«العالم في 2022... تحديات وتحولات».. الحلقة الخامسة...

تاريخ الإضافة الأربعاء 19 كانون الثاني 2022 - 5:40 ص    عدد الزيارات 1534    التعليقات 0

        

«العالم في 2022... تحديات وتحولات».. الحلقة الخامسة...

الشرق الاوسط.....

هل سنكون أمام نظام اقتصادي جديد عام ٢٠٢٢؟

مازن السديري - رئيس الأبحاث في «الراجحي المالية»

بدأ العام الثاني بعد الجائحة، وقطبا الاقتصاد العالمي والدول المتقدمة يواجهون تحديات هيكلية جديدة تتطلب إعادة النظر في كثير من المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية القديمة والتقليدية. أبدأ بالصين، الدولة الضخمة في كل شيء، سواء في عدد السكان أو الثروات الطبيعية. ويكفي أن أذكر بأن 38 في المائة من معادن العالم تقع في أراضيها حسب بيانات USGS، وإنتاجها البترولي يتجاوز جميع دول «أوبك» ما عدا المملكة العربية السعودية، إلا أن استهلاك الصين من البترول يُعادل حجم إنتاجها ثلاث مرات، وهي مستوردة ضخمة لأشباه الموصلات من جاراتها، بما يعادل 30 في المائة من مجموع استيرادها من الدول المجاورة. الصين منذ أن تبنت النهج الشيوعي عام 1949 واجهت تحديات عدة مثل المجاعة الكبرى بين عامي 1958 و1962، بسبب السياسات الاقتصادية المفروضة وبسبب بعض الكوارث الطبيعية، لذلك أدرك الحكماء منهم حينها صعوبة تنفيذ الأفكار الماوية الواردة في «الكتاب الأحمر»، وتذكرت الصين في هذا السياق أقوال حكيم الصين كونفوشيوس، والتي تعني «الفيلسوف الملك»، الذي كان يقول: «الفضيلة تكمن في الوسط». نعم إنها تكمن في الطبقة الوسطى التي كلما استقر دخلها وارتفعت نسبتها في أي مجتمع ازدادت الدولة استقراراً. ومع تبني الصين لهذا النهج، بدأ التحول الاقتصادي منذ السبعينات، وانتقل نصف مليار صيني من تحت خط الفقر خلال العقود الثلاثة الأخيرة بهدوء، وانتقلت الصين إلى أن تكون دولة صناعية، ثم جرى التحول إلى التقنية والخدمات بفضل الإنفاق الضخم على الأبحاث والتطوير الذي بلغ 2.4 في المائة في عام 2020 من اقتصادها، وهو الأضخم كقيمة بعد الإنفاق الأميركي على البحث والتطوير، لكنها سبقت الولايات المتحدة في بعض ميادين التطور الرقمي مثل العملة الرقمية والإنفاق على الجيل الخامس من الاتصالات الذي يغير العالم، ودعم النهضة الشرق آسيوية في دول مجاورة لها مثل كمبوديا وفيتنام. إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن التغيرات التي تمر بها الصين مقلقة في الداخل من حيث تدخل الدولة في أبسط التفاصيل، مثل ساعات لعب الأطفال، وشركات التقنية، مع تعزيز حضور السلطة المركزية فيها، وتحددت حرية الفرد فيها وانحسار نجومية رواد الأعمال. وقد يبدو أن الصين تتغير من الداخل، إلا أن العالم يُريد لهذا التغير أن يتواكب مع التقدم والابتكار، كما يُريدها شريكاً منضبطاً وفاعلاً في النمو العالمي.

