مساع فرنسية - ألمانية لإنشاء «جيش أوروبي»... ومخاوف بريطانية على الـ «ناتو»

تاريخ الإضافة الثلاثاء 20 كانون الأول 2016 - 5:56 ص    عدد الزيارات 1131    التعليقات 0

        

 

مساع فرنسية - ألمانية لإنشاء «جيش أوروبي»... ومخاوف بريطانية على الـ «ناتو»
الحياة..محمد خلف 
قبل أن يوجه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خلال حملاته الانتخابية تهديده الأوروبيين بسحب الولايات المتحدة مظلتها الأمنية عن دولهم، كان وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت غيتس وجه في خطاب الوداع قبل أن يغادر منصبه قبل أكثر من 6 أعوام انتقادات لاذعة للشركاء الأوروبيين في الحلف الأطلسي لاتكالهم في حماية أمنهم القومي على بلاده التي تدفع ما يقارب 75 في المئة من موازنة الـ «ناتو» منذ تأسيسه حتى الآن، فيما جميع الدول الأخرى مجتمعة تدفع 25 في المئة فقط، ودعاهم إلى زيادة نفقاتهم الدفاعية لأن واشنطن لن يكون بمقدورها مواصلة هذه الالتزام على خلفية الأوضاع المالية الصعبة التي تعانيها، ما سيضع الحلف أمام مشكلات وتحديات خطيرة على المدى الطويل. لم يكترث قادة بروكسيل لهذا التحذير، لكنهم كأنما يكتشفون لأول مرة أنهم يصطدمون بمعطيات تضع أمن أوروبا على المحك وعلى عتبة تحولات كبيرة. صدرت خلال الأعوام الأخيرة ملاحظات كثيرة عن خبراء الاستراتيجيا والدفاع في الولايات المتحدة تنبه إلى أن التراجع المستمر في الإنفاق الدفاعي الأوروبي سيعيق اضطلاع أوروبا بأي دور مؤثر في قضايا الأمن الدولي. وكشف تقرير للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية صدر عام 2011 «أن 2,7 في المئة فقط من عناصر جيوش الاتحاد الأوروبي البالغ تعدادها حوالى مليوني جندي لديهم القدرات والجاهزية العسكرية والقتالية لتنفيذ المهمات المطروحة بنجاح» و «أن هذه النسبة يمثلها 79 ألف جندي شاركوا في عمليات دعم السلام في دول أخرى خلال الأعوام القليلة المنصرمة». كانت سياسة الأمن والدفاع الأوروبية المشتركة دشنت مع إطلاق معاهدة ماستريخت في كانون الأول ( ديسمبر) 1991 التي تم التوقيع عليها في العام التالي، وهدفت إلى تطبيق سياسة خارجية وأمنية مشتركة، وفي عام 2004 تم تأسيس وكالة الدفاع الأوروبية التي كلفت مهمات تطوير المجالات كافة المرتبطة بالقوات الوطنية للدول الأعضاء، وإقامة المشروعات المشتركة بين قواتها المسلحة. ساد نوع من الانقسام في المواقف وغاب الإجماع بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول الحاجة إلى تأسيس جيش مشترك حيث ظلت بريطانيا تقاوم هذه الخطوة، لكن انتخاب ترامب زاد من الشكوك والمخاوف الأوروبية حول شكل الدور الأميركي وحجمه مستقبلاً، ومدى استمرار إدارة ترامب في توفير المظلة الأميركية الموجودة منذ عقود كآلة ردع وحماية لأوروبا لمواجهة أي عدوان روسي محتمل. نقلت صحيفة (Welt am Sonntag) عن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود – يونكر «أن تشكيل جيش أوروبي سيساعدنا في وضع سياسة خارجية مشتركة وسياسة أمنية موحدة»، وقال: «مع هذا الجيش سيستطيع الاتحاد الرد على