هل تكون روسيا على ابواب تغيير سياسي وعسكري جذري...

هل تكون روسيا على ابواب تغيير سياسي وعسكري جذري...

بقلم مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات... حسان القطب...

من الواضح ان تعثر وفشل الحرب الروسية على اوكرانيا سوف يكون له تداعيات بالغة على مستقبل روسيا.. اذ ان مشهد العجز العسكري الروسي وعدم القدرة على حسم الحرب بسرعة كما كان يتوقع الكثير من الخبراء وكذلك القيادة الروسية السياسية والعسكرية، قد دفع الولايات المتحدة واوروبا الى تعزيز وتسريع الدعم المادي والعسكري للجيش الاوكراني وكذلك للقيادة السياسية الاوكرانية.. وقد شجع هذا على احتضان اوكرانيا وتعزيز قدرة الاوكرانيين على الصمود ومواجهة اعتى آلة حربية واكثرها وحشية ودموية واجرام..

واعقب الدعم الدولي الواسع لاوكرانيا، جملة مواقف سياسية متضامنة، وقرارات عقابية بالغة الشدة والخطورة على ومؤثرة على استقرار روسيا ونهوضها الاقتصادي ودورها في المنظومة المالية العالمية... شملت حجز اموال واصول واخراجها من نظام سويفت المالي، ووقف السماح للطيران الروسي المدني باستخدام الاجواء الاوروبية .. مما يعزل روسيا عن التواصل مع معظم دول العالم...

وهنا نتوقف عند النقاط التالية...

• بداية نتوقف عند العجز العسكري الروسي، مما يعني ان هناك سوء تقدير من القيادة العسكرية الروسية لحقيقة قدراتها وفعالية جيشها ومعداتها.. وهذا يتطلب مراجعة شاملة وبالتالي محاسبة من اتخذ قرار الحرب او من اعتبر ان الجيش مستعد وقادر على المواجهة وتحقيق الانتصارات... ومع ذلك فإن قرار الحرب يبقى قرار القيادة السياسية والتنفيذ مسؤولية القيادة العسكرية..
• ثانياً.. يجب التساؤل عن حجم مسؤولية القيادة السياسية التي اتخذت قرار اعلان الحرب والانخراط فيها، وما كانت تخطط له من الاستثمار في النتيجة الايجابية لهذه الحرب.. وهل حققت اهدافها ام فشلت ..؟؟ وهذا لمسناه في مضمون الشروط التي وضعتها القيادة السياسية الروسية على السلطة في اوكرانيا لوقف الحرب ...
• ثالثاً .. لا يمكن تجاهل خطورة القرار الذي اتخذه الرئيس الروسي (بوتين) (حيث أمر بوتين قيادته العسكرية بوضع قوات الردع الروسية، في إشارة إلى الوحدات التي تضم أسلحة نووية، في حالة تأهب قصوى، مشيراً إلى التصريحات العدائية لزعماء حلف شمال الأطلسي والعقوبات الاقتصادية ضد موسكو. وقال بوتين عبر التلفزيون الرسمي: "كما ترون، لا تتخذ الدول الغربية فقط إجراءات غير ودية ضد بلدنا في البعد الاقتصادي - أعني العقوبات غير القانونية التي يعرفها الجميع جيداً - ولكن أيضاً كبار المسؤولين في الدول الرئيسية في حلف شمال الأطلسي يسمحون لأنفسهم بالإدلاء بتصريحات عدائية في ما يتعلق ببلدنا".).. مما يعني ان الجيش الروسي قد اصبح في خضم مواجهة عسكرية مع الحلف الاطلسي برمته... وهذا امر خطير جداً وقد لا يكون الجيش الروسي جاهزاً لسيناريو من هذا القبيل اي الانخراط في حرب نووية عالمية او حتى التلويح بها..؟؟؟؟
• رابعاً.. الانهيار الاقتصادي الروسي والذي بدات ملامحه بالظهور، واشارات كثيرة بدا الحديث عنها نتيجة حجز الاصوال المالية ووقف التعامل مع المصارف الروسية، مما يعني ان روسيا سوف تشهد فوضى مالية واقتصادية غير مسبوقة... فهل الشعب الروسي الذي خرج من ازمات الاتحاد السوفياتي خلال المرحلة السابقة مستعد لاعادة هذه التجربة والمعاناة من صعوباتها ...
• خامساً.. ان انعزال او عزل الدولة الروسية عن المجتمع الدولي او معظمه وخاصةً اوروبا سوف يضع السلطة في روسيا في مواجهة مباشرة ليس مع الحلف الاطلسي ودول الاتحاد الاوروبي فقط .. ولكن مع المواطنين الروس في الداخل الذين سوف يفقدون جزءاً هاماً من قيمة العملة الروسية التي بدأت تتهاوى امام العملات الاجنبية.. وتراجع مستوى معيشتهم، وكذلك حرمان الروس من التواصل مع دول العالم الخارجي...