إن أهمية الصين تكمن في أنها تعادل خُمُس الاقتصاد العالمي، وعندما واجهت أميركا الصين بالحرب التجارية، انخفض المؤشر الصناعي العالمي (PMI) إلى ما دون 50 ما أدى إلى كساد صناعي عالمي عام 2019. والعالم الرأسمالي الغربي أيضاً ليس بأفضل حال بعد عام من الجائحة حتى مع ظهور اللقاحات. فهناك الكثير من الصناعات لا تزال تعاني مثل صناعة الطيران التي منيت بخسائر منذ بداية الجائحة، وتضاعف حجم ديونها ثلاث مرات في السنوات الأربع الأخيرة، كما أن صناعة الطاقة ظلت تعاني من نقص الاستثمارات وارتفاع الأسعار. فأكبر مصانع الأسمدة Yara، على سبيل المثال، أغلقت بعض مصانعها بسبب أسعار الغاز، برغم تضخم أسعار المواد الغذائية بنسبة 28 في المائة حسب مؤشر الأمم المتحدة وارتفاع الطلب على المنتجات الزراعية. ومع بداية هذا العام ازداد وقت الانتظار لأشباه الموصلات (الرقائق الإلكترونية) إلى أكثر من 26 أسبوعاً قياساً بسنواتٍ مضت، حيث كان الانتظار لا يتجاوز 12 أسبوعاً حسب بيانات SFG، ويعني هذا أن عدد الأجهزة الذكية من هواتف أو سيارات سوف يواجه التأخير والنقص في الأسواق هذا العام.

كل ما ذُكر مشاكل مركبة صنعت التضخم الذي ما زال يُرهق العالم (بلغ 7 في المائة في الولايات المتحدة و4.8 في المائة في منطقة اليورو) فالقوانين الكلاسيكية النقدية التي ظهرت منذ 90 عاماً لم يعد أغلبها مؤثراً في يومنا هذا بشكلٍ كبير. فعلى سبيل المثال: ضخامة التيسير الكمي ليست مرتبطة بالتضخم الذي نتج أساساً عن نقص المعروض من الطاقة والسلع الأساسية والمدخلات الصناعية، وليس نتيجة لوفرة الطلب. وسوق العمل أيضاً طالته التغير في تركيبتها بعد الجائحة، فبرزت الحاجة إلى مهارات واختصاصات جديدة مطلوبة، ما قلص وزن القوى العاملة من المجتمع وجعل انخفاض نسبة العاطلين أقل أهمية، وانخفض إلى 4 في المائة. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 3.3 مليون عامل تركوا سوق العمل موخراً، كان أغلبهم من السيدات وذوي أعمار تتجاوز الخمسين وبمستوى تعليمي دون الجامعي، ما يؤكد أن تطور المهارات كان أسرع من قدرات ومهارات سوق العمل في بعض المراحل العمرية، بالإضافة لتزايد ثروة المجتمع التي شجعته على التقاعد المبكر. فحسب تقديرات الفيدرالي الأميركي، فإن صافي الثروة للأسر فوق سن 55 عاماً قد نما بحوالي 12 في المائة، وبالتالي فإن انخفاض العاطلين ليس مؤشراً بالضرورة لاكتمال الطاقة الإنتاجية ورفع أسعار الفائدة. فغالباً لن ينخفض التضخم، بل النمو قياساً بالقاعدة السنوية، وهذا إضافة لمشاكل قديمة في النظام الرأسمالي، تتمثل بالفوارق الطبقية المتزايدة ونظام التأمين الطبي والقروض الطلابية المتزايدة.

إن تطور الفكر والمفاهيم هو أساس النهضة وبناء الحضارات، وإذا أرادت الصين أن تستمر بإبهار العالم، فإن عليها أن تُفكر بما قاله أبو الرأسمالية آدم سميث: «الطموح الفردي يخدم الصالح العام»، والغرب أيضاً عليه أن يُراجع قوانينه القديمة لتحقيق أهدافه التنموية التي تجمدت. وكما قال كونفوشيوس: «عندما يبدو لك تحقيق الهدف محالاً، لا تغيره، بل غير طريقة عملك لتحقيقه».

