أزمتا الحوثيين و"الحراك" تجرّان اليمن إلى حرب استنزاف من الشمال إلى الجنوب

تاريخ الإضافة السبت 3 تشرين الأول 2009 - 8:39 ص    عدد الزيارات 3868    التعليقات 0    القسم عربية

        


صنعاء ـ صادق عبدو

ما كان يخشاه اليمنيون في طريقه إلى التحقق. إنها الحرب الاستنزافية التي كرسها طرفا الحرب التي تدور رحاها منذ ما يقارب الشهرين وهما السلطة في صنعاء والحوثيون في صعدة وعمران وخاصة بعد التصريحات النارية التي ألقاها الرئيس علي عبدالله صالح وأكد من خلالها في خطاب ألقاه في مناسبة الذكرى السابعة والأربعين لانطلاق ثورة السادس والعشرين من ايلول (سبتمبر) العام 1962 أن اليمن مستعد لحرب وإن طال أمدها ست أو سبع سنوات مقبلة، فيما يؤكد زعيم حركة الحوثي عبدالملك الحوثي أن حربه الحقيقية ضد السلطة لم تبدأ بعد.
وزاد من تعقد الوضع عودة التوتر إلى المناطق الجنوبية من البلاد حيث شهد عدد من المناطق الجنوبية مواجهات مسلحة بين قوات الأمن وأنصار الحراك الجنوبي أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، في مؤشر الى اتساع رقعة التمرد الذي تواجهه صنعاء من الشمال إلى الجنوب.
ودخل إلى المشهد عنصر جديد يتمثل في الغزل الذي ظهر بين الحوثيين وأنصار الحراك الجنوبي بمظهرين أساسيين تمثل الأول في إطلاق زعيم حركة الحوثي عبدالملك الحوثي "مبادرة إنسانية" يفرج بموجبها عن كافة الجنود الجنوبيين الذين تم أسرهم في المعارك الأخيرة مع الجيش اليمني في صعدة وعمران، فيما تمثل الثاني في إعلان نائب الرئيس السابق علي سالم البيض المطالب باستعادة دولة الجنوب أنه مستعد لقبول أي دعم سياسي أو مالي من إيران طالما أن ذلك الدعم يخدم القضية الجنوبية.
خطابان متنافران
لا يحتاج أي مراقب للأوضاع في اليمن إلى جهد ليكتشف حجم الاحتقان القائم في الساحة السياسية والإجتماعية اليوم جراء الحرب الدائرة في محافظتي صعدة وعمران والتداعيات التي يمثلها عودة الاحتقان إلى المناطق الجنوبية من البلاد والتي بدأت تأخذ طريقها إلى الشارع وخاصة أن السلطة بدأت تحشد كافة الإمكانات لتحقيق نصر حاسم وواضح في حربها في صعدة التي تختلف عن كافة الحروب السابقة التي شهدتها محافظة صعدة منذ اندلاع أولى المواجهات بين الطرفين في صيف العام 2004 والتي انتهت بمقتل زعيم ومؤسس تنظيم "الشباب المؤمن" حسين الحوثي ، بالإضافة إلى محاصرة المطالبين بالانفصال .
وجاءت تجليات الحشد الشعبي في الإعلان عن تشكيل الهيئة الشعبية لمساندة الجيش في مواجهة الحوثيين، وضمت شخصيات عدة من بينها نجلا الرئيسين السابقين عبد الفتاح إسماعيل وإبراهيم الحمدي، بالإضافة إلى تأسيس هيئات شعبية أخرى قبل أشهر للدفاع عن الوحدة اليمنية.
ربما لهذا السبب كان الرئيس علي عبدالله صالح شديد الصرامة بل شديد الغضب، عندما ألقى خطابه بمناسبة الذكرى السابعة والأربعين لانطلاق ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، حيث ظهر الحدث وكأن فيه استعادة لتاريخ مرير من الصراع بين رواد الثورة الأوائل وأعدائهم وهو الصراع الذي عرف بـ "حرب الجمهوريين والملكيين" واستمر نحو ثماني سنوات انتهى بـ "مصالحة وطنية" بين الطرفين برعاية إقليمية ودولية.
