لبنان..."الجمهورية": الإستقالة تخرق جدار الأزمة.. واستشارات التكليف أواخر الأسبوع...اللواء....صدمة استقالة تطوي صفحة التسوية السوداء...ومخاوف دولية على الاستقرار.....انفراجات في الشارع... ضياع في بعبدا... وسلام الاوفر حظاً.......الاخبار...«انتصار أوّل»....الحريري يقلب الطاولة... برغم البلطجة...نداء الوطن....أخيراً... يا شيخ....بومبيو يدعو إلى تشكيل حكومة جديدة وفاعلة في لبنان...إيران تدعو إلى الوحدة بين الجماعات السياسية في لبنان..«الثورة» حقّقتْ أول مَكاسبها والعيْن على المرحلة المقبلة...هكذا «أغار» مناصرو «أمل» و«حزب الله» على معقل «الثورة» في وسط بيروت....

تاريخ الإضافة الأربعاء 30 تشرين الأول 2019 - 4:25 ص    عدد الزيارات 2355    القسم محلية

        


"الجمهورية": الإستقالة تخرق جدار الأزمة.. واستشارات التكليف أواخر الأسبوع...

خرقت استقالة الرئيس سعد الحريري جدار الأزمة العاصفة بالبلاد تحت وطأة الانتفاضة التي دخلت يومها الـ13 اليوم، فيما طرأ على الساحات ما غَيّر في معادلاتها بفِعل دخول مناصرين لحركة «أمل» و«حزب الله» الى ساحتي الشهداء ورياض الصلح وجسر «الرينغ»، حيث حطّموا خيَم المتظاهرين والمعتصين، الذين عادوا اليها إثر إعلان الحريري استقالته مُحتفلين بـ«الإنجاز». ولكن الاستقالة ألقت في الاجواء الداخلية غمامة تحجب ما قد يليها من وقائع، وسط سؤال كبير لدى كل الاوساط: الى أين؟ وفي أي اتجاه ينحو البلد، هل في اتجاه تأليف حكومة جديدة تعيد لملمة أجزاء الواقع المفكك؟ أم في اتجاه أزمة حكومية يتعذّر فيها التأليف حتى أمد طويل؟ وهل بات الوضع اللبناني يتحمّل أي تأخير؟ إلّا أنه بمعزل عن الاسباب التي دفعت الحريري الى استقالة حكومته، وسبق له أن حدّدها بمحاولة تعطيل جهوده على يد شركائه في «التسوية» وفي الحكومة، فإنّ الصورة الداخلية، وبإجماع القوى السياسية على اختلافها، هي في منتهى التعقيد، سواء على مستوى الشارع الذي بدأ يَستولد شوارع متقابلة بعضها مع بعض، أو على المستوى السياسي حيث جاءت هذه الاستقالة مستفزّة، وخصوصاً لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريقه. فضلاً عن أنها، وإن كانت في الشكل تلبّي مطلباً اساسياً للمحتجّين في الشارع منذ 13 يوماً حيث لم تبدر أي اشارة من هؤلاء المحتجّين حول إمكان خروجهم من الشوارع وفتح الطرق المقفلة الذي بات مطلباً ملحاً، فإنها تنمّ عن إشارات بدأت تتصاعد منذ ما بعد إعلان الحريري استقالته، وهي أنّ سقف المطالب قد يرتفع الى ما هو أعلى من مطلب استقالة الحكومة. ولوحِظ انّ تيار «المستقبل» عمد بعد استقالة الحريري الى تسيير تظاهرات مؤيّدة له، وتخللها إقفال طرق وشوارع في المناطق المحسوبة عليه، وكان لافتاً إعلان «حزب الله»، عبر الوزير محمد فنيش، انّ استقالة الحريري «تؤزّم الأمور اكثر»، فيما لوحِظ «تَنقّل رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بين محطة تلفزيونية وأخرى داعياً الى الحوار، وبرزت في الوقت نفسه مواقف خارجية تُبدي تخوّفها على الواقع اللبناني. في انتظار أن يدعو عون الى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية من سيكلّف تأليف الحكومة، فإنّ نادي المرشحين لرئاسة الحكومة لا يبدو انه يحتوي على اسم محدد، ما يجعل هذا الباب مفتوحاً على شتى الاحتمالات، خصوصاً في ظل التباين السياسي القائم بين مكونات البلد. واذا كان الحريري يعتبر مرشحاً طبيعياً لتأليف الحكومة الجديدة، فإنّ هذا الأمر يتطلب لتحقيقه أن ينال الرجل في الاستشارات الملزمة أكثرية تخوّله ذلك، علماً انّ هناك علامات استفهام تحوط بمواقف قوى أساسية من إعادة تسمية الحريري، ولاسيما منها «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» وحلفائهما. وبَدا جلياً لدى القوى السياسية على اختلافها، أمس، أنها في حال صدمة، وتحديداً لدى فريق رئيس الجمهورية الذي أكدت المصادر «انّ الحريري لم يضعه في جَو الاستقالة، الى حَدّ انّ الرئيس فوجِئ بها، خصوصاً انّ الاجواء التي كانت سائدة لدى فريق الرئيس تفيد أنّ جهوداً كانت تُبذل لعقد جلسة لمجلس الوزراء غداً». وجزمت مصادر مطلعة على أجواء بعبدا لـ«الجمهورية» انّ الحريري قدّم استقالته من دون أي تنسيق مُسبق مع رئيس الجمهورية، الذي اطّلع على نيّته بالإستقالة من خلال وسائل الإعلام. وأشارت الى انّ الاتصالات اليومية التي كانت تجري بينهما لم تتناول القرار بالاستقالة. وأضافت: «إنّ استقالة رئيس الحكومة حق دستوري وقرار يتخذه بنفسه وبلا شريك له إن أراد ذلك، وما كنّا نتمنّاه ونريده هو أن ينسّق مع رئيس الجمهورية في مثل هذه الخطوة قبل الاستقالة ،للتسريع في تشكيل حكومة جديدة». ورأت المصادر انه «لا يجوز التأخير في كثير من الملفات الطارئة، خصوصاً تلك التي تناولها مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة تحت عنوان الورقة الإصلاحية. ولعلّ بند مكافحة الفساد هو من الخطوات الأولى التي على الحكومة مقاربتها، وإنّ ايّ حكومة ستشكّل سيشترط عون عليها، فور توقيعه مرسوم تشكيلها، أن تكافح الفساد.

ما قبل الاستقالة

وعلمت «الجمهورية» انّ الساعات التي سبقت الاستقالة شهدت اتصالات مكثفة مع الحريري، في محاولة لِثَنيه عنها لأنها قد تفتح الوضع اللبناني على احتمالات صعبة. وذكرت المعلومات انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري عمل بقوة لإقناع الحريري بعدم الاستقالة، فأوفد إليه نهاراً وزير المال علي حسن خليل، مؤكداً له انّ الاستقالة قد توصِل الامور الى حائط مسدود، وتعقّد المشكلة الى حد قد لا يعود في الامكان التوَصّل الى أي حلول بسهولة. لكنّ خليل عاد الى بري بأجواء سلبية، حيث سمع من الحريري تصميمه على الاستقالة، «لأنّ الامور لم تعد تحتمل». وأضافت انّ الحريري إتصل ببري قبَيل الاستقالة، وأبلغ اليه انه في صدد إعلانها، فدعاه بري مجدداً الى»تقدير وضع البلد، وعدم الاستقالة التي لا تشكّل حلاً للأزمة، إنما قد تعمّقها».

بري

وسألت «الجمهورية» بري عمّا دار بينه وبين الحريري؟ فأجاب: «لم نترك شيئاً الّا وقمنا به في محاولة لاحتواء الموقف، وعدم بلوغ الأزمة الحد الذي بلغته. وقد سعيتُ شخصياً لإقناع الحريري بعدم الاستقالة، إلّا اننا اصطدمنا بإصراره عليها». وسُئل بري أيضاً: ماذا بعد الاستقالة؟ فأجاب: «لا شك في انّ الوضع دقيق وحساس، وينبغي مقاربة ما حصل بكثير من التعقل وعدم الانفعال، والحؤول دون حصول أي أمر من شأنه ان يزيد الأمور تعقيداً. المطلوب هو أن تسود الحكمة ولغة الحوار بين المكونات اللبنانية في معالجة الأمور، خصوصاً انّ صورة الأزمة ليست طائفية او مذهبية».

في عين التينة

وسُجّل في عين التينة وَقع سلبي لاستقالة الحريري، عكسه بري أمام زوّاره أمس، مشدداً على وجوب «اليقظة ومنع كل ما من شأنه أن يُشعل توترات من هنا وهناك، أو يدفع الى دَفع الشوارع الى أن تقف في مواجهة بعضها بعضاً».

تطورات ميدانية

وكان قد سبق إعلان الحريري استقالته، تطورات ميدانية تمثّلت بـ«هجوم» شَنّه عدد كبير من الشبّان، قيل إنهم تابعون لحركة «أمل» و«حزب الله»، في محاولة لفتح طريق «الرينغ» المقطوعة، الّا انّ هذا الهجوم تَوسّع ليشمل المعتصمين في ساحتي رياض الصلح والشهداء، حيث عمد المهاجمون الى الاعتداء عى المعتصمين وتخريب الخيم التي نصبوها في هاتين الساحتين. وأثار هذا الامر بلبلة سياسية، وكان صدى هذا الهجوم في منتهى السلبية في «بيت الوسط»، وقالت مصادر سياسية مواكبة لحركة الاتصالات لـ«الجمهورية» انّ «هذا التطور السلبي، الذي تمثّل بالهجوم على المحتجّين على طريق «الرينغ» وفي وسط بيروت، شَكّل دافعاً أساسياً لتصميم الحريري على تقديم استقالته، وليتحمّل الجميع مسؤولياتهم». وتردّد مساء أمس أنّ اتصالات مكثفة جَرت بين بعبدا وعين التينة، وكذلك على خط حركة «أمل» ـ «حزب الله»، وعلى خط «الحزب» و«التيار الوطني الحر». فيما حصل تواصل ليلاً بين بري والحريري عبر الوزير علي حسن خليل، وتمحورت هذه الاتصالات حول مرحلة ما بعد الاستقالة.