ما نترقب حدوثه في العلوم عام 2022؟

خوله الكريّع - بروفسور زائر بمركز «دانا فاربر» هارفارد – بوسطن

ماذا ستقدم لنا البحوث العلمية في عام 2022 من مستجدات؟

لا نستطيع أن نتحدث عن المستجدات العلمية بمعزل عما يواجهه العالم من تبعات فيروس «كوفيد- 19» الذي دخل عامه الثالث، منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية عن هذا الوباء العالمي في الحادي عشر من شهر مارس (آذار) عام 2020. فقد تمكن العلماء من إنجاز ثورة علمية في طرق اختراع اللقاح، والتي كانت تستغرق سنوات في السابق، وتوصلوا إلى لقاح مضاد لهذا الفيروس في غضون 10 أشهر. ورغم أن العلماء يتوقعون أننا سنضطر للتعايش مع هذا الفيروس، وسنتعامل معه كمرض متوطن، فإن العلماء المطورين لهذا اللقاح يتوقعون أن يشهد عام 2022 جيلاً جديداً من هذه اللقاحات، قد يقوم بعضها على التقنية التقليدية المتعارف عليها، وهي اللقاحات المعتمدة على بروتينات الخلية، وليس على الحمض النووي الريبي (RNA)، ويسعون إلى أن تكون هذه اللقاحات فاعلة في محاربة المتحورات والسلالات المتنوعة لفيروس «كوفيد- 19». النجاح السريع للقاحات فيروس «كوفيد- 19» سيكون له دور في تسريع أبحاث علماء اللقاحات، في اكتشاف لقاحات لفيروسات أخرى، كـ«الإيدز» و«الملاريا». أيضاً، يتوقع العلماء أن نرى تسارعاً في عديد من مجالات التكنولوجيا الحيوية والعلوم البيئية، وبيولوجيا الخلايا والطب، وذلك نظراً للزيادة الهائلة في الاستثمارات المادية التي بدأت تتدفق، سواءً من الحكومات أو من القطاع الخاص، في تطوير تكنولوجيا اللقاحات وتطوير الطب بصورة عامة، من خلال تكنولوجيا الوراثة. وهذا يأخذنا إلى الحدث الثاني الذي يُتوقع له أن يتقدم هذا العام، وهو الطب الشخصي الذي يجعل العلاج لكل مريض يعتمد على حالته الدقيقة، من خلال استخدام التقنيات الجينية وتكنولوجيا روبوتات «النانو»، وهي عبارة عن أجهزة استشعار صغيرة جداً، أصغر من حجم الفيروس، يمكن إدخالها إلى جسم المريض، ثم تقوم هي بدورها في القضاء على الخلية السرطانية، أو توصيل دواء موجَّه لتلك الخلية داخل الجسم.