الخلاصة:

الاسئلة التي تفرض نفسها هي التالية...

• هل تقبل القيادة العسكرية الروسية التعرض للاهانة بان تنخرط في حربٍ لم تكن مدروسة بشكلٍ جيد، والتي كشفت ضعف الجيش الروسي مما جعل هيبته على المستوى العالمي تتهاوي وقد يترك هذا تأثيره على استقرار الاتحاد الروسي وتماسكه واستمراره..؟؟
• لا بد لاحدٍ ما ان يتحمل مسؤولية الهزيمة في حال وقوعها او حتى التاخر في حسم المعركة، وكذلك حجم الخسائر البشرية والمادية البالغة،.. ولذا قد نرى استقالة او اقالة قيادات عسكرية وتحميلها مسؤولية الفشل او سوء التقدير والادارة...؟؟
• الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته القيادة السياسية الروسية ممثلةً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشير الى خطورة هيمنة الفرد على السلطة لمدة طويلة وهذا ما جرى في روسيا.. وان قرار بوتين غير الحكيم قد ادى الى خسارة روسيا والشعب الروسي الكثير من المكتسبات الاقتصادية والرفاه الاجتماعي اضافةً الى مظهر الضعف او العجز او عدم الكفاءة العسكرية.. مما يعني ان تداول السلطة امر مهم لتجديد روح الادارة وضرورة وجود مؤسسات رسمية على مستوى اتخاذ القرار بحيث يتم تجنب الوقوع في اخطاء مماثلة..

حالة العزلة التي فرضها العالم الغربي على روسيا... والاضرار التي اصابت روسيا على مختلف المستويات .. تتطلب عملاً جاداً وحكيماً وجريئاً للخروج من دوامتها.. وبما ان القيادة العسكرية للجيش الروسي قد اصابها ضرر بالغ من هيمنة بوتين على القرار السياسي والعسكري مما اوقعها في ازمة حقيقية... اضافةً الى ان المجتمع الدولي وخاصةً الغربي والاوروبي لم يعد يثق بمواقف ووعود وقرارات بوتين.. كل هذا يعني ان الخروج من حالة العزلة الدولية لا يمكن تحقيقها مع وجود بوتين على راس السلطة السياسية.. مما يعني ان التغيير قد يكون ضروريا بل حتمياً..

لذلك يبدو ان روسيا امام قرارات صعبة ومهمة لحماية وجودها ودورها واستقرار اقتصادها ومنع اي انتفاضة او تمرد يهدد استقرار سلطتها الاتحادي ويشجع كيانات اتحادية على التمرد... وبالتالي قد يكون التغيير سياسياً وعسكرياً ضروري من حيث الاشخاص كما الدور لاعادة علاقات روسيا مع محيطها الى طبيعتها وتهدئة مخاوف جيرانها كما شعبها...

فهل نشهد قريباً غياب بوتين وقيادته العسكرية عن المشهد الرسمي الروسي ونرى تغيير حقيقي وفعلي ووجوه جديدة في القيادة الروسية، اكثر واقعية وموضوعية، بهدف وقف التوتر ومنع المواجهة مع الغرب واوروبا.. واعادة عجلة التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري الى سابق عهده..؟؟