الباغوز لنفض «غبار الحرب» بعد 4 سنوات على هزيمة «داعش»..

تاريخ الإضافة الخميس 23 آذار 2023 - 2:46 ص    عدد الزيارات 504    التعليقات 0

        

الباغوز لنفض «غبار الحرب» بعد 4 سنوات على هزيمة «داعش»...

«الشرق الأوسط» تزور البلدة التي دمرتها معركة طرد التنظيم من آخر معاقله في سوريا

(الشرق الأوسط)... تحقيق من الباغوز ومخيم الهول: كمال شيخو.... في مثل هذه الأيام من عام 2019 شهدت بلدة الباغوز، بريف دير الزور في شرق سوريا، واحدة من أعنف المعارك للقضاء على «تنظيم داعش» في آخر مناطق سيطرته، جغرافياً وعسكرياً، في سوريا. انتهت المعارك باستسلام عناصر التنظيم الذين قاتلوا حتى الرمق الأخير. نُقلوا إلى مقرات احتجاز تديرها «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، تحت إشراف قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية. بالإضافة إلى المقاتلين، نقلت قوات «قسد» التي يشكل الأكراد عمادها الأساسي، مئات من أفراد أسر التنظيم إلى مخيمات تُشرف عليها في شمال شرقي سوريا. في ذكرى هزيمة «داعش»، زارت «الشرق الأوسط» بلدة الباغوز التي ما زالت تحاول نفض غبار المعركة عنها، وكذلك مخيم الهول في الحسكة، وجاءت بهذا التحقيق:

> في الطريق الرئيسية المؤدية إلى بلدة الباغوز فوقاني، بريف دير الزور، لا تزال آثار المعارك ظاهرة بوضوح في كل مكان، رغم مرور 4 سنوات على انتهائها. مبانٍ مدمرة. هياكل سيارات متفحمة. بقايا صواريخ تركت آثارها من خلال فجوات كبيرة بالأرض. أما الجسر الذي يوصل هذه البلدة بناحية البوكمال المجاورة، فلم يعد صالحاً للمرور نتيجة الدمار الذي لحق به، نتيجة المعارك في هذه المنطقة التي تقاسمتها جهات سورية متحاربة. عند التجول في شوارع البلدة تتكرر مظاهر الدمار الذي حلّ بها جراء المعارك العنيفة التي شهدتها في بدايات عام 2019، كما يُلاحظ على الجدران وجود بعض من كتابات «تنظيم داعش» التي تذكّر أهل الباغوز بحقبة حكمه البالغة التشدد. كذلك يمكن رؤية قسم من المنازل والمحال التجارية التي أصبحت أثراً بعد عين، إذ لم يتبق منها سوى جبال من الركام، أما التي نجت من شدة القصف فلم تسلم أبوابها ونوافذها من شدة الانفجارات التي دمرت المناطق المحيطة بها.

مخلفات تحصد أرواح الأبرياء

في مخيم القرية الذي يقع بالجهة الشرقية قرب تلتها الاستراتيجية، والذي تحول آنذاك لآخر نقطة تجمع لعناصر «تنظيم داعش» وعائلاته، تأتي سُميّة ذات الأربعة عقود بصحبة أصغر أبنائها بشكل شبه يومي، وتجهش بالبكاء وهي تقف قرب مقبرة هياكل سيارات صدئة كانت تعود لمقاتلي التنظيم. تروي هذه السيدة التي كانت ترتدي عباءة وغطاء رأس أسود اللون، كيف فقدت ابنتها العنود ذات الـ13 ربيعاً، بعد انفجار قنبلة يدوية قرب الطريق الفرعية التي تربط تلة الباغوز بالقرية. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «ماتت بنتي الصغيرة، قبل 3 شهور، بلغم كان مزروعاً بالقرب من هذه الطريق... لن أنسى ملامح وجهها وفستانها الملوّن وضحكتها التي لا تفارقني للحظة. سرقت هذه الحرب فلذة قلبي». ويقول سكان ومسؤولون في الإدارة المدنية إن كثيراً من الأهالي الذين عادوا إلى ممتلكاتهم ومنازلهم بعد انتهاء معركة الباغوز، أصيبوا أو قتلوا جراء انفجار ذخائر ومخلفات زرعها عناصر التنظيم بكثافة، لمنع السكان من الهرب والفرار بعد اقتراب المعركة الحاسمة من هذه البلدة على ضفاف نهر الفرات. وبحسب إحصاءات رسمية، مات 35 شخصاً نتيجة مخلفات الحرب، في وقت بلغت فيه حالات البتر والعاهات الدائمة حتى اليوم نحو 70 حالة. وتُعد هذه الأرقام كبيرة مقارنة مع بلدة لا يتجاوز عدد سكانها اليوم 8 آلاف نسمة فقط. والباغوز عبارة عن بلدة سورية صغيرة المساحة تتبع ناحية السوسة إدارياً، تقع في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور في حوض نهر الفرات شمالاً بمنطقة البوكمال. وبلغ عدد سكانها نحو 11 ألف نسمة، حسب إحصاء سنة 2004. تحوّلت أرض المخيم لمكب ومقبرة ضمت عدداً كبيراً من هياكل سيارات معطلة أو متفحمة ودراجات نارية، إلى جانب شبكة أنفاق وسواتر ترابية عالية للحماية من الصواريخ وقذائف الهاون وشظايا القصف. يقول فيصل (33 سنة) إن الباغوز تحولت إلى «منطقة عسكرية» منذ بداية سنة 2018، ولم تتعافَ من الحرب حتى اليوم. نزح فيصل من الباغوز برفقة عائلته لأكثر من عام قاصداً المناطق المجاورة شمالاً التي تسيطر عليها قوات «قسد» وعاد إليها في صيف 2019 بعد شهور من انتهاء المعركة ضد «داعش». ويؤكد في حديثه مع «الشرق الأوسط» أن بعض أهالي القرية كانوا قبل الحرب أصحاء لا يعانون الأمراض «أما اليوم فتراهم يمشون من دون أعضاء نتيجة بتر ساق أو يد... ترى بعضهم يتنقل على كرسي متحرك. كل ذلك نتيجة للحروب التي دارت في المنطقة. هذه الصور تذكّرنا بأن الحرب التي دارت في الباغوز ليست كغيرها من الحروب». وكحال غيره من أبناء البلدة، لم يخفِ فيصل خشيته من عودة خلايا التنظيم المنتشرة في منطقة متشابكة عسكرياً، موضحاً: «عشنا مشاعر الخوف لا سيما خلال الفترة الأولى، بسبب جرائم نفذتها خلايا نائمة موالية للتنظيم، نخشى منها ومن القوات النظامية والميليشيات الإيرانية؛ لأن هذه الجهات منتشرة بالفعل في محيط الباغوز». وهذا الخوف مرده عمليات الذبح والقتل الوحشية التي اتبعها عناصر التنظيم خلال حكمهم لمناطق سيطرتهم في شرق سوريا وشمالها. ويتذكر كثير من السكان مشاهد القتل الجماعي للمئات من أفراد عشيرة الشعيطات نهاية 2014، ولجوء «داعش» إلى بثّ الرعب من خلال نشر صور ومقاطع فيديو مروعة، مثل حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وتعليق رؤوس جثث عشرات الجنود السوريين - وهم أشباه عراة - بعدما أُسِروا في مطار الطبقة العسكري، وتصفية عشرات المواطنين بما في ذلك أجانب من صحافيين وعاملين في منظمات إنسانية إغاثية.

