من حقيبة "النهار" الديبلوماسية: الأسد يقود المعارضة اللبنانية إلى معركة الانتخابات وخيبة أمل سورية من الغرب لتبنيه مواقف الاستقلاليين

تاريخ الإضافة الجمعة 24 تشرين الأول 2008 - 8:17 ص    عدد الزيارات 1122    التعليقات 0

        

بقلم عبد الكريم أبو النصر

"حذر مسؤول عربي بارز، في اتصالات اجراها اخيرا مع دولة اوروبية كبرى، من ان نظام الرئيس بشار الاسد لم يتراجع فعلا عن هدفه الاساسي القاضي باعادة ربط لبنان بسوريا واحكام سيطرته عليه، لكنه وافق على تغيير اسلوب تعاطيه مع هذا البلد تجاوبا مع الضغوط الدولية والعربية عليه ومع الشروط التي حددها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لمواصلة الانفتاح السياسي عليه، ولمحاولة طمأنة اللبنانيين عموما الى نياته وذلك قبل اشهر قليلة من اجراء الانتخابات النيابية الحاسمة ربيع 2009. وقد وافق النظام السوري على هذا الاساس، وفي ضوء هذا التوجه، على تنفيذ قرار اقامة العلاقات الديبلوماسية وتبادل السفراء بين لبنان وسوريا للمرة الاولى منذ استقلالهما... واكد هذا المسؤول العربي ان نظام الاسد يرغب في الواقع في التعايش مع لبنان الذي يريده هو والخاضع لنفوذه المباشر، وانه يرفض التعايش مع لبنان الذي يريده الاستقلاليون والمتحرر من السيطرة السورية، لذلك لا يزال هذا النظام متمسكا ببقاء المجلس الاعلى السوري – اللبناني الذي نصت على تشكيله "معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق" ويضم رئيسي الجمهورية ورئيسي الحكومة ورئيسي مجلس النواب في البلدين ويهدف الى اقامة قيادة مشتركة لادارة شؤون لبنان وسوريا معا بما يتعارض والاستقلال الفعلي والحقيقي للبنان. كما ان نظام الاسد لا يزال يرفض التزام مواعيد محددة لتسوية سائر المشاكل العالقة مع لبنان وابرزها ترسيم الحدود وضبطها ووقف ارسال الاسلحة الى "حزب الله" وحلفاء دمشق الآخرين وتأكيد لبنانية منطقة شبعا رسميا وخطيا، ومعالجة ملف المفقودين".
هذا ما كشفته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع، واكدت ان الرئيس الاسد يتصرف حاليا على اساس انه القائد الفعلي للمعارضة اللبنانية ويقوم بتوجيه وادارة تحركات هذه المعارضة ونشاطاتها من خلال اتصالات مباشرة ولقاءات منتظمة مع عدد من قادتها وممثليها بهدف اعادة بناء ما يمكن تسميته "جسر العودة" الى لبنان... وذكرت هذه المصادر ان المعلومات التي حصلت عليها جهات اوروبية وعربية معنية بالملف اللبناني من دمشق وبيروت وعواصم اخرى تؤكد ان نظام الاسد لا يزال مصمما على التعامل مع لبنان على اساس انه يتمتع بسيادة محدودة وباستقلال منقوص وان لسوريا صلاحية التدخل في شؤونه، كذلك لا يزال مصمما على التعامل مع الغالبية النيابية والشعبية الاستقلالية على اساس انها معادية لسوريا وانها ظاهرة موقتة عابرة. كما ان نظام الاسد يريد اعطاء الاولوية لتأمين مصالحه الحيوية والامنية والاستراتيجية والاقتصادية والسياسية في لبنان، وليس لاقامة علاقات مع هذا البلد على اساس المساواة والندية ومن اجل تحقيق مكاسب ومنافع متكافئة ومتوازنة لسوريا ولبنان... وكشفت المصادر الاوروبية المطلعة ان ثلاثة عوامل تدفع الاسد الى القيام بدور القائد الفعلي للمعارضة اللبنانية هي الآتية:
أولاً، يعلق الاسد آمالا كبيرة على الانتخابات النيابية التي ستجري في ربيع 2009 ويريد ان تفوز فيها المعارضة اللبنانية المتحالفة معه بغالبية المقاعد في مجلس النواب مما يؤدي الى تقليص دور القوى الاستقلالية واضعاف الحماية الدولية والعربية لهذا البلد وتمكين حلفاء دمشق من القيام بالدور الاساسي في ادارة شؤونه وتشكيل "جسر العودة" للنفوذ السوري المباشر والواسع في الحياة السياسية والامنية اللبنانية.
