبتكر الأصلي للفكرة القائلة إن الصين هي عدوة الولايات المتحدة الأساسية، حيث أراد أن يُحسّن العلاقات مع روسيا لتسهيل مراقبة تنامي النفوذ الصيني، واليوم تتضمن أجندة بايدن بكل وضوح بنوداً عدة من سياسة ترامب السابقة، فقد رحل ترامب من السلطة لكن بايدن تسلم من بعده ظاهرة "الترامبية" كإرث بحد ذاته، فعمد بايدن إلى رفع عقوبات كبرى عن مشروع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2"، إذ يبدو أن الولايات المتحدة وأوروبا بدأتا تدركان أنهما تعوقان مسار موسكو وتدفعانها إلى التقرب من الصين بسبب عقوباتهما الشائبة التي تعطي نتائج عكسية. باختصار، تعترف واشنطن وبروكسل بضرورة فصل روسيا عن الصين، وهذه المهمة بالغة الصعوبة، لكن ستحاول الدول الغربية على الأرجح أن تمنح روسيا مجموعة متنوعة من الاقتراحات لإقناعها بأن أي تحالف وثيق مع الصين لن يفيدها على المدى الطويل. ربما بلغت شيطنة روسيا وبوتين في الغرب مستويات تمنعه من تغيير المسار الراهن، لكن من المتوقع أن يتابع الغربيون محاولات تحقيق هذا الهدف، وستكون هذه المهمة صعبة على روسيا أيضاً نظراً إلى وفرة الخطوط الحمراء بين موسكو والغرب، علماً أن الغرب لم يكن مستعداً أصلاً لقبول تلك الخطوط أو احترامها حتى الفترة الأخيرة. من المفيد على الأرجح أن تبلغ العلاقات الاقتصادية بين روسيا والصين مستوىً نوعياً مختلفاً كي تتماشى مع مستوى العلاقات العسكرية والسياسية التي تجمع الطرفين، لكن هذه الخطوة تتطلب تنفيذ عدد من المشاريع الكبرى في روسيا، بالتعاون مع مستثمرين صينيين، وتحديداً في القطاعات التي تشهد نشاطات مكثفة أصلاً مثل الطاقة، والبنية التحتية، والمصارف، والتكنولوجيا المتطورة، والطيران. لكن يجب ألا يكون حجم تلك المشاريع أكبر من اللزوم في الوقت نفسه، فقد نفذت روسيا، على حسابها الخاص، عدداً من المشاريع البارزة التي ترتبط ببناء خط أنابيب الغاز والبنى التحتية لتأمين الإمدادات إلى ناقلات أخرى للطاقة، وعملياً ما من مشروع ضخم واحد أطلقته الصين في روسيا ولا وجود لأي استثمارات جدّية فيها أيضاً. اليوم، تقوم الصين باستثمارات كثيرة في إفريقيا وأميركا اللاتينية وعدد من دول جنوب شرق آسيا، وهي مشاريع مفيدة ومهمة للصين، لكن على المستويين الاستراتيجي والاقتصادي، قد تكون الاستثمارات في قطاعات الاقتصاد والبنى التحتية والعلوم والتكنولوجيا في روسيا قيّمة جداً بالنسبة إلى موسكو وبكين في آن، وبهذه الطريقة لن يسمح البلدان للخبراء المعادين للصين في روسيا أو للسياسيين والخبراء الاستراتيجيين الغربيين بفصل روسيا عن الصين. تدرك السلطات الروسية وبوتين شخصياً أن تنامي نفوذ الصين، تلك الدولة العملاقة على حدود روسيا، لا يطرح تحدياً صعباً فحسب بل يشكّل فرصة حقيقية أيضاً، وفي الفترة الأخيرة، نجحت الصين في مواكبة أوروبا والولايات المتحدة في مجالات عدة من التكنولوجيا المتطورة، كما أنها أخذت على عاتقها مهمة التفوق على الدول الغربية (في قطاعات تكنولوجيا الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية وسواها). على صعيد آخر، يُعتبر توسّع الصين في آسيا الوسطى عبر مشاريع "حزام واحد، طريق واحد" تحدياً وفرصة بالنسبة إلى روسيا، فلم تكن آسيا الوسطى منطقة خاضعة لسيطرة روسيا وحدها، بل بدأت دول هذه المنطقة تتقرب من الولايات المتحدة والغرب والصين، وستتغير المعالم الإقليمية كلها أيضاً بسبب انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان، واحتمال توسّع نفوذ "طالبان" في ذلك البلد، وطموحات تركيا الجيوسياسية. وقد تتولى بكين دوراً أكثر أهمية في المجالات العسكرية والسياسية في المنطقة نتيجة اقتراب عضو مسلم في حلف الناتو من الحدود الصينية نظراً إلى وجود نحو 30 مليون مسلم في الصين، وتحديداً على حدودها مع دول آسيا الوسطى، ولن تكون روسيا الجهة الوحيدة التي تضمن استقرار المنطقة، إذ ستحاول الولايات المتحدة بدورها أن تحافظ على وجودها هناك وأن تؤثر على الأحداث الإقليمية بطريقة مباشرة أو عبر دعم تركيا، وفي المرحلة الأولى قد تفكر روسيا والصين بتقوية العنصر العسكري في منظمة شنغهاي للتعاون. أخيراً، يجب أن تدرك واشنطن وبروكسل أنهما قد لا تتركان خياراً آخر لروسيا باستثناء تكثيف تعاونها مع الصين إذا قرر الطرفان تشكيل تحالف من الديمقراطيات في وجه الدول الاستبدادية، وعلى رأسهما الصين وروسيا، وإذا بدأت حرب باردة بين الصين والولايات المتحدة فعلاً، كما يقول عدد كبير من المحللين، فقد يستمر هذا الصراع فترة أطول من الحرب الأصلية بين واشنطن وموسكو، وفي ظل المواجهة العالمية التي تلوح في الأفق قد تدوم عقوداً عدة (نظراً إلى تقارب المستوى العسكري والاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة)، ومن المستغرب أن تقرر القيادة الصينية فجأةً أن تضع شريكة وحليفة قيّمة مثل روسيا في مصاف الأعداء.

