وداعاً أتاتورك

تاريخ الإضافة الأربعاء 22 شباط 2017 - 7:04 ص    عدد الزيارات 1161    التعليقات 0

        

 

وداعاً أتاتورك
الحياة...رستم محمود .. * كاتب سوري
الاستفتاء الذي سيجري في تركيا في أواسط نيسان (أبريل) المقبل لن يكون مجرد استفتاء على تغيير جزئي في الدستور، كما حصل في الكثير من المرات منذ أن أقر الدستور الحالي عام 1982، عقب انقلاب الجنرال كنعان أفرين قبل ذلك بعامين. بمعنى ما، كان الدستور الحالي حالة مكثفة لتكريس «القيّم الأتاتوركية»، بالذات في ثالوث المحرمات المطلقة في تركيا ما بعد العثمانية: الجمهورية والعلمانية والديموقراطية. هذه القيم التي لم يستطع حتى أتاتورك نفسه المبالغة بها، لشروط مركبة تتعلق ببنية المجتمع التركي وقتئذ، كالمسألة الكردية وسوء التوازن الاستراتيجي لتركيا عقب الحرب العالمية الأولى. لكن الانقلابيين في أوائل الثمانينات من القرن المنصرم، كانوا يجدون في أنفسهم حماة الكيان التركي، الذي كان على شفا تمزق رهيب، عقب عقد من الحرب الأهلية المريرة بين اليساريين والقوميين، تلك الحرب التي كانت مركبة على أهم قضيتين مجتمعتين في البلاد، المسألة الكردية ونظيرتها العلوية. لذا فإن كنعان أفرين ورفاقه من الجنرالات ارتكزوا على المبالغة في إرث الأتاتوركية لتجاوز الانقسام الشاقولي، فخطوا دستوراً يعد «الأكثر صرامة» في «أتاتوركيته»، وبالذات في حيزي الجمهورية والعلمانية. لم يكن الدستور الأتاتوركي الحالي مجرد صيغة تعاقدية تقليدية في شكل نِظام الحكم وعلاقة مؤسسات الدولة ببعضها بعضاً. بل كان يحمل في تفاصيله رغبة الانقلابين بتجاوز الحرب الأهلية الداخلية، التي ما كانوا يرون لها من حل سوى بإعادة هيمنة الخطابات والأيديولوجية القومية/الأتاتوركية، التي يمكن لها أن تعيد هندسة المجتمع وإعادة تبنيه للأتاتوركية كخلاص لحال الانقسام المجتمعي الشاقولي، بالضبط كما حدث قبل قرن من الزمن، حينما «أنقذت» الأتاتوركية المجتمع التركي من تمزقات وتبعات الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطورية العثمانية. أعاد الدستور تكريس الأتاتوركية كـ «ديانة رسمية» للدولة وهيمنتها على المجتمع، فاحتلت كامل المجال العام، وألغت وحطّمت كل الأيديولوجيات المضادة. حيث بفعل مؤسسات الدولة في التعليم والجيش والأعلام والقضاء والقوانين، تم رفع الأتاتوركية عن أي نقد أو نقاش عام، وباتت المقدّس الذي لا يمس، حتى أن القسم الرسمي في البِلاد ينص على أن الدفاع عن هذه القيم واجب قانوني سياسي وأخلاقي. الجديد في التعديلات الدستورية الراهنة، والتي لا تشبه بقية التعديلات في ثلث القرن الذي يفصلنا عن تاريخ وضع هذا الدستور، أنها ستسمح بتجاوز ذلك الإرث وتلك الديناميات، عبر عاملين بالغي التركيب، يساهم كلٌ منهما في توطيد قدرة الآخر على تكريس تلك القطيعة:
 أولاً- هذه التعديلات لا تطاول بعض التفاصيل والتوازنات التي كرسها دستور الثمانينات، بل ستغير هوية السلطة وجوهر العلاقة بين مؤسسات الدولة. فهي ستحجم سلطة البرلمان ودوره لأدنى قدر ممكن، البرلمان الذي كان دائماً أداة لتتمثل كل الكتل المجتمعية والهوياتية التركية في مركز السلطة الفعلية والرمزية، وهو ما سيحتكر في شخص واحد مستقبلاً. كما أن التعديلات ستلغي تماماً مركز رئاسة الوزراء، التي كانت تتشكل في الكثير من الأحيان من تحالفات للقوى السياسية، وهو ما سيعني أن نمط التحالفات السياسية المديدة سيلغى تماماً مستقبلاً، الأمر نفسه سيطاول القضاء والجامعات والنقابات.
ثانياً- إن طموح أردوغان الاستثنائي سيدفع هذه التغيرات لأن تكون أداة لتكريس أيديولوجية وسياسة حزب العدالة والتنمية كديانة رسمية للبِلاد، وأردوغان كزعيم مطلق جديد لتركيا.
وهي حال تكاد أن تكون استثنائية في تاريخ تركيا الحديث، فحتى جنرالات الانقلابات لم يصل طموحهم لأكثر من فترة حكم واحدة، بينما يطمح أردوغان للاستمرار في الحكم حتى عام 2029، ما سيعني بأنه سيحكم سبعة وعشرين عاماً، وبنزعة أيديولوجية عقائدية واجتماعية، طامحة لإعادة هندسة الحياة العامة وعالم الرموز. مجموع ذلك سيعني أن عالماً تركياً داخلياً برموزه ومؤسساته سيعاد تكريسه، على حِساب ما كان للأتاتوركية قرابة قرن كامل. ذلك يعني وضع أردوغان عملياً مكان أتاتورك، وتحول العلمانية إلى مجرد قضية وخِطاب فوقي في الحياة العامة، أما الجمهورية والديموقراطية في تركيا فستتراجعان لتتطابقا مع ما هما عليه في الدول الشرق أوسطية التقليدية. لكن ذلك لا يعني أن التعديلات التي يخطط لها أن تجري في استفتاء 16 نيسان المقبل باتت مؤكدة، فاستطلاعات الرأي تشير إلى أقلية طفيفة من المستفتين سيصوتون لها، ومن فظائع المفارقات أن كتلة الرافضين تجمع قطبي الموقف التاريخي من الأيديولوجية الأتاتوركية، العلمانيين الجمهوريين العلويين الأتراك، مع القوميين الأكراد. وهي أحدى المفارقات التي توضح ما يمكن أن تفعل أيديولوجية فوقية في بلد بالغ التركيب.
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,113,798

عدد الزوار: 6,935,355

المتواجدون الآن: 44