مليونا مسلّح في لبنان

تاريخ الإضافة الأحد 26 تموز 2009 - 7:00 ص    عدد الزيارات 1419    التعليقات 0

        

\"\"

لنبدأ من الابتهاج الأخير: إنتخب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب. قضت نجوى بزي، المواطنة اللبنانية العادية. قبل انتخاب بري كانت نجوى ما تزال حية ترزق. إذا طرح على مواطن أجنبي من دولة أخرى، سؤال عن المشترك المحتمل بين الجملتين، لن يعرف بالتأكيد كيف يجيب. لكن إذا طرح السؤال على أيّ لبناني، لا شك سيفكر فوراً في رصاص الابتهاج.
ولو انتخب النائب عقاب صقر مثلاً رئيساً لمجلس النواب، ربما كانت نجوى ستظلّ حية. لا ميليشيا لصقر. لن يطلق أيّ "أزعر" الرصاص تهليلاً. ولو انتخب النائب غازي يوسف سيكون الأمر مماثلاً. حتى لو انتخب النائب عباس هاشم رئيسًا للمجلس ستبقى نجوى على قيد الحياة.

لكن أن ينتخب بري رئيساً، فهذا يعني أنّ كلّ مسلّح في "حركة أمل" أو مناصر لها، سيخرج إلى شرفة منزله، أو إلى سطح المبنى الذي يسكنه، ليطلق النار. فإذا كان يسكن في الشياح، لا بدّ أنه سيطلق النار صوب قصقص والطريق الجديدة، وإذا كان يسكن في الخندق الغميق لا شك سيطلق النار باتجاه الأشرفية، وإذا كان يسكن في رأس النبع، سيطلق النار إلى الجهة التي يتمركز فيها شبان الطرف الآخر، وهكذا دواليك في ما يخصّ مناطق أخرى من بيروت ولبنان.

والابتهاج لا يكتفي بالرصاص فقط، الرصاص الذي أودى بحياة نجوى. فبعد كلّ موجة جنون رصاصية سيسمع سكان المناطق المحيطة بأحياء تسيطر عليها "أمل"، أصوات قذائف صاروخية، "آر بي جي" على الأرجح.

هكذا اشتعلت بيروت وضواحيها، وكذلك حارة صيدا والزهراني، ومناطق بعلبك – الهرمل والبقاع، الأوسط والغربي، بعد إعلان انتخاب بري، موقعة نجوى وعدداً من الجرحى، برصاص لم يسلم منه أحد مدراء تلفزيون بري، "NBN"، محمد ضاهر.

\"\"


من البديهي القول إنّ بري ليس استثناء عن  بقية الزعماء. فعندما كلّف رئيس تكتل "لبنان أولاً" النائب سعد الحريري بتشكيل الحكومة، ردّ مناصروه في بيروت والمناطق على "الابتهاج الأملي" قبل يومين، بابتهاج مستقبلي أشعل لبنان رصاصاً وأسهما نارية.

وهذا يعني أن السلاح موجود لدى الطرفين. لكن في جهة "أمل" و"حزب الله" يأتي السلاح من التنظيم إلى الأفراد المنتسبين، أما في جهة "المستقبل"، فيأتي السلاح، الفردي بالطبع، من البيوت ومن جيوب يدفع أصحابها من مالهم الخاص ثمن الحصول عليه واقتنائه دفاعًا عن النفس.. في غياب "عقلية" التسلّح لدى قيادة "المستقبل".
وهذا شأن آخر.

لكن لا بدّ أولاً من سؤال بسيط: من أين يأتي كلّ هذا الرصاص؟ وهل هذه الأسلحة مرخّصة؟ ولماذا لا تتخذ القوى الأمنية إحتياطات؟ ولماذا لا تقبض على مسببي حفلات الجنون الجماعية عند كلّ مناسبة سياسية؟ وأصلاً لماذا وصل لبنان إلى هذا المستوى من التسيّب في اقتناء السلاح واستخدامه؟

\"\"


هذه الأسئلة يجيب عنها رئيس "حركة السلام الدائم" فادي أبي علام، الذي يعتبر أنّ "العنف خيار مقبول في التعاطي في لبنان، والسلاح متوافر بكثرة في السوق السوداء، والنزاعات موجودة وكثيرة"، والسلاح لا يستخدم فقط في المناسبات السياسية، بل في المناسبات العائلية، مثل الزواج والعزاء وغيرها.

ويخلص أبي علام إلى أنّه "في ثقافة تقبل حيازة السلاح واستخدامه، لا بدّ أن نرى العديد من الحوادث. والخطير في الموضوع أنّ منطق ثقافة السلاح واستخدامه لا ينسحب فقط على العدو بل ينطبق أيضا على المقربين، في البيت على سبيل المثال، في حال التقاتل بين الأشقاء، ومع الذات أحيانا في حالات انتحار كثيرة يشهدها لبنان".