مشاكل إثيوبيا غير مرتبطة بحقبة ما بعد الاستعمار

الجريدة... كتب الخبر فوراين بوليسي... *روبرت كابلان.... عند النظر إلى إثيوبيا انطلاقاً من قصر منليك العظيم، أو من المؤسسات التي تبقي أديس أبابا مدينة ناشطة وبعيدة عن الفوضى السائدة في أجزاء أخرى من إفريقيا، أو عند النظر إليها بعيون الشتات الإثيوبي الذي ينتشر في أنحاء الغرب ويضخ الأموال في عقارات أديس أبابا، يبدو البلد أقوى من أن ينهار بكل بساطة. لم ينتهِ الصراع الذي هدّد بتدمير إثيوبيا غداة الهزيمة الأخيرة لقوات الحكومة الإثيوبية على يد المتمردين في "تيغراي"، بل نشأت سلسلة من السيناريوهات الكارثية حول مصير إثيوبيا في المرحلة المقبلة، حيث ستتوقف مسائل كثيرة على إمكانية التفاوض حول وقف إطلاق النار وسهولة وصول الأغذية إلى مئات آلاف الناس الذين وقعوا ضحية المجاعة. لكن سيتوقف الوضع أيضاً على تداعيات نتيجة الحرب في "تيغراي" وانعكاسها على سياسة البلد عموماً لأن إقليم "تيغراي" المحاصر ينذر دوماً بمصير إثيوبيا كلها، ولفهم السبب لا بد من استكشاف إثيوبيا كمفهوم جغرافي وثقافي وسياسي بجميع خصائصه الفريدة من نوعها. لا يمكن تعريف إثيوبيا بكلمات بسيطة، فهي خليط من ثقافة الشرق الأوسط والحضارة السامية وتقع في القارة الإفريقية، وكانت تتدخل تاريخياً في شؤون اليمن والمملكة العربية السعودية وفي شؤون الدول الإفريقية المجاورة لها، وقد تأثرت باللغات القريبة من العبرية والعربية في مرتفعاتها الشمالية، حيث تحمل الديانة المسيحية التوحيدية الشائعة في إثيوبيا بقايا من شعائر السكان الأصليين والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية في آن، وتُعتبر الأرثوذكسية الإثيوبية ثاني أقدم كنيسة مسيحية رسمية في العالم بعد الكنيسة الأرمنية، مع أنها ترتبط أيضاً بالديانة اليهودية. إثيوبيا ليست مجرّد دولة، هي لا تشبه الكيان الجغرافي المبهم الذي نشأ مثلاً في ليبيا أو العراق حيث كانت هويات الناس تتوقف على الانتماء إلى الإمبراطورية الإيطالية أو العثمانية، إذ لم تشمل إثيوبيا يوماً أي مظاهر اصطناعية ولطالما كانت إمبراطورية على طريقتها الخاصة وبقيت كذلك رسمياً حتى إسقاط الإمبراطور هيلا سيلاسي في عام 1974، واعتُبرت كذلك في الأوساط غير الرسمية أيضاً وشملت نحو 80 مجموعة عرقية. ونظراً إلى وفرة الجنسيات المتنوعة وغير المنضبطة في البلد، يمكن مقارنة سياسة إثيوبيا وتاريخها بيوغوسلافيا وروسيا، فلم تنشأ أي مقارنات مع أماكن أخرى من إفريقيا يوماً، وباستثناء احتلالٍ اقتصر على سنوات قليلة من جانب إيطاليا في عهد موسوليني، لم يستعمر الأوروبيون إثيوبيا بطريقة رسمية يوماً، مما يعني أن هذه الدولة لا تمرّ بحقبة ما بعد الاستعمار. في زيارة جديدة إلى أديس أبابا، سمعتُ في مناسبات متكررة أن الوضع الراهن يشبه ظروف روسيا في أواخر عهد القياصرة، مروراً بالثورة البلشفية وصولاً إلى الزمن الحاضر، فوفق هذا النموذج، كان غزو ملك "شيوا"، منليك الثاني، لإثيوبيا في أواخر القرن التاسع عشر ثم توسّع الأراضي المَلَكية في أجزاء كبيرة من القرن الإفريقي يشبه غزوات القيصر لأجزاء بعيدة من القوقاز المتنوعة عرقياً وآسيا الوسطى، وكان إسقاط ومقتل آخر إمبراطور إثيوبي، هيلا سيلاسي، على يد القائد العسكري الماركسي منغستو هيلا مريام مشابهاً لإسقاط ومقتل العائلة الملكية الروسية على يد البلاشفة، كذلك كانت المجاعة في منتصف الثمانينيات، نتيجة سياسات منغستو أكثر من الجفاف، تشبه المجاعة التي أحدثها ستالين في أوكرانيا. بعد عهد منغستو وميلس زيناوي القويَين، كان عهد هايلي مريام ديسالين كزعيم لإثيوبيا بين العامين 2012 و2018 قصيراً وضعيفاً وفوضوياً، على غرار عهد بوريس يلتسين في روسيا، أما آبي أحمد الذي كان المسؤول المفضّل لدى الغرب سابقاً، فقد أرجع الحكم القوي إلى البلد بعد فرض سيطرته على دولة شبه إمبريالية مبهرة، فكان يستعمل المعلومات وحملات التضليل تزامناً مع اللجوء إلى الأجهزة الأمنية لفرض سيطرته في الحقبة المعاصرة. قد تكون مقارنته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين مبالغاً فيها، رغم فداحة انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالحرب في "تيغراي"، لكن شملت أولى سنوات آبي عناصر من سياسة غلاسنوست (الانفتاح والشفافية في المؤسسات الحكومية) والبيريسترويكا (إعادة الهيكلة) التي طبّقها الزعيم الروسي ميخائيل غورباتشوف. ثم شهدت إثيوبيا نمواً اقتصادياً كبيراً على مر العقد الماضي، فاقتربت من معدل يفوق العشرة في المئة سنوياً في بعض الحالات وتفوقت بذلك على بقية دول إفريقيا. عاش الشعب كله اضطراباً كبيراً تزامناً مع نشوء ثورة صامتة وارتفاع سقف التوقعات، ويمكن اعتبار هذه العوامل خلفية للصراع الراهن، ولو كان النمو الاقتصادي يؤدي إلى السلام والاستقرار بكل بساطة، لما كانت الحرب العالمية الأولى التي تزامنت مع ذروة العصر الصناعي في أوروبا ستحصل يوماً. في ما يخص معنى الحرب في "تيغراي"، لا يقتصر الوضع على صراع عسكري في إقليم شمالي، بل تهدف الحرب القائمة إلى السيطرة على المركز السياسي في أديس أبابا، فمن سيحكم إثيوبيا إذاً: سكان "تيغراي" في الشمال، أم جماعة "أمهرة" التي فرضت سيطرتها تاريخياً، أم جماعة "أوروموس" القوية ديمغرافياً (معظمهم من المسلمين في هذا البلد المسيحي الأرثوذكسي)؟ أول مشكلة تحتاج إلى الحل في إثيوبيا تتعلق بالعلاقات بين مختلف الانتماءات العرقية، علماً أن إجراء الانتخابات هو مجرّد تفصيل ثانوي. تكشف هذه المشكلة جوهر الأزمة الحقيقية التي تتعلق بهوية إثيوبيا؛ هل هي إمبراطورية، أم فدرالية فضفاضة ومتعددة الجنسيات، أم دولة تسيطر عليها سلطة مركزية؟.... لا يمكن فصل هذا السؤال عن هوية رئيس الوزراء المتخبّط راهناً، آبي أحمد، فهو ينتمي إلى جماعة "أورومو" العرقية ويحمل اسماً مسلماً، لكنه جزء من الكنيسة الخمسينية أيضاً، وأصبح هذا الانتماء شائعاً جداً في بلدٍ تنتشر فيه حملات التبشير البروتستانتية على أوسع نطاق، ويظن البعض في أديس أبابا أن آبي مسيحي مثالي في الأصل، مما يعني أنه مقتنع بأن الله اختاره لإنقاذ إثيوبيا، وعلى غرار الليبراليين المؤيدين لسياسة التعاون الدولية في الغرب، هو يؤمن بالمبادرات الإنسانية، ونتيجةً لذلك، قد يستخف بالعوامل الجغرافية والثقافية والجيوسياسية وجميع القوى المصيرية الأخرى، وفي هذا السياق يُعتبر آبي انعكاساً لعدد كبير من النُخَب العالمية، مما يعني أنه مُلزَم بتقدير طبيعة الحروب والصراعات المستعصية، وأنها السبب وراء فشله في "تيغراي". آبي هو نتاج عصره، كما كان منغستو نتاجاً لعصره، ومثلما أسهمت العقلية الدولية السائدة في "دافوس" في صعود آبي، يظن بعض الإثيوبيين أن الحرب الباردة هي التي أنتجت منغستو، ذلك الحاكم المستبد المدعوم من الكتلة الشرقية. كان آبي يظن أنه يستطيع هزم عصابات "تيغراي" خلال أسابيع معدودة، كما توقّع في نوفمبر الماضي، وكان يعتبر "تيغراي" عائقاً أمام أجندته المركزية، حيث رفض آبي البنية الفدرالية الفضفاضة التي تتألف من جنسيات مختلفة في إثيوبيا، بما يتماشى مع مبدأ التنوع والتقاليد الإمبريالية، وحاول في المقابل فرض دولة مركزية وقادرة على التحول إلى ديمقراطية حقيقية، واستعداداً لصراعه مع إقليم "تيغراي"، تحالف آبي مع زعيم إرتيريا، أسياس أفورقي، وكان اتفاقه مع أسياس السبب في نيله جائزة نوبل للسلام في عام 2019 وقد وُضِع ذلك الاتفاق في خانة ميثاق الحرب، وكان معظم الناس في إثيوبيا مقتنعين بهذا التصنيف في تلك الفترة نظراً إلى شخصية أسياس السياسية وسمعته. أجريتُ مقابلتان مع أسياس: واحدة في عام 1986 في أحد كهوف "شيب" بالقرب من الخطوط الأمامية خلال حرب العصابات ضد منغستو، والثانية في عام 2002 داخل مكتبه الرئاسي في "أسمرة" بعد عشر سنوات على نيل إرتيريا استقلالها، وبقي أسياس مقاتلاً في العصابات دوماً ولطالما كان مهووساً بالصراعات والهيمنة ولم يتحول يوماً إلى رجل دولة مثل خصمه ميليس زيناوي في "تيغراي"، ووفق الأفكار الشائعة في أديس بابا، كان أسياس، زعيم دولة الأمن العسكري الصغيرة، الشخصية الطاغية في تحالفه مع آبي. لقد أصبح أسياس أشبه بلعنة حقيقية، فهو العدو الأرتيري الذي جلبه آبي إلى الصراع في "تيغراي" وارتكبت قواته على الأرجح جرائم حرب كثيرة هناك وسرعان ما جمع متمردي "تيغراي" ضده. بعد هزيمة قوات حكومة آبي في "تيغراي"، لم ينتهِ القتال بأي شكل، فقد تنتقل الحرب الآن من شمال البلد إلى غربه وشماله الغربي في حين تسيطر ميليشيات "أمهرة" على متمردي "تيغراي" أنفسهم، فهل سيبدأ "حزب الازدهار" الذي يقوده آبي ولا يحمل ثقلاً تاريخياً كبيراً بالتفكك نتيجة هذه الانتكاسة الفادحة في ساحة المعركة؟ وهل سيقبل أسياس الهزيمة بعدما نشر القوات الإرتيرية في أنحاء "تيغراي"؟ وللحفاظ على درجة من السيطرة في الشمال، هل سيضطر آبي لسحب القوات النظامية من معركتها ضد حركة التمرد التابعة لجماعة "أورومو" في الجنوب وإعفائها من حراسة الحدود الغربية ضد عمليات التوغل السودانية؟ إنه جزء من الأسئلة المتداولة في أنحاء عاصمة إثيوبيا. لم تكن الانطباعات التي كوّنتُها عن العاصمة الإثيوبية بعد غيابي عنها طوال 36 سنة سلبية، فعند النظر إلى إثيوبيا انطلاقاً من قصر منليك العظيم، أو من المؤسسات التي تبقي أديس أبابا مدينة ناشطة وبعيدة عن الفوضى السائدة في أجزاء أخرى من إفريقيا، أو عند النظر إليها بعيون الشتات الإثيوبي الذي ينتشر في أنحاء الغرب ويضخ الأموال في عقارات أديس أبابا، يبدو البلد أقوى من أن ينهار بكل بساطة.