 

عودة الحياة والأشجار المثمرة

في كثير من أحياء الباغوز وأزقتها يمكن رصد بدء أعمال إعادة إعمار البلدة التي يحاول سكانها نفض غبار الحرب عن منطقتهم، إذ تجد كثيراً من الأهالي منهمكين في إزالة جبال الركام وإعمار منازلهم ومحالهم التجارية بإصرار وعزيمة، كما يسعى السكان إلى إعادة عجلة الحياة إلى بلدتهم التي أنهكتها المعارك، لكن الباغوز قد لا تعود إلى وضعها السابق إلا بعد سنوات. يقول شعبان (54 سنة) الذي يمتلك بستاناً زراعياً تبلغ مساحته 10 دونمات، وكان مزروعاً بأشجار الرمّان لكنها حرقت ودمرت نتيجة المعارك: «كان بستاني يضم 500 شجرة رمّان؛ لكن هذه الأشجار احترقت كلها ولم يتبق منها سوى بقايا جذور محترقة... منزلي أيضاً تعرض للدمار واحترق أثاثه، ونحاول بناء ما يمكن بناؤه». ويؤكد أنهم يحتاجون لسنوات أخرى للتعافي من الحرب، مشيراً إلى أن تربة الباغوز باتت شبه محترقة و«لم تعد صالحة للزراعة... لا لزراعة الأشجار، ولا لزراعة المحاصيل الموسمية. هذه كارثة إنسانية بكل المقاييس». وتعاقبت جهات عسكرية عدة على حكم الباغوز منذ ربيع 2011 عندما اندلعت الثورة ضد الحكم السوري. في بداية عام 2013 خرجت البلدة عن سيطرة النظام وصارت خاضعة لسيطرة فصائل مما يُعرف بـ«الجيش السوري الحر»، قبل أن تخضع لـ«جبهة النصرة» التي باتت اليوم «هيئة تحرير الشام». في منتصف عام 2014، انتقلت السيطرة على الباغوز إلى أيدي «تنظيم داعش»، واستمرت كذلك حتى بداية فبراير (شباط) 2019 عندما شنت «قوات سوريا الديمقراطية»، بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية، هجوماً واسعاً تمكنت خلاله من القضاء على سيطرة التنظيم الجغرافية والعسكرية في مارس (آذار). يقول حواس سدير الجاسم، أحد وجهاء الباغوز، إن عشائر المنطقة طالبت مسؤولي التحالف الدولي خلال لقاءات مباشرة، وكذلك الإدارة الذاتية والمنظمات الدولية المعنية، بالعمل على إزالة مخلّفات الحرب ومساعدة الأهالي للتعافي منها. ويضيف، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن الباغوز «دفعت أكبر فاتورة في الحرب ضد (تنظيم داعش) الإرهابي، كونها كانت آخر معاقله الجغرافية التي تحصن بها مقاتلوه». ويؤكد سدير الجاسم أن إحصاءات رسمية وثّقتها لجان محلية مختصة تحت إشراف خبراء تفيد بأن حجم الأضرار ضخم جداً في المباني السكنية والبنية التحتية والأشجار المثمرة والأراضي الزراعية. ويوضح أن الأضرار تتوزع على الشكل الآتي: «عدد المنازل السكنية المدمرة حسب أسماء أصحابها 1450 منزلاً، 80 في المائة منها سويت بالأرض، و20 في المائة لحقت بها أضرار متفاوتة بين دمار جزئي وحريق». ويتابع بأن أعداد الأشجار المثمرة المتضررة بلغت نحو سبعة ملايين شجرة من النخيل والحمضيات والزيتون، «أما الرمان فقد احترق أو جفّ منه 650 ألف شجرة جراء الحرب». ويزيد قائلاً إن النيران طالت 5 مدارس تعليمية بقي منها «مدرستان فقط هما بحالة مقبولة لاستقبال التلاميذ» بعد القيام بأعمال ترميم فيهما. ويشير أيضاً إلى تضرر البنية التحتية والطرق الرئيسية وشبكات المياه والصرف الصحي، ومعظم المحال التجارية. الشيخ سدير، كغيره من سكان المنطقة، بقي في بلدته خلال سنوات حكم التنظيم المتشدد وحتى خروج جميع سكانها هرباً من العمليات العسكرية، قبل أن يعود إليها في أبريل (نيسان) 2019. يستذكر سدير الصور الأولى التي شاهدها عقب عودته، قائلاً: «صُدمنا من مشاهد الحرب وأكوام الخراب والهياكل المتفحمة التي بقيت شاهدة على احتدام المعارك... بقينا أسابيع وشهوراً (في حالة صدمة). وحتى اليوم، يصعب علينا التعايش مع هذا الدمار ومع المقابر الجماعية» التي تنتشر في الباغوز ومحيطها.