غضب الرئيس صالح لم يكن موجهاً ضد الحوثيين الذين صار قتالهم "واجبا دينيا"، بل أيضاً كان موجها ضد الفرقاء السياسيين الذين لم يعطوا موقفا سياسيا مؤيدا للنظام في الحرب التي يخوضها ضد الحوثيين. فصالح يدرك أن مشروعية الحرب والانتصار فيها مرهونة بتواجد الجميع في العملية العسكرية التي يخوضها الجيش على مختلف جبهات صعدة وعمران، لهذا طالب الجميع ، بل وألح عليهم، بأن يصطفوا إلى جانب الجيش حتى لا يصبحوا نادمين على مواقفهم في المستقبل.
فالرئيس صالح لا يريد أن يبقى فرقاء الحياة السياسية متفرجين ، كما هو حالهم اليوم ، بل يريد جبهة موحدة كتلك التي خاضت حرب صيف العام 1994 ، ولهذا فإنه لم ييأس من ظهور هذه الجبهة. ويقول في هذا الصدد "أعتقد ان هناك إجماعاً واصطفافاً وطنياً كبيراً لإنهاء هذه الفتنة والتمرد في صعدة وهذا الاصطفاف الوطني يبشر بخير مثلما حصل اصطفاف وطني أثناء فتنة 1994 ".
ويؤكد بعد مطالبته المعارضة بـ "الإبتعاد عن المكايدة والمماحكة" أنه "يجب أن ينتصر الجميع ولا ينتصر الجيش لوحده أو المؤتمر الشعبي العام". وقال ان "القوى السياسية مثلما اصطفت في حرب الردة والانفصال عليها أن تصطف اليوم اصطفافا وطنيا واسعا وذلك لإنهاء عملية التمرد في صعدة والتخريب وكذلك لمواجهة تنظيم القاعدة. فالوطن ملكنا جميعا مثقفين وقبائل وشيوخا وعشائر وجيشا وامنا هذا ملك كل الوطنيين اليمنيين" وهو في ذلك يشير بشكل واضح إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي كان أحد شركاء الرئيس في حرب العام 1994 ، بينما يتموضع اليوم في مكان آخر غير الذي تموضع فيه خلال العام 1994 ، ولا يريد أن يتحول إلى مجرد "كارت" ، بحسب ما أكده الرئيس صالح عندما قال في إحدى مقابلاته إنه استخدم الإصلاح "كارتا" سياسياً وانتهت صلاحياته وهو ما أغضب حزب الإصلاح.
ولم يرد الحوثي أن يبتعد عن مشهد الأزمة حيث أصدر بيانات تتحدث هي الأخرى عما يسميها "الحرب الظالمة" التي تشنها السلطات ضد قطاع كبير من أبناء المناطق الشمالية ، ما يعني أن الطرفين يتمسكان بموقفيهما من طبيعة الأزمة القائمة اليوم في صعدة .
ويقول الحوثي في بيانه الذي أصدره عقب خطاب الرئيس صالح إنه "في الوقت الذي نصر على السلم تصر السلطة على الحرب وتطلق دعوات الاجتثاث والاستئصال، مصرة على الحشد والتجييش للميليشيات والمرتزقة لإشاعة الفتن، مستخدمة كل أنواع التهم السياسية والدينية والوطنية في محاولة منها لإباحة القتل ومصادرة الحقوق ".
وفي المقابل، أبدى قادة الحراك الجنوبي مزيداً من التصلب ورفعوا سقف مطالبهم التي كانوا ينادون بها وصاروا يطالبون بفك الإرتباط. ويرى قادة هذا الحراك أن أي حوار يمكن أن يتم مع السلطة اليوم فإنه يجب أن يتم على أساس الندية، أي على أساس دولتين في سعي لما يسمونه " فك الإرتباط" ، وهو مصطلح ظهر بعودة نائب الرئيس السابق علي سالم البيض إلى الحياة السياسية بعد غياب دام أكثر من 15 عاماً .
لكن عدداً من القيادات السياسية يرى أن النظام القائم أقدم على ارتكاب الكثير من الأخطاء في تطبيق مبادئ الثورة. ويقول عضو مجلس الشورى الأمين العام السابق للتنظيم الوحدوي الناصري عبد الملك المخلافي إن "السلطة أفرغت الثورة من مضامينها الحقيقية".
