تقارير ...بعلبـك «حزينـة» و«مستبـاحـة»: مدينـة الشمـس ليسـت بخيـر....جعل لبنان دائرة انتخابية يقلِق المسيحيين وما الضمانة من طغيان «الديموقراطية العددية»؟....المرزوقي لـ«الحياة»: خياران أمام الحكّام العرب: السير مع الإصلاح وإلا «جرفهم التيّار»....الصدر والحكيم سليلا عائلتين دينيتين شرعا بمنافسة المالكي متجاوزَيْن موقعهما

4 صحافيين أجانب وضابط أميركي يواجهون عناصر "حزب الله" عسكرياً بالـ"بينت بول"

تاريخ الإضافة الأربعاء 25 نيسان 2012 - 6:09 ص    عدد الزيارات 2550    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

4 صحافيين أجانب وضابط أميركي يواجهون عناصر "حزب الله" عسكرياً بالـ"بينت بول" (مرفق بصور)
  المصدر : خاص موقع 14 آذار
لم تكن هذه المرة المعلومات من مصادر أو تحليلات صحافية عالمية، إنما بالمشاركة والحضور والتأكد بالعين المجردة، فما سنعرضه يذكرنا بتقارير ضخمة أحدثت ضجة في لبنان، إن طالت حينها "حزب الله" بتكوينه أو ارتباطه بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أو تقارير بشأن نتائج الانتخابات أو النفوذ الإيراني في لبنان، لكن هذه المرة الوضع يختلف وممتع و"ملون".
واقعة قد تكون حصلت فعلاً لتواجد الكاتب فيها ومشاركته الحدث، بل إنه صنع هذه المرة الخبر والحدث. ومن المعلوم أن الضاحية الجنوبية هي المربع الأمني الخاص بحزب الله ومن الصعب دخول الصحافيين اللبنانيين عليه، فماذا لو دخل الأجنبيون وخصوصاً من الصحافيين الأميركيين، وليس ذلك فقط إنما خاضوا مباراة "بينت بول" ودية مع عناصر من "حزب الله".....
"لعبة البينت بول هي المسار المباشر للوصول إلى قلوب عناصر حزب الله"، تقرير نشره موقع "ذي فايز" الإلكتروني الأميركي وكتبه الصحافي الأميركي ميشيل بروثيرو أحد المشاركين في اللعبة، ,واستطاع موقع 14 آذار الوصول إلى التقرير وعرض أبرز ما جاء فيه. وبحسب التقرير إن مباراة الـ"بينت بول" نظمها أربعة صحافيين ومسؤول عسكري أميركي سابق بمواجهة 4 عناصر من حزب الله قالوا إنهم ضمن المقاتلين في مجموعات حزب الله، في مركز مخصص لهذه اللعبة في الضاحية الجنوبية، منذ سنة، ويشير الكاتب إلى أن المكان موجود في قبو أحد الأبنية.
وبالنسبة إلى لاعبي كل فريق، أطلق الأميركيون اسم "صحافي" على مجموعتهم وتألفت من خمسة أشخاص:
بن جيلبيرت: مراسل إذاعي وصحافي، انتقل إلى لبنان في العام 2006 بعد سنة من المراسلة في العراق.
الصحافي نيكولاس بلانفورد: يراسل عن لبنان و"حزب الله" منذ 17 عاماً وله كتاب اسمه "جنود الله".
الصحافي ميشيل بروثيرو والذي قام بكتابة التقرير عن اللعبة.
المصور في صحيفة "نيويورك تايمز" برايان دينتون: مكث في بيروت منذ خمسة سنين وتولّى تغطية أحداث العنف وحرب تموز مع إسرائيل، قبل أن يقرر تغطية أحداث الثورة في ليبيا.
أندرو اكسوم: ضابط سابق في الجيش الأميركي تقاعد بعد ثلاث جولات قضاها في العراق وافغانستان وأصبح بعدها محللاً مختصاً في مكافحة التمرد، كما يقدم المشورة والنصح للجيش الأميركي إضافة إلى كتابة المقالات في الصحف.
أما فريق عناصر "حزب الله" المشاركون في اللعبة فأسماؤهم غير حقيقية واكتفى الكاتب بذكر الألقاب التي اعتمدوها في اللعبة وهي: "القائد"، "كوكو"، "قنديل"، "خضر"، ولفت الكاتب إلى أن واجبات خضر في الحزب هي قيادة فريق مهمته اطلاق الصواريخ على شمال اسرائيل في حال اندلاع الحرب مرة أخرى.
الكاتب أكد في تقريره أن الصحافيين أرادوا التعرف على تكنيكات عناصر "حزب الله" في المواجهة العسكرية، وقال: "كان تفكيرنا الجماعي بخصوص اللعبة بسيطا: وهو حقوق التبجح والتفاخر. فالجناح العسكري في حزب الله يعرف عنه أنّه المجموعة الأكثر كفاءة في الجماعات غير التابعة لدولة في العالم ككل. وقد راقبت عن كثب كلّ المنافسين الأقرب لهم من القاعدة وحماس وطالبان وغيرهم من الجماعات. فتلك المجموعة مشهورة بالبراعة القتالية والتوازن التكتيكي الدقيق. حتى أنّ بضعة آلاف من مقاتلي حزب الله المحترفين تمكنوا من تحدي أقوى الجيوش (إسرائيل، وفرنسا، والولايات المتحدة، وحتى سوريا نفسها)، وتفوقوا في كلّ مرة. وعلى مدار العقود الماضية نمى الحزب مهاراته وكفاءاته إلى نقطة تمكنوا خلالها في حرب تموز (يوليو) 2006 أن ينجزوا ما لم يتمكن إلاّ قلة من المجموعات المسلحة أن تنجزها: التحول من ميليشيا إلى قوة نصف تقليدية نظامية. وإذا ما تمكنت من أن أخوض معهم قتال "باينت بول"، فسأكون شاهداً على تكتيكاتهم الميدانية القتالية. وإذا ما تمكن فريقنا من هزيمة فريقهم فإنّنا عندها سنسمي أنفسنا "أخطر مجموعة غير حكومية فوق كوكب الأرض".
 والملفت في التقرير أنه ذكر نتيجة المباراة التي انتهت بفوز "الصحافي" على مجموعة "حزب الله" (4 -3)، وبحسب الكاتب، فإن الاحترام ساد بين الجانبين وأن الطرفين تشاركا بضع النكات خلال فترات الاستراحة في المباراة، ساعدت في ترجمتها مترجمة فتاة تدعى سهى.
وأوضح أن "اطلاق هذه المباراة بين المجموعتين "استغرق سنة كاملة، وكنت على قناعة تامة حتى الدقيقة الأخيرة من بداية المباراة أن الأمور ستفشل"، مضيفاً: "الصداقة مع الغرب ليست بالشيء الذي يفضل أن يسمح له "حزب الله"، لذلك تم تنظيم المباراة بالاعتماد على شخص يدعى علي، أحد مصادري للاتصال بالمجموعة".
وذكر الكاتب أن "بعد شهر من المباراة، ذهب الصحافي بن جيلبيرت في جولة مع قائد المجموعة "الرئيس" وخلال دردشة سأله: "ما الذي برأيك يستطيع أن يوقف مسلسل العنف في الجنوب. ماذا لو انسحب الاسرائيليون من الأراضي اللبنانية وعقدوا سلاماً مع الفلسطينين ولم يهددوا لبنان ثانية؟"، فكان جواب القائد: "بعض الشبان يعتقد أن العنف هو الحل للقضايا الدينية كتحرير القدس، إلا أن تنفيذ ذلك سيعني انتهاء المقاومة"، فرد الصحافي: "يعني السلام؟"، فقال القائد: "أكيد"، بنبرة تنم عن عدم اقتناع، على حد تعبيرالصحافي.
وخلال جولته الجنوبية، سأل الصحافي "القائد" عن رأيه الشخصي بالعدو الاسرائيلي، فأجاب: "الاسرائيليون مدربون تدريباً جيداً وأقوياء. انهم يحاربون بثبات ويدافعون عن أرضهم وشعبهم. أنا أحترمهم كأعداء. هؤلاء يعملون بأيديهم ويقاتلون لأجل أنفسهم ويولون اهتماماً بشعبهم، هؤلاء أفضل من السعوديين".
لاقى اللقاء انتقدات واسعة من جانب الصحافيين الأجانب، ومنهم مراسل راديو "أن بي أر" الصحافي ستيف انسكيب الذي قابل الضابط اكسوم وأعتبر خلال حديثه أن "هذه المجموعة (يقصد عناصر حزب الله) مسؤولة عن مقتل أميركيين وإسرائيليين، وتعهدت بتدمير إسرائيل، أنت وآخرين تسلكون وجهة غير اعتيادية للتعرف على حزب الله".
ويسرد الضابط اكسوم لأنسكيب كيفية ورود فكرة لعبة "البينت بول"، قائلاً: "كنت في حانة في بيروت أدردش مع عدد من الصحافيين الذين كانوا يتذمّرون من عدم قدرتهم على التعرف على "حزب الله" على صعيد غير رسمي، فجاءت فكرة التحدي عن طريق لعبة الـ"بينت بول"، وعلى الصعيد الإنساني رأى أن "الرجال الذين قابلهم يشبهون كثيراً الأميركيين الذين قادهم في ساحة القتال أعمارهم 18 و 19".
وللإطلاع على نص التقرير الحرفي المكون من 5 صفحات باللغة الإنكليزية يرجى الإطلاع على الرابط الأتي:
 