شهادات ناجين من قبضة «داعش»

> يروي شعبان، وهو رجل في منتصف عقده الخامس ويتحدر من بلدة الباغوز بشرق سوريا، قصة إعدام «داعش» لأخيه وكيف سيبقى يتذكر «حقبة التنظيم السوداء» طوال حياته، مشيراً إلى أنه قُتل بتهمة دعم عشيرة الشعيطات التي واجهت تمدد التنظيم المتشدد بالريف الشرقي لمدينة دير الزور. يقول شعبان في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بعد قتل أخي رمياً بالرصاص وتعليق جثته في الحديقة العامة لبلدة الشعفة، المجاورة للباغوز، بقيت جثته معلقة ثلاثة أيام، وكلما أذهب لجلبها ودفنها كان عناصر التنظيم يهددوني بشنقي ووضعي بجانبه». شاهد هذا الرجل كغيره من أبناء المنطقة عمليات القتل الجماعية والفردية والإعدامات التي كان ينفذها عناصر التنظيم بوحشية، وكانت أول حادثة شهدها في نهاية 2014 حيث حضر عن طريق الصدفة، عملية إعدام شاب في ساحة البوكمال الرئيسية وكيف فصل «داعش» رأسه عن جسده بالسيف لتحذير الأهالي من مغبة مناهضة حكم التنظيم على المنطقة. أما الشيخ عبد الهادي الذي يبلغ من العمر 70 سنة، فيروي كيف قتل عناصر التنظيم أصغر أبنائه أمام عينيه دون أن يكون في مقدوره منعهم أو إنقاذه. يتذكر تاريخ الحادثة وتفاصيلها كما لو وقعت قبل لحظات، قائلاً: «بتاريخ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 جاءت مجموعة من الرجال وطلبوا مفاتيح المسجد من ابني عبد الودود الذي كان عمره آنذاك 10 سنوات فقط، فرفض ولدي إعطاءهم المفاتيح بحجة أنه لا يحوزها». طالب هؤلاء بقدوم إمام المسجد، وبالفعل ذهب إليهم، فهجم عليه المسلحون، فما كان من الولد إلا أن تدخل بشجاعة محاولا منعهم من الاقتراب من والده. أجهش عبد الهادي بالبكاء وهو يتحدث، قائلاً إنه منذ تاريخ تلك الحادثة فقد نبرة صوته حزناً على مقتل ابنه. وتابع: «صرخ ابني في وجه المسلحين وقال بصوت عالٍ: كيف تعتدون على أبي وهو إمام المسجد وكبيركم، فأطلق أحدهم الرصاص عليه وأرداه قتيلاً أمام عيني». توقف الشيخ عن الكلام ليتابع بكاءه ألماً على فراق ابنه الذي كان يحلم أن يكون يوماً ما «إماماً لمسجد البلدة ويحل مكاني». بعكس نجل عبد الهادي، كان الحظ حليف حمود (33 سنة) الذي انشق عن صفوف القوات النظامية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد وعاد لمسقط رأسه في الباغوز منتصف 2014. فقد أُخبر بأن التنظيم سمح له بالبقاء بعد خضوعه لدورة شرعية مدتها 20 يوماً. بقي تحت رقابة صارمة وكان يتم استدعاؤه كلما قصفت القوات النظامية المناطق الخاضعة للتنظيم. وفي أحد الأيام، بداية عام 2018 تعرضت المنطقة لقصف من الطيران الروسي والطيران الحكومي، فداهمت دورية لـ«داعش» منزل حمود الذي كان في الخارج. ألقى عناصر التنظيم القبض على ابن عمه وأخذوه إلى السجن حيث قُتل تحت التعذيب، كما عرفت عائلته. قال حمود الذي نجا بحياته بشبه أعجوبة: «عن طريق أحد المعارف الذي كان مسؤولاً بجهاز الأمن العام، دخلت المستشفى للبحث عن جثة ابن عمي المقتول لأجد أكثر من 80 جثة ملقاة بالممرات وفي العنابر جراء قصف الطيران الروسي والسوري». وأضاف أنه بعد هذه الحادثة، هرب إلى المناطق الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، ولم يعد إلى مسقط رأسه في الباغوز سوى في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أي بعد أشهر من طرد «داعش» منها. ختم حمود حديثه قائلاً: «حتى اليوم ما زلنا لا نعلم أين دُفنت جثة ابن عمي... هناك أكثر من 20 شخصاً من معارفنا لا نعلم أين دفنهم التنظيم».

