هل ماتت الديمقراطية في تركيا؟ الجواب في إعادة انتخابات بلدية إسطنبول..

تاريخ الإضافة الجمعة 7 حزيران 2019 - 8:36 ص    عدد الزيارات 1905    التعليقات 0

        

هل ماتت الديمقراطية في تركيا؟ الجواب في إعادة انتخابات بلدية إسطنبول..

مركز كارنيغي...المؤلف.. Kemal Kirişci... TÜSİAD Senior Fellow - السياسة الخارجية, Center on the United States and Europe Director - The Turkey Project..

يقال إنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي انتُخب رئيس بلدية إسطنبول في العام 1994، أشار مرّة إلى أنّ “مَن يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا”. وفي هذا الادّعاء شيءٌ من المنطق، إذ تضمّ المدينة قرابة 15 في المئة من الناخبين الأتراك الذين يصل عددهم إلى 57 مليوناً وتستأثر بنسبة 31 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد. لذا عندما فاز مرشّح المعارضة أكرم إمام أوغلو بالمنصب في 31 مارس، من الممكن تخيّل مدى خيبة أردوغان. ثمّ ننتقل بالزمن إلى 6 مايو، عندما ألغى المجلس الأعلى للانتخابات نتائج الانتخابات، معلّقاً بذلك ولاية إمام أوغلو ومحدّداً التاريخ لإعادة الانتخابات في 23 يونيو. ولا غرابة في أنّ أردوغان رحّب فوراً بالقرار، معتبراً أنّه يمثّل برهاناً على قوّة الديمقراطية التركية وسيادة القانون. في غضون ذلك، كتب أحد الصحافيين الداعمين للحكومة أنّ القرار ساعد على تفكيك مؤامرة دولية مروّعة (وغير محدّدة) ضدّ تركيا. غير أنّ داعمي إمام أوغلو تظاهروا في شوارع إسطنبول، في ما اعتُبر أوّل تعبير واسع النطاق عن الغضب الشعبي منذ احتجاجات منتزه غيزي في العام 2013. وحتّى الرئيس التركي السابق عبدالله غول، مؤسّس حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه الآن أردوغان، انتقد القرار بشدّة، واصفاً إيّاه بأنّه برهان على انتكاس الديمقراطية. ويدفع قرار المجلس بالديمقراطية التركية خطوةً كبيرة أخرى نحو الهاوية، إلّا في حال احترمت جولةُ إعادة الانتخابات المعاييرَ بإقامة انتخابات “حرّة وعادلة” تعكس بصدق مشيئة سكّان إسطنبول.

ماذا حصل؟

أسفرت الانتخابات المحلّية التي جرت في كلّ تركيا في 31 مارس عن نتائج مفاجئة أظهرت خسارة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية في عدد من المدن الكبرى المهمّة (من بينها العاصمة أنقرة، بالإضافة إلى إسطنبول). وبشكل عام، عُزيت هذه الخسائر إلى فترة من التقلّب الحاد في اقتصاد البلاد. فبالإجمال، لم يقتنع الناخبون أنّ اللوم الناجم عن مشاكل تركيا الاقتصادية يقع على متآمرين داخليين وخارجيين يسعوَن إلى تقويض دولةٍ تركيةٍ كانت تزدهر في ظلّ قيادة أردوغان. بالإضافة إلى ذلك، لم يحبّذ الناخبون الرسالةَ التقسيمية التي أطلقتها حملة أردوغان ومفادها أنّ “بقاء” الدولة التركية و”استمراريتها” يعتمدان حرفياً عليه وعلى تحالفه السياسي مع حزب الحركة القومية اليميني. ففي خلال الحملة بأسرها، وصفَ المعارضة على أنّها مجموعة من الإرهابيين والخونة. أخيراً، في حالة إسطنبول تحديداً، نفح إمام أوغلو بأسلوبه غير المتأنق لكن الشعبي والودّي هواءً نقياً في مناخٍ سياسي تزداد عدائيته تدريجياً. وقد ساعد ذلك على جذب ما يكفي من سكّان إسطنبول، ومعاً تمكّنوا من قهر جهود أردوغان بكسب الفوز لمرشّحه المفضّل بن علي يلدرم، وهو موالٍ عنيد ورئيس وزراء سابق. يجدر الذكر أن إمام أوغلو شغل سابقاً منصب رئيس بلدية في إحدى المناطق التابعة للمدينة، وبالكاد كان اسمه معروفاً.