الصدر والحكيم سليلا عائلتين دينيتين شرعا بمنافسة المالكي متجاوزَيْن موقعهما
الحياة...بغداد - مشرق عباس

لا يمكن الحديث عن متغيرات جذرية في السلوك السياسي للأحزاب والتيارات العراقية منذ تصديها للصراع على السلطة منذ العام 2003، لكن العامين الأخيرين شهدا تطوراً لافتاً في آليات عمل التيارين اللذين يقودهما رجلا الدين الشابان مقتدى الصدر وعمار الحكيم.

ويمكن القول ان ظروف العراق المتحركة في شكل عام، والتطورات السياسية المفصلية التي حدثت في توازنات القوى الشيعية على وجه الخصوص مع بروز نجم رئيس الحكومة الحالي نوري المالكي، فرضت على الصدر والحكيم اعادة صوغ منطلقاتهما السياسية باستخدام آليات خطاب جديدة شملت الاقتراب من تفاصيل الشارع اليومية وتداول مفاهيم مثل «الدولة المدنية» و «التداول السلمي للسلطة» و «المصالحة الوطنية» و «اعلاء الدستور» والمطالبة بالخدمات الاساسية والتحذير من «ديكتاتورية جديدة».

لكن التطور الابرز لدور رجل الدين يكمن في تلك الفسحة الغامضة الممتدة بين فلسفة «النجف» العريقة التي تتبنى النأي بـ «العمامة» عن تفاصيل السياسة ومتغيراتها، وبين نظرية «قم» المبنية على الدمج بين السياسة والدين في شخصية «الولي الفقيه».

وتجمع بين الصدر والحكيم عوامل لها خصوصيتها على مستوى الحراك السياسي الشيعي المعاصر، فهما من جهة سليلا عائلتين دينيتين معتبرتين في الذاكرة الوطنية، وهما من جهة اخرى ينتميان الى الجيل الشاب الاكثر قدرة على التكيف والتعلم والاقرب الى تبني التغيير.

انتخابات العام 2010 التي نال فيها تيار رئيس الحكومة الحالي نوري المالكي 89 مقعداً في المرتبة الثانية بعد «القائمة العراقية» مقابل نيل القوى الشيعية الاخرى يتصدرها تيارا الصدر والحكيم 70 مقعداً كانت نقطة تحول مركزية في موازين القوى الشيعية، فرضها نوعان من التحديات:

الاول: استثمار المالكي في اعادة إحياء الرمز السياسي الشيعي المنفرد غير المعتمد على السلطان الديني للعائلات التقليدية، وتلك قضية بالغة الدلالة نفسياً واجتماعياً، اذا اخذنا في الحسبان الارتباط الشرطي بين الرمزين السياسي والديني في الوعي الشيعي تاريخياً. فالمالكي الذي حمل شعار الدولة المدنية، كان صعوده السياسي يعتمد على أدائه الشخصي في فترة انهاء العنف الطائفي وضرب المليشيات ولم يكن في الواقع يحمل اي دلالة دينية على رغم ان مرجعيته الحزبية تعود الى «حزب الدعوة الاسلامي».

والثاني: ان ذلك الصعود اقترن بضرب النفوذ العسكري لأنصار الصدر في المدن الشيعية ميدانياً، وتقويض السطوة السياسية لأنصار الحكيم في تلك المدن إعلامياً وعشائرياً.

عمار الحكيم الذي تسلم قيادة «المجلس الاسلامي الاعلى» بعد وفاة والده، اصطدم بمحنة الانتخابات التي وضعت «المجلس» (10 مقاعد برلمانية) في مواجهة اعادة صوغ الاولويات وتغيير الخطاب السياسي ليتواءم مع المرحلة الجديدة، فيما كان مقتدى الصدر (40 مقعداً) يدرك من قراءة اولية للنتائج ان على تياره الذي رفع شعار «المقاومة» ان يخاطب متغيرات المزاج الشيعي العام الذي دعم المالكي والذي سيتخذ مواقف مختلفة مع الانسحاب الاميركي، حيث الاعتبارات التي سمحت بحصوله على حصته البرلمانية الحالية لن تكون متاحة بالضرورة في المرحلة المقبلة.

الصدر... استراتيجية الاستفتاءات

يقول الصدر في تعليق بالغ الدلالة على بعض مريديه المتمسكين بالسلوك المليشيوي: «أنتم لا تعرفون غير السلاح والقتل، بل أنتم أعداء آل الصدر(...) أشكو إلى الله أن يخلصني من الثلة التي لا يوجد في عقلها ولا قلبها سوى الحرب والسلاح (...) حينما تريد منه الوقوف معك للعلم والثقافة والسلام يتخلى عنك، وكأننا آل الصدر مجرد حملة سلاح (...) لقد شوهوا سمعتنا وجعلوا الآخرين ينظرون الينا بصورة مختلفة عن واقعنا».

ذلك الخطاب الشديد اللهجة يلخص توجهات الصدر الجديدة التي تبلورت ونضجت خلال العامين الاخيرين في شكل اكثر وضوحاً، ويعكس المقاومة الشديدة ايضاً التي تواجهها فكرة الانتقال بتيار الصدر من تنظيم مسلح متهم بالمشاركة في الحرب الاهلية الى تنظيم سياسي فعال قابل للتكيف مع مفهوم «الدولة المدنية».

ويبرر بعض أنصار الصدر هذا التحول بالانسحاب الاميركي من العراق وانتفاء الحاجة الى حمل السلاح، فيما يذهب آخرون الى الحديث عن نضوج الصدر نفسه بعد قضائه سنوات عدة من الدراسة الدينية في مدينة قم، ويمكن اضافة اسباب مركزية اخرى مثل اكتشاف الصدر عبر التعايش اليومي مطبات تجربة الحكم الاسلامي في ايران التي اظهر لها خلال الشهور الماضية لهجة تختلف عن لهجة السياسيين العراقيين المقيمين فيها لفترات طويلة، بل إن الصدر نصح في احد بياناته بألا يكون سعي الحكومة العراقية الى استثنائها من العقوبات الدولية على ايران على حساب المصلحة العراقية نفسها، فيما عنف بــعض انــصاره بشدة لمطالبتهم بحمل السلاح ضد دول الخليج.

الملاحظة الابرز تكمن في آليات خطاب الصدر نفسها، فهو اعتمد على ما يمكن تسميته «استراتيجية الاستفتاءات»، و «الاستفتاء» كتقليد ديني يتعلق بطلب المقلدين او الأتباع فتاوى شرعية من رجل الدين الذي يشكل مرجعية لهم، وهذا التقليد طوره الصدر الى ماكينة اعلامية بالغة التأثير قلصت الفجوة التي حدثت مع أتباعه ومع الشارع ووسائل الإعلام منذ مغادرته العراق قبل نحو ست سنوات، فتحولت ردوده على «الاستفتاءات» الى مــادة اعلامية يومية ومصدر قياس لتوجهات التيار الجديدة.