5 مقابر جماعية في الباغوز

> رغم مرور 4 أعوام على هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي في معقله الأخير ببلدة الباغوز فوقاني الواقعة أقصى شرقي سوريا؛ فإن إحصاء الجثث وهوية المدفونين في المقابر الجماعية ما زالا عالقين. ويقول الدكتور مشاري الحزوم، رئيس لجنة الطبابة الشرعية في دير الزور، ومسؤولون مدنيون وسكان من أهالي المنطقة، إنه توجد 5 مقابر جماعية معروفة وظاهرة للعيان، وقد قامت فرق مختصة بانتشال الجثث التي كانت ملقاة على سطح الأرض وجرى دفنها في مقبرة خاصة من دون شواهد، بعد توثيق وتدوين معلومات أصحابها في سجلات رسمية. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الدكتور مشاري الحزوم، الذي قاد فريقاً مختصاً لجمع الجثث داخل الباغوز بعد انتهاء العمليات العسكرية في ربيع 2019، إنهم جمعوا 465 جثة من جميع المناطق المحيطة بالبلدة؛ بما فيها المخيم القديم. وأوضح: «بعد انتهاء المعركة، تمت العملية (جمع الجثث) بالتعاون مع (برنامج إنماء الفرات)، وكانت المدة 3 أشهر. جمعنا كل الجثث الظاهرة فوق سطح الأرض، وقمنا بتوثيقها ثم دفنها في مقبرة القرية»، مشيراً إلى أنهم تركوا بقية المقابر الجماعية وعددها 5؛ «لأنها تحتاج إلى فرق مختصة وآليات ومعدات حديثة خاصة لإنجاز هذه المهمة، كما أن هناك حاجة لجهود محلية ودولية للتمكن من فتح كل المقابر». وأوضح الدكتور الحزوم أنهم حاولوا فتح مقبرة تقع بجانب مستوصف القرية بعد مطالبة الأهالي أصحاب الأرض بالعمل على فتح المقبرة وانتشال جثثها. وتابع: «حصلنا بالفعل على موافقة رسمية من الإدارة المدنية وفتحنا قبراً واحداً لنفاجأ بوجود 3 جثث بعضها فوق بعض». ورجّح أن «بقية القبور في المقبرة تتراوح أعداد الجثث الموجودة في كل واحد منها بين 3 و7 جثث، وذلك نظراً إلى طول القبر وعمقه». وشدد على أن فريقه كان حريصاً على «توثيق (بيانات) الجثة؛ ذكراً أم أنثى، وتقدير العمر، وطريقة القتل... غالبية الجثث كانت لجنسيات آسيوية ومن دول الاتحاد السوفياتي (السابق) ومن العراقيين». وكشف عن أنهم وجدوا جثثاً مقيّدة بسلاسل حديدية وتم قتل أصحابها بطريقة «الإعدامات الميدانية». وتابع: «عثرنا على 5 جثث أعدمت بشكل جماعي رمياً بالرصاص... كانت تلبس زي الإعدام الخاص بالتنظيم». ورصدت «الشرق الأوسط»، خلال جولة في الباغوز، 5 مقابر جماعية؛ منها اثنتان في المخيم القديم وسط أرض زراعية، ومقبرة واحدة بجانب المستوصف، ومقبرتان داخل شوارع القرية. ويقول سكان إن الجثث التي جُمعت من أحياء وشوارع البلدة دُفنت في مقبرة الباغوز نفسها على تلتها الاستراتيجية الواقعة في الجهة الشرقية. ويوضح سكان محليون أن تنظيم «داعش» أعد المقابر الجماعية قبل بدء الهجوم على البلدة، مشيرين إلى أن قسماً من الجثث يعود لمتشددين من أفراد التنظيم. وتدل مقابر الباغوز على الأهوال التي عاشها سكان المنطقة تحت حكم «داعش» لنحو 5 سنوات ونصف السنة، قبل دحره في مارس (آذار) 2019. وفي هذا الإطار، يقول رشيد (45 سنة)؛ الذي يعمل في بلدية الباغوز المستحدثة، إن المقابر الجماعية قد تكون أكثر من ذلك بكثير لعدم اكتشافها وغياب الفرق المختصة بالبحث عنها، وكذلك نتيجة غياب المساهمة المحلية والدولية المختصة في فتحها والكشف عن حقيقة الجثث المدفونة فيها. ويوضح رشيد في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أتذكر كيف كنا نجمع ما بين 3 و7 جثث يومياً بشكل وسطي على مدار 3 أشهر متتالية». ويزيد قائلاً: «نحاول نسيان ما شهدته قريتنا، لكن عند مشاهدة قبر جماعي والسماع بوجود جثث تحت الأنقاض، نتذكر الحقبة السوداء القديمة حين كانت المنطقة تخضع لتنظيم (داعش) المتطرف». أما وليد، وهو ممرض يعمل في مستوصف القرية، فقال إن فريقاً مختصاً، بالتعاون مع منظمة مدنية محلية وبتوجيه من الإدارة الذاتية المدنية في دير الزور، جمع كل الجثث الظاهرة للعيان؛ وبينها جثث نساء وأطفال ورجال، موضحاً أن «معظم جنسيات القتلى كان لعراقيين أو من بلاد آسيا الوسطى ودول شرق آسيا. كنا نتعرف عليهم من ملامحهم أو وجود علامات تشير إلى ذلك. أما أعداد السوريين فقد كانت قليلة جداً». وأكد أنهم عثروا في قطعة أرض شرق البلدة على 6 جثث تعود لعسكريين: «كانت جماجمها مهشمة وتعود لرجال مسلحين يبدو أنهم كانوا ضحية تصفية جماعية». ولفت إلى أن الفريق المختص بعد توثيق الجثة، يقوم بـ«دفن الجثث على الطريقة الإسلامية في مقبرة البلدة الواقعة أقصى شرقي البلدة على تلتها المعروفة، ولكن من دون شواهد». وأخبر الشيخ حواس سيدير الجاسم، وهو أحد وجهاء الباغوز، أن وفداً من أبناء القرية عقد بداية العام الحالي اجتماعات مع مسؤولي التحالف الدولي وسفراء أميركيين زاروا المنطقة، موضحاً: «طالبنا قادة التحالف ومسؤولي الإدارة الذاتية بالعمل على فتح المقابر الجماعية؛ لأنها تشكل أحد أبرز العوامل المانعة تعافي هذه القرية وعودة سكانها إلى حياتهم الطبيعية». وأكد أن الباغوز دفعت أكبر فاتورة في الحرب ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، مشيراً إلى أنها «كانت آخر معاقله الجغرافية والعسكرية التي تحصن بها مقاتلوه قبل استسلامهم».