«طالبان» تقترح وقفاً للنار... وتوتر على حدود باكستان

الصين: ينبغي ألا تصبح أفغانستان مرة أخرى مكاناً يتجمّع فيه الإرهابيون

الجريدة.... رغم تباين المعلومات حول مدى سيطرة كل من الحكومة وحركة طالبان على الأرض، فإنّ الواضح أنه مع اقتراب إتمام انسحاب القوات الأجنبية بشكل كامل من البلاد، وسّعت الحركة، التي عرضت خطة لإعلان هدنة مدتها 3 أشهر، من نفوذها بشكل كبير، مع انهيارات متتالية للقوات الحكومية. في وقت يكاد القتال بين القوات الحكومية ومقاتلي حركة طالبان يعُم مختلف المناطق، أعلنت الحكومة الأفغانية أن الحركة الإسلامية المتطرّفة عرضت خطة لإعلان هدنة 3 أشهر في البلاد بشروط محددة، في وقت شهد الوضع على الحدود مع باكستان توتّراً، بعدما استخدم حراس الحدود الباكستانيون الغاز المسيّل للدموع لتفريق مئات كانوا يحاولون اجتياز معبر تشمن الحدودي مع أفغانستان، سيطرت عليه منذ أمس الأول «طالبان» من الجانب الأفغاني.

وقف النار

وصرح العضو في الفريق التفاوضي الحكومي، نادر نادري، أثناء مؤتمر صحافي عقده في كابول أمس، بأن شروط «طالبان» تتمثّل في الإفراج عن 7 آلاف من أنصارها المعتقلين وشطب أسماء قياداتها من القائمة السوداء للأمم المتحدة. ولفت إلى أن هذا الطلب «كبير»، قائلاً: «شهدنا أن الإفراج عن 5 آلاف من عناصر الحركة المعتقلين لم يساعد في تحسين الوضع، بل بالعكس زاد من حدة العنف». من ناحيته، أوضح مفاوض من «طالبان» أن مقترح الحركة لا يقضي بإعلان وقف شامل لإطلاق النار، بل مجرد الحد من الأعمال القتالية.