أبي علام - وحركته بالطبع - ليس معنيا بالسياسة بمعناها المباشر. لكنّه يعتبر أنّه "في بناء السلم هناك خطان متوازيان يجب السير عليهما. أولاً يجب محاربة عقلية العنف، كما يجب الحدّ من حيازة السلاح". وبرأيه فإنّ ذلك "لا يمكن البدء به إلا من خلال تبنّي الدولة برامج توعية حول مخاطر السلاح، تنفذها مع وزارات التربية والدفاع والداخلية وتتشارك معها الجمعيات المدنية والأهلية في المناطق".

وإذ دعا نواب بيروت وقوى الرابع عشر من آذار إلى المضي قدمًا في مشروع جعل بيروت مدينة آمنة ومنزوعة السلاح، يلفت أبي علام إلى أنّ "الخطوة الأولى على هذا الطريق يجب أن تبدأ بإصدار قانون عفو في مجلس النواب، يعفي من المسؤولية القانونية من يسلّم طوعاً ما لديه من سلاح"، حيث إنّ كثيرين "ورثوا أسلحة من آبائهم أو ما زالوا يحتفظون بها من حقبات سابقة، ويريدون التخلص منها لكن لا يعرفون كيف". ويعلّل علام ظاهرة "القنابل التي يعثر عليها هنا وهناك على جوانب الطرق بأنها أسلحة يريد مالكوها التخلص منها لكنهم يخافون من المساءلة القانونية".

ويدعو ختاماً إلى "التمييز بين السلاح المقاوم الذي يتلخص دوره في مقاومة العدو، وبين السلاح الذي يستخدم في الداخل"، مشدداً على أنّ "النوع الأول من السلاح متروك لطاولة الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية".

\"\"

لكن، لأنّ كل شيء في لبنان يتم بالتراضي، حتى الأمن، فإنّ مصدراً أمنياً رفيعاً كشف أنّ "سحب السلاح من بيروت أمر سهل تقنياً، والقوى الأمنية قادرة على القيام به في مدة زمنية معقولة، لكنّ الأمر يحتاج إلى قرار سياسي يغطي القرار الأمني".

من جهة أخرى، بعيداً عن "الغطاء السياسي للجهوزية الأمنية"، فإنّ القوى الأمنية لا تنفذ القانون بأبسط قواعده، إذ يشير العميد الركن المتقاعد، الدكتور هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات، إلى أنّ "حمل السلاح من دون رخصة يعاقب عليه القانون بالحبس من شهر الى ثلاثة أشهر مع مصادرة السلاح، وحتى السلاح المرخص، فإنّ إطلاق النار منه في مكان آهل، وإن لم يتسبب بحدوث أضرار مادية أو بشرية، فإنّه يعتبر مخالفة، فكيف إذا كان إطلاق النار يتم من سلاح غير مرخص وفي منطقة مأهولة بالسكان، هنا العقوبة العادية يجب ألا تقلّ عن ثلاثة أشهر من السجن".

وبرأي جابر فإنّ "الحلّ لإيقاف الجنون الابتهاجي يكون باستعادة هيبة الدولة من خلال جمع السلاح. فعلى الدولة أن تعود عشرين عاما إلى الوراء حين اتفق في الطائف على تسليم سلاح الميليشيات، ليتبين لاحقا أن الميليشيات لم تسلم سلاحها كلّه واحتفظت بقسم كبير منه".

ويدعو جابر إلى "إعادة الترخيص بعناية شديدة، وليس ضمن منطق المحسوبيات لهذا النائب وذلك الوزير وهذا الزعيم وذلك الرئيس، بل فقط لمن يحتاجون إلى السلاح، مثل الصرّافين والذين يعملون ليلاً وأصحاب متاجر المجوهرات ومن في مصافهم"، داعياً إلى "تشديد العقوبات على من يطلق النار في مكان آهل ليكون عبرة لمن يعتبر".


\"\"

قبل ثلاثة أعوام، وبالتحديد في السابع من كانون الأول من العام 2006، وجه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله كلمة إلى المعتصمين في ساحة رياض الصلح، قال فيها بالحرف الواحد: "قبل أن أبدأ، واحتياطاً لختام الكلمة، للأسف لدينا بعض العادات اللبنانية السيئة وهي إطلاق النار ابتهاجاً بمناسبة أو أخرى، أنا أتمنى على من يستمعون إلي عند انتهاء الكلمة أن لا يطلقوا الرصاص، هذه عادة سيئة يجب أن نقلع عنها كلبنانيين، يجب أنّ نتجنب إطلاق الرصاص في أي اتجاه حتى في اتجاه السماء، المكان الوحيد للرصاص هو صدر أعداء لبنان: العدو الإسرائيلي. لذلك واحتياطاً أتمنى وأؤكد وأعتبر أنّ هذه الليلة عند انتهاء الكلمة، من يطلق الرصاص هو مدسوس يريد الإساءة إلي وإلينا وإلى كل المعارضة الوطنية".