وكان لافتاً ان الصدر حرص على التواصل «العفوي» مع انصاره عبر تلك «الاستفتاءات» التي لا تخضع لتدقيق او مراجعة قبل نشرها حتى على مستوى الصياغة واللغة، بل انه يجيب احد انصاره بالقول: «كلامك هذا لا معنى له، بل خرط»... وتلك العفوية تبدو «مقصودة» ومرتبطة بجوهر العلاقة الرمزية بين الصدر وأنصاره وبترسيخ فكرة التنظيم الاساسية كتيار شيعي نشأ داخل العراق وحمل شعار نصرة المسحوقين والمهمّشين.

وأبعد من هذه الجزئية، فإن الصدر استثمر هذا المنبر لحضّ أتباعه على تبني مجموعة من المتغيرات، فدعا الى مقاطعة «عصائب اهل الحق» واتهمها بالتورط في دماء العراقيين والاساءة الى تياره في موضوع المشاركة في الحرب الطائفية 2006 – 2007، وتجريم المدعو عمّار الحكيم (رويترز).jpg «ابو درع» الذي ارتبط اسمه بفظائع حدثت خلال تلك الحرب، ونجح الى حد كبير في «عقلنة» مليشيا «جيش المهدي» التابعة له عبر تجميدها وتحويلها الى «منظمة ثقافية» قبل ان يحدث عمليات جراحية في صميم التيار شملت اعادة هيكلته وإنهاء الترهل في مكاتبه عبر اختصارها، وأيضاً دعم «الهيئة السياسية للتيار» في مواجهة قادة المليشيات السابقين، وزج عناصر من الكفاءات وأساتذة الجامعات في هيكلية التيار التي خاضت انتخابات 2010 بدماء تكاد تكون جديدة في معظمها.

والقاسم المشترك في استراتيجية الصدر هو التشديد على ترك العنف واستخدام الحوار السياسي وإبداء الرأي في كل القضايا التي تطرأ على الساحة السياسية، فيحذر من عودة الديكتاتورية الى العراق، ويتمسك بالدستور، ويعتبر الفيدرالية خياراً شعبياً، ويدين قتلة «الايمو»، كما يرفض فصل الإناث عن الذكور في الجامعات، ويسمح لأنصاره بالعمل في السفارة الاميركية، ويدين سيطرة الحكومة على الهيئات الخاصة، ويلمح الى رغبة تياره بتولي رئاسة الحكومة في المرحلة المقبلة بعدما كان فرض على كتلته السياسية المطالبة بتولي الوزارات الخدمية لا السياسية او العسكرية.

الصدر يظهر ايضاً تشدداً مع نواب من كتلته دارت اتهامات فساد او سوء سلوك حولهم، وينصح بإطلاق استفتاءات شعبية حول قضايا مثل اختيار المرشحين عن تياره، ويدعو الى «ميثاق شرف وطني» يتجاوز خلافات الماضي ويمنع الاقتتال الطائفي، ويتبرأ من اي شخص يوصم بأنه من تياره ويرتكب اعمال عنف او يشارك في الأحداث الجارية في سورية.

الحكيم... استراتيجية التفاعل

المراقب لحراك السيد عمار الحكيم يلمس بوضوح ذلك النشاط غير المسبوق في نطاق «المجلس الاسلامي الاعلى» يتصدى له بروح شبابية وتكتيكات مختلفة، معوضاً عن افتقار «صقور المجلس» المخضرمين الى الحيوية نفسها.

الحكيم ورث هيكلاً حزبياً محكوماً بعقلية المعارضة وبعيداً من اسس التواصل الحديثة مع الشارع، لكنه يفسر ذلك بالقول ان «من الطبيعي أن يقع قادة العراق في أخطاء، كونهم كانوا معارضة لفترات طويلة، ولم يتيسر لهم أن ساهموا وشاركوا في الحكم في وقت مضى».

كما انه (الحيكم) تسلم حزباً تراجع من صدارة المشهد السياسي العراقي الى مراحل متأخرة فيه، ويتعرض لانشقاق داخلي فادح عبر انفصال «منظمة بدر» بقيادة هادي العامري عنه.

بل إن وصول عمار الحكيم الى رئاسة المجلس الاعلى لم يكن يسيراً بدوره، فالمجلس يضم مجموعة من «النجوم» السياسية والدينية المهمة التي كان لها دور بارز وحشدت الأتباع والنفوذ داخل المجلس. لكن عنصر القوة الذي انطلق منه الحكيم الشاب يتعلق بعدم تحمله شخصياً مسؤولية خسارة الانتخابات الاخيرة باعـــتبارها تأتي انعكاساً لسياسات سابقة، بل إن خسارة الانتخابات كانت مناسبة لإحداث التغيير الذي يكاد يكون جــذرياً في آليــات عمل «المجلس الاعلى» وعلاقته بالشارع.

والاستراتيجية التي اعتمدها الحكيم في الاقتراب من أنصاره تعتمد على الوجود المستمر في قلب الاحداث عبر تنظيم عشرات المؤتمرات والملتقيات الاجتماعية والثقافية والرياضية، ورعاية مبادرات مثل الزواج الجماعي ودعم هيئات مدنية شبابية ونسائية والانفتاح على منظمات المجتمع المدني. انعكست «شبابية» الحكيم في خطابه السياسي نفسه، فهو تجنب في شكل كامل الاشارة الى مشروع «فيدرالية الوسط والجنوب» وركز على مفاهيم مثل «حكم العراق توافقياً» والتمسك بطي صفحة الماضي، وحض أنصاره على كشف ملفات الفساد وتوضيح التقصير في أداء الحكومة، كما انه رفض ما سمّاها في احدى خطبه «سياسة التنكيل بالآخر»، في اشارة ضمنية الى وضع السنّة العراقيين، واستقبل فنانين ورياضيين وعلماء، واستخدم مستويات مختلفة من الخطاب وفق مناسبته، لكنه حرص على تبني تعبيرات اصبحت ذات دلالة على المستوى السياسي العراقي مثل «الطاولة المستديرة» و«تصفير المشاكل» و«الشفافية لا التشفي».

ويكاد الحكيم يكون من اكثر رجال الدين والسياسيين استخداماً لمواقع التواصل الاجتماعي كـ «الفايسبوك» في التعبير عن آرائه، لكنه يختار جملاً مركزة للتعبير عن مواقفه، فيقول في احدى المناسبات: «ان صندوق الاقتراع سبيل العراقيين في معالجة أخطائهم او التجديد لمن هم أهل لإدارة شؤونهم»، ويكتب: «نتمنى من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ان تطور مشروع منح القروض الميسرة للشباب»، و «مشروعنا بناء الدولة العصرية الناجحة لخدمة الوطن والمواطن»، و«الارهاب يسعى ان يتصيد في الماء السياسي العكر فصفّوا مياهكم ايها السياسيون»، و«الظواهر السلوكية لا تعالج الا بالتواصل وبالفكر وبالثقافة وبالنصيحة».

صناع الملوك

المتغيرات السياسية التي طرأت على منهجية الصدر والحكيم ونزعتيهما الشبابية والطموحة، ما زالت بدورها لا ترقى الى الزج بهما في المنافسة السياسية المباشرة، فهما يتمسكان بدور «صانع الملوك» فيعزفان عن زج اسميهما في قوائم انتخابية او ممارسة العمل السياسي في شكل مباشر.

والحقيقة ان الوضع السياسي العراقي بتعقيداته المربكة ما عاد يسمح بذلك الفصل بين قائد الحزب او التيار وبين الممارسة السياسية المباشرة للعمل السياسي او البرلماني.

الأبعد من التمثيل السياسي، والتحرك في اطار المساحة الواسعة لدور رجل الدين، ان الصدر والحكيم يحاولان بدورهما استعادة المعادلة التي وضعت منذ العام 2003 لحكم العراق وتغيرت اولوياتها في فترة حكم المالكي الاخيرة.

فالمعادلة التي اوصلت المالكي الى الحكم مفادها: «حاكم يمثل شيعة العراق اولاً ويحظى بتوافق اميركي - ايراني وقبول اقليمي ثانياً ويجمع الحدود الدنيا المقبولة من التوافق الداخلي المكوناتي»، فيما المعادلة التي سبقت مرحلة المالكي ويحاول الصدر والحكيم اعادة إحيائها تتلخص بـ «حاكم يمثل شيعة العراق اولاً، ويحظى بإجماع داخلي مكوناتي ثانياً، وينال الحدود المقبولة من التوافق الاقليمي والدولي».