معبر تشمن

في غضون ذلك، حسمت إسلام أباد التقارير المتضاربة عن القوة التي تسيطر بالفعل على معبر تشمن، وهو ثاني أهم معبر حدودي مع باكستان ومصدر رئيسي للدخل للحكومة الأفغانية. فبعدما أفاد مسؤول رفيع المستوى في إقليم قندهار الجنوبي، حيث يقع المعبر، أمس، إن قوات الأمن استعادت السيطرة عليه، نفى ذبيح الله مجاهد الناطق باسم «طالبان» صحة ذلك، مؤكداً أن مقاتلي الحركة ما زالوا يسيطرون على معبر تشمن. وقال: «هذه مجرد دعاية وزعم لا أساس له من حكومة كابول». ولاحقاً، أكدت وزارة الخارجية الباكستانية أن «طالبان هي التي تسيطر على المعبر».

تفريق المئات

يأتي ذلك في وقت استخدم حراس الحدود الباكستانيون امس، الغاز المسيّل للدموع لتفريق مئات الأشخاص الذين كانوا يحاولون اجتياز معبر تشمن. وقال مسؤول أمني باكستاني «حاول حشد مؤلّف من نحو 400 شخص غير منضبطين عبور الحدود بالقوة. رموا حجارة، مما أجبرنا على ضربهم واستخدام الغاز المسيّل للدموع، لأنه لم يكن بالإمكان السيطرة عليهم». وأوضح جماداد ماندوخل، وهو مسؤول حكومي رفيع المسوى في تشمن، «أمرت السلطات بإغلاق الحدود بالكامل. وصلت قوات شبه عسكرية إضافية. تم تعليق جميع الأنشطة، والوضع حالياً تحت السيطرة». ويقع معبر تشمن، في منطقة سبين بولداك الحدودية، بين بلدة تشمن الباكستانية وبلدة وش الأفغانية، جنوب مدينة قندهار الجنوبية الرئيسة في أفغانستان، ويُعد أحد أكثر المعابر أهمية من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لـ «طالبان» إذ يمكن الوصول عبره مباشرة إلى إقليم بلوشستان الباكستاني، حيث تتمركز قيادة «طالبان» منذ عقود، وينتشر عدد غير معروف من المقاتلين الاحتياطيين الذين يُرسلون إلى أفغانستان للقتال.

اجتماع طشقند

وبعد يوم من تعهّده بأن الظروف في بلاده ستتحسن في غضون 3 أشهر، واعداً بـ «كسر عمود طالبان الفقري»، اجتمع الرئيس الأفغاني أشرف غني، أمس، مع زعماء إقليميين لإجراء محادثات في العاصمة الأوزبكية طشقند، فيما يثير تدهور الوضع الأمني في بلاده مخاوف من أزمة لاجئين جديدة. وقال دبلوماسي في إفادة بشأن الاجتماع الذي حضره رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان ومسؤولون حكوميون كبار من بلدان المنطقة، ويستمر يومين: «ستركز الاجتماعات في طشقند على مستقبل أفغانستان، وستشمل دبلوماسية مكثفة». وفرّ الأفغان من بلادهم على مدى أعوام، معظمهم إلى باكستان شرقاً وإيران غرباً، كما فرّ 347 أفغانيا في اليومين الأخيرين إلى طاجيكستان المجاورة.

تركيا

إلى ذلك، كشف نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان التركي أحمد بيرات جونكار أن بلاده اجرت مفاوضات شملت الولايات المتحدة وتركيا وحلف شمال الأطلسي و«طالبان» والحكومة الأفغانية لإبقاء قوات في أفغانستان. وشدد جونكار على أن القوات التركية لا يمكن أن تبقى في أفغانستان إلا بتوافق دولي، ووقف عملية لا تتعارض مع الديناميات الداخلية في أفغانستان». وأضاف أن «تركيا قد تساهم في تشغيل مطار كابول الدولي بشكل آمن وتحقيق ارتباطه مع العالم خلال هذه المرحلة، ومن الممكن أن تساهم إيجابيا في الحفاظ على الاستقرار بالبلاد». ولفت إلى أنه «من حق أفغانستان عقد اتفاق وإجراء الترتيبات اللازمة بشأن تشغيل مطار كابول وتأمينه، لكونها بلدا ذا سيادة». وأكدت حركة طالبان، في بيان سابق، أن بقاء قوات تركية في أفغانستان بحجة حماية مطار كابول سيمثل «غزوا واحتلالا». وأضافت أنها كانت أجرت اتصالات مع مسؤولين أتراك أكدوا لها أن أنقرة لن توافق على إبقاء أي قوات من جانب واحد في كابول من دون موافقة الحركة.