وفي الثاني من تموز من العام 2008 قال السيد نصر الله بالحرف، قبل عملية تبادل الأسرى مع إسرائيل: "إن كل من يطلق الرصاص إنما يطلقه على صدري ورأسي وعمامتي، وعلى المقاومة وشهدائها". 

بعد الإنتهاء من كلمته، اشتعلت الضاحية الجنوبية لبيروت بالنيران. أطلق المئات النار... دونما أي اعتبار لكلام السيد. وفي مقابلة تلفزيونية مع جورج صليبي ضمن برنامج "الأسبوع في ساعة" على قناة الجديد، قال الرئيس بري لمناصريه بالحرف الواحد: "سأمتنع عن أي مقابلة تلفزيونية على غرار هذه المقابلات على الإطلاق، وأتوقف عن كل مقابلة على أساس التوك شو، إذا حدث إطلاق نار سواء في بداية الحلقة أو في نهايتها".

ومثلهما ناشد الزعماء الآخرون مناصريهم عدم إطلاق النار ابتهاجاً بإطلالاتهم التلفزيونية. وكان الأكثر ظرافة كارلوس إدّة، الذي طالب مناصريه، في بداية حلقة كان ضيفها ضمن برنامج "كلام الناس" مع مارسيل غانم، بعدم إطلاق النار... هو المعروف بأنّ لا مسلحين لديه، بل فقط مؤيدون بشكل عام.

وكان الأكثر تشدداً في هذا الموضوع العلامة السيد محمد حسين فضل الله، الذي أفتى بأن إطلاق النار ابتهاجا يعدّ جريمة قتل. لكن لا حياة لمن تنادي. ما زالت النيران تطلق عشوائياً وتحصد الجرحى والقتلى مع الإطلالات التلفزيونية للزعماء. والرصاص الكثيف الذي يطلق ابتهاجاً هو خير دليل على كثرة الأسلحة في الربوع اللبنانية، ما يشكل تحديا للسلطات اللبنانية. إذ يظهر جلياً اماكن انتشار الأسلحة غير الشرعية، لكن من دون ان تستطيع القوى الأمنية جمع هذا السلاح او توقيف حائزيه.

\"\"


معدل نسبة الأسلحة المرخصة، من تلك المنتشرة في العالم، يبلغ 12 في المئة، وهذا بحسب "الشبكة العالمية للحد من انتشار الأسلحة الصغيرة"، لكنّه في لبنان يقلّ عن 5 في المئة، حسب حركة السلام الدائم، وهو رقم صغير جداً، وخطير جداً أيضاً. وإذا استمرت المقارنة، فإنّ الرقم المقدر لعدد الأسلحة الفردية في العالم هو 850 مليوناً، من ضمنها الصواريخ الخفيفة التي قد تُسقط طائرة، او التي يشغّلها عنصران اثنان، أي غير المحمولة على آلية. ومليونا قطعة سلاح فردي من هذه الملايين الـ850 ، إنما هي في لبنان وحده، وهذا رقم مخيف نسبة الى عدد سكانه.

وبحسب الأرقام الدولية، فإن مجموع الرصاصات المتوفرة في العالم أجمع، يزيد على 12 مليار رصاصة، أي ما يعادل رصاصتين لكلّ شخص على كوكب الارض. وكل عشرة اشخاص تقابلهم قطعة سلاح واحدة، و1000 هو متوسط عدد الأشخاص الذين يُقتلون كل يوم بالأسلحة الصغيرة. ومن أصل اكثر من 850 مليون قطعة سلاح صغيرة موزعة في العالم، هناك أكثر من 300 ألف منها في أيدي جنود أطفال.

كلّ هذه الأرقام تبدو بعيدة، لكن في الإمكان تقريب الصورة أكثر بالعودة إلى الخريطة اللبنانية التي يتوزع على منازل سكانها نحو مليوني قطعة سلاح فردي، أي سلاح لكلّ فردين تقريبًا. وهذه الأسلحة تودي بحياة العشرات سنوياً، حتى خارج إطار المناسبات السياسية.

والأرقام في ما خصّ الأسلحة مخيفة دائماً. منها أنه مقابل كل دولار ينفق على مساعدات التنمية في العالم، تُنفق 10 دولارات على الميزانيات العسكرية. والرقم الدقيق هو 839 مليار دولار تنفق سنوياً على صناعة الأسلحة التي تعمل فيها 1000 شركة دولية حول العالم.

لكن الأمل يبقى معلقاً على نحو 1000 جمعية تواجه الشركات الألف، وتضع في سلم أولوياتها الوقوف ضد انتشار الأسلحة وضد سوء استخدامها، ومنها "حركة السلام الدائم" في لبنان.

على أمل أن يحل الأمن الدائم في لبنان، انطلاقاً، على الأقل، من جعل بيروت مدينة آمنة ... خالية من السلاح و"الزعران".

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,135,889

عدد الزوار: 6,755,978

المتواجدون الآن: 106