بين هاتين المعادلتين تكمن اليوم ازمة العراق، فالمالكي في هذه اللحظة لا يزال ممثلاً لشيعة العراق، وربما طور حضوره الشيعي، كما انه ما زال ينال توافقاً اميركياً – ايرانياً على شخصه، في مقابل تذبذب في الموقف الاقليمي من حكمه وحدوث خلل كبير في قبوله الداخلي من نوري المالكي (أ ف ب).jpg جانب المكونات الاخرى كالسنّة والاكراد، وهو يدرك هذه المعادلة فيقترح اعادة إحياء مفهوم «حكم الغالبية السياسية» وهو مفهوم مقبول سياسياً وديموقراطياً، ما عدا ان تلك الغالبية المقترحة برأي الاطراف السياسية الاخرى ما زالت حتى اليوم في العراق «غالبية مذهبية».

يعلق الصدر في اشارة الى لقائه رئيس حكومة اقليم كردستان نيجرفان بارزاني في ايران بأن هدف اللقاء هو منع انزلاق العراق الى ديكتاتورية جديدة، فيما يكرس الحكيم نظرية «الطاولة المستديرة» لتأكيد أن حكم العراق لا يتم الا بتوافق بين مكوناته.

في المقابل، للمالكي عوامل قوة حقيقية كرسها في السنوات الست الماضية، خصوصاً في الشارع الشيعي الذي يحاول تجنب فتح صراع للمدارس الدينية الشيعية تتباين تقديرات خطورته خصوصاً في مرحلة التنازع على خلافة المرجع الاعلى السيد علي السيستاني.

 

 

 

المرزوقي لـ«الحياة»: خياران أمام الحكّام العرب: السير مع الإصلاح وإلا «جرفهم التيّار»
الحياة...الدوحة - محمد المكي أحمد
 

أكد الرئيس التونسي المنصف المرزوقي حرص بلاده على تعزيز علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، وقال إنه أبلغ أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أن تونس قررت أن يدخل مواطنو دول مجلس التعاون من دون تأشيرة دخول ابتداء من أيار (مايو) المقبل. ووصف العلاقات مع السعودية بأنها «طيّبة» وأن وجود الرئيس السابق زين العابدين بن علي على أرضها «لا يمنع العلاقات الأخوية».

وكشف أن المناقشات الدائرة حالياً في تونس حول النظام السياسي أظهرت أن هناك «توجهاً نحو نظام مزدوج نصفه رئاسي ونصفه برلماني».

وقال المرزوقي في حديث إلى «الحياة» إنه لا يتوقع نجاح خطة المبعوث الدولي العربي في شأن الملف السوري كوفي أنان و «نسبة نجاحها أقل من ثلاثة في المئة». وشدد على أهمية تطبيق «السيناريو اليمني في سورية»، قائلاً «إن على الروس والصينيين والإيرانيين أن يفهموا أن (الرئيس السوري) بشار الأسد انتهى». ورأى أن بشار الأسد «سيرحل حياً أو ميتاً، ومن الأفضل له ولعائلته أن يرحل حياً». وقال «إن الرؤساء العرب أمام خيارين: إما أن تذهبوا مع التيار (الإصلاحي)، وإما أن يجرفكم ويغرقكم التيار».

وسئل الرئيس التونسي في المقابلة عن نتائج اجتماعه مع أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وولي العهد الشيخ تميم بن حمد وهل ستنفّذ قطر مشاريع في تونس، فأجاب: «هناك مشاريع كثيرة في مجال الاستثمار السياحي والخدمات والبتروكيماويات، وقطر مستعدة لتفتح لنا ما يقارب عشرين ألف موطن شغل (فرصة عمل) لتونسيين. وبغض النظر عن هذا العمل الاقتصادي، فالعلاقة حميمية وسياسية أيضاً، وقطر تدعم «الربيع العربي» بكل قوة، وهذا يقرّبنا إلى بعضنا بعضاً».

وقال: «اغتنمت فرصة (الاجتماع مع الشيخ حمد) لأقول له إننا قررنا رفع التأشيرة (تأشيرة الدخول) بالنسبة إلى جميع (مواطني) دول الخليج بدءاً من أيار (مايو) المقبل، على أمل بأن تكثر الزيارات والسياحة. ونحن الآن بصدد محاولة إعادة التموضع، فسياحتنا كانت مرتبطة بالأساس بالغرب، أي سياحة فقراء، وسياحة ظرفية وموسمية وتتعلق فقط بالشواطئ. والآن لأن الأزمة (المالية) الغربية تضرب كل تلك الطبقات التي كانت تزور تونس، فنحن بصدد التوسع مع إخواننا في المشرق العربي، وإخواننا في المغرب العربي، ونعتبر ذلك مكسباً مهماً لتونس التي ستنخرط الآن في العلاقات العربية - العربية ولا تبقى دائماً أبداً سجينة تلك العلاقات شمال - جنوب (أي بين ضفتي المتوسط».

وقال «إن زيارتي لقطر حميمية ودية. الأمير هنأنا في العيد الأول للثورة (التي أطاحت بن علي)، وكان من الزعماء القلائل الذين جاؤوا وقدموا التهنئة، وعلاقتنا سياسية بامتياز».

وعن زيارته للكويت، قال إنها «تهدف إلى أن تعود تونس إلى محيطها العربي الذي كانت مغيّبة عنه. ونحن نريد أن تكون لنا علاقات مميزة مع الكويت. لقد كنت من الذين وقفوا ضد الغزو العراقي للكويت في التسعينات عندما كنت مجرد معارض محاصر ومطارد، وأحمد الله أنني سأزور اليوم الكويت الشقيقة وأنا رأسي مرفوع بذلك الخيار. كما أننا نأمل أيضاً بأن يساهم إخوتنا الكويتيون بالاستثمار باعتبار أن تونس الآن في أمسّ الحاجة إلى الاستثمار العربي، لأن مصاعبها اقتصادية. نحن قمنا (بالثورة) بنصف الطريق وهو إعطاء الكرامة والحرية للتونسيين، والآن لا بد من أن نكمل النصف الثاني وهو أعطاؤهم الخبز والعمل».

وعن العلاقة مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، وبخاصة السعودية، قال: «نريد أن نفتح علاقة طيّبة مع كل الإخوة العرب. وفي ما يخص السعودية علاقتنا طيبة، والنقطة الوحيدة السوداء هي استقبالهم للرجل المسمّى بن علي، ونحن نعتبر أن هذه ليست نقطة فاصلة أو خطاً أحمر تمنع العلاقات الأخوية. ونحن نريد أن ننمّي العلاقات الأخوية (مع السعودية)، لكننا أيضاً نحتفظ بحقنا في المطالبة برجل (بن علي) نعتبر أنه دنّس القرآن في عهده في السجون ولم يسبق أن حدث ذلك في تونس. هو أعتدى على الإسلام والمسلمين وحرمة القرآن، واعتدى على أموال التونسيين، نهب وسرق منها ما سرق. وفي قيم الإسلام والعروبة أنت تعطي حق اللجوء للمظلوم والمضطهد، ولكنك لا تعطيه إلى القاتل والسفاح، وبخاصة الذي أعتدى على دينك ومصحفك».

وتابع: «نريد أن لا نربط (في علاقتنا مع السعودية) بين قضايا مصالح وطنية وكبرى وبين وجود هذا الشخص (بن علي). سنبقى نواصل مطالبتنا به، على أمل أن إخوتنا السعوديين على الأقل يطبّقوا عليه قانون السرقة، فهذا رجل سارق، سرق أموال الشعب التونسي. على الأقل يُرجعوا لنا الأموال أو يسلموه لنحاكمه محاكمة عادلة».