الصين

وبعدما فتح خروج القوات الأميركية من أفغانستان وكذلك الزحف الذي لا يمكن وقفه، على ما يبدو، لحركة طالبان نافذة استراتيجية للصين مليئة بالمخاطر والفرص على حد سواء، أكدت بكين، أمس، أن الولايات المتحدة فشلت في تحقيق السلام بأفغانستان، بعدما شنت حرباً استمرت نحو 20 عاما، قتلت خلالها عشرات الآلاف من المدنيين. وشدّد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، على أن «الخروج المتسرع للقوات الأميركية وقوات ناتو أدى إلى تصعيد التوترات واتساع نطاق الحرب، ووصلت تسوية القضية الأفغانية إلى مفترق طرق». وأعرب عن تطلّع بلاده لأن تنفّذ أفغانستان ترتيبات شاملة بالنسبة للسلطة الحاكمة، وقال: «يجب على كابول أن تتبع سياسة ثابتة وسليمة تجاه المسلمين». وأكد وانغ أن «المهمة العاجلة تتمثل في تجنّب نشوب حرب أهلية، واستئناف المفاوضات بين الأطراف الأفغانية، والسعي لوضع خطة مصالحة سياسية، وخاصة لمنع مختلف القوى الإرهابية من أن تصبح أقوى من خلال استغلال الوضع في أفغانستان التي ينبغي ألا تصبح مرة أخرى مكانا يتجمع فيه الإرهابيون». وتابع: «نتطلع إلى أن تقوم أفغانستان بمكافحة جميع أنواع الإرهاب والأفكار المتطرفة بكل حزم، ونتطلع إلى أن تلتزم كابول بعلاقات ودية مع كل جيرانها».

واشنطن ترسل خبراء أمن إلى هاييتي... واعتقال اثنين

الجريدة... أكدت وزارة الخارجية الأميركية إرسال خبراء من وزارة الأمن الداخلي إلى هاييتي، لمساعدة سلطات البلاد على تعزيز أمن الطيران، وحماية البنية التحتية الحيوية. وتشهد هاييتي أزمة أمنية حادة على خلفية عنف العصابات والاعتداءات على الشرطة ومختلف المواقع الحيوية، وأصبحت أكثر تعقيداً بعد اغتيال الرئيس جوفينيل مويز في 7 الجاري. وفي السياق، أكدت الشرطة أنها ألقت القبض على اثنين آخرين من مواطني هاييتي من المشتبه فيهم بقتل مويز، ليرتفع بذلك عدد الذين اعتقلوا إلى 23 بينهم 18 كولومبيا 5 هايتيين.

هل تدعم الولايات المتحدة كل الديموقراطيات... أم الغنية فقط؟

الجريدة... كتب الخبر فوراين أفيرز... * جايك ويرنر تكلم جو بايدن في خطابٍ سابق له في شهر فبراير الماضي عن عالمٍ منقسم بين الديموقراطية والاستبداد، فقال: "نحن نقف على مفترق طرق بين معسكر مقتنع بأن الاستبداد هو أفضل مسار مرتقب نظراً إلى التحديات المطروحة، ومعسكر يعتبر الديموقراطية أساسية لتجاوز تلك التحديات"، أصرّ بايدن على أن أجندته المحلية والخارجية تضع الولايات المتحدة في أفضل مكانة ممكنة للفوز بهذا الصراع التاريخي. لكن تتسم سياسة بايدن الخارجية بتخبّط غريب، فبدل تطبيق استراتيجية عالمية لتجديد الثقة بالمصلحة العامة، يُركّز بايدن على هزم الصين، وكأن الناس خارج الولايات المتحدة لا يقدّرون قيمة الديموقراطية لأنها تقوّيهم بل لأنها مرادفة للقوة الأميركية، ويدعو بايدن الأميركيين إلى تطوير منتجات وتكنولوجيا المستقبل والسيطرة عليها خدمةً للديموقراطية، فقد تساعد هذه الخطوة الأميركيين وسكان الديموقراطيات الغنية والمتقدمة تكنولوجياً والمستثمرين الأميركيين، لكنها ليست رؤية مفيدة للاقتصاد العالمي، حيث تستطيع جميع الديمقراطيات أن تخدم شعوبها بالشكل المناسب. قد يبدو الادعاء القائل إن الولايات المتحدة هي على خلاف مع معظم الديموقراطيات الأخرى صادماً، لكنه ينجم عن ميل القادة الأميركيين ووسائل الإعلام إلى الخلط بين "ديمقراطيات العالم" ومجموعة صغيرة من الدول الغنية، بما في ذلك القوى الاستعمارية في أوروبا (واليابان) والدول التي نشأت على شكل مستعمرات للمستوطنين، مثل أستراليا وكندا. طرحت مقالة في مجلة "نيويورك تايمز" في عام 2020 مثلاً نتائج استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث عبر العنوان التالي: "انعدام الثقة بالصين يبلغ مستويات قياسية جديدة في الدول الديموقراطية"، لكن لم يكن ذلك الاستطلاع يتمحور فعلياً حول "الدول الديموقراطية"، فهو لم يشمل أكبر ديموقراطيات العالم، أي بلدان مثل البرازيل والهند وإندونيسيا والمكسيك وجنوب إفريقيا، ولا ديموقراطيات أصغر حجماً مثل بوتسوانا وبابوا غينيا الجديدة وسريلانكا، بل شمل ذلك الاستطلاع سكان "الاقتصادات المتقدمة" كما ذكر مركز "بيو" بنفسه. وفق مؤشر الديموقراطية في وحدة الاستخبارات الاقتصادية، تشمل الدول النامية الديموقراطية ضعف العدد السكاني الموجود في الديمقراطيات الغنية، لكن تبقى معظم الديموقراطيات الفقيرة في العالم هامشية بالنسبة إلى الرؤية العالمية التي يحملها صانعو السياسة الأميركية، بحيث لا تصبح هذه البلدان جزءاً من نقاشات العاصمة واشنطن إلا إذا باتت تُهدد الاستقرار الإقليمي أو أصبحت مفيدة في الصراعات الجيوسياسية الواسعة.