الحريري

وقالت مصادر متابعة لحركة الاتصالات التي سادت في الايام الاخيرة لـ«الجمهورية» انّ قرار الحريري بالاستقالة ليس وليد الأمس، بل انّ ما حصل في الشارع عَجّل به، اّلا انه قرار مُتّخذ منذ بدايات الحراك، وقد أوحى الحريري به حينما أعلن عن مهلة الـ 72 ساعة التي منحها لشركائه في الحكومة لتقديم تنازلات، أو بمعنى أدق خطوات تقنع المحتجّين في الشارع. وأشارت المصادر الى انّ القرارات الاخيرة التي أعلنها الحريري بعد جلسة مجلس الوزراء الاخيرة، واعتبرت قرارات إصلاحية، عوّل عليها بأنها قد تُقنع المحتجين في الشارع، الّا أنّ ردة الفعل عليها جاءت عكسية، فسعى لإجراء تعديل حكومي «نَوعي» يحتوي الشارع، الّا انه اصطدم برفض رئيس الجمهورية. ورفضت مصادر قريبة من الحريري توصيف استقالته بـ«الهروب من المسؤولية»، مؤكدة «انّ رئيس الحكومة جهد في الآونة الاخيرة في محاولة تدوير الزوايا، وبَلورة مخارج للأزمة الحالية، الّا أنها اصطدمت بالاعتراض عليها، فكان لا بد له من أن يُبادر الى هذه الصدمة، التي ينبغي على سائر المكونات السياسية ان تقاربها على انها صدمة إيجابية، يُصار من خلالها الى بلورة حلول سريعة، وتشكيل حكومة جديدة بحجم الازمة، وهذه مسؤولية الجميع من دون استثناء. وعمّا اذا كان الحريري مرشحاً لترؤس الحكومة الجديدة، قالت المصادر: «لا نريد استباق الامور، فالرئيس الحريري قدّم استقالته الى رئيس الجمهورية، ويجب انتظار ما سيصدر حيالها من قصر بعبدا، علماً انّ استقالة نهائية».

قبول الاستقالة

الى ذلك، ومع تأكيد الحريري انّ استقالته نهائية، وانه يعتبرها نافذة منذ لحظة إعلانها، فإنّ المنتظَر أن يصدر بيان عن رئاسة الجمهورية، ربما اليوم، يُعلَن فيه قبول رئيس الجمهورية استقالة الحريري، ويدعو الحكومة الى تصريف الاعمال الى حين تشكيل الحكومة الجديدة، على أن يصدر في وقت لاحق بيان ثان لرئاسة الجمهورية، تحدّد فيه موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها الرئيس لتكليف الرئيس الجديد لتشكيل الحكومة قبل نهاية الاسبوع على الأرجح. ولاحظت مصادر سياسية انّ تحديد الموعد ينتظر أن يقترن بفتح الطرق وإخراج المحتجّين من الشوارع، تسهيلاً لوصول النواب الى القصر الجمهوري للمشاركة في استشارات التكليف، وكذلك تسهيلاً لوصول النواب الى المجلس النيابي في ساحة النجمة للمشاركة في استشارات التأليف التي سيجريها الرئيس المكلّف. وحول عدم صدور بيان رئاسي بعد يقبل الاستقالة ويكلّف الحكومة المستقيلة بتصريف الاعمال، قالت اوساط وزارية قريبة من بعبدا لـ«الجمهورية» ان «ليس هناك أي نص دستوري مُلزم بمثل هذه الخطوة». ولفتت الى انّ هذا البيان المنتظَر سيصدر صباح اليوم على أبعد تقدير، بعد انتهاء بعض المشاورات التي يجريها رئيس الجمهورية مع مستشاريه والأصدقاء والحلفاء السياسيين، وذلك قبل الدعوة الى الإستشارات النيابية الملزمة الي يمكن إجراؤها في يوم واحد. وحول المواد الدستورية التي تراعي حالة استقالة رئيس الحكومة، قال مرجع دستوري لـ«الجمهورية» انّ المادة 69 في الدستور واضحة، عندما حدّدت في البند الأول منها انّ الحكومة تعتبر مستقيلة «إذا استقال رئيسها»، سواء أعلن ذلك من قصر بعبدا او لم يحصل، فالإستقالة باتت خطوة دستورية كاملة لا نقاش فيها، ولا أهمية للحديث عن احتمال رفضها. كذلك قالت الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور انه «لا تمارس الحكومة صلاحياتها بعد استقالتها الّا بالمعنى الضيّق لتصريف الاعمال». وقال البند 2 من المادة 53: «يقوم رئيس الجمهورية باستشارات نيابية ملزمة يطلع عليها رئيس مجلس النواب، وبعد التشاور معه يسمّي رئيس مجلس الوزراء». وقالت الفقرة 3 من المادة 69: «يكون مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية الى حين تشكيل حكومة جديدة ونيلها الثقة». كذلك قالت الفقرة الثانية من المادة 53 الآتي: «يصدر رئيس الجمهورية منفرداً مرسوم قبول استقالة الحكومة».

«الكتائب»

إلى ذلك، سيعقد رئيس حزب الكتائب اللبنانية مؤتمراً صحافياً اليوم، يؤكد فيه على أن الإنتصار الذي تحقق هو انتصار للناس وللبنان في ذكرى المئوية الأولى على إعلان دولة لبنان الكبير. كذلك سيتطرق إلى خريطة طريق سياسية ودستورية للخروج من الأزمة، والى الإعتداءات التي تعرّض لها المتظاهرون والمعتصمون قبيل إعلان الرئيس الحريري استقالته. وسيطمئِن الى أن لا التهويل بالفوضى على الأرض يُمكن أن يُغيِّر إتجاهات الناس، ولا التهويل بالفراغ يستند الى أي مُعطى دستوري، وإنما هو وسيلة ضغط يمارسها أركان منظومة التسوية المترنحة في مكابرة لعدم الإعتراف بالفشل، وقرب موعد السقوط.

مالك

وفي هذا السياق قال الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك لـ«الجمهورية» انّ «الثابت الوحيد في هذه الاستقالة أنها نهائية ونافذة، وبالتالي لا دور لرئيس الجمهورية في قبولها او رفضها، وإنّ ما فعله الحريري هو أنه أبلغ الى رئيس الجمهورية كتاب استقالته على سبيل الإعلام، وبالتالي ليس هناك من مهَل لهذا الأمر. فالحكومة اليوم هي في حالة تصريف أعمال عملاً بأحكام الفقرة 2 من المادة 64، واستناداً الى ذلك ليس هناك اي صلاحية لرئيس الجمهورية برفض هذه الاستقالة التي هي نهائية ونافذة من تاريخ إعلانها شفوياً على لسان رئيس الحكومة، وتسليمها بموجب كتاب خطي الى رئيس الدولة».

اللواء....صدمة استقالة تطوي صفحة التسوية السوداء...ومخاوف دولية على الاستقرار.....انفراجات في الشارع... ضياع في بعبدا... وسلام الاوفر حظاً.....

عشية دخول انتفاضة الشعب اللبناني اسبوعها الثالث، تبدّل المشهد: عنف مستهجن عند جسر الرينغ، استقالة مدوّية للرئيس سعد الحريري، من دون سابق تفاهم أو تُصوّر مع الرئيس ميشال عون، الذي تسلم النص، وسط ذهول في بعبدا. إذ اعتبر مصدر وزاري في «تكتل لبنان القوي: اننا دخلنا إلى التسوية الكبرى معاً، فخرج وحيداً، وفي اصعب الأوقات..»، من دون ان يتوقف المصدر عند ملابسات الخطوة، التي اعرب الرئيس الحريري عن «ارتياحه لكون خطوة الاستقالة جاءت استجابة لما يريده الشعب»، واعرب المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان انها تشكّل «صدمة إيجابية لكل المسؤولين واللبنانيين من أجل التفاهم على حلول إنقاذية تخرج البلاد من المأزق والأزمات التي يُعاني منها المواطنون». الخطوة تمت ضمن سياق دستوري من دون تنسيق مسبق مع بعبدا، ومن دون الإدلاء بأي تصريح للصحافيين، في قصر بعبدا، وجاء فيها:

بعد التحية،

عملا بالأصول الدستورية ونظرا للتحديات الداخلية التي تواجه البلاد ولقناعتي بضرورة إحداث صدمة إيجابية وتأليف حكومة جديدة تكون قادرة على مواجهة التحديات والدفاع عن المصالح العليا للبنانيين، أتقدم باستقالة حكومتي متمنيا لفخامتكم التوفيق.

وتفضلوا، فخامة الرئيس، بقبول فائق الاحترام.

ولاحظ الرؤساء: نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، بعد اجتماع في منزل السنيورة في بلس ان الرئيس الحريري تحلى «عندما قدم استقالته بإرث والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبحكمته، وبشجاعته، وكذلك بحكم مسؤولياته الوطنية». وربطت وزيرة الداخلية في الحكومة المستقيلة ريّا الحسن بين ما حصل على «جسر الرينغ» من تضارب بين مجموعات ارادت فتح الطريق ومجموعات محتجة طالبت بالاستمرار بقطعها.. فغردت «الاستقالة كانت ضرورية لمنع الانزلاق نحو الاقتتال الأهلي الذي شهدنا خطره اليوم في وسط بيروت». وخلافاً، لما تحدث عنه فريق بعبدا عبر نوابه أو «مصادره» من ان الرئيس الحريري لم ينسق الخطوة معهم، علمت «اللواء» ان الاجتماعات لم تتوقف بين رئيس الحريري وفريق القصر، إضافة إلى الوزير علي حسن خليل، والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، والتي كان آخرها الليلة الماضية أو ما قبل الماضية، والتي ترتب عليها ابلاغهم الموقف، قبل الوصول إلى طريق مسدود.