ويؤكد أن "كل المشكلات التي يواجهها الشعب اليمني اليوم وحالات التمزق والحروب والصراعات والنزاعات الطائفية والمناطقية كلها تعود إلى ممارسة السلطة وإفراغها لمضامين ومعاني الثورة الحقيقية".
ويرى المخلافي أن الممارسات الحالية للسلطة ينبغي ألا تدفع بالناس إلى التخلي عن مبادئ الثورة والوحدة والجمهورية وأهدافها ولا عمّا تمثله في تاريخ الشعب اليمني من حدث عظيم نقله من وضع إلى وضع ومن قرون التخلف والجهل والاستبداد ، لكن يجب أن يدفع الجميع إلى الدفاع عن الثورة ومبادئها من خلال تأكيد المضامين الحقيقية لها والتمسك بها والنضال بكل الوسائل السلمية الحضارية والديموقراطية من أجل الضغط على السلطة لتتراجع عن سياساتها الخاطئة ومن أجل إعادة الوهج الحقيقي إلى الثورة.
من جانبه، يرى عضو الأمانة العامة للحزب الإشتراكي اليمني علي الصراري أن احتفال اليمنيين بذكرى ثورة 26 سبتمبر لن يكون له أي معنى إلا بالعمل من أجل استعادة الثورة التي غـُدر بها واستعادة النظام الجمهوري الذي أفرغ من محتواه وإعادة الروح إلى الجمهورية التي طالما حلم بها اليمنيون ولكنهم لم يجدوا سوى نمط جديد من الاستبداد العسكري بدلا من عمامة الإمام الذي قضت عليه الثورة.
الوساطات المرفوضة
تبدو الحكومة اليمنية غير مستعدة في هذه الحرب لتقبل وساطات سواء داخلية أو خارجية ، تخرج الحوثيين من الحرب أكثر قوة من ذي قبل، على غرار الحروب الخمس الماضية، وتشهد أروقة حزب المؤتمر الشعبي الحاكم جدلاً كبيراً في هذه القضية ، حيث يرفض صف واسع من قيادات الحزب الحاكم تقديم أي نوع من التنازلات في هذا الأمر ، ويطالب هؤلاء بضرورة المضي في الحرب إلى نهايتها ، وقد ترجم ذلك الرئيس علي عبدالله صالح من خلال تأكيده على أن الجيش مستعد لخوض حرب طويلة المدى مع الحوثيين حتى لو وصلت إلى سبع سنوات.
والأمر نفسه ينطبق على الأوضاع في الجنوب حيث ترفض السلطة التعامل مع أي وسطاء لحلحلة الأزمة هناك، إلا أن الرئيس علي عبدالله صالح أكد في خطابه الأخير أنه قرر أن يتصل مباشرة بالقادة الميدانيين في الحراك الجنوبي، رافضاً الإعتراف بقوى سياسية بأن تكون ممثلة للجنوب، في إشارة إلى الحزب الإشتراكي اليمني الذي كان يحكم البلاد قبل قيام دولة الوحدة العام 1990 .
وبعد هذه الوساطات التي تعلن من الداخل والخارج والتي ترفضها السلطة من واقع عدم التعامل مع الحوثيين كأنداد، فإن السؤال المطروح اليوم هو هل يمكن للجبهة الداخلية أن تتوحد في ظل هذا الانقسام الحاد بين مواقف السلطة والمعارضة وخاصة أحزاب اللقاء المشترك الذي يضم ستة أحزاب بينها ثلاثة أحزاب رئيسة هي التجمع اليمني للإصلاح والحزب الإشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري؟.
يشير مراقبون إلى أن السلطة مستعدة لقبول المعارضة في حكومة إئتلاف جديدة تكون مهمتها الاضطلاع بمعالجة الأزمات التي تواجه البلاد، وأبرزها ثلاث : الأولى الوضع في صعدة والثانية القلاقل في الجنوب والثالثة الحرب مع "القاعدة"، بالإضافة إلى مهمة رابعة تتمثل في معالجة الأوضاع الاقتصادية التي تعتبر العلاج للأزمات الثلاث السابقة، إذ أن الفقر الذي يعيشه اليمن يعتبر مصدر كل هذه الأزمات .
 


المصدر: جريدة المستقبل

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,563,487

عدد الزوار: 6,901,229

المتواجدون الآن: 83