سياسة خارجية للجميع

تتعدد العوائق القائمة بين صانعي السياسة الأميركية وأي أجندة مُعدّلة لدعم الديموقراطية، ففي المقام الأول، بات النمو الاقتصادي الأميركي يتكل بشدة على أرباح الشركات المُركّزة في مجالات التكنولوجيا، والأدوية، والترفيه، والعلامات التجارية الاستهلاكية، والقطاعات المالية. إنها الشركات نفسها التي تشكّل أكبر العوائق أمام رفع معايير العمل العالمية وتحرير قوانين الملكية الفكرية، فتتجه الاستثمارات في الولايات المتحدة وجميع أنحاء العالم نحو الفرص المرتبطة بالاقتصاد الريعي بدل خلق فرص عمل وإنشاء البنى التحتية ورفع مستوى الإنتاجية. تحمل هذه المشكلة طابعاً فلسفياً أيضاً، فهل يقتصر دور الديموقراطية على توفير إطار عمل حيادي يسمح للأفراد بتبادل السلع والأفكار بكل حرية عبر تقليص التهديدات المطروحة على الحرية والملكية، أي تقديم مصالح عامة "سلبية"؟ أم يُفترض أن تضمن الديموقراطية أيضاً تأمين مصالح عامة "إيجابية" مثل الرعاية الصحية، والتعليم، ووظائف عالية الجودة، واستثمار الرساميل؟ اتخذت السياسة الخارجية الأميركية خطوات ناشطة خدمةً للمصالح العامة السلبية وتخلّت عن المصالح الإيجابية، ويحذر المسؤولون والخبراء الأميركيون في المعسكرين الديموقراطي والجمهوري من مخاطر تدخّل الدولة في الاقتصاد. ركزت واشنطن على تحرير الأسواق، والحقوق الفردية، وحُكم القانون، والدفاع عن أمن الممتلكات وحرية الملاحة في وجه مجموعة من الأشرار: إنهم المجرمون العابرون للأوطان، و"الدول المارقة"، والإرهابيون، وأخيراً الصين. لكن تخسر المصالح العامة السلبية فاعليتها وشرعيتها حين تنفصل عن المصالح الإيجابية، فغالباً ما تفشل جهود الإغاثة الأميركية لهذا السبب تحديداً. لنفكر مثلاً بالبرنامج الذي موّلته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في غواتيمالا بقيمة 31 مليون دولار في السنوات الأخيرة لابتكار تطبيق على الهواتف الذكية والسماح للسكان بتعقب نفقات الحكومة المحلية. لم يستطع السكان الفقراء الذين يركزون على فرص العمل أكثر من الحُكم الرشيد أن يتحملوا كلفة اقتناء هواتف ذكية أصلاً. على مستوى السياسة المحلية، تعترف إدارة بايدن بأهمية التخلي عن النظريات التقليدية حول السوق الحر، لكن ما طبيعة السياسة الخارجية التي تتبنى هذه الرؤية؟ في المقام الأول، ستُركّز هذه السياسة على تأمين المصالح العامة الإيجابية على مستوى العالم، وسيحتاج كل بلد إلى تجديد الاستثمارات العامة على طريقته الخاصة، لكن يُفترض أن ترتكز هذه العملية على برامج عابرة للأوطان لتأمين خدمات الصحة العامة وردم الفجوة الهائلة في البنى التحتية بين الدول الغنية والفقيرة، وإطلاق عملية انتقالية عادلة بعيداً عن مصادر الطاقة كثيفة الكربون، وبدل القيام بأعمال خيرية أحادية الاتجاه، يُفترض أن تتلقى المبادرات العالمية الرامية إلى حل المشاكل التي تُهدد الجميع مساهمات من مختلف الدول بما يتماشى مع قدراتها. لا تزال مكانة الولايات المتحدة تسمح لها بقيادة هذه الجهود، وتثبت مؤشرات معينة أن إدارة بايدن قد تفكر بأداء هذا الدور، وتدعم "مبادرة إعادة بناء عالم أفضل" التي أطلقها بايدن مثلاً تطوير بنية تحتية عالمية مع أن معالمها لم تتحدد بعد، لكنّ انشغال واشنطن بالمنافسة القائمة بين القوى العظمى يجازف باستبعاد المساهمات الصينية الأساسية في المشروع، وقد بدأ مؤيدو استعمال القوة منذ الآن يستخدمون المهارات والموارد الأميركية الهائلة لأغراض عسكرية بدل معالجة التهديدات الحقيقية التي تواجهها البشرية، وتكمن المفارقة في توسّع الحجج التي تبرر تمسّك بكين بالنزعة الاستبدادية (أي زيادة مظاهر المعاناة وانعدام الأمان بسبب الأمراض الوبائية، وتدهور المناخ، واللامساواة التي تزعزع الاستقرار) إذا منعت المشاعر المعادية للصين في واشنطن اتخاذ أي تدابير فاعلة ضد تلك المخاطر الوجودية.