سقوط التسوية

وفي تقدير مصادر سياسية، ان النتيجة الأولى والسريعة لقرار الحريري بالاستقالة، كانت في سقوط التسوية السياسية التي جاءت بالرئيس عون إلى رئاسة الجمهورية، بخروج الحريري من رئاسة الحكومة، لكن هذه النتيجة تبقى ملتبسة أو مرتهنة لاحتمالات عودته الى رئاسة الحكومة، علماً ان لا ضمانة مؤكدة لهذه العودة، الا إذا أراد الحريري العودة، باعتبار انه يرأس أكبر كتلة نيابية إسلامية في المجلس النيابي، وبامكانه فرض نفسه في الاستشارات النيابية الملزمة، لكن أجواء بعبدا لا توحي انها متمسكة بعودة الحريري أو حريصة على استمرار علاقتها به، بل بالعكس، كشفت عن استيائها لأن خروج الحريري من هذه التسوية جاء في اصعب الأوقات اقتصادياً ومالياً واجتماعياً. وعلقت مصادر متابعة أو مواكبة لاجواء بعبدا لـ«اللواء» على استقالة الحريري بقولها: «دخلنا معاً إلى التسوية الكبرى، فخرج وحيداً»، لكنها استدركت بالقول: «ان سمت الأكثرية النيابية الحريري عاد إذا رغب، وإذا لم تسمه ولم يرغب، فإن كل الخيارات مفتوحة ومتاحة» في إشارة قوية تؤكد ان لدى بعبدا بدائل يبدو انها جاهزة، وان كانت اعتبرت بأن الحريري لم ينسق معها في مسألة الاستقالة. وفي السياق، يتم التداول باسماء عدّة مرشحين من الوسط السياسي، في حال لم يرغب الحريري بالعودة إلى رئاسة الحكومة، أو لم تكن الظروف مناسبة لعودته. وعلمت «اللواء» ان الرئيس تمام سلام هو الأوفر حظاً، للحلول مكان الرئيس الحريري، إذا ما أصرّ على البقاء خارج الحكومة، وتردد بقوة اسم نائب بيروت فؤاد مخزومي.. وعلم ان الرئيس ميشال عون بعدما تسلم الاستقالة الخطية من الرئيس الحريري، أجرى سلسلة مشاورات في ما خص المرحلة المقبلة، فيما بدا لافتاً للانتباه ان قصر بعبدا اكتفى بنشر كتاب الاستقالة، من دون صدور بيان رسمي في هذا الشأن، لكن معلومات خاصة بـ«اللواء» أفادت ان البيان سيصدر اليوم على مهل، علماً ان لا قوانين دستورية تلزم رئيس الجمهورية في ما خص قبول الاستقالة أو تحديد مواعيد الاستشارات النيابية. وبرز ضياع في موقف بعبدا، تأسيساً على رفض الرئيس عون سابقاً تأسيساً على رفض الرئيس سابقاً استقالة الحريري من الخارج، من دون الانتباه إلى اختلاف الظروف والمعطى. ونقلت قناة «الجزيرة» عن وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي قوله ان استقالة الحريري نافذة واصبحنا حكومة تصريف أعمال. وأكّد انه «لم ننسق الاستقالة مع الحريري وهو لم ينسقها معنا، وفي ذلك كل الدلالات». كذلك، بدا لافتاً للانتباه، ان نواب وقيادات «التيار الوطني الحر»، عزفوا جميعاً على وتر واحد، وهو انهم فوجئوا باستقالة الحريري، على الرغم من مرور 12 يوماً على انتفاضة 17 تشرين ومطالبة المتظاهرين بسقوط الحكومة والنظام وتشكيل حكومة انتقالية جديدة تحضر لانتخابات نيابية مبكرة، ومن غير المعقول ان لا يكون رئيس الحكومة تحدث مع أحد بموضوع استقالة الحكومة، أو حتى التعديل الوزاري. في أعقاب، رسالة الرئيس عون إلى اللبنانيين والتي دعا فيها إلى إعادة النظر بالوضع الحكومي، ما يعني اما تغيير الحكومة أو تبديلها أو تطعيمها. وفي هذا السياق، قال وزير الدفاع الياس بوصعب في دردشة معه، ان احدا لم يتحدث معنا في خيارات تعديل أو تغيير حكومي، لكنه أشار إلى ان خيار وجود الوزير جبران باسيل في الحكومة أم لا يعود «للتيار الوطني الحر» في الاستشارات النيابية وهو الذي يُقرّر من يمثله في الحكومة. وقال ان تقديم الحريري استقالته خطوة دستورية وما سيتبعها سيكون أيضاً من ضمن الأطر الدستورية، مشيرا إلى ان المفاجأة كانت بعدم تنسيقه مسبقاً بهذه الاستقالة معنا، لأنها خطوة تقود إلى المجهول، وكان يمكن التنسيق بخطوة ما بعد الاستقالة. وكشف بو صعب ان الرئيس نبيه برّي ابلغنا عندما زرناه مع تكتل «لبنان القوي» ان الرئيس الحريري بصدد الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء خلال اليومين المقبلين. وقال: «ليس صحيحاً انه حكى معنا في الموضوع ولا هو اخذ منا موقفاً لا ايجابياً ولا سلبياً».

رواية «بيت الوسط»

في المقابل، نفت أوساط «بيت الوسط» ان يكون موضوع الحكومة لم يطرح خلال الأسبوعين الماضيين، معيدة إلى الأذهان ترحيب الرئيس الحريري بموقف الرئيس عون عندما دعا إلى إعادة النظر بالوضع الحكومي، باعتباره يلبي مطالب الشعب المحتشد في الساحات. وكشفت انه كان هناك اتفاق مبدئي بين الرئيسين عون والحريري، على ان لا يكون هناك إعلان عن استقالة الحكومة قبل توافق جدي على شكل ومضمون الحكومة الجديدة، مشيرة إلى ان كل الاتصالات التي جرت خلال الأيام العشرة الأخيرة، تركزت على الخيارات المطروحة أو المتاحة، في هذا الشأن، بالتزامن مع اتفاق على إبقاء الحراك الشعبي في الساحات العامة، في إطاره السلمي وعدم التعرّض له من قبل القوى الأمنية والجيش، بل بالعكس تكليفه بحماية المتظاهرين. وقالت هذه الأوساط ان الرئيس الحريري، عندما انفجرت مسألة قطع الطرق بالنسبة للحل السياسي لا الأمني لمعالجة هذه المسألة، رغم انها كانت موضع خلاف مع مرجعيات أخرى، لا سيما مع «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وحركة «امل» التي كانت تضغط لأن يتدخل الجيش لفتح الطرق بالقوة، خصوصاً في كل ارتفاع مستوى الضغط الاقتصادي والمالي والتمويني، إلى جانب ان هذه الأطراف لم توافق معه على تشكيل حكومة حيادية تكنوقراط أو مختلطة مصغرة. وتضيف المصادر، ان الحريري اتخذ قراره بالاستقالة منذ ليل أمس الأوّل، عندما تبلغ ان قراراً حزبياً اُتخذ بالتصدي لمسألة استمرار المتظاهرين في قطع الطرق، ولا سيما عند جسر «الرينغ»، فاستدعى وزير المال علي حسن خليل وطلب منه إبلاغ الرئيس برّي بأنه سيستقيل اليوم، لأنه لا يقبل إراقة نقطة دم واحدة، سواء من المتظاهرين أو من القوى الأمنية، وانه يرفض تحول الانتفاضة الشعبية إلى مواجهة مفتوحة بين شارعين.

فتح الطرقات

وبحسب المعلومات، فإن ما حصل عند جسر «الرينغ» أمس وفي ساحتي الشهداء ورياض الصلح، عززت قناعة الرئيس الحريري، بأن تحدث استقالته صدمة إيجابية تفتح حلولاً إيجابية، وهو ما ترجم بقرار «هيئة تنسيق الثورة» فتح كامل الطرقات كبادرة حسن نية واحتفاء بما تمّ إنجازه وتسهيلاً لتأمين الحاجات الحيوية والاساسية للمجتمع، وإعلان الحراك في صور تعليق اعتصامه مع الإبقاء على جهوزيته. واعتبرت الهيئة في بيان ان «ثورة الشعب اللبناني ووقوفه 13 يوماً في الساحات لتحقيق مطالبه، رغم حملات الترهيب والتخوين قد اثمرت تحقيق المطلب الأوّل وهو استقالة الحكومة، الأمر الذي يفتح الباب امام تحقيق باقي المطالب بدءاً بتشكيل حكومة إنقاذ وطني قادرة على إخراج البلاد من ازمتها، واجراء انتخابات نيابية مبكرة». لكن معلومات أخرى قالت ان ما جرى عند جسر «الرينغ» والساحتين من هجوم على المتظاهرين، كان بمثابة ردّ ضمني على قرار الحريري بالاستقالة، في حين رجحت مصادر أخرى ان يكون قرار الاستقالة اتخذ بشكل نهائي بعد الذي جرى، حيث اندفع شبان من الخندق الغميق يبدو انهم من انصار حركة «امل» وعملوا على إبعاد المحتجين الذي قطعوا الطريق، وحصل اشتباك بين الطرفين ادى الى سقوط جرحى فتراجع المحتجون باتجاه الاشرفية، فيما عملت قوات من الجيش والامن الداخلي على الفصل بين الجهتين. واكمل الشبان عملهم بتخريب خيم المعتصمين في ساحتي رياض الصلح والشهداء، لكن المعتصمين عادوا ليلا الى الساحتين واعادوا نصب الخيم حتى تحقيق باقي المطالب.

دعم «مستقبلي»

وكان الرئيس الحريري أعلن عبر الإعلام، عصر أمس، استقالته من رئاسة الحكومة، وزار القصر الجمهوري وسلمها الى الرئيس عون، في ما بدا انها استقالة تمت دون تشاور مسبق بين الرئيسين، بحسب بعبدا. وغصّ «بيت الوسط» بالشخصيات السياسية وغير السياسية دعما لموقف رئيس الحكومة بالاستقالة.كما زاره مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، الذي رأى أن الاستقالة تشكل صدمة إيجابية، فيما سجلت خطوة لافتة بين الحريري والرئيس تمام سلام. وفي أول حديث للاعلاميين، بعد تقديم إستقالته، قال الحريري: «إن شاء الله نخرج من هذا المأزق، وانا مرتاح أنني قدمت شيئاً للشعب اللبناني». وشهدت مناطق بيروت وعكار والناعمة وبعض قرى البقاع الغربي وسواها، قطع طرقات واحتجاجات من قبل مناصري «تيار المستقبل» بعد الاستقالة، لكن بيان تيار «المستقبل» تمنى على جميع المناصرين الامتناع عن اي تحرك اعتراضي في الشوارع والساحات والتعاون مع الجيش والقوى الامنية لتسهيل تنقل المواطنين. وفي اول تعليق سريع له على استقالة الحريري، قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري للـ«ان بي ان»: ما يجري يتطلب تهدئة فورية وحواراً بين المكونات اللبنانية، وما يحصل ليس موضوعا طائفيا وهو غير مذهبي على الاطلاق. ومن جهته، اوضح وزير الشباب والرياضة محمد فنيش «ان من حق الرئيس الحريري اتّخاذ قرار بالاستقالة، لكن عليه تحمّل مسؤوليته»، وسأل «ما هي الخطوة المقبلة؟ فهل هذا يُساعد على انهاء الوضع القائم في الشارع ويبدأ الجيش والقوى الامنية بفتح الطرقات؟ وهل المجموعات المنتشرة هنا وهناك ستتم محاسبتها»؟. وقال: «أنه لا يعتبر ان استقالة الرئيس الحريري ستُخرج البلد من الازمة وتفتح الباب امام الحلول، بل ستزيد الامور تعقيداً وتأزّماً». اما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فقد رأى ان الحريري استقال عندما وصل إلى أفق مسدود، ولم يستطع ان يصل إلى تسوية واستقال نتيجة ما جرى في الشارع، مشيراً إلى انه لا يعرف ظروف رئيس الحكومة لكنني معه إذا قرّر العودة لرئاسة الحكومة.