وعن سورية، تحدث الرئيس التونسي عن «سيناريو كارثي بمواصلة ذلك العمل المجنون (عنف النظام ضد الشعب). هذا الرجل (الرئيس السوري) هو في رأيي غير مستعد لأي تنازل، وبالنسبة لي (الحل) يكمن في السيناريو اليمني. لا بد أن يفهم الروس والصينيون والإيرانيون أن هذا الرجل (بشار) انتهى، ولا مجال للدفاع عنه، وعليهم أن يقنعوه بالتخلي عن السلطة وتسليمها إلى نائبه، وهذا النائب يستطيع أن يطمئن الأقليات التي ربما تخشى على نفسها. هذا النائب (نائب الرئيس السوري) يجب أن يدخل في حوار مع المعارضة لتبدأ مرحلة انتقالية، بهدف حفظ الأمن والاستقرار وتطمين الأقليات، علماً أن لدي قناعة بأن الشعب السوري واحد ولن يقبل أبداً بتعامل أو انتقام طائفي، لكن لا بد من أن تكون هناك قوات حفظ أمن وسلام، وإذا كانت عربية فإن ذلك لا يشكّل أي مس بالسيادة الوطنية السورية، لأننا عرب، وهذا البلد (سورية) بلد عروبي منذ قديم الزمان. بعد ذلك تجرى - بعد الفترة الانتقالية - انتخابات حرة ونزيهة، وآنذاك تجد سورية طريقها نحو الاستقرار وعودة الأمل. هذا هو السيناريو الذي تقترحه تونس، ونأمل بأن يساهم كل العقلاء في تحقيق هذا السيناريو».

وهل يتوقع نجاح خطة كوفي أنان، رد: «لا أتوقّع نجاحها، لأن عدد المراقبين (الذين قرر مجلس الأمن إرسالهم) ضئيل جداً. 300 شخص لا يستطيعون عمل شيء. في كوسوفو كان هناك ألفا مراقب».

وسألته «الحياة» عن رأيه في إعلان أمير قطر الشيخ حمد قبل أيام أن نسبة نجاح مهمة كوفي أنان لا تتجاوز ثلاثة في المئة، فأجاب المرزوقي: «ربما حتى أقل (من ثلاثة في المئة)، لا أعتقد (أنها ستنجح)».

وقال: «أنت (بشار الأسد) سترحل بطريقة أو أخرى. سترحل ميتاً أو سترحل حياً، فمن الأحسن لك ولعائلتك أن ترحل حياً، لأنك إذا قررت أن ترحل ميتاً فمعنى هذا أنك ستتسبب في موت عشرات الآلاف من الأبرياء. يكفي ما أرقت من دم!».

وفي شأن أولويات تونس حالياً بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، قال: «لدينا ثلاث أولويات: التشغيل، التشغيل، التشغيل (أي إيجاد فرص عمل للتونسيين). لدينا ما يقارب 800 ألف عاطل عن العمل، وهو رقم كبير جداً، ونحن نصارع الزمن حتى نستطيع أن نترجم الاستثمارات التي بدأت تصلنا إلى «مواطن شغل» (وظائف)، وهذا يتطلب عاماً أو عامين من الصعوبات والمشاكل حتى تعود العجلة الاقتصادية إلى الدوران. ولكن إن شاء الله سنخرج من عنق الزجاجة وستكون تونس دولة ديموقراطية مستقلة مستقرة ومزدهرة».

وسئل عما يتردد عن وجود خلافات بين أحزاب الائتلاف الحاكم، أجاب: «الخلافات طبيعية داخل الأحزاب نفسها. اليوم هناك تجاذبات داخل الأحزاب وبين الأحزاب وبين كل المؤسسات، لأن تونس في حال مخاض بعد زلزال الثورة. ولكن أريد أن أطمئنك أنه في ما يتعلق بالرؤساء الثلاثة، وهم رؤساء المجلس التأسيسي (البرلمان، مصطفى بن جعفر) ورئيس الجمهورية (المرزوقي) ورئيس الحكومة (حمادي الجبالي)، فنحن نلتقي مرة في الأسبوع ونجلس معاً ونتباحث في كل الأمور السياسية. وكل القرارات نتخذها مع بعضنا بعضاً. هناك توافق كبير جداً (بيننا) وليس له نظير في العالم العربي».

وعن الدستور الجديد لتونس، قال «نحن اتفقنا على أصعب شيء في الدستور، وهو البند الأول، أي تعريف الهوية. وحزب النهضة (الإسلامي بقيادة الشيخ راشد الغنوشي) أظهر نضجاً كبيراً، بعدم إصراره على وضع الشريعة في الدستور. وعلى رغم أنه يستطيع ذلك عددياً (بعدد أعضائه في البرلمان)، وافق على أن يكون هناك توافق (بين أحزاب الائتلاف الحاكم) حتى لا يحدث شرخ في المجتمع، وحتى لا ينكسر التحالف الثلاثي. وهو (حزب النهضة) قبل أن يكون الدستور وضعياً، وأن لا تُذكر الشريعة، مع العلم أن الدستور (الحالي) يقول في بنده الأول إن الدستور هو دين الدولة، ويفترض أن تحترم كل القوانين دين الدولة ودين المجتمع». وأضاف: «هناك وفاق كبير (بين التحالف الحزبي الحاكم) في ما يتعلق بالحريات والحقوق. وما زال هناك نقاش حول طبيعة النظام السياسي، هل يكون برلمانياً أو رئاسياً، وهناك توجه نحو نظام مزدوج، نصفه رئاسي ونصفه برلماني. وفي الحقيقة أن الدستور سيكون توافقياً إلى أبعد حد، وسيكون من أحدث دساتير العالم، ويبقى في ما بعد أن نطبقه، وهذه مسألة أخرى».

وسئل عن رسالة تونس للأنظمة العربية، فرد: «الرسالة التي بعثت بها الثورة التونسية إلى كل الرؤساء العرب، رؤساء اليوم ورؤساء الغد، أن النظام السياسي العربي القديم مات وانتهى، والنظام المبني على قوة المخابرات والتخويف والترهيب والفساد والعائلة والتوريث والتمديد وعبادة الشخص انتهى هذا النظام نهائياً من تاريخ الأمة، ومُسح بعد هذه الثورات، وبالتالي أمامكم خياران: إما أن تسبقوا الأحداث وتقوموا بالإصلاحات الضرورية وهي محاربة الفساد ومحاربة تغوّل الأجهزة (الأمنية) والانتباه إلى أهمية نهاية التعذيب وعدم ترك عائلاتكم تتحكم وأن يشارك الناس مشاركة فعلية وليس وهمية، وإذا لم تفعلوا هذه الإصلاحات فستجبركم عليها الشعوب. والآن لا خيار لكم (الحكام العرب): إما أن تذهبوا مع التيار، وإما أن يجرفكم ويغرقكم»

 

 

جعل لبنان دائرة انتخابية يقلِق المسيحيين وما الضمانة من طغيان «الديموقراطية العددية»؟
الحياة...بيروت - محمد شقير
 

قالت مصادر قيادية في المعارضة إن اقتراح رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري جَعْلَ لبنان دائرةً انتخابية واحدة على أساس اعتماد النظام النسبي، لم يحمل اي جديد، باعتبار أنه كان من الأوائل الذين ينادون بمثل هذا الاقتراح في كل مرة يطرح قانون الانتخاب الجديد على بساط البحث، معتبرة أنه يصر على رفع سقفه الانتخابي في محاولة لفتح حوار بغية الوصول الى قواسم مشتركة تدفع في اتجاه التوافق على الخطوط العريضة للقانون.

وأكدت المصادر نفسها لـ «الحياة»، أن بري عاد الى إحياء طرحه الانتخابي انطلاقاً من جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، اعتقاداً منه بأن مجلس الوزراء لن يتوصل الى اتفاق حول قانون الانتخاب بسبب الاختلاف على طبيعة القانون الذي يجب اعتماده، وبالتالي ستكون كلمة الفصل للهيئة العامة في البرلمان.

ولفتت الى أن رئيس المجلس يتطلع من خلال طرحه الى فتح حوار حول قانون الانتخاب تحت قبة البرلمان هذه المرة، نظراً إلى وجود صعوبة أمام استئناف الحوار الوطني برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في ظل مطالبة «قوى 14 آذار» بإدراج بند سلاح «حزب الله» على جدول أعماله.

وتابعت أن بري ليس في وارد الالتفاف على دعوة سليمان لاستئناف الحوار وإنما رأى في تحريك ملف قانون الانتخاب فرصة للبدء بحوار من نوع آخر، لأن ربط السلاح بالاتفاق على الاستراتيجية الدفاعية للبنان يحتاج جولات من الحوار «الماراثوني» على رغم أنه لن يؤدي الى تبدل في المواقف من هذا السلاح.