التهديدات الموجهة إلى دوله والدول المجاورة» كما «أن روسيا ستدرك جديتنا في الدفاع عن قيم الاتحاد». وفي رد ضمني على يونكر، قال وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون: «بدلاً من التخطيط لإنشاء مركز قيادة رئيسي جديد أو جيش أوروبي يجب على أوروبا إنفاق المزيد من الأموال على دفاعها الخاص، لأن هذا أفضل نهج ممكن لمواجهة مفاجآت ترامب». تعتقد بريطانيا أن تشكيل جيش أوروبي سيقوض الحلف الأطلسي، وقال فالون: «إننا نترك الاتحاد الأوروبي، إلا أننا سنستمر في معارضة أي فكرة عن جيش أوروبي أو مقار لجيش أوروبي». وأضاف: «أن ناتو يجب أن يظل ركيزة الدفاع في أوروبا». ويخالف الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ موقف بريطانيا حيث يرى «أن لا تعارض بين دفاع أوروبي قوي وحلف أطلسي قوي، إذ أحدهما يقوي الآخر». إيطاليا لها رأي خاص ورد على لسان وزير خارجيتها الذي سيترأس الحكومة الجديدة باولو جنتيلوني بتذكيره رفاقة الأوروبيين بما كانت رددته برلين عن إنشاء (شنغن) دفاعية في إشارة إلى منطقة (شنغن) التي أنشأتها 26 دولة أوروبية وقضت بإزالة الحدود في ما بينها لتكون منطقة مفتوحة للتنقل الحر من دون تأشيرة. واعتبر مراقبون هذا الطرح بمثابة تحذير للدول الأعضاء التي لا تزال متحفظة بأن المشروع الدفاعي المشترك سينطلق «بمن يرغب».
شكوك أوروبية
تسود قناعة لدى الأوروبيين بعدم قدرة «ناتو» على حماية دول الاتحاد من عدوان روسي على رغم تأكيداته المتكررة بالدفاع عنها وحماية أمنها القومي، ويتضح من استطلاع للرأي أجراه مركز (Pew Research Center) الأميركي أن أقل من نصف الدول الأوروبية تميل إلى تنفيذ التزاماتها وواجباتها المنصوص عليها في معاهدة الحلف. ورأى أكثر من نصف الألمان والفرنسيين والإيطاليين أن حكومات دولهم لا ينبغي أن تستخدم القوة العسكرية للدفاع عن دولة حليفة وشريكة في الحلف في حال تعرضها لعدوان روسي. وكشف الاستطلاع الذي أجري في ثماني دول أطلسية هي (الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وبولندا) أن أكثر من نصف المشاركين فيه من الولايات المتحدة (56 في المئة) وكندا (53 في المئة) فقط من بين كل هذه البلدان الثمانية يدعمون استخدام القوة العسكرية ضد روسيا إذا هاجمت إحدى الدول الحليفة، فيما قال 58 في المئة من الألمان «أن بلدهم لا يجب أن يتدخل، وأجمع أكثر من ثلثي الأوروبيين (68 في المئة) على أن الولايات المتحدة أكثر جدية في البند الخامس من معاهدة الدفاع المشترك والدفاع عن الحلفاء مقارنة بدولهم». ووفقاً لصحيفة «فاينانشال تايمز» فإن الرئيس بوتين يسعى من أجل زيادة منسوب هذه الاختلافات والخلافات بهدف تخفيف تأثير العقوبات، ولزيادة الشكوك لدى الأوروبيين بوعود الـ «ناتو» بالدفاع عن أمنهم القومي. وتتهم غالبية السكان في الدول الكبرى الأعضاء في الحلف روسيا بالوقوف وراء النزاع المسلح في أوكرانيا، ورأى 39 في المئة من عدد سكان دول الحلف مجتمعة «أن روسيا تتحمل المسؤولية الكبرى عن النزاع في دونباس، وبالدرجة الثانية (18 في المئة) الانفصاليون في إقليمي دونيتسك ولوغانسك».