واتّضح حتّى قبل انتهاء عملية إحصاء عدد الأصوات أنّ حزب العدالة والتنمية وأردوغان لا يتقبّلان الخسارة بسهولة. فقد أوقفت فجأة وكالة الأناضول التي تديرها الدولة نقل النتائج بعد أن ادّعى يلدرم الفوز على إمام أوغلو على الرغم من أنّ أكثر من 1 في المئة من الأصوات ما زالت لم تُعدّ بعد ومن أنّ التقدّم بلغ حوالي 5 آلاف صوت فقط. وعلى نحو غير معهود، أوقف مجلس الانتخابات إصدار النتائج. لكن عندما اكتملت الحسابات، أعلن المجلس فوزَ إمام أوغلو بفارق يصل إلى قرابة 24 ألف صوت، الأمر الذي أفضى فوراً إلى اعتراضات من ناحية يلدرم، الذي ادّعى بطريقة ما أنّه لو كان له صوتٌ واحد إضافي فقط في الصناديق المتضمّنة أكثر من 31100 صوت لفاز هو في الانتخابات. ثمّ قدّم حزب العدالة والتنمية عدداً من الطعون الرسمية لدى المجلس، مدّعياً أنّ مخالفات جرت في أقلام الاقتراع ومطالباً بإعادة عدّ الأصوات في عدد من أقسام مدينة إسطنبول الفرعية. وتمّت معالجة هذه الطعون، ممّا سمح لإمام أوغلو بتسلّم ولايته بعد تأخير لمدّة ثلاثة أسابيع. لكنّ واحداً من الطعون ادّعى بأنّ بعض المسؤولين الرسميين الذين خدموا في أقلام الاقتراع ليسوا من المدنيين، كما يقتضي القانون. واعتبر الطعن هذا العمل جزءاً من جهودٍ مدبَّرة لمنع يلدرم وحزب العدالة والتنمية من الفوز. وخضع سبعة قضاة من أصل أحد عشر في المجلس إزاء الضغط السياسي الهائل وأصدروا قراراً بإلغاء الانتخابات، مطلقين بذلك العنان لموجة من الانتقادات الحادّة والواسعة النطاق. وصدر عن كلٍّ من رئيس اتحاد نقابات المحامين التركي ومعلّق صحافي محافظ بارز انتقادٌ مهمّ مفاده أنّ المجلس لم يفسّر سبب إلغائه قسماً واحداً فقط من الانتخابات. فعلى عكس المنافسة بين إمام أوغلو ويلدرم، اعتُبر التنافس الذي جرى للفوز بمناصب رؤساء البلديات للمناطق الفرعية وأعضاء المجالس البلدية والمخاتير صالحاً، على الرغم من أنّ عملية التصويت لهذه المناصب جرت أمام هؤلاء المسؤولين الرسميين عينهم الذين اعترض حزب العدالة والتنمية عليهم. على هذا الأساس، اعتبر إمام أوغلو وقائد حزب الخير المعارض ميرال أكشينار أنّ هذا القرار يطرح بالفعل علامات استفهام وتشكيك حول الانتخابات الرئاسية السابقة في يونيو 2018 التي فاز بها أردوغان، بالإضافة إلى استفتاء أبريل 2017، الذي منح أردوغان سلطات تنفيذية هائلة، إذ أُجريت هاتان العمليتان تحت إشراف هؤلاء المسؤولين الرسميين عينهم.

كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟

لا يشكّل هذا القرار مفاجأة عندما يستذكر المرء أنّ أردوغان قد سعى إلى تعطيلٍ منظَّم لضمانات الديمقراطية. ويشير بعض المراقبين إلى احتجاجات منتزه غيزي في العام 2013 على أنّها بداية حكمه السلطوي، لكن يرتبط هذا التعطيل بشكل أوثق باستفتاء العام 2010، الذي هدف إلى تمهيد الطريق أمام لبرلة أكبر في تركيا. فقد حصلت المبادرة على مباركة الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الليبراليين الذين عملوا بجهد لحشد الدعم لها تحت شعار “نعم لكن لا يكفي”. وبدل تنفيذ إصلاحات إضافية كجزء من جهود تركيا لدخول الاتحاد الأوروبي، استخدم أردوغان النتائج المؤاتية لإضافة تشريع يلغي تدريجياً استقلالية السلطة القضائية ويضعها في نهاية المطاف تحت سيطرته الكاملة. ويُعتبر هذا الاستفتاء وما تبعه نقطةَ تحوّل في جهود أردوغان لترسيخ حكمه السلطوي. وشكّل العام 2014 نقطةَ تحوّل أهمّ حتّى، فقد غدا أردوغان الرئيسَ التركي الأوّل المنتخَب من الشعب (في السابق كان البرلمان ينتخب الرئيس). فقال إنّه يمثّل مشيئة الشعب وأيّد استبدالَ النظام البرلماني بنظام رئاسي. وشكّلت محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، التي تمّ تحميل مسؤوليتها في تركيا بالإجمال على الموظّفين والمدنيين المرتبطين بجماعة كولن، “هديةً من الربّ” بحسب تعبير أردوغان، فقد أتاحت له “تطهير” الجيش ثمّ توسيع الردّ على الانقلاب لسحق المعارضة المتبقّية. واستغلّ أردوغان ما حدث أيضاً لتطبيق حكم نظام الطوارئ، مهمّشاً بذلك البرلمان ومزيلاً الضوابط والموازين المتبقّية على سلطته. وفي استفتاء احتدم الجدال حوله في أبريل 2017، وبأغلبية ضئيلة تبلغ 51,4 في المئة فقط، ثبّت أردوغان ولايته الرئاسية بحكم الواقع في الدستور. وتتّسم سلطته الآن بضوابط وموازين غير كافية وتَركُّزٍ كثيف للسلطة في منصب واحد وإشراف برلماني محدود وتدهور جدّي لاستقلالية القضاء. ومع تحقيقه هذه النتيجة، تمّ انتخابه في يونيو 2018 لترؤّس نظام الحوكمة الجديد هذا الذي يتّسم بطابع مركزي جداً.