> بعد 4 سنوات على هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي والقضاء على سيطرته الجغرافية والعسكرية شرق الفرات؛ ماذا حل بعائلات أفراده الذين قُتلوا أو أُسروا؟

 

«الشرق الأوسط» سعت إلى تسليط الضوء على هذه القضية، من خلال زيارة قامت بها إلى القسم الخاص بـ«النساء المهاجرات» في «مخيم الهول» الذي يقع أقصى شرق محافظة الحسكة، شمال شرقي سوريا. في اليوم الأول من الزيارة، فشل موفد الجريدة والمصور المرافق له في إكمال جولتهما بعد هجوم شنه فتية وأطفال بالحجارة والعصي، حيث مُنع فريق «الشرق الأوسط» من التصوير أو إجراء مقابلات والتحدث إلى النساء القاطنات في «قسم المهاجرات». لأكثر من ساعتين؛ بقي الفتية اليافعون والأطفال متجمهرين على مسافة قريبة من الفريق الإعلامي، وكلما أُخرجت الكاميرات لالتقاط الصور ومحاولة الاقتراب أكثر من الخيام كانت تلك المجموعة تلقي الحجارة وتركض نحو المصور لمنعه من العمل؛ مما أجبر الفريق على التوقف والانسحاب ثم العودة في اليوم الثاني. في اليوم التالي، وعند اجتياز البوابة الرئيسية للمخيم؛ التي كان يقف على جانبيها عشرات العناصر من قوى الأمن الداخلي مدججين بالأسلحة والهراوات، إلى جانب انتشار كثيف للسيارات العسكرية المصفحة تحسباً لأي هجمات أو اعتداءات من داخل القسم، لاحظ الفريق الإعلامي كثرة وجود الأطفال، وبأعمار متفاوتة مختلفة. لكن الغريب، واللافت للنظر، كان وجود أطفال صغار السن تُقدر أعمار بعضهم بما بين عامين وثلاثة أعوام، كانوا يلعبون بصحبة آخرين، أو يمشون برفقة أمهاتهم. أوقف موفد الجريدة أحد الصبية وسأله عن عمر أخيه الصغير الذي كان بصحبته، ليكون الجواب أن عمره نحو 3 سنوات، لتأتي والدتهما المتشحة بالسواد مسرعة وتسحب طفليها، قائلة بغضب وبنبرة صوت مرتفعة إن ولدها عمره 4 سنوات ونصف السنة. وبعملية حسابية بسيطة: انتهت معركة الباغوز في 23 مارس (آذار) 2019، وإذا كانت هذه المرأة حاملاً بالفعل من زوجها فيجب أن يكون عمر طفلها اليوم بحدود 4 سنوات ونصف السنة، لكن الواقع أن هذا الطفل بدا بالكاد وكأن عمره لا يتجاوز عامين وفق ما أوحت ملامحه وخطوات مشيه وطول قامته. في زاوية ثانية من المخيم، وقف طفل ملامحه روسية - قوقازية؛ شعر أشقر اللون... عينان زرقاوان، كان يلعب مع والدته التي تحدثت العربية الفصحى بكلمات مبعثرة. وعند سؤالها عن عمر طفلها، قالت إن عمره 3 سنوات ونصف السنة، وهذا يعني أنها كانت حاملاً من زوجها وفي الأشهر الأخيرة من حملها خلال معركة الباغوز. وبعد مجيئها إلى «مخيم الهول»، ولدت ابنها بالفعل هناك. وهذه الحال تنطبق على عشرات الحالات التي شاهدها موفد «الشرق الأوسط» الذي تحدث مع أمهات وزوجات عناصر التنظيم اللاتي تكتمن على أعمار أبنائهنّ، رغم أن ملامح الأطفال كانت أصغر بكثير من الأعمار التي أفصح عنها بعض الأمهات. وتقول إدارة «مخيم الهول» إنه يقطن في هذا القسم شديد الحراسة نحو 7700 شخص؛ 90 في المائة منهم من الأطفال. وتشكو الإدارة من صعوبة الوصول إلى معلومات دقيقة عن أعداد النساء اللاتي لديهن أطفال صغار وتحديد أعمارهم. وهذا القسم يؤوي نساءً وأطفالاً لرجال أجانب جاءوا من آلاف الكيلومترات للالتحاق بصفوف «داعش»، وقد قُتل كثيرون منهم، ومَن بقي على قيد الحياة يقبع في السجون والمحتجزات التي تديرها «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» وقوات التحالف الدولي، في انتظار ترحيلهم أو مقاضاتهم بعد رفض معظم الحكومات الأجنبية استعادة رعاياها. خلال الجولة، تحدث موظف مدني (بشرط عدم ذكر اسمه أو صفته لأنه يدخل القسم بشكل يومي منتظم ويتجول بين الخيام) عن مشاهدته حفاضات حديثة لمواليد جدد بالقرب من حاويات القمامة أو عند الأسوار. وأوضح أن عمال النظافة أخبروه بأنهم يجمعون في بعض الأحيان أكياساً بداخلها حفاضات، وأغراضاً أخرى، تشير إلى وجود أطفال صغار وُلِدوا حديثاً في هذا القسم. وإذا كان هذا الكلام صحيحاً، فإنه يؤكد المعلومات التي تتحدث عن زواجات تتم داخل المخيم لفتية بمجرد بلوغهم، ما يعني أنهم الآباء للجيل الجديد من «الدواعش» الذين يولدون في الأسر. وفي هذا الإطار، شددت مسؤولة أمنية بارزة في جهاز مكافحة الإرهاب التابع لـ«وحدات حماية المرأة»، طلبت عدم الإفصاح عن اسمها لأنها تعمل على حماية هذا القسم، على أن قضية إنجاب الأطفال ووجود حديثي الولادة في هذا القسم اكتُشفت بعد الحملة الأمنية الأخيرة التي أطلقتها القوات الأمنية، صيف العام الماضي. وتضيف قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «اكتشفنا أن كثيراً من الأمهات يقمن بإخفاء أبنائهنّ وقد بلغوا سن 12 سنة وبعضهم 13 سنة، وهو العمر الذي يجب فيه نقل الطفل من المخيم إلى مراكز التأهيل التي افتتحتها (الإدارة الذاتية) لحماية هؤلاء». وتوضح أن هؤلاء الأطفال باتوا بالغين وبإمكانهم الزواج وإنجاب الأطفال.