مخاوف دولية

وعلى صعيد ردود الفعل الدولية، دعا الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس جميع القوى السياسية في لبنان إلى الهدوء مطالباً قوات الأمن بحماية المتظاهرين السلميين والمحافظة على أمن البلاد، فيما دعا المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان ايان كوبيتش الى تشكيل حكومة بسرعة ضمن المعايير الدستورية وتستجيب لطموح النّاس وتكون قادرة على كسب ثقتهم. واعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان في كلمة له امام الجمعية الوطنية الفرنسية ان إعلان الحريري استقالته يُفاقم الأزمة. لافتاً إلى ان لبنان يمر بأزمة خطيرة جداً منذ 15 يوماً مع تظاهرات شعبية حاشدة وحوادث وتوترات. ورأى ان شرط الاستقرار هو الرغبة في الاصغاء إلى صوت الشعب ومطالبه. وبدوره اعتبر وزير الخارجية الالماني هايكو ماس ان استقالة الحريري جاءت استجابة للتظاهرات، معرباً عن أمله بأن لا تتسبب الاستقالة بتقويض الاستقرار في لبنان. مالياً، شهد إصدارا 2021 و2022 أشد تراجعاتهما اليومية على الإطلاق، إذ هويا ستة سنتات، وفقا لبيانات تريدويب. وقفزت عوائد بعض السندات لتصل في حالة إصدار 2020 إلى 38 بالمئة، مما يشير إلى أن تكاليف الاقتراض قد أصبحت باهظة على نحو معطل للبلد المثقل بالديون.

الاخبار....الحريري يقلب الطاولة

دخلَ لبنان مرحلة شديدة الخطورة مع إعلان سعد الحريري استقالته. أزمة سياسية ومالية غير مسبوقة تواجهها البلاد بعد انصياع رئيس الحكومة للضغوطات الخارجية والمشاركة في الإنقلاب على العهد في ظل ضبابية المشهد في الشارع

هل أطاح الحريري التسوية الرئاسية وانضم الى المعارضة؟

الاخبار.... ميسم رزق ... دخلَ لبنان مرحلة شديدة الخطورة مع إعلان سعد الحريري استقالته. أزمة سياسية ومالية غير مسبوقة تواجهها البلاد بعد انصياع رئيس الحكومة للضغوطات الخارجية والمشاركة في الإنقلاب على العهد في ظل ضبابية المشهد في الشارع.

هل أطاح سعد الحريري بالتسوية السياسية الناظمة لاداء فريق السلطة منذ العام 2016؟ استقال هذه المرة من بيته وأرضه، لكن البعض تذكر معالم وجهه التي ظهرت عليه يومَ أُجبِر في الرياض على التنحي. خطوته ذكرت بخطوة الرئيس الراحل عمر كرامي حين استقال في أصعب أزمة سياسية ومالية مرت بها البلاد عام 2005. خطوة فاجأت وأربكت شركه في التسوية الرئيس ميشال عون (والوزير جبران باسيل ضمناً). اما حزب الله، فعلم بقرار الاستقالة، من الحريري، في الليلة السابقة لإعلانها. وأبلغ الحزب الرئيس نبيه بري بقرار الحريري، قبل أن يبلغ رئيس الحكومة رئيس المجلس بنيته الاستقالة أمس. أما حليفا الحريري، أي «القوات اللبنانية» والحزب الإشتراكي، فتصرفا على ان الاستقالة تصب في مصلحة مشروعهما السياسي. منذُ ساعات الصباح الأولى ليوم أمس، كانت بيروت على وقع سجال بين مؤيد ومعارض لاستمرار قطع الطرقات، وسط انكفاء الجيش والقوى الامنية عن القيام بدورها، لكن النقاش السياسي كان يجري في وقت سابق، قبل ان تنتشر المعلومات عن نية الحريري بالاستقالة. ولم يتأخر الوقت حتى اعلن الحريري نفسه الإستقالة عصراً، ومن ثم سلّمها خطياً إلى عون في لقاء بينهما لم يستمرّ أكثر من عشر دقائق، خرج بعده الحريري والتوتر واضحاً عليه. المحتجون الذين كانت قلة منهم لا تزال متواجدة في الساحات تصرفوا انهم امام انتصار. لكن الرعب ظل مخيما على الجميع، إذ لا احد يملك الجواب عن مآلات الايام المقبلة، في ظل استمرار صراعات اهل الحكم على كيفية التعامل مع الوضع، وتعثّر تشكيل حكومة جديدة. وبحسب معلومات مصادر معنية، فإن ملف التغيير الحكومي صار بحكم الامر الواقع، مع خطاب الرئيس عون الخميس الماضي. وهو قرار تم التفاهم عليه بين القوى الرئيسية. وكان النقاش حول الشكل والتوقيت والاهم حول المضمون. وبقي الخلاف قائما حول حصول تعديل وزاري كبير او تغيير شامل للحكومة. وتفاوتت الطروحات بين خروج الممثلين السياسيين للقوى من الحكومة واستبدالهم بشخصيات اقرب الى التكنوقراط، مع اضافة وجوه يعتقد انها تلقى قبول الناس، وبين تغيير شامل يخرج الممثلين المباشرين للقوى السياسية من الحكومة التي يفترض ان تكون مصغرة. وكان الحريري يضغط مع الوقت لانجاز الامر. لكن الوزير جبران باسيل رفض الخروج من الحكومة، وهو الموقف الذي غطاه الرئيس عون ولم يعترض عليه حزب الله. رئيس الحكومة لم يكُن يعمل على خط واحد، بل اعتمد سياسة اللعب على الحبال. ففي وقت واصلَ فيه عقد لجان وزارية، رافضاً كل تمنيات القوى السياسية عقد جلسة للحكومة، أقله لإظهار جدية في تنفيذ بنود الورقة المالية - «الإصلاحية» بهدف تنفيس الإحتقان في الشارع، كانَ يعقُد اجتماعات سرّية يومية مع مجموعات في الحراك للبحث في خيار حكومة التكنوقراط والطلب اليها وضع أسماء مقبولة في الشارع. ويتهم خصوم الحريري رئيس الحكومة بأنه كان يسعى الى مد جسور مع الناشطين على الارض، بقصد الظهور انه الى جانبهم وانه يؤيّد مطالبهم تمهيداً لاستقالة تجعله خارج شعار «كلن يعني كلن». لكن الاخطر، اعتبار قوى التسوية ان الحريري عمل على تلبية رغبة خارجية باستكمال الإنقلاب الهادف الى تغيير موازين القوى في السلطة. وقالت أوساط بارزة في 8 آذار إن «الحريري كان يتذاكى في موضوع الورقة الإصلاحية التي وقعها كل أهل السلطة على بياض، فيما كان هو يستثمر في الحراك مانعاً التعرض للمتظاهرين وفتح الطرقات، كما اصر على استبعاد باسيل واخراجه من الحكومة». وهو اكد أمام المعنيين أنه «لم يعُد قادراً على تحمّل باسيل والتعايش معه وأن شرطه الوحيد للبقاء داخل الحكومة إجراء تعديل يطال بالدرجة الأولى وزير الخارجية قبلَ أي وزير آخر». وفيما كان النائب السابق وليد جنبلاط موافقاً على طرح الحريري، وويؤيده الرئيس نبيه بري في حال ساعد حصراً على تهدئة الشارع، كان موقف حزب الله واضحاً وجازماً أن «لا تعديل ولا تغيير الا ضمن سلة شاملة وضمن ظروف خاصة»، وهاجس الحزب، هنا، ليس منع كسر باسيل او التيار الوطني الحر، بل منع الخصوم المحليين والخارجيين من الفوز ولو بنقطة، لان الحزب عبر عن خشيته من ان طلب الاستقالة يهدف الى التمهيد لجولة ضغوط اضافية تكون على شكل مطالبات باستقالة الرئيس عون ثم حل المجلس النيابي وترك البلاد امام الفراغ. وحين حاول الحريري ابتزاز القوى السياسية بالإستقالة سمع كلاماً واضحاً «بأنك حين كنت مع باسيل على انسجام تام في إدارة أمور البلاد كانت الأمور ماشية، والآن حين لم تعُد راضياً عنه تريد خراب البلد. هذه الإستقالة تعني الدخول في الفراغ المجهول، وانت بذلك تخرب كل شيء». وعلمت «الأخبار» أن لقاءً عُقِد ليل أول من أمس بين الحريري (في منزله) والمعاون السياسي للامين العام لحزب الله، الحاج حسين الخليل، الذي تمنى على رئيس الحكومة عدم الإستقالة منعاً للفراغ. لكن الحريري أصر على تعديل وزاري يُخرج باسيل ووزراء آخرين من الحكومة، أو الاستقالة. وبعد طرح عدة خيارات، أكّد الحريري لضيفه انه سيستقيل. كذلك حاول الرئيس بري أكثر من مرة ثني الحريري عن قراره، لكن رئيس الحكومة «بقي مُصراً على إصراره» كما قال بري أمام زواره أمس معتبراً أن «المرحلة حساسة جداً وتتطلب تعقلاً وحواراً بين جميع المعنيين للخروج من الأزمة». وتنظر الأوساط السياسية الى خطوة الحريري بوصفها «انقلاباً وتماهياً مع الضغوطات الخارجية التي تعرض لها»، وأكدت الأوساط أن «الاستقالة جاءت بعد ضغوطات أميركية وفرنسية عليه، علماً أن المسؤولين الفرنسيين الذي تواصلوا مع عدد من الشخصيات اللبنانية أكدوا أنهم نصحوه بعدم الإستقالة». وأضافت الأوساط أنه منذ اليوم الأول للتحركات الشعبية كان الحريري يلتزم بكل ما هو مطلوب منه حرفياً، إن على صعيد منع انعقاد جلسة للحكومة، أو في الشارع بعدم اتخاذ اي قرار يلزم الجيش والقوى الأمنية بفتح الطرقات ومحاسبة الذين يسبّبون الفوضى بحجة عدم وضع الجيش في مواجهة المتظاهرين». واعتبرت أن «الحريري كان يلعب من تحت الطاولة من تحديد مهلة 72 ساعة لشركائه في الحكومة، ثم اصرار مقربين منه على إعطاء ثمن سياسي للمتظاهرين، وصولا الى سعيه الى تغيير حكومي وفق تصوره، بالاضافة الى أوامر عمليات كانت تأتي للأجهزة الأمنية بعدم فتح الطرقات أو الضغط على المُحتجين».

الحريري التقى الخليل ليل أول من امس: إما إخراج باسيل أو الاستقالة

بقي ان النتيجة الاولى لهذه الخطوة، طرح السؤال في وجه الجميع: ماذا سيحدث في الشارع، وهل ستذهب البلاد الى مواجهة كبرى، وهل هناك إمكانية لتشكيل حكومة جديدة؟ وزاد من القلق انضمام مجموعات من انصار المستقبل الى التحركات في الشارع والاقدام على قطع طرقات في بيروت لساعات بعد إصدار تيار المستقبل بياناً يطلب فيه الحريري من مناصريه الخروج من الشارع. وتقول المصادر أن «خطأ الحريري هو اقتناعه بأن لا بديل عنه، وأن من سمّوه سابقاً سيكلفونه من جديد، علماً أنه لم يأخذ أي ضمانة في هذا الصدد، وهو خير العارفين بأن موقف أركان التسوية منه قبل الإستقالة هو غيره ما بعدها. مع ذلك ظلّ يكابر وعلى قناعة هو والقوات اللبنانية وبعض التيارات والاحزاب التي ركبت موجة الحراك بأن الإستقالة ستفتح باباً للحلّ والحوار». الحريري قال في خطابه «إنني وصلتُ إلى طريق مسدود»، مناشداً «اللبنانيين تقديم مصلحة لبنان وحماية السلم الأهلي». لكن كلامه عن أن «مسؤوليتنا اليوم كيف ننهض بالاقتصاد، وتوجد فرصة جدية لا يجب أن تضيع»، لا يتناسب مع يومياته بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية، التي لم تتغير حسب عارفيه، إذ إنه لم يتصرف كما لو انه على راس ورشة عمل لوضع الورقة الاصلاحية موضع التنفيذ. اليوم تدخل البلاد في باب الخطوات الدستورية التي ستلي الإستقالة ومنها تحديد موعد الإستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية لتكليف رئيس جديد للحكومة. وقد انعقدت ليل امس، سلسلة اجتماعات لحزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر، وبقيت القنوات ناشطة بين الرئيسين عون وبري والسيد حسن نصرالله والوزير السابق سليمان فرنجية من اجل الاتفاق على تصور للمرحلة المقبلة.