ارتفاع مستوى العنصرية

تتعلق مصلحة عامة مهمة أخرى بنظام واجب النفاذ في مجال حقوق العمل العالمية لإضعاف المنافسة اليائسة التي بدأت تحتدم بين العمال وترفع مستوى العنصرية والقومية وتزيد الطلب الاستهلاكي والدعم الشعبي، فقد سبق أن التزمت معظم الدول، باستثناء الولايات المتحدة، بحماية حقوق العمل الأساسية بموجب اتفاقيات منظمة العمل الدولية. تُعتبر الولايات المتحدة إذاً أكبر استثناء في هذا المجال رغم دعمها المعلن للنظام الدولي المبني على القواعد، فثمة حاجة إلى بناء النوع نفسه من البنى التحتية المؤسسية لحماية حقوق العمال التي أمضت الولايات المتحدة آخر أربعين سنة وهي تُطورها لحماية حقوق أصحاب الأصول.

أخيراً، يجب أن تتبنى واشنطن مبدأ التنمية باعتباره جزءاً من حقوق الإنسان، فقد كانت هذه الفكرة قد حصدت دعماً قوياً في الأمم المتحدة منذ عام 1986 رغم معارضة الولايات المتحدة وديمقراطيات غنية أخرى، بالإضافة إلى تحرير القيود المفروضة على الملكية الفكرية والسياسة الصناعية، تتطلب هذه العملية زيادة كبرى في صناديق التنمية الأميركية في الأماكن المتعطشة إلى الرساميل منذ فترة طويلة. يثبت الاتفاق المبرم حديثاً حول الحد الأدنى العالمي لضريبة دخل الشركات، وهو قرار اتخذته معظم الديمقراطيات الغنية، أن جهود التنسيق متعددة الجوانب قد تُمهّد لنشوء اقتصاد عالمي أكثر إنصافاً، لكن هذا الوضع يرسّخ الانقسامات بين الأغنياء والفقراء عبر تجاهل رغبة الدول النامية في رفع المداخيل، وربما تقضي الخطوة الإصلاحية المقبلة بزيادة معدل الضرائب العالمية على الشركات لتوفير مصدر ثابت لتمويل التنمية في الدول ذات الدخل المنخفض. لطالما كانت استثمارات القطاع الخاص في الدول النامية مجزأة ومتقلبة، فلا تحتاج هذه الأماكن إلى عائدات سريعة بل إلى استثمارات تحويلية وطويلة الأمد لزيادة قدرتها على جمع الثروات بشكلٍ دائم، وتسمح هذه المقاربة بإنهاء الفقر المدقع الذي يصيب مليارات الناس تزامناً مع توفير فرص جديدة وضخمة للشركات الأميركية والعمال الأميركيين. يسهم كل تدبير من هذا النوع في تقوية التدابير الأخرى، فتنشأ بنية جديدة من النمو العالمي، بما يشبه اقتصاد "الاتفاق الجديد" الذي أنشأ الطبقة الوسطى الأميركية لكن من دون الأهوال التي سبّبتها قوانين جيم كرو والحرب الباردة، ومن خلال المشاركة في إعادة إحياء النمو العالمي وتوزيع منافعه على نطاق أوسع، قد تعزز هذه التدابير الازدهار في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، فتتجدد شرعية العولمة والقيادة الأميركية من خلال ربطها بركيزة شاملة. تسمح هذه المقاربة بتخفيف التوتر الذي يحمل خطورة استثنائية اليوم في العلاقات الأميركية الصينية لأن تعزيز النمو في الاقتصاد العالمي سيفسح المجال أمام نجاح البلدين في الوقت نفسه، والأهم من ذلك هو أن النمو الشامل في الاقتصاد العالمي سيفرض الظروف التي تسمح بإطلاق موجة جديدة من جهود إرساء الديموقراطية. لن تترسخ الديموقراطية عبر تعميق الصراعات الشائكة مع الدول الاستبدادية بل عبر تجريدها من مظاهر اللامساواة والتهميش ومشاعر البغض التي تشكّل مصدر قوتها الأصلية.

 



السابق

أخبار مصر وإفريقيا.. بعد محاولات 4 أشهر.. هل وصلت المحادثات المصرية - التركية إلى طريق مسدود؟..تحرُّك لاستئناف «مفاوضات النهضة»...دفن جثامين طلاب بالخدمة العسكرية قُتلوا في عهد البشير..جنوب إفريقيا: مجموعات أهلية مسلحة لمواجهة النهب.. أحزاب ليبية تطالب بالانتخابات في موعدها... الجزائر: انفراج «مؤقت» في ملف معتقلي الحراك بعد إطلاق 100 متظاهر..المغرب: إطلاق ورشة حول مكافحة التطرف العنيف..إسبانيا تنقل رفات لجنودها من جزيرتين يطالب بهما المغرب..

التالي

أخبار لبنان... العماد عون: الأمور آيلة إلى التصعيد والجيش هو الرادع للفوضى..مسؤولة في البنتاغون تحذر من تدهور أمني في لبنان... المرشحون لخلافة الحريري.. من يتلقف "كرة النار"؟... صفعة الإعتذار: خيبة دولية والبدائل تسبق الإستشارات,...البحث عن بدائل الحريري: ميقاتي يرفض رئاسة الحكومة..

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,136,785

عدد الزوار: 6,756,116

المتواجدون الآن: 130