مديرة مخيم الهول لـ «الشرق الأوسط» : تفكيكه يحتاج إلى سنوات... وهو الأخطر في العالم

> يؤوي مخيم الهول الذي يقع قرب الحدود السورية - العراقية شرقي محافظة الحسكة، آلاف اللاجئين العراقيين والنازحين السوريين، وغيرهم من الأجانب المتحدرين من 54 جنسية عربية وغربية، بمن فيهم الكثير من عائلات عناصر ومسلحي تنظيم «داعش» المحتجزين في سجون «قوات سوريا الديمقراطية». وقد تحوّل هذا المخيم بؤرة إجرام بعدما شهد مئات حالات القتل، وبات معروفاً بمستويات مرتفعة من العنف وانتشار التطرف بين قاطنيه. تقول مديرة المخيم جيهان حنان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن تفكيك المخيم يحتاج إلى سنوات، مشيرة إلى أن العدد الكلي للقاطنين فيها اليوم يقدر بنحو 51 ألفاً و500 شخص «بينهم 26 ألف لاجئ عراقي و18 ألف نازح سوري، إلى جانب القسم الخاص بالمواطنات الأجانب، وعدد القاطنين فيه أكثر من 7700 شخص». وشرحت، أن هذا المخيم تحوّل «أخطر مخيم في العالم»؛ كونه يضم عوائل وأسر عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي جاءوا إليه بعد معركة الباغوز عام 2019، مشيرة إلى أنه «شهد أكثر من 150 جريمة قتل خلال 4 سنوات... العام الماضي فقط حدثت فيه 36 جريمة قتل، عدا عن حالات التعذيب والاعتداء والهروب والتهديد المستمر. لقد بات أخطر مخيم في العالم على الإطلاق». وشددت حنان على أن مسألة ضبط المخيم أمنياً شائكة وصعبة، ومرد ذلك مساحته الكبيرة التي تبلغ نحو ثلاثة آلاف دونم. وتحدثت المسؤولة الكردية عن دور قوات الأمن وانتشارها، موضحة أن «دور قوى الأمن يقتصر على حماية ومراقبة مداخل ومخارج المخيم والبوابات الرئيسية، وتسيير دوريات متنقلة داخل المخيم. لا توجد لدينا مراكز أو مقرات أمنية ثابتة داخل الأقسام». وذكرت، أنهم يعملون على حماية قاطنيه بإمكانيات بسيطة، منوهة «أننا لا نمتلك أجهزة حديثة متطورة ولا توجد لدينا إمكانيات لزيادة عدد عناصر الأمن. وعلى الرغم من الحملات الأمنية، لا يزال المخيم يشهد حوادث أمنية وخروقات متكررة». وأشارت جيهان حنان إلى وجود تنسيق عالي المستوى بين «الإدارة الذاتية» لشمال شرقي سوريا والحكومة العراقية لإعادة اللاجئين المتواجدين في المخيمات السورية، بإشراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. ووصفت استجابة الحكومة العراقية بالخجولة، قائلة «مقارنة مع العدد الكبير للاجئين العراقيين، وهم أكبر نسبة من بين قاطني المخيم، وبالنظر للأرقام التي استعادتها بغداد خلال الأعوام الماضية، سيحتاج العراق إلى خمس سنوات أخرى لاستعادة كل اللاجئين». أما عن أعداد المواليد الحديثة بين اللاجئين العراقيين، أكدت مديرة المخيم أنهم سجّلوا الشهر الفائت فقط 61 حالة ولادة في أقسام العراقيين، مضيفة أن هناك ولادات «شبه يومية» بينهم. وعن النازحين السوريين القاطنين في هذا المخيم المكتظ، ذكرت حنان، أن أعداد السوريين المتحدرين من مناطق الإدارة الذاتية لا تتعدى 3 آلاف شخص و«هؤلاء إما أن منازلهم مدمرة أو أن هناك موانع أمنية واجتماعية لعودتهم... لكن بقية السوريين وعددهم أكثر من 14 ألفاً يتحدرون من مناطق سيطرة القوات النظامية السورية». وشددت على أن عودتهم مرهونة بحل سياسي شامل وقرار دولي لعودتهم بشكل آمن، موضحة أن «غالبيتهم يرفضون العودة من دون ضمانات دولية تحفظ أمنهم وسلامتهم، ونحن مع العودة الطوعية لأي نازح سوري كان أم عراقي». وأثنت على عمل جميع الشركاء الدوليين من منظمات إنسانية وجهات دولية ووكالات إغاثية تعمل بكامل طاقتها الاستيعابية، حيث تنشط في داخل المخيم أكثر من 35 جهة دولية ومحلية. وقالت: إن موظفي هذه الجهات «يقدمون خدماتهم بالمجان لقاطني المخيم، لكن مفوضية شؤون اللاجئين الأممية لا تعمل بالشكل المطلوب لإعادة جميع اللاجئين، ولا تضغط على حكومات الدول للاستجابة لضرورة عودة جميع الأجانب إلى دولهم الأصلية». وفي هذا الإطار، عقدت مديرة المخيم وقادة الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية (قوات سوريا الديمقراطية) اجتماعات مكثفة مع قيادات التحالف الدولي والسفراء الأميركيين الذين زاروا المنطقة مؤخراً. ولفتت حنان إلى «أننا نشرح، خلال لقاءاتنا، خطورة بقاء كل هذه الأعداد الكبيرة بجانب مؤيدي وموالي (داعش). فهذا المخيم يشكل عبئاً كبيراً على عاتق الإدارة الذاتية بمفردها». وتابعت «المطلوب اليوم من التحالف الدولي (ضد «داعش») محاربة خلايا التنظيم داخل المخيم، وحل المعضلة بشكل جذري والضغط على شركائه لإعادة جميع رعاياهم إلى بلدانهم». وكشفت المسؤولة عن مخيم الهول، عن أن كثيراً من الحكومات الغربية والعربية لم تبادر حتى اليوم بالاستفسار عن مصير رعاياها ومواطنيها. لكنها قالت: إنه «توجد دول أوروبية وغربية تتنصل من إعادة جميع مواطنيها» على رغم أنها عملت في السابق «على استعادة حالات إنسانية بأعداد خجولة جداً». وأكدت جيهان حنان، أن تفكيك مخيم الهول يحتاج إلى سنوات وقرارات دولية صارمة ومساعٍ حثيثة لإقناع حكومات الدول التي لديها رعايا بضرورة استعادتهم. وختمت قائلة «برأيي الشخصي نحتاج إلى خمس سنوات أو 6 سنوات لتفكيك مخيم الهول بالكامل؛ نظراً إلى أعداد اللاجئين العراقيين الكبيرة، وإلى أعداد النازحين السوريين والنساء الأجانب المهاجرات... إخلاء المخيم يحتاج إلى قرارات دولية صارمة».