ماذا بعد هذه المرحلة؟

يأتي قرار مجلس الانتخابات هذا الأسبوع نتيجةَ هذه العملية الممتدّة على عقدٍ من الزمن. واقتباساً عن عضو معارض سابق في البرلمان التركي، تعكس هذه الخطوةُ انتقالَ تركيا “إلى سلطوية واضحة، من دون هيئة ديمقراطية الاقتراع وسيادة القانون حتّى”. وكما كتبت مجلّة “ذي إيكونوميست” مؤخراً، سيحاول أردوغان الآن أن يستعيد المدينة لحزب العدالة والتنمية الذي يترأّسه، وذلك “إمّا بالحسنة أو المُرّة”. فالرهانات الاقتصادية والسياسية مرتفعة. لكن، كما في 31 مارس، لن تشكّل إعادة الانتخابات منافسةً بين المرشّحَين على رئاسة البلدية إمام أوغلو ويلدرم. بدلاً من ذلك، ما يتمّ فعلياً التصويت عليه هو شرعية قرار المجلس بإبطال نتائج الانتخابات الأولى والإيمان بقدرة أردوغان على إقامة “دولة تركية أقوى وأكثر ازدهاراً وديمقراطية ذات استقلال قضائي أكبر” كما وعد في السابق. بالتالي، ستكون منافسة بين خطاب أردوغان، الذي يتّسم بالشعبوية والتقسيمية والغضب، و”القوّة الهادئة” التي يتحلّى بها إمام أوغلو والمدعومة بخطاب شامل وإيجابي. فبالنسبة إلى ناخبين ضاقوا ذرعاً من حملة الإدانات والاتّهامات والمؤامرات المروّعة المهدّدة لأمن تركيا التي يطلقها أردوغان، سيشكّل التصويت ليلدرم أمراً صعباً. لكن حتّى إن فاز يلدرم، من الصعب معرفة كيف سيتمكّن أردوغان من معالجة مشاكل تركيا المتكدّسة والفوز بقلوب الناخبين وعقولهم والمحافظة على حكمه حتّى الانتخابات الآتية المحدَّدة في العام 2023. فيشهد الاقتصاد تدهوراً سريعاً مع تزايد التضخّم والبطالة بثبات، وتخسر الليرة التركية من قيمتها بوتيرة مقلقة، ويغادر الاستثمار الأجنبي المباشر (بالإضافة إلى الرأسمال البشري) تركيا، علماً أنها تحتاج إليه بشدّة. ومن الناحية السياسية، يقلّص خطاب أردوغان وسياسته قاعدتَه الناخبة. فهو يواجه انتقادات مفتوحة متزايدة مع استقالة معلّقين صحافيين داعمين للحكومة من مناصبهم وتعبيرهم عن تأييدهم إمام أوغلو. وينخرط وزراؤه السابقون وزملاؤه القادة في الحزب في جهود لتشكيل حزب سياسي بديل يحترم المبادئ الأساسية لحزب العدالة والتنمية بحقّ، على الرغم من تحذير أردوغان “بعدم ارتكاب خيانة”. وتبرز أيضاً أزمات سياسات خارجية وأزماتٌ استراتيجية هائلة تتطلّب حلّاً سريعاً، بدءاً من انتشال تركيا من ورطة سوريا وصولاً إلى حلّ الأزمات المتفاقمة مع الولايات المتحدة واتّخاذ القرار في ما إذا ستبقى تركيا جزءاً من التحالف عبر الأطلسي أم لا. ويتطلّب النظام الذي وضعه أردوغان أن يعالج هو بمفرده قائمة المشاكل المتزايدة. وليس بسرٍّ أنّ أكثر من 21 ألف قرار ينتظر توقيعه لبدء التنفيذ. غير أنّه لا يمكن لأيّ إنسان أن يهتمّ بهذا القدر من القرارات من دون تشاطر السلطة. ويُعتبَر قرار المجلس شبيهاً بتسديد أحدهم هدفاً في مرماه، الأمر الذي أوصل أردوغان إلى مفترق طرق، فهل سيُصلح النظامَ الذي وضعه أم سينهار تحت عبئه؟ كلا القرارَين صعب، غير أنّ الشرط اللازم للاحتمال الأوّل يتمثّل في الحرص على أنّ الانتخابات في 23 يونيو حرّةً وعادلة. أمّا البديل فسيكون موت الديمقراطية التركية، وهو لأمر كارثي على البلاد وعلى إرث أردوغان، الذي ساعد تركيا من قبل على التمتّع بديمقراطية ليبرالية واستقرار وازدهار ومكانة دولية مرموقة.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,175,380

عدد الزوار: 6,758,972

المتواجدون الآن: 117