جنبلاط وجعجع يرحّبان

سارع النائب السابق وليد جنبلاط إلى الترحيب بالاستقالة، مغرّداً «منذ اللحظة الأولى دعوت إلى الحوار وعندما رفضتُ الاستقالة (وزراءه) سادَ موقف من التململ والانزعاج في صفوف الحزب الاشتراكي. وتحمّلتُ الكثير. لكن في هذه اللحظة المصيرية وبعد إعلان الشيخ سعد الحريري استقالة الحكومة بعدما حاول جاهداً الوصول الى تسوية وحاولنا معه، فإنني أدعو مجدداً إلى الحوار والهدوء». أما رئيس حزب القوات سمير جعجع، فعلّق بالقول: «حسناً فعل الرئيس سعد الحريري بتقديم استقالته واستقالة الحكومة تجاوباً مع المطلب الشعبي العارم بذلك».

هلأ لوين؟ [2/2]

الاخبار.... ابراهيم الأمين ... في أدبيات المقاومة التي تسكن نفوس المجاهدين شعار تعبوي لا يفارقهم، له بعده الإنساني غير القابل للتأويل، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بكرامة الإنسان وحقه، وهو شعار «هيهات منا الذلة». ومن يرفع هذا الشعار، سواء كان ثائراً عارفاً طريقه أو محتجّاً ولو مضلّلاً، هو إنسان حقيقي. يمتلك كل عناصر الإنسانية غير القابلة للطعن. وعندما يسكن شعار رفض الذل قلب إنسان ونفسه، فإن السردية الدينية تقول إن الله ينتزع من قلبه مهابة خصومه وأعدائه، ويزرع مهابته في قلوبهم. حتى إذا مضى حتى النهاية في الدفاع عن حقه، فاز بإحدى الحسنيين: الشهادة أو النصر!

هذا ما يعرفه الناس من البيئة اللصيقة بالمقاومة، أو البيئة الأوسع التي تعرفت عن قرب الى المقاومة، او حتى البيئة المعادية التي تحاول فهم دوافع المقاومين. حتى من رفع نفسه فوق قامة البشر والناس، يسعى إلى فهم الأمر ولو من زاوية سعيه الى هزم هذا المقاوم. وظيفة هذه المقدمة ليست شرحاً في درس لسنا من أساتذته، لكنها دليل الى قياس البعد الإنساني في مقاربة خصوم المقاومة السياسيين، الحقيقيون منهم أو المضلّلون. ومناسبة الحديث كيفية تعامل بعض أفراد المقاومة وبعض بيئتها مع أشخاص طبيعيين قرّروا، عن وعي، ولو مع نقص في معرفة المعطيات المحيطة ببلدهم، أن يرفعوا سقف اعتراضهم على الظلم اللاحق بهم، إلى حدّ الصراخ احتجاجاً. ووجدوا في آليات الاعتراض المتعارف عليها طريقتهم لقول ما يريدون قوله، في حق سلطة وسلطات فاسدة. سلطات عامة تخص البلاد كافة، وسلطات مناطقية تخص مكان عيشهم، وسلطات محلية تخص إدارة أمورهم اليومية. وهذا ما حصل خلال الأسبوعين الماضيين، عندما خرج مواطنون، كلهم على هيئة بشر، ليعربوا عن غضبهم من هذه السلطات. بعضهم وجد في مناطق بيروت والجنوب والبقاع، حيث لبيئة المقاومة حضورها الكثيف. وهنا بيت القصيد. ما حصل أن من في السلطة، من رجال مخفر وحرس بلدي ومخاتير وأعضاء مجالس بلدية ومفاتيح انتخابية ونواب وسياسيين وحزبيين نافذين، ومتسلطين على مؤسسات الدولة، وحتى على الحياة الخاصة، كل هؤلاء، هالهم أن يخرج من خرجوا احتجاجاً. ولم يكن الأمر يقتصر على عدم فهم أسباب الاعتراض، بل الكارثة تكمن في كون ممثلي السلطات كافة، فوجئوا بأن هؤلاء المواطنين يتجاوزون حدود التعامل السياسي مع السلطات، وخالفوا قواعد العلاقة القائمة بين هذه السلطات والناس منذ عقود طويلة. وهال رجال السلطة أن هؤلاء الناس قرروا، بوضوح، التعبير عن تعبهم ونفاد صبرهم، ورغبتهم بالسؤال قبل المحاسبة وطلب التغيير. الناس صرخوا جهاراً نهاراً. والبلطجة حصلت جهاراً نهاراً. هذا الوضوح لم يكن ممكناً لولا الكارثة المتراكمة على مدى ربع قرن من عمر هذه السلطة، بعد ربع قرن من القهر والحروب الدامية، وهو أتى بدوره بعد ربع قرن من استقلال وهمي اخترعه لنا استعمار تناوب على مدى قرون من الاحتلال والاستعباد. هذه الكارثة، في نسختها الأخيرة، أصابت الناس المقهورين توالياً ومن دون توقف. ولولا ثورة الفقراء التي تجلّت في نضال مدني وعسكري سقط خلاله عشرات الألوف من الشهداء، لم يكن ممكناً تبدل الأحوال. وهنا أيضاً بيت القصيد. ما يجب الحديث عنه مع أهل المقاومة في هذا الصدد هو ما يتعلق بالمقهورين الذين تحوّل احتلالهم مواقع السلطة والنفوذ الى مصدر حرمان للآخرين. وهذا هو أصل النقاش. والغالبية الساحقة من الناس الذين خرجوا معترضين، في بيروت والجنوب والبقاع، ليسوا سوى أبناء المقاومة التي قامت ولا تزال ولو مع تبدل الرايات. وهم، في غالبيتهم، أشخاص عانوا الأمرّين حتى تحقق ما يفترض أنه تحرّرهم من احتلال قوى خارجية، ومن استبداد سلطات محلية. وهؤلاء، في غالبيتهم، ممن لم يخرجوا يوماً في وجه المقاومة القائمة الآن. ودلّت التجارب على أنهم وقفوا، وبدون تردد، الى جانب المقاومة، ليس بالخطاب أو البيان، بل بالتضحيات والدماء والدموع والإمكانات على ندرتها. وهؤلاء، مهما تعرّضوا لتضليل أو استثمار أو محاولة استثمار، ليسوا أبداً في موقع يحق لأحد، أياً كان، أن يهين الإنسان في داخلهم ويهين كرامتهم ويقوم بإذلالهم. ما حصل في النبطية وصور ووسط بيروت ليس له سوى وصف واحد: البلطجة بأقرف صورها. وما حصل في النبطية وصور ووسط بيروت، ليس له سوى عنوان واحد: تمسك القاهر بقهره وسيلة للتعامل مع الناس. وما حصل في النبطية وصور وبيروت، ليس له سوى معنى واحد: فوقية إقصائية لا تعرف لحقدها حدوداً، ولا تعرف لطمعها حدوداً، ولا تعرف لوحشيتها حدوداً. وهذا ما يجب الحديث عنه.

من خرجوا في غالبيتهم ممن لم يخرجوا يوما في وجه المقاومة ودلت التجارب انهم وقفوا من دون تردد الى جانبها

لم يكتف المجرمون والزعران بفعلتهم في المسارح والمطارح. بل هم يواصلون أبشع عملية إذلال للناس. وليس من عاقل يقبل أن يبادر محتج انتفض غير آبه بجراحه وموته، لكنه يعود في لحظة الى موقع التائب والمعتذر المتخلي عن كرامته. وهذا الإذلال لا يحصل إلا عندما تكون خلفه قوة ظالمة، قوة متنفذة، قادرة على تهديد الناس بقوت يومها، وبوظائفها، وبأمنها الشخصي، وبسلامة عائلاتها، وبالحرم الاجتماعي وحتى الديني. وهنا أيضاً، بيت القصيد. أعرف شخصياً السيد حسن نصر الله، وأعرفه منذ زمن بعيد، وأعرف الكثير عن عقله وقلبه، وأعرف متى يقسو على نفسه وعلى أهله من أجل القضية المحقة. وأعرف كم حمل وصمت عن كبائر ترتكب، فقط لحماية المقاومة. وأذكر أنه قال لي يوماً إنه لن يسأل عن ماء وجهه وهو يقود شباباً يخسرون حياتهم من أجل المقاومة، ولن يسعى الى بقاء صورته مرفوعة في بقاع الدنيا بينما تخسر المقاومة، ولن يقبل إغراءات الدنيا مقابل قناعاته الإلهية. لكنني أعرف ما هو أهم، أعرف إدراكه لمعنى الرجولة والشهامة واحترام الذات الإنسانية، وأعرف حجم حرقته على ظلم يلحق بطفل أو فتى أو صبية أو شاب أو أم أو أب. ولذلك، أسأله: هل يعقل أن لا تبادر الى منع هذا الظلم المستمر بحق إخوة لك في الخلق، لمجرد أنهم أعربوا عن رأي مخالف لرأي الزعيم ومحاسبيه؟

بهذا المعنى، سيكون الحديث واضحاً وصريحاً، حول المسؤولية المباشرة، والكاملة، لحركة «أمل»، من رئيسها الى قياداتها السياسية، الى وزراء ونواب ومجالس بلدية، الى ضباط ورجال أمن، الى رجال دين ونافذين وفتوة، الى جيش من المرافقين الذين يتولون مهمة إذلال الناس، ومعاقبتهم على رفع صوتهم اعتراضاً على أداء سلطة، تتولى «أمل» حصة كبيرة منها. السؤال هنا، ليس عن العقل العفن الذي لا يزال يتحكّم بمن يلاحق الناس لإذلالهم. وإنما عن الثمن الذي يجب أن يدفعه الناس حتى يتغير هؤلاء، أم أنهم يريدون من الغاضبين اقتناص أول فرصة جديدة، والتصرف هذه المرة، بدرجة من العنف الذي يلجأ إليه المقهورون دفاعاً عن الحق، في ليلة صالحة أو كالحة... إن تعرّض أيّ مواطن في بيروت والجنوب والبقاع لضغط أو إذلال لمنعه من التعبير عن رأيه، أو للعودة عن رأيه، أو لمنعه من الخروج من المنزل، هو عملية وحشية سيتم التشهير بالقائمين عليها، ومحاسبة الزعران، ومن يقف خلف بلطجتهم، هي مطلب لا يقل أهمية عن مطالب الناس الفقراء بدولة عادلة!!...