«لا شواهد» لقبور اللاجئين العراقيين

> لم تتوقف معاناة اللاجئين العراقيين خارج ديارهم التي هجرتهم منها الحرب منذ 8 سنوات عجاف عند إيجاد خيمة لهم أو لأفراد عائلاتهم؛ بل حتى القبور التي يدفنون موتاهم فيها تكون غالباً بلا شواهد. تروي لاجئة عراقية تُدعى صفية، تبلغ من العمر 57 سنة، تتحدر من مدينة الموصل وتقيم في «مخيم الهول» السوري منذ قرابة 6 أعوام، كيف قامت بدفن زوجها في مقبرة بلدة الهول المجاورة، في قبر دون شاهد لم يُكتب عليه أي اسم، كحال مئات القبور التي تعود لعراقيين ماتوا هنا ودُفنوا في قبور دون شواهد. قالت صفية إن صحة زوجها تدهورت، لأنه كان يعاني من مرض عضال، وبعد معاناة طويلة مع المرض مات قبل ثلاثة أشهر ودُفن في مقبرة الهول: «كانت أمنيته الأخيرة رؤية بلده العراق مرة ثانية، كان يريد العودة للقاء مَن تبقى من أهله، لكن الموت كان أسرع من تحقيق آخر أمانيه». وأعربت هذه اللاجئة عن توقعها بأنها ستبقى تعيش في حسرة بعد عودتها لبلدها، مضيفة: «إذا رجعت لبلدي ما راح أقدر (لن أستطيع) أن أزور قبر زوجي لبعد المسافة والحدود الفاصلة». وتقع بلدة الهول على بُعد 40 كيلومتراً شرق الحسكة، الواقعة في أقصى شمال شرقي سوريا، وتقع مقبرتها في منطقة صخرية بالجهة الغربية، وتطل مباشرة على المخيم، وتضم أكثر من 500 قبر غالبيتها للاجئين عراقيين، حيث كان بالإمكان التمييز بين قبور سكان البلدة الذين وضعوا شواهد على قبور أحبتهم، فيما بقيت قبور اللاجئين العراقيين من دون شواهد. أما عواد، المتحدر من محافظة الأنبار العراقية ويعيش اليوم في «مخيم الهول»، فقد تحدث وهو يقف أمام خيمته التي باتت بمثابة منزله منذ سنوات: «في كل سنة، كلما تلد زوجتي يُتوفى المولود ونحتار في إيجاد مكان للدفن. قمنا بدفنهم في مقبرة الهول إلى جانب بعضهم دون شواهد». ويروي هذا اللاجئ كيف سجنه تنظيم «داعش» بعد السيطرة على مسقط رأسه، بتهمة حيازة وتجارة الدخان، لينقل إلى بلدة البوكمال السورية، وبعد الإفراج عنه وجد نفسه في «دولة ثانية» لا يعترف التنظيم بوجودها، بعدما أزال الحدود السورية - العراقية. تابع حديثه ليقول: «ما قدرت (لم أستطع) أن أرجع للعراق، لوجود معارك في مناطقنا لتلتحق بي زوجتي وعائلتي، وقصدنا (مخيم الهول) نهاية 2016، وننتظر العودة بفارغ الصبر». وعلى اختلاف أشكال القبور وتشابه غياب الشواهد وظروف رحيلهم؛ بين الوفاة العادية أو القتل، يعاني هؤلاء بالفعل من كثير من البؤس، في تجسيد صارخ لمأساة اللاجئين العراقيين الذين شردتهم نيران الحرب التي دارت في بلدهم بين القوات الحكومية وتنظيم «داعش» الإرهابي، وباتوا اليوم عالقين هنا في حالة من اليأس لا يرون لها مخرجاً، بعدما استمرت منذ ما يزيد على 8 سنوات قضوها في هذا المخيم القريب من الحدود العراقية. وتحدثت لاجئة عراقية ثالثة تُدعى أم محمد (63 سنة) تعيش في خيمة متواضعة، عن هروبها من مدينة الموصل، بداية 2017، برفقة زوجها وأولادها، خلال سيطرة مسلحي تنظيم «داعش» المتطرف على المدينة. قالت إنه بعد مضي 6 سنوات على لجوئها إلى «مخيم الهول»؛ لم يعد بمقدورها السير على قدميها؛ إذ تعاني من مرض السكري، مضيفة أن كل ما تتمناه اليوم هو الخلاص من هذا المخيم والعودة لمن تبقى من أهلها. قالت: «لا أريد الموت والدفن هنا بعيدة عن بلدي وأقربائي... تعبنا من عيشة المخيم ومن سنوات الانتظار، نموت باليوم ألف موتة دون أن يرأف لحالتنا أحد». وتوضح إدارة المخيم أن مقبرة البلدة باتت ممتلئة؛ لوجود أكثر من 26 ألف لاجئ عراقي يعيشون في «مخيم الهول»، مشيرة إلى أنهم طالبوا «اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي»، بالعمل على تخصيص مقبرة خاصة لقاطني المخيم، لا سيما اللاجئين العراقيين، نظراً لأعدادهم الكبيرة. من جهته، قال أحمد الذي كان يلبس شماغاً منقوشاً باللون الأسود و«جلابية» رمادية، إنه لم يُجبَر على المجيء إلى «مخيم الهول» أصلاً، لكن انتهى به المطاف للعيش في خيمة لا تقيه برد الشتاء ولا حرارة فصل الصيف. وأضاف بصوت مليء بالحزن لمرارة معاناته: «لدينا في العراق أرض ومنازل ورزق، وكان لدينا عمل، لكن الحرب أجبرتنا على الخروج بأيد فارغة». وهو يمضي معظم وقته كحال الآخرين؛ بالوقوف بين خيام رُسم عليها شعار المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. أضاف بلهجة عراقية محكية: «أكبر أمنياتي اليوم ألا نموت هنا، والخلاص من المخيم ومشكلاته، وأن أرجع لـ(ديرتي)، يكفينا القهر والخوف والجوع الذي عشناه طوال سنوات، وأمنيتي أن أموت في منزلي وبلدي».

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,119,270

عدد الزوار: 6,754,315

المتواجدون الآن: 107