وسألت المصادر عينها: «هل يمكن أحداً أن يغفل الموقف الذي عبرت عنه المعارضة من خلال المداخلات التي أدلى بها النواب في جلسات المناقشة العامة للحكومة في شأن إصرارها على تحييد السلاح شرطاً لتوفير المناخ الديموقراطي لإجراء الانتخابات النيابية في صيف 2013 بعيداً من ممارسة الضغوط على الناخبين؟ أم ان رد بعض الأطراف في الأكثرية على هذا الموقف يكون باستئناف جلسات الحوار الوطني بغية معاودة التواصل من دون توفير سلة من الضمانات تدعو للاطمئنان الى أن السلاح سيوضع خارج المنافسة الانتخابية؟». واعتبرت أن لا شيء يمنع بري من إحياء مشروعه الانتخابي طالما أنه يطرحه للحوار انطلاقاً من إحساسه بأن القانون الجديد لا يفرض بتأييد الغالبية له وإنما يحتاج الى توافق، باعتبار أنه يتمتع بقوة ميثاقية ويتصل مباشرة بإعادة إنتاج السلطة في لبنان من خلال انتخاب برلمان جديد يقرر مصير انتخابات رئاسة الجمهورية للعام 2014.

وأوضحت المصادر أن الظروف السياسية الراهنة ليست مواتية للانتقال بلبنان دفعة واحدة من برلمان طائفي الى برلمان وطني من دون المرور بفترات من الاختبار للتأكد من أن النفوس باتت تتقبل مثل هذا الطرح الذي يشكل خطوة على طريق إلغاء الطائفية السياسية، وهو إلغاء لا يزال مرفوضاً من قبل المسيحيين أكانوا في الموالاة أم في المعارضة.

وفي السياق توقفت المصادر أمام ما يشبه الإجماع في الموقف المسيحي المعترِض على تشكيل الهيئة الوطنية للبحث في الخطوات الواجب اتخاذها لإلغاء الطائفية السياسية مع أن دورها يُفترض أن يقتصر على استمزاج رأي الأطراف السياسية الرئيسة في البلد. وشككت المصادر في أن ينقلب البطريرك الماروني بشارة الراعي على موقفه الرافض لمجرد البحث في تشكيل الهيئة الوطنية، وهو قال رداً على سؤال قبل أن يغادر في جولته على الاغتراب اللبناني في كندا والمكسيك والولايات المتحدة الأميركية حول تشجيعه للنسبية: «لقد اعتادوا أن ينسبوا إلي الكثير من الأمور إلا الحقيقة، والحقيقة أنني لا أعرف ما هي النسبية». وكان رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي العماد ميشال عون أيضاً رفض إلغاء الطائفية السياسية وطالب بالتريث في تشكيل الهيئة الوطنية.

وأضافت أن عون يصر على رفضه إلغاء الطائفية السياسية، «فهل قرر أن يعيد النظر في موقفه بموافقته على جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة باعتماد النظام النسبي؟ أم انه يريد القانون النسبي الذي يؤمن له الغلبة على خصومه في الشارع المسيحي؟».

لذلك، فإن بري كما قالت مصادر في المعارضة، يعرف جيداً أن استحضار قانون الانتخاب على أساس جعل لبنان دائرة واحدة غير قابل للحياة، وإنما أراد أن يطلقه لأن المناقشات حول القانون سترتد الى البرلمان باعتباره الوعاء الذي يتسع لجميع الكتل النيابية خلافاً للواقع الحالي للحكومة التي تغيب عنها المعارضة.

وتابعت المصادر أن بري أراد من خلاله طرح تأمين التواصل بين الكتل النيابية لعلها تتوصل الى التفاهم على قانون واحد مع أن هناك استحالة في التوفيق بين جميع المكونات السياسية في البرلمان. وعزت المصادر الصعوبات التي تعترض بري في تسويقه مشروعه، الى جملة من الاعتبارات أبرزها:

- ان التحالفات الراهنة داخل الحكومة أو في البرلمان ليست ثابتة وهي معرضة للتغيير سواء تحت تأثير ارتدادات الأزمة في سورية على الوضع الداخلي أم من خلال شعور بعض الأطراف المنتمية الى الأكثرية بأن هناك من يطلب منها التوقيع بملء إرادتها على قانون انتخاب يؤدي الى تحجيمها أو إلغاء دورها كقوة راجحة في الحياة السياسية، وهذا ما ينطبق أولاً على رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط.

- يراهن البعض في الأكثرية على إقناع جنبلاط بصواب اعتماد النظام النسبي في الانتخابات وهذا ما يفسر اندفاع «حزب الله» وحركة «أمل» باتجاه رئيس «التقدمي» بتكليف الوزير علي حسن خليل وحسين الخليل الاجتماع به للوقوف على رأيه وصولاً الى استخلاص ما لديه من مخاوف وهواجس «تبقى مشروعة»، علماً أن استحداث مجلس للشيوخ لن يكون عاملاً مساعداً لإقناعه بإعادة النظر بتأييده قانون العام 1960.

- إن مجرد التلويح بجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة يبعث على قلق المسيحيين من أن يكون هذا الطرح الوجه الآخر للديموقراطية العددية التي كانت في السابق موضع رفض بإجماع المسيحيين.

- تعتقد بعض الأطراف في الشارع المسيحي بأن التحالفات الراهنة لن تعمّر طويلاً وأن المشهد السياسي يمكن أن يؤدي الى تغيير خريطة التحالفات، لذلك فهي تسأل عن الضمانة في حال تبدلت الأحوال السياسية وأثمرت إحياء للتحالف بين «تيار المستقبل» من جهة و»حزب الله» وحركة «أمل» من جهة ثانية، وهل يمكن في ضوء مثل «هذا الانقلاب» الإبقاء على الصوت المسيحي راجحاً في اختيار النواب المسيحيين في البرلمان؟

- إن طبيعة التحالفات القائمة حالياً لا تشجع جنبلاط ولا «المستقبل» على الخوض في مغامرة سياسية يمكن أن تهدد التوازنات بين الطوائف الأساسية في البلد، إضافة الى الفريق المسيحي المناوئ لعون الذي يفضل «عصفوراً في اليد ولا عشرة على الشجرة».

- إن استمرار الاحتقان المذهبي والطائفي لا يعالج فوراً بالانتقال من قانون عام 1960 الى القانون الرامي الى جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة لأن من يعارضه يرى فيه تسريعاً لخطوات إلغاء الطائفية السياسية وبالتالي فإن الإصلاح من فوق لا يبدل من واقع الحال على الأرض الذي هو في حاجة الى علاج من نوع آخر يبدأ بالمصالحات وتعميمها لتنفيس الاحتقان وتبديد المخاوف قبل أي شيء آخر.

وعليه، فإن بري يدرك كل هذه المخاوف ويتحسسها وهو يعرف جيداً أن جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة يواجه صعوبات، وبالتالي أراد أن يطلق مبادرة لإعادة الحوار حول أي قانون انتخاب يتماشى وطبيعة المرحلة السياسية الراهنة والذي يمكن أن يرعاه المجلس النيابي طالما أن الاختلاف في الحكومة سيتحول نقطة ساخنة ترمي بثقلها على كاهل ممثلي الأمة.

 

 

 