أيضاً، نتوقع أن يحمل هذا العام تطوراً كبيراً في طرق الكشف المبكر عن عديد من الأورام، من خلال تحليل الحمض النووي عن طريق فحص الدم. تقنيات تحرير وقص الجينات (Crispr) سيكون لها نصيب كبير في التغلب على عديد من الأمراض الوراثية الناتجة عن طفرات جينية؛ إذ تسمح هذه التقنية لبعض الإنزيمات بقص جزء من الحمض النووي المعطوب وإعادته إلى وضعه الطبيعي، وبالتالي نتمكن من تعديل الجينات المعطوبة في جسم الإنسان. وعلى المستوى التقني، سنشهد تقدماً ملموساً في مجال تقنية الطاقة المتجددة، والاعتماد على الطاقة المستدامة، وتوليد الطاقة الخضراء من خلال تقنيات الطاقة الجديدة، ما سيكون له أثر كبير في إبطاء الاحتباس الحراري والتغير المناخي. أيضاً، سنرى نتائج التطور الهائل في عالم الذكاء الاصطناعي، وتأثيره على جميع المجالات الحيوية. ولعل هذا الذكاء الاصطناعي سيسمح، مع تطور التقنية، بانتشار السيارات الكهربائية الذاتية القيادة والصديقة للبيئة. ولا نستطيع أن نكمل تنبؤات مستجدات هذا العام في مجال العلوم، من دون أن نتحدث عن سباق الفضاء الجديد؛ حيث يتوقع خلال عام 2022 أن تضع الصين لمساتها الأخيرة على محطتها الفضائية، بينما سترسل منظمة أبحاث الفضاء الهندية مركبتها الفضائية «شاندريان 3» إلى القمر، في مهمة خلال عام 2022. وكان لبرنامج «شاندريان» دور في اكتشاف جزيئات الماء على القمر. كذلك ستطلق وكالة استكشاف الفضاء اليابانية مركبة «سلم» خلال 2022؛ حيث ستقوم المركبة خلال هبوطها على سطح القمر بدراسة معلومات استكشافية مهمة عنه. كما ستعلن وكالة الفضاء الأوروبية في نهاية عام 2022، عن برنامجها الجديد لرواد الفضاء، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني). أما شركات الفضاء الخاصة، مثل «سبيس إكس»، و«فيرجن غلاكتيك»، فتتسابق هي أيضاً في برنامج السياحة الفضائية، وتطوير وزيادة إرسال مدنيين إلى الفضاء في عام 2022. وسيستمر السعي لاكتشاف الكوكب الأحمر (المريخ)، وسينزل مستكشف آلي آخر على المريخ هذا العام، كجزء من برنامج «إكسو مارس»، وهو مشروع مشترك بين وكالتي الفضاء الأوروبية والروسية. وأخيراً، في علم الآثار، سنشاهد ظهور معلومات مهمة عن المخلوقات ما قبل البشرية، بسبب وجود زخم من الاكتشافات التي استطاع العلماء الحصول عليها، من خلال استخلاص وفحص الحمض النووي من تربة بعض الأحافير التي يعود عمرها إلى أكثر من مليون عام. هذه المستجدات التي سنشهدها في عام 2022 رغم الوباء العالمي، تدل على قدرة الإنسان الفائقة على التأقلم والتطور رغم الظروف البيئية المحيطة، وقدرته على البقاء والابتكار المستمر.

التطلع إلى العلوم والتقنية في 2022

توني تشان - رئيس «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية»

مع دخولنا عام 2022، ازداد الزخم حول العلوم والتقنية في العالم بوتيرة متسارعة ومثيرة للدهشة، وتعالت الأصوات التي تنادي بأن تكون العلوم والتقنية الأساس في صنع السياسات في العالم. فمن أزمة المناخ إلى جائحة فيروس «كورونا»، أصبح الجميع يتطلع إلى العلوم والتقنية باهتمام وتركيز غير مسبوقين، وأصبحنا نسمع مصطلح «قائم على العلم» (سواء انطبق ذلك أم لا) لإعطاء أي سياسة سلطة شرعية. ولا شك أن هذا الزخم الحالي للعلوم والتقنية يسلط الضوء على جوهر أعمالنا في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، التي أصبحت في هذا الوقت تمتلك المقومات والخبرة لدعم تطلعات المملكة العربية السعودية بشكل مباشر، والمساعدة في تدريب القوى العاملة في مجال العلوم والتقنية. وهذا بلا شك، يعكس أهمية العلم كعامل تمكين أساسي في رؤية المملكة 2030.