الاخبار...«انتصار أوّل»... برغم البلطجة

الاحبار..... إيلي الفرزلي ... سعى مناصرو حركة أمل إلى ترويع المعتصمين على جسر الرينغ وفي ساحتَي الشهداء ورياض الصلح، فكانت النتيجة مزيداً من الإصرار على استكمال المعركة في وجه السلطة. بعد إحراق الخيام وتكسير المهاجمين لكلّ ما وقعت أيديهم عليه، سرعان ما بدأت «ورشة إعادة الإعمار» في الأماكن الثلاثة ولا سيما في الساحتين. خلال ساعات، استعادت «البلد» حلّتها التي اعتادتها منذ أسبوعين. كان المتظاهرون يثبتون أن البلطجة لن تثنيهم عن إيمانهم بأن شرعية هذه السلطة سقطت في الشارع، وبالتالي، ليست استقالة الحريري سوى أحد أوجه هذا السقوط. في موقف السيارات المحاذي لمبنى العازارية، كانت كل مجموعة قد شرعت في إعادة تثبيت ما أمكن من الخيام، على وقع تناقل أخبار وقصص المهاجمين، الذين نزلوا بالمئات، فيما كان المعتصمون بالعشرات. الدفة لم تكن متوازنة، ولذلك، تحوّلت ساحة الشهداء وموقف العازارية إلى ما يشبه الأرض المحروقة. لا شيء بقي في مكانه من منصات وخيام ومسارح وستاندات. وحدها تلك القبضة المرفوعة مقابل مسجد الأمين، وكتب عليها «ثورة»، ظلت صامدة في وجه محاولات حرقها. كل ذلك كان يحصل أمام أعين قوى الأمن والجيش الذين ملأوا الساحتين، لكنهما فضّلا ترك المهاجمين يعيثون خراباً في المكان، مقابل حماية من أمكن من المتظاهرين الصامدين. لم يجد المهاجمون من يصدّهم، إلا في ساحة رياض الصلح. هناك حيث الشيوعيون واليساريون الموجودون فيها، دافعوا عن أنفسهم بما أمكن. وهناك، لولا القنابل المسيّلة للدموع، لكان الدم قد سال، بعدما أطبقت أعداد كبيرة من المهاجمين الخناق على المعتصمين، ومعهم مكافحة الشغب، هم الذين دخلوا إلى الساحة من المدخلين الوحيدين المفتوحين إليها (من جهة الإسكوا ومن جهة جامع محمد الأمين). كل ذلك نُسي لحظة الاستقالة، لتحلّ محلّه الاحتفالات التي لم تعكّرها تحليلات عن عوامل خارجية وداخلية، اقتصادية وسياسية، دفعت الحريري إلى تنفيذ خطوته. وهذا لا يعني أن هؤلاء المنتفضين لا يرون هذه العوامل أو يتغاضون عنها، بقدر ما يعني، في هذه اللحظة، أنهم مؤمنون بالتغيير وبقدرتهم على التغيير. ولذلك، لن يتراجعوا عن سلميتهم وعن حقهم في التظاهر والإضراب إلى أن تتحقق مطالبهم.

لولا القنابل المسيّلة للدموع، لكان الدم قد سال في رياض الصلح

هنا، قد لا تكون المطالب واضحة تماماً، وخاصة في ظل عدم وجود قيادة للحراك أو هيئة تنسيق جامعة، لكن أجواء الاتصالات بين المجموعات المختلفة، ولا سيما تلك الموجودة في رياض الصلح وموقف العازارية، تدور حول نقاطٍ عدة:

1- استقالة الحكومة مهمة لكنها ليست كافية، ولذلك لا خروج من الشارع.

2- البديل من الحكومة المستقيلة هو حكومة مدنية تضم مجموعة من الأسماء الموثوقة، من خارج قوى السلطة، وقادرة على أن تحوز ثقة الناس.

3- استكمال التظاهرات والإضراب العام، مع عدم حسم مسألة الاستمرار في قطع الطرقات، انطلاقاً من فكرتين يتم التباحث بهما، الأولى تتعلق بضرورة الإبقاء على حالة الشلل في البلاد، لزيادة الضغط على السلطة، والثانية أنه لا ضير في مقابلة خطوة استقالة الحكومة بخطوة فتح الطرقات. أصحاب الرأي في الساحتين يضعون أمامهم هدفاً ضمنياً هو سحب البساط من تحت القوات، التي حوّلت قطع الطرقات في المناطق المسيحية إلى أداة ابتزاز لشركائها في السلطة.

4- يتم البحث أيضاً في فكرة تحميل الحكومة المقبلة مسؤولية حماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة من مخاطر الانهيار المالي، الذي صار أمراً واقعاً.

نداء الوطن....أخيراً... يا شيخ

عون: "منكمّل بللي بقيوا وبعدين منتحاسب مع الأجهزة" "الثورة" تفرض إستقالة الحكومة... وخشية من "أزمة حكم"

سجّلت الثورة أمس الهدف الأول في مرمى السلطة المتعنّتة التي راهنت على صمود التركيبة التي انتفض في وجهها اللبنانيون. وجاءتها الصفعة من داخلها على طريقة "من بيت ابي ضُربت"، فاستقال الرئيس سعد الحريري قالباً الطاولة التي كان وزير الخارجية جبران باسيل يلوّح بقلبها على رأس شركائه. وبين تأكيد المحيطين بالحريري أنه بذل جهده لإجراء تعديل حكومي أو للاتفاق على حكومة جديدة تواكب الواقع السياسي المستجد الذي فرضته الساحات الثائرة، وبين استياء "الثنائي الشيعي" من خطوته بعدما طلب اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة "حزب الله" التريّث، تدخل البلاد في مرحلة ترقّب، بل خطر، حسبما قالت وزارة الخارجية الفرنسية تعليقاً على الاستقالة. وإذ تلقت لجان التنسيق في الثورة خبر الاستقالة بشعور بالثقة، فإنها بحثت إمكان تخفيف قطع الطرقات تسهيلاً لأمور المواطنين، مع البقاء على الجهوزية الكاملة لتحقيق تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن. وذكر أمس أن عدداً عشوائياً من الناشطين في الحراك الشعبي قد يزورون بعبدا غداً الخميس للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وبدا أمس أن ردود الفعل الرسمية على استقالة الحريري غاضبة وتتجه الى الحدة، ليس تجاه الثورة فحسب، بل ايضاً تجاه الحريري والأجهزة الامنية التي رفضت إراقة دماء الشعب لارضاء الحكام، وتجاه أحد شركاء الخندق الواحد أي "حركة أمل". فرئيس الجمهورية رد على سؤال صحافيين كانوا يتابعون معه خبر الاستقالة من خلال التلفزيون بالقول: ""منكمل بللي بقيوا". وعن أداء القوى الامنية أجاب: "بعدين منتحاسب مش اليوم". وحمَّل وزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة المسؤولية كونهما "أساءا إدارة الازمة كما يجب". ووجه لوماً الى الحريري وبري لأنهما لم يشرعا في فتح باب مجلس النواب أمام التشريع تطبيقاً لما ورد في الورقة الاصلاحية. وهكذا فإن الغموض يحكم المرحلة، والخشية تتزايد من فوضى عارمة أوحت بها "بروفا" عنيفة في وسط بيروت أمس على يد مناصرين للثنائي الشيعي. وشرّعت إستقالة الحريري الباب عملياً على شتى الاحتمالات، ومنها حصول مواجهة مفتوحة في البلد، إذ إن خطوته التي سارع "الاشتراكي" و"القوات" و"الكتائب" و"المستقبل" الى الترحيب بها، لم يستسغها "التيار"، فأبدى عدد من وزرائه ونوابه صدمتهم "كونها جاءت من دون التنسيق معنا حول ما بعد الاستقالة، لذلك فإنها خطوة في المجهول". في وقت أعلن وزير الدفاع الياس بوصعب أن "خيار وجود رئيس "التيار" الوزير جبران باسيل في الحكومة هو خيار "التيار" وحده". وتعني إستقالة الحريري في ما تعنيه أنه لا يمكن أن تتشكل حكومة من الطبيعة نفسها، بل يجب الذهاب الى حكومة إختصاصيين. كما تعني أن لا عودة لباسيل، فمطلب الناس حكومة غير سياسية لا يكون من ضمنها. كذلك يفهم منها أن الحريري تجاوب مع مطلب المتظاهرين، ويقول للرأي العام: هناك من لا يريد أن يتجاوب مع مطلبكم، "حزب الله" الذي يرسل عناصره لقمع المحتجين في وسط بيروت ورئيس الجمهورية الذي لم يتجاوب بالشكل المطلوب. وبالتالي، فإن المواجهة أصبحت اليوم مباشرة بين المتظاهرين ومعهم "تيار المستقبل" وبين "حزب الله" ورئيس الجمهورية الذي إن لم يتلقف الامر ويبادر سريعاً الى تشكيل حكومة اختصاصيين تشبه الثوار وتلبي مطالبهم، فالوضع سيتّجه حتماً الى "أزمة حكم" تضع البلد أمام فصل جديد من فصول المواجهة. "حزب الله" آثر عدم التعليق على استقالة الحريري وفضل انتظار الكلمة التي سيلقيها أمينه العام بعد غد الجمعة. لكن مصادر مطلعة على أجواء "الحزب" قالت إن استقالة الحريري حصلت من دون اتفاق مسبق وهو التقى الوزير محمد فنيش مطولاً أمس الأول وأبلغه بأن الاستقالة غير واردة. وتقول المصادر نفسها إن عودة الحريري ستكون مشروطة بقبول "الحزب" خصوصاً أنه سبق وقال له: إذا استقلت فعودتك غير مؤكدة.

الأسماء المرشحة

وفور استقالة الحريري بدأ التداول بأسماء مرشحين لخلافته وأبرزهم الرئيس السابق تمام سلام الذي رد، قبل الاستقالة، على سؤال عن استعداده لتولي المسؤولية بالقول إنه لن يطعن الحريري والموضوع يستوجب درساً. كما تردد أن عون سبق وسمّى محمد الصفدي وفؤاد مخزومي، والإسمان قد لا يرضى عنهما "حزب الله".