«تمذهب» وفوضى أمنية يغيّران وجهها.. وأبناؤها بين الهجرة منها والغربة فيها
بعلبـك «حزينـة» و«مستبـاحـة»: مدينـة الشمـس ليسـت بخيـر
تحرص بلدية المدينة وفعالياتها على عدم تضخيم الحوادث الأمنية كي لا تؤثر في السياحة  لم يعد هم الناس تأمين رغيف الخبز الصعب المنال ولكن يريدون الأمن أولاً
جريدة السفير...سعدى علوه
طلب أستاذ مادة الأدب العربي في إحدى مدارس مدينة بعلبك من تلامذته عدم إحضار كتبهم العربية في اليوم التالي. كان الدرس مخصصاً لمناقشة خطبتي الإمام علي بن أبي طالب، والخليفة أبي بكر الصديق.
قام الأستاذ، المعروف برفضه ما يُشاع اليوم عن «تمذهب» صارخ في مدينة الشمس، باستبدال اسمي كاتبي الخطبتين، فوضع اسم الإمام علي على خطبة الخليفة أبي بكر، وبالعكس. طبع الخطبتين على أوراق بعدد تلامذة الصف، ووزعها عليهم.
جاءت النتيجة شبيهة بالاصطفاف الحاصل. انتقى الطلاب الشيعة خطبة الإمام علي على اعتبارها «أفضل خطبة»، فيما قال التلامذة السنة إن خطبة أبي بكر هي «الأبلغ».
طبعاً، كان الطرفان يختاران الشخص، وليس المضمون. وبالتالي، ووفقاً لخدعة أستاذهم، اختار الشيعة خطبة أبي بكر، فيما انتقى السنة خطبة علي بن أبي طالب، من دون أن يدروا، خلافاً لما يريدون.
يقول الأستاذ، الذي لم يرغب في الإفصاح عن اسمه، إنه أراد أن يبرهن لتلامذته، ومعهم أهاليهم، أن «الاحتكام إلى الغرائز، وما ينتج عنها حالياً في بعلبك، هو ما يعميهم»، بدليل أنهم اختاروا وفقاً لانتماءاتهم المذهبية، واصطفوا صفاً واحداً من الجهتين.
في مدرسة أخرى، وبالتحديد في إحدى المدارس الرسمية الخاصة بالفتيات في المدينة، منعت مديرة المدرسة «الشعارات والصور الدينية التي تشير إلى مذهب التلميذات وانتمائهن»، بعدما شهد المكان مشادات لم تقتصر على الكلامية، بل تعدتها إلى «شد الشعر» والعراك على خلفية أي حادث أو استحقاق يقع، حتى السياسي منه.
يشير عدد من شخصيات المدينة، في قلب البقاع الشمالي، إلى المثلين كتعبير عما يحدث في مدينتهم اليوم. يقولون إن «مدينة الشمس» تشبه كل شيء إلا نفسها. لم تعد المدينة مدينتهم التي نشأوا فيها، ولا تلك طبعاً التي يرغبون بأن ينشأ أبناؤهم فيها. طار الهم المعيشي والإنمائي الغارق في أدنى المستويات، ليحل مكانه الهاجس الأمني، والعيش السلمي الحقيقي بين أبناء المدينة الواحدة. يتحدث البعض عن أن «التمذهب» فاض من النفوس إلى «تصنيف» المقاهي وروادها، والمدارس وتلامذتها، وسط تلميحات إلى ظواهر خجولة في مقاطعة المحال التجارية وفقاً لانتماء أصحابها. ويقول البعض أيضا بتأثر علاقات المصاهرة نفسها التي لطالما ميزت النسيج الاجتماعي للمدينة.
يحصي احد وجهاء المدينة، من أرشيفه الخاص، ثلاثة وثلاثين حادثاً امنياً شهدتها بعلبك ومحيطها القريب، منذ شهر نيسان من العام الماضي ولغاية نيسان الجاري، أي خلال عام واحد. يقول إن المنطقة تعرضت لـ«خضات» أمنية يصل معدلها إلى نحو ثلاث «خضات» في كل شهر. وإذا كانت كل «خضة» تستتبع بقلق وإقفال محال لنحو أسبوع أو ثلاثة أيام، وفقاً لحجم الحدث، فإن سوق المدينة، وحركتها التجارية والسياحية وعجلة الحياة فيها، تقفل لأكثر من عشرة أيام في كل شهر.
وتتنوع الحوادث الموثقة من جانب الشخصية البعلبكية، من القتل إلى اشتباكات مع الجيش، إلى إقفال طرقات وعمليات خطف وتبادل لإطلاق النار بين عائلات المنطقة وعشائرها، ومن بينها عمليات «أخذ بالثأر»، وصولاً إلى سلب وسرقات في وضح النهار.. واعتداءات شتى.
ويشدد صاحب الأرشيف على وصف توثيقه بالشخصي، «وهو اقل من الحوادث الموثقة عند القوى ألأمنية المعنية».
يشير البعض إلى مسؤولية الدولة التي تغيب عن كل شيء بما فيه الأمن، رغم تجديد إعلان منطقة بعلبك - الهرمل «منطقة عسكرية منذ ثورة الجياع التي أطلقها الشيخ صبحي طفيلي في العام 1997. فأي منطقة عسكرية، والوجود الأمني في المنطقة ضئيل نسبة إلى حجم الحوادث الأمنية والوضع الاقتصادي والمعيشي والإنمائي المتردي فيها.
ويقفز البعض عن حجم الوجود الأمني إلى «غياب القرار السياسي بالحسم»، معددين بعض الحوادث الأمنية التي شهدت اشتباكات بين الجيش والقوى الأمنية من جهة، وبين مطلوبين من جهة ثانية، من دون أن تنتهي إلى القبض على مخلين بالأمن، ومساهمين أساسيين في تشويه صيت المنطقة وصورتها.
وإلى جانب تحميل الدولة مسؤولية ما يحصل، يقول البعض الآخر بمسؤولية القوى السياسية المسيطرة على المنطقة ومعها المدينة، وبالتحديد مسؤولية حزب الله. يرون أن «الحزب»، بما يمثله، ونظراً إلى طبيعة المنطقة الديموغرافية الطائفية والمذهبية، يمسك مفاتيح الاستقرار فيها. يتحدثون عن «المونة»، «مونة» «حزب الله» على عائلات المنطقة وعشائرها التي تنتمي في معظمها إلى الطائفة الشيعية. ويذهب البعض الآخر إلى الحديث عن محسوبيات وحماية البعض، ليقولوا إن «الحزب يمكنه أن يفرض الأمن في المنطقة، ومعها المدينة، لو أراد ذلك».
يرى رئيس بلدية بعلبك الأسبق والمشرف على «تجمع أبناء بعلبك» غالب ياغي أن «الوضع الأمني والتمذهب في المدينة مزمنان وليسا مستجدين»، مشيراً إلى أن التجمع «سبق ودعا قبل أعوام إلى إضراب احتجاجي على ما يحصل وان 80 في المئة من محال المدينة تجاوبت مع الدعوة».
يقول ياغي إن «سيدنا إبراهيم عندما بنى الكعبة في الصحراء، قال اللهم اجعل هذا البلد آمناً، لم يطلب ماءً ولا زاداً بل طلب الأمن لأهميته وأولويته على كل شيء».
يرى ياغي أن وضع المدينة يضر بالحركة التجارية والسياحية وبأمن الناس، وان المسألة ليست في تقصير القوى الأمنية بل في غياب القرار السياسي. فـ«حزب الله»، وفق ياغي، «قادر، لكونه القوة السياسية الفاعلة في المنطقة، على إحداث فرق، خصوصاً أن بعض المسؤولين في القوى الأمنية يقولون: شو بدكم تفوتونا بإشكالات مع حزب الله؟».
يضيف ياغي ان «الفلتان الأمني يوصل الناس إلى الفوضى، وعليه فالمدينة تتراجع إلى الوراء على المستويات كلها».
لكن «أي دور للحزب يريدون؟»، يسأل مسؤول «حزب الله» في منطقة بعلبك محمد ياغي (أبو سليم)، ليقول: «نحن لسنا الدولة، ولتتفضل السلطات الأمنية وتقُم بواجباتها.. لن نحل مكان الدولة». يؤكد أبوسليم أن «قرار حزب الله واضح، ندعم الدولة وفق إمكاناتنا، لكننا لا نصادر دورها ومسؤولياتها». ويرى أن الداعين إلى دور امني لـ«حزب الله» «سيقولون، في حال قام بأي خطوة، إن هناك دولة ضمن الدولة». ويؤكد أن «هناك قراراً واضحاً بعدم التصادم مع أي طرف، أو عائلة. نحن نسعى إلى اقتراح حلول، وإلى التوفيق بين الأطراف كافة، ونساعد القوى الأمنية بالمعلومات، ووفق الممكن، ولن نقوم بدورها».
في المقابل، يرى البعض أن «حزب الله» لن يصطدم مع عشائر المنطقة «من اجل سواد عيون بعلبك». ويغمزون من قناة التصنيفات الديموغرافية - المذهبية في لبنان، «فالعشائر والعائلات الشيعية في بعلبك - الهرمل هي سند لحزب الله عندما تحز المحزوزية، وبالتالي لن يفرّط بها تحت أي سبب كان».