تطور الجامعات

وبالإضافة إلى منصبي رئيساً لـ«كاوست»، فأنا أعمل أيضاً في مجالس إدارات ولجان استشارية لكثير من المنظمات والهيئات في المملكة التي تصنع التغيير، مثل «معهد مبادرة مستقبل الاستثمار» (FII)، و«اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار» (RDI)، و«الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي» (SDAIA)، و«مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية» (كاكست)، و«جامعة الملك فهد للبترول والمعادن»، و«نيوم». واستطعت من خلال العمل مع هذه الكيانات أن أشكل تصوراً من الداخل حول المبادرات الطموحة التي تقوم بها المملكة للنهوض بالعلوم والتقنية والتي ستكون أساسية في تشكيل مستقبلها. تطورت الجامعات خلال العقود الأخيرة في نواحٍ كثيرة، وأصبحت اليوم في أتم الاستعداد لتلبية توقعات المجتمع في القضايا والتحديات الوطنية والعالمية الملحة التي تواجه البشرية، مثل تأمين مصادر الطاقة المتجددة، والتخفيف من ظاهرة تغير المناخ، وخلق بيئة واقتصاد مستدامين، واحتضان الثورة الرقمية مع الحد من تأثيرها على المجتمع، وتسخير العلم للتعامل مع قضايا الصحة العالمية. وجميع هذه التحديات تتوافق مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة التي تعمل بشكل حثيث على معالجتها متسلحة في جوهرها بالعلوم والتقنية. وعلى الجامعات أن تحذو حذوها وأن تسعى جاهدة للمساهمة بذلك، سواء في تطوير البحوث أو في «تطبيق ما تقوم بتعليمه على أرض الواقع» من خلال إدارة حرم جامعي مستدام وذكي. سأستخدم «كاوست» هنا كمثال على المجالات التي يمكن أن تكون فيها أي جامعة بحثية مؤثرة جداً. فبعد أن قادت المملكة العربية السعودية بنجاح الاجتماع الخامس عشر لـ«مجموعة العشرين» في عام 2020، أعلنت عن توجهها من الاقتصاد الخطي التقليدي الذي يأخذ المواد الخام كمدخلات وينتج مزيجاً من المنتجات و«النفايات»، إلى الاقتصاد القائم على تدوير الكربون، الذي يشمل خفض الكربون وإزالته وإعادة تدويره وإعادة استخدامه. وأسهمنا في «كاوست» بهذا التوجه من خلال توفير مدخلات فكرية للمناقشة، حتى إننا بدأنا مبادرة تدوير الكربون الخاصة بنا في الجامعة.

مورد ثمين

ولأن المملكة العربية السعودية تعد من كبرى الدول الغنية بالمواد الهيدروكربونية (النفط والغاز)، فإن بإمكانها الاستفادة من هذا المورد الثمين في بناء عالم مستدام يتمحور حول مفهوم تدوير الكربون، ويتم تزويده بالطاقة بصورة أساسية من المصادر المتجددة. وهذا يتيح كثيراً من الاستخدامات الجديدة للكربون والهيدروجين، بصافي انبعاث صفري لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. جدير بالذكر، أن «كاوست» تمتلك نخبة من العلماء والخبراء المتميزين في مجال تقنيات إزالة غاز ثاني أكسيد الكربون وعزله من الغلاف الجوي (سواء بشكل طبيعي أم تقني، وباستخدام الطاقة المتجددة)، فضلاً عن إنتاج وقود «الهيدروجين الأخضر» للتصدير، وفي الوقت نفسه استخدام هذا الكربون المعزول من الغلاف الجوي في إنتاج المواد الجديدة واستخداماتها المتعددة في عمليات البناء والتعبئة والتغليف، حيث يمكن أن يحل محل مزيد من المواد كثيفة الاستهلاك للطاقة، والتي تتعرض إمداداتها للتهديد بشكل متزايد. وبلا شك، سيكون مفهوم تدوير الكربون اتجاهاً عالمياً رئيسياً في عام 2022 وفي العقود المقبلة. كما ستكون السيارات الكهربائية مفتاح الاقتصاد القائم على تدوير الكربون، وتستحق المراقبة عن كثب في عام 2022 وما بعده، خصوصاً أن بعض الدول أعلنت عن حظر بيع السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي بحلول عام 2025، وبدأت الأسواق في الاستجابة لهذا التوجه، خصوصاً في الصين التي أصبح لديها بدءاً من عام 2021 أكثر من 300 شركة لتصنيع السيارات الكهربائية، الأمر الذي يعكس طموحها لدخول هذه السوق بقوة.