ثانياً، خلافا للثقة المعلنة التي يبديها المسؤولون السوريون بقدرات حلفائهم اللبنانيين فإن الاسد يدرك، في ضوء التقارير التي تتلقاها القيادة السورية، ان ثمة عقبات حقيقية وجدية تمنع المعارضة من الفوز بغالبية المقاعد في الانتخابات النيابية المقبلة ابرزها ممارسات "حزب الله" واعماله المختلفة في الساحة اللبنانية، وضعف نفوذ العماد ميشال عون الى حد كبير في صفوف المسيحيين، والانعكاسات السلبية لمختلف النشاطات والاعمال التي قام بها المعارضون خلال السنوات الثلاث الماضية وادت خصوصا الى تعطيل الحياة السياسية والاقتصادية وما نتج عنها من خسائر كبيرة تكبدها اللبنانيون.
ثالثاً، الاسد ليس مرتاحا كليا، خلافا لما يقوله علنا، الى تركيبة السلطة الجديدة في لبنان والتي تشكلت نتيجة اتفاق الدوحة وتضم خصوصا الرئيس ميشال سليمان ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، لان هذه السلطة ليست تابعة للنظام السوري وغير مستعدة لمساعدة هذا النظام على تحقيق اهدافه وتنفيذ مخططاته في الساحة اللبنانية، كما كانت حال السلطة القائمة خلال سنوات الهيمنة السورية الطويلة على هذا البلد.
تعليمات الاسد.. وذكرت المصادر الاوروبية المطلعة انه في ضوء هذا الوقائع والمعطيات قرر الاسد ان يتدخل شخصيا ويعطي بنفسه قوة دفع جديدة للمعارضة اللبنانية، فقام بتزويد عدد من قادتها الذين يتمتعون بثقة دمشق التعليمات الاساسية الآتية:
أولاً، ركز الاسد على اهمية ان تتمسك المعارضة بضرورة توسيع طاولة الحوار الوطني من اجل اشراك ثلاث شخصيات جديدة من المعارضة في مؤتمر الحوار هي عمر كرامي واسامة سعد وسليمان فرنجيه الى جانب الشخصيات الاخرى المشاركة في المؤتمر وذلك بهدف تعزيز مواقع حلفاء دمشق. ويمكن ان يصل الامر الى حد التهديد بمقاطعة جلسات مؤتمر الحوار المفترض ان تستأنف في الخامس من تشرين الثاني وبالتالي نسف مؤتمر الحوار اذا رفض الافرقاء الآخرون اشراك هذه الشخصيات الثلاث في المؤتمر.
ثانياً، طالب الرئيس السوري حلفاءه باستخدام مختلف الذرائع والمبررات لمنع مؤتمر الحوار الوطني من تبني استراتيجيا دفاعية جديدة ملزمة تؤدي فعلا الى وضع سلاح "حزب الله" في تصرف الجيش والى تخلي الحزب عن قرار الحرب للدولة لان مثل هذه الخطوة، في حال حدوثها، تضعف المعارضة في الداخل وتشكل انتصارا للقوى الاستقلالية وتحد من قدرة حلفاء دمشق على ممارسة ضغوط مختلفة على الغالبية، كما ان مثل هذه الخطوة تضعف الموقف السوري التفاوضي مع اسرائيل ومع دول اخرى من وجهة نظر دمشق.
ثالثاً، شدد الاسد على ضرورة ان يقوم قادة المعارضة بمختلف الجهود والاعمال الممكنة من اجل تأمين فوز حلفاء دمشق بغالبية المقاعد النيابية في الانتخابات المقبلة، وإن شملت هذه الجهود تحقيق مصالحات مؤقتة او التوصل الى تفاهمات جزئية مع افرقاء في الغالبية، لان المهم هو انتزاع الغالبية من القوى الاستقلالية تمهيدا لتوثيق الروابط مجددا بين لبنان وسوريا واعادة احياء عمل المجلس الاعلى السوري – اللبناني الذي نصت على تشكيله "معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق" الموقعة عام 1991 والتي لا تزال سارية المفعول. وهي ادت الى اقامة "وحدة امر واقع" بين البلدين... وقد طلبت القيادة السورية من حلفائها تركيز الجهود على محاولة اضعاف الخصوم المسيحيين للعماد ميشال عون، حليف "حزب الله" وسوريا وايران، وعلى رأسهم الدكتور سمير جعجع والرئيس السابق امين الجميل، وذلك بهدف محاولة تعزيز مواقع زعيم "التيار الوطني الحر" في صفوف المسيحيين.
خيبة أمل سورية من الانفتاح الغربي... ضمن هذا الاطار كشفت المصادر الاوروبية المطلعة استنادا الى المعلومات الخاصة التي حصلت عليها من دمشق، ان الاسد يشعر "بخيبة أمل" من الانفتاح الفرنسي – الغربي الجزئي والمشروط عليه، ومما حققه هذا الانفتاح له ولنظامه، وذلك خلافا لما يقوله المسؤولون السوريون علنا. وخيبة الامل السورية هذه ناتجة من العوامل الآتية:
أولاً - ان الدول الغربية المنفتحة على نظام الاسد، وابرزها فرنسا والمانيا واسبانيا وايطاليا وبريطانيا، تتعامل مع هذا النظام على اساس ان "طريق دمشق تمر عبر بيروت"، اي ان تطبيع العلاقات السورية – اللبنانية جديا وفعلا هو ما يسهل التقارب السوري – الغربي. وترفض هذه الدول الغربية التعاطي ونظام الاسد على اساس "ان طريق بيروت تمر عبر دمشق" كما كانت الحال خلال سنوات الهيمنة السورية على لبنان حين كانت سائر الدول تتشاور وتتفاهم مسبقا مع القيادة السورية حول كل المسائل المتعلقة بالاوضاع اللبنانية. وقد عكس هذا الموقف الغربي بوضوح وصراحة وزير الخارجية الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع السوريين، اذ صرح خلال زيارته لبيروت في ايلول الماضي "ان لا بد لسوريا من ان تتكيف مع النظرة الجديدة الى لبنان وان تكون لها مقاربة جديدة مع هذا البلد".
ثانياً - ان الدول الغربية المنفتحة بشروط على نظام الاسد تضع هذا النظام تحت الرقابة المستمرة وتحمله ضمنا مسؤولية توتر العلاقات بينه وبين لبنان، اذ انها تطالب هذا النظام بالذات بتغيير سياساته وتوجهاته حيال لبنان واعتماد سياسات ايجابية كشرط لتحسين العلاقات السورية – الغربية ولتوقيع اتفاق الشراكة بين سوريا والاتحاد الاوروبي.
ثالثاً - ان هذه الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا، تربط تحسين علاقاتها وتطويرها تدريجا مع سوريا باقدام نظام الاسد على تنفيذ مجموعة خطوات ومطالب محددة تدعمها سائر الدول العربية والاجنبية المعنية بمصير لبنان من ابرزها:
1 – الاعتراف الفعلي وليس الشكلي باستقلال لبنان وسيادته بما يشمل ضمنا التوقف عن التدخل سلبا في شؤونه واتخاذ الاجراءات السريعة لتحقيق تبادل التمثيل الديبلوماسي بين البلدين قبل نهاية 2008.
2 – ضبط الحدود جديا مع لبنان والتوقف عن ارسال الاسلحة الى "حزب الله" وسائر القوى المتحالفة مع دمشق.
3 – ترسيم الحدود مع لبنان بما يشمل تكريس لبنانية منطقة شبعا رسميا وخطيا لتسهيل استعادتها بالوسائل الديبلوماسية وبمساعدة الامم المتحدة وعدم انتظار استعادة الجولان لتحقيق ذلك.
4 - المساعدة على تطبيق قرارات مجلس الامن ذات الصلة بما يؤدي الى انهاء دور لبنان كساحة مواجهة مفتوحة وبما يعكس رغبة النظام السوري الجدية في اقامة علاقات جديدة قائمة على المساواة والندية مع لبنان.
5 – التعاون مع السلطة الشرعية اللبنانية من اجل ازالة كل اسباب التأزم والتوتر في العلاقات بين البلدين.
رابعاً - ترفض فرنسا وسائر الدول المؤثرة الاخرى تقديم اي تعهد للاسد بتأمين الحماية للنظام السوري ولعدد من المسؤولين السوريين من اي ملاحقة او محاسبة امام المحكمة الدولية المكلفة النظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي جرائم سياسية اخرى، بل انها تتمسك بضرورة ان تأخذ العدالة مجراها وتؤكد ان المحكمة الدولية "اصبحت واقعا دوليا خاضعا لقرارات الشرعية الدولية وليس ممكنا تجاوز هذا الواقع او تجاهله، كما انه ليس ممكنا تجاوز او تجاهل نتائج التحقيق الدولي في هذه الجرائم الارهابية".
وأكد لنا ديبلوماسي اوروبي مطلع "ان الرئيس الاسد اصبح على اقتناع بانه لن يحصل على مكاسب حقيقية ملموسة من الانفتاح الغربي الجزئي المشروط عليه، بل ان لبنان هو الذي سيحصل على مكاسب وخصوصا ان سائر الدول الغربية المنفتحة عليه تتبنى مواقف الاستقلاليين اللبنانيين ووجهات نظرهم وليس مواقف حلفاء دمشق، وتسعى الى تدعيم وتثبيت الواقع الاستقلالي السيادي اللبناني المشروع المدعوم دوليا وعربيا على اوسع نطاق، وليس الى اعادة ربط لبنان بسوريا. وهذا الموقف الغربي – الدولي يتعارض مع "مصالح سوريا الحيوية" في لبنان وفقا لمفهوم نظام الاسد لهذه المصالح".
هذه المعطيات والوقائع تعزز التلاحم بين القيادة السورية وحلفائها اللبنانيين وتجعل الاسد اكثر حرصا من السابق على "قيادة وتوجيه" عمل المعارضة اللبنانية لمحاولة تمكينها من الانتصار على "المتمردين" على الهيمنة السورية في الانتخابات النيابية المقبلة.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,678,661

عدد الزوار: 6,908,122

المتواجدون الآن: 106