بومبيو يدعو إلى تشكيل حكومة جديدة وفاعلة في لبنان

الكاتب:(رويترز) ... حث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الزعماء السياسيين في لبنان على المساعدة في تشكيل حكومة جديدة تلبي احتياجات شعبها بعدما استقال رئيس الوزراء سعد الحريري على أثر احتجاجات حاشدة ضد النخبة الحاكمة. وقال بومبيو في بيان يوم أمس الثلاثاء «المظاهرات السلمية ومظاهر التعبير عن الوحدة الوطنية في الثلاثة عشر يوما الماضية بعثت برسالة واضحة. الشعب اللبناني يريد حكومة تتسم بالكفاءة والفاعلية وإصلاحا اقتصاديا ونهاية للفساد المستشري».

إيران تدعو إلى الوحدة بين الجماعات السياسية في لبنان

الكاتب:(رويترز) ... دعت إيران، مساء أمس الثلاثاء، إلى الوحدة بين الجماعات السياسية في لبنان بعد استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري وسط احتجاجات تشهدها البلاد. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي في بيان إن طهران «تدعو إلى الوحدة والتعاطف بين جميع الطوائف والأحزاب السياسية في لبنان من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد وتحقيق المطالب المشروعة للشعب اللبناني». وأضاف أن إيران تأمل بأن يجتاز لبنان حكومة وشعبا «هذه المرحلة الخطيرة والحساسة بنجاح». واستقال الحريري أمس معلنا أنه وصل إلى «طريق مسدود» في محاولته حل أزمة نجمت عن احتجاجات حاشدة ضد النخبة الحاكمة وأدخلت البلاد في مزيد من الاضطرابات.

هكذا «أغار» مناصرو «أمل» و«حزب الله» على معقل «الثورة» في وسط بيروت

الراي....سريعاً لملم «الثوار» في ساحتيْ رياض الصلح والشهداء «أشلاء» خيمهم التي انقضّ عليها فجأةً بعد ظهر أمس نحو 200 من مناصري الثنائي الشيعي حركة «أمل» و «حزب الله» في «غزوةِ» شَغَبٍ أحدثتْ ردّ فعل عكسياً في الساحات التي استعادتْ «وهْجَها» بوجه ما اعتبروه «بلْطجةً» واستباحةً لحِراكٍ سِلْمي ورسالةً ذات طبيعة أمنية كانت حاضرة في خلفيات استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري. وبدا أن الحِراك الشعبي الذي شكّلت استقالة الحريري «هديةً» له، ماضٍ في انتفاضته ومتمسّك بـ«عُدّة» الضغط لاستكمال تحقيق أهدافه وأبرزها قطْع الطرق الذي كان محور «المواجهة» مع السلطة وأدواتها الحزبية تحت عنوان «ممنوع» المضي في هذا المسار وسط مراكمة الائتلاف الحاكِم «مضبطة اتهام» تحمّل الثورة مسؤولية ما قال إنه «كوارث» بدأت تطلّ برأسها على مستوى نفاد أدوية وعدم القدرة على توفير المحروقات والقمح وصولاً إلى الشلل الذي يصيب القطاع المصرفي. ومنذ ساعات الصباح الأولى أمس، ظهرتْ مؤشرات وجود قرارٍ بافتعال إشكالات عند النقاط المقطوعة بين المحتجين وبين «مواطنين» بما يستدعي تدخل القوى الأمنية لفرْض فتْح الطرق كأمر واقع. ولم يكن حلّ الظهر حتى اتجهت العدسات إلى محلة جسر الرينغ على تخوم وسط بيروت حيث تجمْهر مناصرون لـ«أمل» و«حزب الله» بالقمصان السود وتَواجهوا كلامياً بدايةً مع المتظاهرين الذين «يستقرّون» على الجسر منذ أيام، قبل أن يشنّوا «غارة» على خيمهم ويتعرضوا لهم ولبعض وسائل الإعلام بالضرب بالعصي والحجارة ما أدى إلى سقوط ما لا يقلّ عن 6 جرحى. ولم يكد مشهد «الرينغ» أن يهدأ، حتى توجّهت «كتيبة الشغب» إلى ساحة الشهداء على وقع هتافات «الله نصر الله والضاحية كلها»، و «بالروح بالدم نفديك يا نبيه (الرئيس نبيه بري)»، لتبدأ عملية «تدمير ممنهج» لكل البنية التحتية لمعقل «الثوار»، من المنصات والخيم إلى شعار الثورة وقد أضرمت النيران في العديد منها، وسط اعتداءات على مواطنين وإعلاميين على مرأى من القوى الأمنية التي بدت «على الحياد» لوهلة. ومع انتقال مؤيدي «أمل» و«حزب الله» إلى ساحة رياض الصلح تكرر مشهد «التدمير» والحرْق والاعتداء نفسه (سقط جرحى) في ظل خشية من توجّه هؤلاء إلى مناطق محيطة مثل الجمّيزة، الأمر الذي استوجب تدخّل الجيش الذي «ردّ» المهاجمين، قبل أن تطلق عليهم قوة مكافحة الشغب قنابل مسيّلة للدموع لينسحبوا في اتجاه جسر الرينغ ومنه إلى المناطق التي أتوا منها وسط كرّ وفرّ مع القوى الأمنية التي استخدمت رصاصاً مطاطياً لمنْع عودتهم.

الحريري استقال ورمى «كرة النار» في ملعب عون - «حزب الله»

«الثورة» حقّقتْ أول مَكاسبها والعيْن على المرحلة المقبلة

الراي....الكاتب:بيروت - من وسام أبو حرفوش,بيروت - من ليندا عازار ... دَخَلَ لبنان مرحلةً شديدة الغموض ومحفوفة بأخطار الفوضى السياسية والأمنية والمالية مع إعلان الرئيس سعد الحريري أمس استقالة حكومته في اليوم الـ13 للثورة التي انفجرتْ في البلاد، وبعدما قَفَلَ تحالُف «حزب الله» وفريق الرئيس ميشال عون البابَ أمام أي مَخارج توفّر «هبوطاً آمناً» من الأزمة غير المسبوقة التي دخلتْها البلاد منذ 17 أكتوبر الجاري. وجاءت استقالة الحريري التي أعلنها من دارته (بيت الوسط) في الرابعة من بعد ظهر أمس، وخلْفه صورة والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعدما أدار تَحالُف عون - «حزب الله» الظهرَ لاقتراحيْن تَقَدَّم بهما، واحدٌ يقضي بتعديلٍ وزاري يستبعد الوجوه المستفِزّة، وبينها رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، والثاني أن يتقدّم باستقالةٍ من ضمن تَفاهُم على مرحلة ما بعدها أي تشكيل حكومة من غير السياسيين وتضمّ خبرات ذات صدقية. وبدا واضحاً ان الحريري كَسَر باستقالته «الخط الأحمر» الذي كان رَسَمَه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أمام أي استقالةٍ للحكومة الحالية كما أمام تشكيل حكومة اختصاصيين، وأن زعيم «تيار المستقبل» اختار في توقيتٍ بالغ الحساسية الخروجَ مما يشبه «الإقامة الجبرية» التي وُضع فيها منذ انطلاقة الثورة وحظْر نصر الله استقالته، بحيث بات بين مطرقة الشارع اللاهب (حمى الحريري حِراكه عبر القوى الأمنية) وسندان إصرار تحالف عون - «حزب الله» على الحلّ الأمني لفضّ الانتفاضة انطلاقاً من فتْح الطرق عنوةً عوض الحل السياسي الذي كان يصرّ عليه رئيس الحكومة على قاعدة إما تعديل وزاري جذري وإما استقالة مع خريطة طريق مسبقة لما بعدها. ولم يتطلّب الأمر عناءً كبيراً لتبيان أن قلْب الحريري الطاولة شكّل سقوطاً للتسوية السياسية التي كانت أُبرمت في 2016 وأوصلت العماد عون إلى رئاسة الجمهورية في 31 اكتوبر من العام نفسه وأعادتْ زعيم «المستقبل» إلى رئاسة الحكومة، ولا سيما أن ما كان تَرَكَ التباساً لجهة كلام رئيس الحكومة عن وضْع استقالته بتصرف رئيس الجمهورية سرعان ما تأكّد أنه لا يعني بأي شكل «نصف استقالة» بل استقالة نافذة عبّر عنها تقديمها من زعيم «المستقبل» خطياً إلى عون في لقاء بينهما لم يستمرّ أكثر من عشر دقائق خرج بعده الحريري وملامح الغضب عليه، وسط تأكيد دوائر «القصر» أن عون سيعلن قبول الاستقالة وتكليف الحريري تصريف الأعمال وتشديد خبراء دستوريين أنه بموجب المادة 69 من الدستور فإنه بمجرد تقديم رئيس الوزراء استقالته تصبح الحكومة بحكم المستقيلة تلقائياً. ورغم أن الحريري تحدّث في بيان الاستقالة عن «صدمة» أراد إحداثها للخروج من الواقع المأزوم، إلا أن إشارته الى «الحائط المسدود» عكستْ حجم التعقيدات التي أفضت إلى خيار رمي الكرة في ملعب الآخَرين، وسط معلومات عن أن اتصالات كثيفة جرت مع زعيم «المستقبل» نهاراً لثنيه عن قراره وأن لقاءً عاصِفاً عُقد في «بيت الوسط» بينه وبين باسيل وانتهى بطريقة غير ودّية. واعتبرت الأوساط السياسية أن «غزوة» القمصان السود ابتداءً من ظهر أمس لوسط بيروت ابتداءً من نقطة جسر «الرينغ» وصولاً إلى ساحتيْ رياض الصلح والشهداء حيث جرى تحطيم وحرق «خيم الانتفاضة» وشعارها من مناصرين لـ«حزب الله» وحركة «أمل» اعتدوا أيضاً على الثوار، شكّل أحد مؤشرات غياب التفاهم على استقالة الحريري، بحيث بدا ما يشبه «7 مايو» الجديد (في إشارة إلى اجتياح حزب الله لبيروت ومحاولة اقتحام الجبل في 2008) بمثابة رسالة استباقية لزعيم «المستقبل» أو حتى برسْم المرحلة المقبلة، في ظل اقتناعٍ بأن انسحاب رئيس الحكومة من مرمى «نار» الاحتجاجات في الشارع سيجعل ضغط الثورة ينصبّ على «العهد» (رئيس الجمهورية) وأن «حزب الله» لن يكون في وارد التسليم بحكومةٍ غير سياسية يكون خارجها في غمرة تَرقُّب اشتداد العقوبات الأميركية عليه، وبما يعطي انطباعاً بأن الساحة اللبنانية أفلتتْ من قبضته ومن ورائه المحور الإيراني في لحظة انفجار التظاهرات في العراق. وأعطتْ هذه «الرسالة الأمنية» من «حزب الله» إشارةً بالغة السلبية حيال ما ينتظر لبنان الذي تزداد مؤشرات الخوف والهلع على واقعه المالي - الاقتصادي الذي لم يخفّف من وطأته استمرارُ المصارف بقفل أبوابها منذ 18 الجاري، ولا سيما بعد «جرس الإنذار» الذي قرعه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من أن «أياماً» تفصل لبنان عن «انهيار مالي»، قبل أن يسارع إلى توضيح أنه لم يتحدث عن أيام للانهيار وانما لضرورة ايجاد حل للأزمة القائمة، والتي وصل معها سعر تداوُل الدولار (تعاني الأسواق شحاً فيه منذ ما قبل الثورة) لدى الصيارفة الى نحو 1750 ليرة (السعر الرسمي ما زال نحو 1510 ليرات). وفي موازاة تَرقُّب الخطوات الدستورية التالية ومنها تحديد موعد للاستشارات النيابية المُلزمة التي يجريها عون لتكليف رئيس للحكومة الجديدة في ظل رصْد إذا كان الحريري يمكن أن يقبل بمعاودة تكليفه، وهو ما ستعترضه الشروط نفسها التي أفضت إلى استقالته، وإذا كان ائتلاف عون - «حزب الله» يمكنه تحمُّل الأثمان السياسية ولا سيما الخارجية لـ«خسارة» الحريري على رأس الحكومة، استوقف كثيرين أن زعيم «المستقبل» ختم بيان الاستقالة بعبارة «حمى الله لبنان» التي ذكّرت بالجملة الشهيرة التي أنهى بها والده الرئيس رفيق الحريري رسالة استقالته العام 2004 قبل أشهر قليلة من اغتياله إذ قال «أستودع الله سبحانه وتعالى، هذا البلد الحبيب لبنان، وشعبه الطيب». ورغم أن استقالة الحريري شكّلت مكْسباً للثورة التي حققت أول مطالبها منذ انطلاقتها، لم يظهر أن الشارع في وارد التراجع أو الاستكانة، أولاً لأنه اختار الردّ في الساحات على «اجتياح» «حزب الله» و«أمل» لمعقله في وسط بيروت، وثانياً لأن «الانتفاضة» تريد أن تبقى «قوة ضغط» على الأرض لتحقيق كل الأهداف بدءاً من تأليف حكومة مصغّرة من اختصاصيين تمهّد لانتخابات نيابية مبكّرة. ولم يكد رئيس الحكومة أن يعلن استقالته حتى تلقّفها الشارع المنتفض بهبّة في الساحات التي استعادت زخمها، وسط مَظاهر فرح في مختلف المناطق، من بيروت وصولاً حتى أقصى الشمال والجنوب وكذلك في البقاع، حيث عبّر المواطنون عن سعادتهم بهذا «الانتصار الأوّل لوجع الناس»، علماً أن بعض مناصري زعيم «المستقبل» قاموا بقطع بعض الطرق في العاصمة بعد الاستقالة ورداً على استباحة مجموعات الشغب وسط بيروت. أما سياسياً فقد سارع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، إلى الترحيب بالاستقالة مغرّداً «منذ اللحظة الأولى دعوت إلى الحوار وعندما رفضتُ الاستقالة (وزراءه) سادَ موقف من التململ والانزعاج في صفوف الحزب الاشتراكي. وتحمّلتُ الكثير. لكن في هذه اللحظة المصيرية وبعد إعلان الشيخ سعد الحريري استقالة الحكومة بعدما حاول جاهدا الوصول الى تسوية وحاولنا معه فإنني أدعو مجدداً إلى الحوار والهدوء». وأعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «حسناً فعل الرئيس سعد الحريري بتقديم استقالته واستقالة الحكومة تجاوبا مع المطلب الشعبي العارم بذلك». وعلّقت وزيرة الداخلية في الحكومة المستقيلة ريّا الحسن (من فريق الحريري) على استقالة الحريري، وقالت إن هذه الخطوة «كانت ضرورية لمنع الانزلاق نحو الاقتتال الأهلي الذي شهدنا خطَره اليوم (امس) في وسط بيروت».