أميركا والصين

من ناحية أخرى، سيؤدي هذا إلى تكثيف المنافسة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، والتي يمكن للمملكة العربية السعودية الاستفادة منها في كلا الاتجاهين. ومن المقرر أن تصبح «مدينة الملك عبد الله الاقتصادية» موقعاً لإنتاج السيارة الكهربائية الفاخرة لوسيد (Lucid)، والتي يمتلك «صندوق الاستثمارات العامة السعودي» فيها أسهماً كبيرة واستثمارات ضخمة. وفي السياق نفسه، تستخدم السيارات الكهربائية بطاريات ضخمة من الليثيوم. الأمر الذي يجعل تصنيعها يعتمد على وجود موارد موثوقة وغير مكلفة من عنصر الليثيوم، والذي تمكن باحثو «كاوست» مؤخراً من استخلاصه بنجاح من محلول ملحي من مياه البحر، في عملية يسعى كثير من الشركات العالمية الآن للشراكة في تطويرها. وبالتالي، فإن المحلول الملحي الناتج عن عمليات تحلية مياه البحر، والذي كان يُنظر إليه سابقاً على أنه من النفايات، يمكن استخدامه الآن مصدراً للمعادن القيمة. وبصورة عامة، ستظل عملية تخزين الطاقة تمثل تحدياً رئيسياً ومجالاً سانحاً للتطوير والبحث في المستقبل القريب. ويشكل إنتاج الغذاء تحدياً كبيراً للمملكة، في ظل قسوة مناخها، حيث تستهلك المملكة كثيراً من الطاقة والمياه العذبة خلال عمليات إنتاج الأغذية، بدءاً من استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية، وصولاً إلى زراعة النباتات الصالحة للاستهلاك البشري وللماشية، وأخيراً عمليات التعبئة والنقل والتحضير. وهناك ابتكارات علمية مثيرة في هذا المجال، خصوصاً في رفع مقاومة النباتات للآفات الزراعية المختلفة، وزيادة تحملها للجفاف والملوحة الشديدة. وتقود «كاوست» الأبحاث والعلوم والتقنية في هذا المجال، خصوصاً فيما يتعلق بمحاصيل الأرز والقمح والكينوا، حيث طور باحثو الجامعة تقنية زراعة الخضراوات والفواكه في مستنبتات زجاجية مناسبة للبيئات الصحراوية الساحلية، تكون موفرة للطاقة وتستخدم المياه المالحة. ولا بد لي هنا من ذكر شركة «مزارع البحر الأحمر» الناشئة في «كاوست»، والتي لديها الآن استثمارات بعشرات الملايين من الدولارات تخولها للعب دور ريادي في تقنيات الزراعة بالقرن الحادي والعشرين. وهذه دلالة على أن الإنتاج الفعال والمستدام للأغذية يشكل تحدياً عالمياً كبيراً لا يمكننا معالجته إلا إذا تقدمنا في العلوم والتقنية.