ألمان بثياب عسكرية
«... أريد ألماناً بثياب عسكرية في الخريف المقبل»، صاحب هذا القول ليس جان - كلود يونكر الذي يدعو بإلحاح منذ سنتين إلى إنشاء جيش أوروبي، بل هو وزير الخارجية الأميركي دين آشيستون في أيلول (سبتمبر) عام 1950، قاله في اجتماع أطلسي في نيويورك. في تلك الفترة شن ستالين حرباً على كوريا، وكانت إدارة الرئيس ترومان تخشى هجوماً سوفياتياً على أوروبا. اليوم يعيد التاريخ ذاته بعد أكثر من 65 عاماً، فأوروبا ترغب مجدداً في جنود ألمان وهي تواجه تهديدات جدية وخطيرة من روسيا بوتين وجماعات الإسلام السياسي المسلح. وليست مصادفة أن يدعو يونكر عبر صحيفة ألمانية إلى إنشاء هذا الجيش. لكن مشكلة ألمانيا تتمثل في أن نسبة موازنة نفقاتها الدفاعية لا تتجاوز 1,3 في المئة من الناتج الإجمالي، وهي نسبة أقل من 2 في المئة التي يلح عليها «ناتو» ويطالب فيها جميع البلدان الأعضاء. ولا يختلف الأمر مع فرنسا التي تبلغ موازنتها الدفاعية 1,8 في المئة من الناتج القومي الإجمالي تنفق منها 25 في المئة على الأسلحة والعتاد الحربي، والبريطانية 2 في المئة تنفق منها 23 في المئة على التسلح. يقول المحلل العسكري الفرنسي آرنو لوبار مونتيه أن «ألمانيا تخشى الأسواق المالية والديون أكثر من الروس وداعش» فوزير المالية ولفغانغ شويبله يفضل تخفيض العجز إلى الصفر عوض الإنفاق على الشؤون الدفاعية التي يتحملها الأميركيون». وترامب يرفض ذلك واضعاً الأوروبيين أمام حقائق جديدة لا بد من التعاطي مع مضامينها بجدية. يقول رئيس مركز «أصدقاء أوروبا» جايلس ميريت في تصريح إلى وكالة فرانس برس أن «فكرة الجيش الأوروبي في التداول منذ ستين عاماً، وحتى الآن». ووصف الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية فيفيان بتريوزو الفكرة بأنها «وهم وحلم بعيد المنال». وأشار المحلل في معهد العلوم السياسية في برلين (SWP) ماركوس كايم إلى «أن إنشاء جيش أوروبي مشترك ليس له أي علاقة بروسيا وتهديدها للأمن الأوروبي، ويونكر فقط يعرف ما هي الفوائد الإضافية المرجوة من مثل الجيش في سياق التوتر بين بروكسيل وموسكو على خلفية الأزمة في أوكرانيا».
فرنسا وألمانيا
تقود فرنسا وألمانيا الآن حملة لترويج فكرة الجيش الأوروبي، ويشدد كايم على «أن الدولتين لم تكونا راغبتين أبدا في ربط أمنهما القومي بالاتحاد الأوروبي الذي لا يمكن التنبؤ بمصيره ومستقبله كمشروع للاندماج الأوروبي، لكنهما الآن غيرتا موقفيهما وطرحتا خطة لتعزيز الدفاع المشترك وإقامة مقر لهيئة الأركان العسكرية الأوروبية، وخرجت القمة الأوروبية التي عقدت في براتسلافا في أيلول الماضي بغياب بريطانيا، بخريطة طريق لستة أشهر من أجل وضع رؤية متكاملة وجديدة للاتحاد الأوروبي. وذكرت الممثلة العليا للشؤون السياسية والأمنية فيديريكا موغيريني «أن وزراء الدفاع من الدول الأعضاء أجمعوا على ضرورة تقوية التعاون العسكري المشترك وتدعيمه وبتكامل تام مع الحلف الأطلسي» وهي «ستكون متكاملة تماماً ومن دون تكرار، والعمل سيتم في شكل متبادل». ألمانيا في مقدم الدول المتحمسة للجيش الأوروبي، وقالت وزيرة الدفاع الاتحادية يورزولا فون دير لاين «إذا تأملنا عدد الأفراد وكم من الأموال موجودة داخل هيئات الاتحاد الأوروبية في 28 دولة، سنكتشف حينئذ بأننا سنصبح أفضل وأكثر تنسيقاً مع بعضنا بعضاً في شكل واضح». وأردفت: «يجب أن نعترف بحقيقة أن أوروبا بطيئة للغاية». في عام 2015، كانت بريطانيا صاحبة أكبر موازنة دفاع في الحلف الأطلسي، وبعدها تأتي فرنسا وألمانيا. وتستخدم قواتها المسلحة تكنولوجيا بالغة التطور، فضلاً عن أنها القوة النووية الثانية. يقول المدير التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية جان – ماري غينو: «إن حصة بريطانيا من النفوذ الأوروبي الاستراتيجي ضخمة وبارزة، لهذا فإن انسحابها سيوجه ضربة في الصميم لأحد أركان الأوروبي وأعمدته، وهو نموذجه الناجح في الاندماج». ووفقاً لمديرة مكتب المجلس الأوروبي للسياسة الخارجية في صوفيا فيسلا تشيرنيفا فإن «المملكة المتحدة عنصر حيوي في المعادلة الاستراتيجية الأوروبية، لكنها ليست عنــصراً فاعلاً في الاستراتيجية الأوروبية». في خضم المناقشات العاصفة حول الاستراتيجية الدفاعية الأوروبية الجديدة التي من المفترض أن تراعي المتغيرات المرتقبة في السياسة الخارجية الأميركية، أقر الاتحاد الأوروبي إرسال قوات للرد السريع إلى الخارج للمرة الأولى في خطوة تهدف إلى حماية الأمن وتعزيز الاستقلال الأمني الاستراتيجي الذي يفرض ذاته أياً كان رئيس الولايات المتحدة، كما أزاح الستار عن أكبر خططه للأبحاث الدفاعية منذ أكثر من عقد، وألغى تخفيضات ببلايين اليورو كي يبعث برسالة إلى الرئيس المنتخب ترامب بأن أوروبا لن تتردد في دفع تكاليف ومترتبات أمنها الوطني. ونقلت صحيفة «دنفنيك» الإلكترونية عن مسؤول أوروبي رفيع «أن المفوضية الأوروبية تتجه إلى تأسيس صندوق دفاعي، وسترفع الحظر المفروض على الموازنة المشتركة للاتحاد الأوروبي، وعلى استثمارات بنك التنمية التابع له في الأبحاث العسكرية». تتركز وظيفة الصندوق في الاستثمار في المجال الدفاعي بصورة تسمح لحكومات جميع الدول الأعضاء التي تساهم فيه بالاقتراض وتأمين الأموال في شكل دائم للبرامج الدفاعية المشتركة مثل الطائرات المروحية أو الطائرات من دون طيار. وستتولى المفوضية الإشراف على موازنة مشتركة للاتحاد الأوروبي يصل حجمها إلى نحو 150 بليون يورو في العام. ونقلت صحيفة «كابيتال ديلي» عن ديبلوماسي أوروبي قوله: «إن المفوضية الأوروبية ستقدم مبلغا مقداره 3,5 بليون يورو من الموازنة ما بين 2021 - 2027. وتشير تقارير رسمية إلى «أن إنفاق حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في الأبحاث العسكرية تراجع بمعدل الثلث منذ عام 2006، وذلك لاتكال الاتحاد على الولايات المتحدة في توفير تكنولوجيا الدفاع القتالية المتطورة». وفي رأي ماري – غينو «إن انسحاب بريطانيا من الاتحاد يرجح بروز فرنسا وألمانيا كأكبر قوتين عسكريتين ما يجعل دورهما حاسماً في المواقف الاستراتيجية الأوروبية». وقال أن «التباين بين القدرات الألمانية والفرنسية التقليدية سيزيد مع اتساع هوة الإنفاق الدفاعي».
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,134,827

عدد الزوار: 6,755,860

المتواجدون الآن: 117