قراءة في {الثورة المضادة}

الشرق الاوسط....حسام عيتاني... لم يهتف المتظاهرون ضد أي حزب، لا في السلطة ولا خارجها، في اليومين الأولين من المظاهرات في لبنان مساء الخميس 17 أكتوبر (تشرين الأول). اقتصرت الهتافات والشعارات في اليومين الأولين ضد رموز السلطة التنفيذية والتشريعية والأشخاص الأكثر انغماساً في الفساد، بغضّ النظر عن انتماءاتهم الطائفية والحزبية. كانت الصرخات التي ارتفعت «وطنية» بهذا المعنى العابر للحساسيات الفئوية. المفاجأة وقعت يوم السبت 19 أكتوبر، عندما ظهر الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله على شاشة التلفزة وحظر على المتظاهرين إسقاط العهد (رئيس الجمهورية) والحكومة في الشارع، واضعاً نفسه في موضع الوصيّ على الدولة التي كان يكتفي حتى ذلك الحين بإدارة مفاصلها الأمنية والسياسية من وراء الستار، ومحدداً في الوقت ذاته المدى الذي يجوز لانتفاضة الشباب أن تبلغه. دخول نصر الله، زعيم الحزب الأكبر والأقوى والأكثر تنظيماً والقوة المسلحة الوحيدة التي يُحسب لها حساب خارج إطار المؤسسات العسكرية الشرعية، رفع تحدياً إضافياً أمام المنتفضين. الورقة الإصلاحية التي قدمها رئيس الوزراء سعد الحريري وتضمنت عدداً من الوعود غير القابلة للتنفيذ، في رأي المعترضين عليها، أخفقت في ثني الشباب اللبنانيين عن متابعة احتجاجاتهم وتمسكهم باستقالة الحكومة الحالية ومجيء حكومة بديلة قادرة على الخروج من الوضع المعيشي والاقتصادي المزري الذي أوصلت الحكومات المتعاقبة البلد إليه. ثم ألقى رئيس الجمهورية ميشال عون كلمته يوم الخميس 24 أكتوبر، وقد خلت من أي مضمون ملموس ودارت في أجواء تفهم السلطة لمطالب المحتجين ودعتهم إلى الحوار. وفشلت أيضاً في ترك صدى إيجابي بين المتظاهرين الذين تصاعد الشعور بينهم أن دوائر الحكم، بمختلف مستوياتها، تمارس خديعة هدفها إدخال الانتفاضة في حال من اليأس وافتعال انشقاقات فيها من خلال الطلب إلى المنتفضين تشكيل وفد لإجراء حوار مع رئيس الجمهورية الذي أحال كل الحلول إلى المؤسسات القائمة وهي، بالضبط، المشكو من فسادها وانعدام جديتها وفاعليتها. في يوم الجمعة التالي، ظهر نصر الله من جديد في كلمة استمرت ساعة كاملة أعاد فيها تأكيد تفهم مطالب المتظاهرين واشتكى مثلهم من الفساد في مؤسسات الدولة. لكن كلمته هدفت إلى زرع الشك في الانتفاضة من خلال التساؤل عن «القادة السريين» الذين يحركون الشارع ويقودون الحراك. والطلب إلى المتظاهرين الكشف عن أسماء القادة المتخيلين الذين اتهمهم نصر الله بتلقي التمويل من السفارات الأجنبية. وساق عدداً من الأعمال، أكثرها من بنات خياله وخيال أجهزته الأمنية، عن نصب المتظاهرين حواجز تطلب من المواطنين إبراز هوياتهم وما يشبهها من الممارسات التي تصبّ في خانة استعادة أجواء الحرب الأهلية. المهم أن نصر الله شدد في كلمته الثانية على سدّ باب التغيير الحكومي وإمكان حصول أي إصلاح ذي معنى. وكان مشهد إرسال «حزب الله» المئات من مؤيديه على الدراجات النارية يهتفون بشعارات تحيّي سعد الحريري من المشاهد السوريالية في حياة اللبنانيين الذين عايشوا وقائع العداء المستحكم السابق بين تيار «المستقبل» والحزب الذي تتهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قياديين منه باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، والد رئيس الوزراء الحالي. رفعت كلمة نصر الله التوتر العام خصوصاً أنها جاءت بعد صدامات افتعلها مناصروه مع المتظاهرين السلميين في بيروت وبعد هجوم عناصر الحزب على المحتجين في مدينة النبطية وفرضهم ما يشبه الحصار على المنتفضين في مدينة صور. وسرعان ما تحولت اتهامات نصر الله إلى حملة إعلامية ترمي إلى أبلسة الانتفاضة وإلقاء اتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، على المتظاهرين وتشكيل قيادات وهمية لهم ووضعهم في مصافّ العملاء والخونة. المدهش في الموضوع أن نصر الله هو من وضع حزبه و«جمهوره» و«شارعه» في مواجهة الانتفاضة وأطلق العنان «للمحللين» التلفزيونيين والصحف المؤتمرة بأمره لاختراع أحداث وأسماء وأعمال تذكّر بشيطنة الثورة السورية وإلصاق تهم تمتد من الخضوع لإدارة الاستخبارات الأميركية إلى الإرهاب التكفيري بها، وبالأجواء التي ينشئها أنصار إيران ضد المحتجين على الدولة العراقية الفاشلة والمنهوبة. وليس سراً أن إبقاء لبنان بوابة خلفية للتهرب من العقوبات المفروضة على النظام السوري وورقة ضغط في البرنامج النووي الإيراني، يزيد في الأهمية على هموم اللبنانيين اليومية وانكسار قدرتهم على تلبية جشع الفئة الحاكمة من جهة، والاستمرار في تأمين حياة كريمة بالحد الأدنى لهم ولأبنائهم، من جهة أخرى. ولا يقل ما يقوم به تحالف المصالح العميقة الذي يضم «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وبقايا أتباع النظام السوري، عن ثورة مضادة تهدف إلى إغراق الانتفاضة اللبنانية التي تغذّيها معاناة ملايين الفقراء والمهمشين والشباب، في انقسام طائفي جديد وفي التهويل بتدمير البلد إذا لم يعد الجميع إلى الخضوع لسيادة الفساد والعبث وانسداد آفاق المستقبل.

 

 



السابق

أخبار وتقارير.....مناصرون لحركة «أمل» و«حزب الله» يهاجمون ساحتَي الاحتجاج في بيروت......اللواء...الحريري.. ساضع استقالتي بتصرف رئيس الجمهورية....تعقب بقية المطلوبين على قائمة الإرهاب بعد مقتل البغدادي....خبراء أميركيون: ليست نهاية «داعش»..تحذير من عودة «الذئاب المنفردة» بعد مقتل البغدادي...ماكرون يريد «مساعدة المسلمين» على محاربة التطرف.....باريس قلقة من انتقام «الدواعش» على أراضيها...بركان أميركا اللاتينية يغلي من أقصاه إلى أقصاه...

التالي

العراق...تقارير متضاربة عن «مذبحة» ضد المتظاهرين في كربلاء... عشرات الآلاف يخرقون حظر التجول في بغداد... والصدر ينضم إلى المحتجين في النجف...عبد المهدي يعرض «استقالة مشروطة»....إعلان حظر التجول في ديالى.. ومظاهرات ليلية تجتاح مدنا عراقية....

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,260,420

عدد الزوار: 6,942,587

المتواجدون الآن: 138