التحول الرقمي

وقد يكون مجال التحول الرقمي أكثر التطورات إثارة في العلوم والتقنية في عام 2022. وفي هذا السياق، أنشأت «كاوست» مبادرات جديدة في مجالات الذكاء الصناعي، والصحة الذكية، والأمن السيبراني، ونمذجة المناخ المستقبلي، والروبوتات، واستقطبت قيادات وأعضاء هيئة تدريس على أعلى المستويات في هذه التخصصات. كما دخلت الجامعة في شراكات مع القطاعات المختلفة في المملكة لتمكين «الثورة الصناعية الرابعة» من أجل التكامل الفعال والذكي لأنظمة الإنتاج اللامركزية والتحكم في «تقنيات إنترنت الأشياء» التي تشهد اليوم تطوراً متسارعاً. جدير بالذكر أننا في «كاوست» نطبق فعلاً ما نقوم بتعليمه، من خلال تبني التقنيات الذكية في بيوتنا ومختبراتنا وداخل الحرم الجامعي نفسه، ضمن مبادرة سميناها «كاوست الذكية» (KAUST Smart). ولا تزال الثورة الرقمية تتقدم بثبات، وستكون من الدوافع الرئيسية لأجندة العلوم والتقنية في المستقبل. لقد أظهرت لقاحات فيروس كورونا (كوفيد - 19) ولقاحات الحمض النووي الريبي (mRNA) بوضوح أهمية الاستثمار في العلوم الأساسية لفترات طويلة، لأن الأزمات الطبيعية لا توفر دائماً للبشرية الوقت الكافي لمعالجتها. ومن هنا بدأت «كاوست» في طرح مبادرة الصحة الذكية، قبل أشهر فقط من تفشي الجائحة. وعلى الرغم من عدم وجود تخصصات للطب أو للأمراض المعدية في الجامعة، فقد قام عدد من أعضاء هيئة التدريس لدينا بتوجيه أبحاثهم لمعالجة هذا الوباء. وإحدى قصص النجاح في هذا الشأن هو تطوير «كاوست» لأول اختبار فحص لفيروس كورونا بتقنية تفاعل «البوليمراز المتسلسل للنسخ العكسي» (RT-PCR) بأيدٍ سعودية، واعتماده من «الهيئة العامة للغذاء والدواء» في المملكة، حيث تميز الفحص بسرعة إظهار النتائج وقلة تكلفته مقارنة بالبدائل الأخرى الموجودة في السوق. ويتم فعلاً استخدام هذا الاختبار في «كاوست» إضافة لتسويقه. ولا يزال المستقبل في «كاوست» عامراً بمزيد من الابتكارات، خصوصاً في مجال العلوم والتقنية المتعلقة بالرعاية الصحية التي باتت تحظى باهتمام متزايد.

العلم الكمي

ومن بين مجالات الاكتشاف الأساسية والتطبيقات التقنية الصاعدة والجديرة بالترقب في عام 2022 هو «العلم الكمي»، والذي حظي مؤخراً بتغطيات كثيرة، حيث لا يزال هذا المجال في مهده، ومع ذلك فقد استحوذ على خيال كثير من التقنيين، وشكك فيه البعض. وفي الواقع، لا يمكن لأي جامعة بحثية في مجال العلوم والتقنية أن تتغافل عنه. وفي حين أننا بعيدون جداً عن امتلاك أجهزة حاسوبية تعمل بالتقنية الكمومية للتطبيقات العامة، فإن استخدامها في تطوير أنواع جديدة من الاتصالات الآمنة وكسر الاتصالات المشفرة التقليدية يتطور بسرعة. ومع استثمارات تقدر بمليارات الدولارات في مبادرة البحث الكمي، فمن المؤكد أن هذه التقنية ستلعب دوراً في التداعيات المستقبلية على الأمن القومي والاقتصادي. واليوم، أصبحت الصور العامة للعلوم والتقنية لدى المجتمعات حول العالم أكثر وضوحاً وإشراقاً، من خلال إدراكها بوجود تحديات كبيرة لا يمكن معالجتها عبر التشريعات أو المال أو القوة العسكرية، ولكنها تتطلب حلولاً جديدة قائمة على العلم. فلم يسبق في تاريخ البشرية أن نظرت المجتمعات إلى العلوم والتقنية كما تفعل اليوم، ولم نكن نتوقع، نحن العلماء، أن يكون العمل في الخطوط الأمامية بهذه الإثارة والحماس.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,791,932

عدد الزوار: 6,915,204

المتواجدون الآن: 114