يرد أبوسليم على هذه المقولة بالتأكيد أن «الشرفاء في العشائر والعائلات هم سند الحزب والمقاومة وليس المخلّين بالأمن»، معتبراً أن «الداعين إلى تصدي الحزب أمنياً لما يحدث يريدون تغطيس الحزب في مشاكل كبيرة لا نهاية لها».
بعلبك تستغيث
ما بين تحديد المسؤوليات، لا تجد مدينة بعلبك اليوم سوى إطلاق صرخات الاستغاثة. تستغيث على لسان أهلها وأبناء عائلاتها. تنطلق الاستغاثة من قلعتها المتروكة في الإهمال السياحي الرسمي والمقومات المكملة من طرقات وبنى تحتية، من شبابها الذين لا يجدون فرصة عمل أو وظيفة محترمة. من محالها التجارية التي تقفل حذراً، بل خوفاً، معظم أيام السنة. من مقاهيها الفارغة المنتشرة حول القلعة وفي رأس العين. من فنادقها شبه المقفلة، وعلى رأسها «بالميرا» الذي واكب «أيام العز»، وتحول اليوم إلى «أطلال»، على الرغم من استمرار فتحه. ويستغيث الناس عبر الهاجس الذي اغفل الإنمائي والمعيشي ليطالب بالأمن، والأمن فقط.
ومع الهاجس الأمني نفسه، يتحدث البعض عن «غربة بين بعض عائلات المدينة والقوى السياسية التي تمثلها»، ليدعو «حزب الله» إلى قراءة تجربة نحو ثلاثين عاماً من وجوده في المدينة فعلياً. يقول البعض إن بعلبك العروبة والناصرية واليسار قبل الحرب الأهلية شكلت البيئة الحاضنة للمقاومة بكل أطيافها، و«حزب الله» في قلبها مـنذ نشــأته في الثمانينيات. فما الذي حدث؟ ولماذا يشعر أهالي المدينة اليوم، وبالتحديد الجزء الكبير من السنة فيها، بأن المدينة لم تعد مدينتهم، ليصفها المعتدلون من بينهم بـ«المدينة الحزينة»، فيما يذهب البعض إلى توصيف «المستباحة»؟
كانت بعلبك، وفق الدكتور أسامة شمص، مدينة «صغيرة هادئة، تشهد المهرجانات الأولى والأهم في منطقة الشرق الأوسط. وكانت في العصر الذهبي للأحزاب التقدمية، مدينة العروبة والناصرية واليسار». كانت أحلام جيل شمص «تتخطى الطائفة والمذهب إلى رحاب الوطن». أما اليوم «فيصارع أبناؤنا للحفاظ على واحة بعيدة من التمذهب حتى في المدارس». كان شمص وأقرانه يقيّمون «الشخص وفق انتمائه السياسي لا المذهبي مثلما يحصل اليوم»، ليقول إن «الفرز يصل أحياناً إلى المقاهي وروادها»، مبدياً أسفه لـ«تمذهب حتى بعض من كانوا يصنفون تقدميين في يوم من الأيام». ويرى شمص أن المستقلين والعلمانيين في المدينة مدعوون إلى الوقوف صفاً واحداً لإيجاد إطار جامع يعمل على تهدئة الأمور واقتراح حلول من شأنها تخفيف حدة الاحتقان في المدينة».
هجرة مسيحية
يركّز أبناء المدينة اليوم على العـلاقة بين السنة والشيعة، «ما دام المسيحـيون من بينهم قد هجروها إلى غير رجعة».
يقول المحامي جاد رزق إن هناك «52 بيتاً مسيحياً في بعلبك اليوم، أي نحو مئتي مسيحي مقيم، فيما نزح البقية نحو مناطق ومدن أخرى». لكن الأسوأ في النزوح المسيحي من مدينة الشمس أنه «نهائي»، إذ باع معظم المسيحيين أملاكهم وبيوتهم، ما يشير إلى «قلعهم جذورهم» من المدينة، وأن المشترين في غالبيتهم الساحقة من الشيعة.
لا يحمّل احد مسؤولية النزوح المسيحي من بعلبك لـ«حزب الله»، بل يتوقفون عند آثار الحرب الأهلية، وشعورهم بالخوف والقلق في منطقة من لون ديني واحد رغم ندرة الاستهدافات التي طالتهم، مقارنة مع مناطق أخرى في لبنان. ويقولون بالعامل الإنمائي، وطبعاً السياسي والاجتماعي والطابع المحافظ الذي بدأ يسيطر على المدينة منذ سنوات، ليسجلوا بيع عائلات مسلمة أخرى أملاكها، وعلى رأسها عائلتا الرفاعي وحيدر، ليس منذ اليوم وإنما قبل سنوات طويلة.
تحميل المسؤولية لـ«الغريب»
يمكن للدخول في التفاصيل أن يكشف وجهاً آخر من وجوه «الغربة» التي يتحدث أبناء المدينة عنها، ملمحين إلى رؤية هي أقرب إلى «الطريقة اللبنانية» في حلّ الأمور. وعليه، ستجد من يحمّل «الغرباء» عن بعلبك مسؤولية الحوادث الأمنية والتسيب الأمني. يقولون إن أمن المدينة محكوم بأداء من حولها وأمزجتهم، وبالوافدين إليها، وهم في معظمهم من القرى والعائلات الشيعية المحيطة. يتحدثون عن نقل نفوس بالجملة لتغيير التركيبة المتنوعة لبعلبك المدينة، ومعها تحالفات ونتائج الانتخابات البلدية بالتحديد، ما دامت النيابية معروفة النتائج في ظل القانون الأكثري الستيني، في منطقة يراوح عدد ناخبيها بين 270 و280 ألف ناخب، يشكل السنة منهم نحو 20 في المئة، فيما لا يتعدى المسيحيون نسبة العشرة في المئة.
ويأتي نقل النفوس، في حال صحته، ليؤثر في الانتخابات البلدية، إذ يصل عدد ناخبي المدينة حصراً إلى نحو ثلاثين ألفاً، يشكل السنة أربعين في المئة منهم (تسعة آلاف ناخب)، والمسيحيون 13 في المئة، (نحو 2500 ناخب)، يقترع منهم نحو ثلاثمئة فقط.
ويقفز البعض عن النسب الانتخابية وتوزيعها الطائفي والمذهبي، ليتوقف عند «ممثلي الشعب». يقولون إن «حزب الله يختار مرشحيه بغض النظر عن رأي الناخبين وإرادتهـم، هو يأتي بنواب سنة، لكنهم لا يمثلون الشـارع السني حقيقة»، وبالتالي يعتبرون أنفسهم غير ممثلين في السياسة والإنماء، وان «لا حول لهم ولا قوة».
يقول علي الأبتر، مدير إحدى مدارس المدينة، إن «أهالي بعلبك يريدون اليــوم أن يخــرجوا من بيوتهم وأن يعودوا إليها سالمين مع أولادهــم». لم يعد الناس قلقين على رغيف الخبز الصعب المنال في الأساس، بل على الحياة التي هي أغلى من الخبز، ومن الطريق ومن البنية السياحية. يريدون أن يشعروا بأن مدينتهم مستقرة، ولا تعوم على فوهة بركان امني ومذهبي».
ويربط الأبتر ما يحصل بـ«غياب السلطة الفاعلة والرادعة المتمثلة بالدولة التي تحجب أي سلطات أخرى، وبالانقسام الحاد في البلاد وانعدام القواسم المشتركة حول النظرة إلى بناء الدولة والقضايا الإقتصادية وبنية المجتمع اللبناني وتحول المناطق اللبنانية إلى بؤر لكل منها خصوصيتها الأمنية ويجري الاحتكام فيها إلى قوى الأمر الواقع».
يعترف أبو سليم ياغي بوجود «أجواء مشحونة مذهبياً وطائفياً في المنطقة، لم تكن موجودة قبلاً»، ليؤكد أن «لا مشكلة حقيقية بين السنة والشيعة في المدينة، فهناك علاقات قربى ومصاهرة، وان الاختلاف العقائدي لا يفسد الود وليس سبباً للخلاف». وفي موضوع الانتخابات واختيار المرشّحين يؤكد أن «حزب الله» يستمزج رأي الشارع السني لكنه يختار من يتوافق معه في السياسة. ويرى أن الحل هو في «اعتماد قانون النسبيّة الذي يسمح بتمثيل كل الأفرقاء».
ويتوقف عند «تأثيرات الحدث - الزلزال الذي نتج عن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ليقول إن «البعض بدأ ينفخ في البوق المذهبي كأن الشيعة متهمون بالاغتيال، رغم موقف الحزب المستنكر والرافض».
ويرفض «المنطق المذهبي»، ليقول إن هناك «طائفة واحدة اسمها الطائفة الإسلامية، وان العمل على التجييش المذهبي جاء لأهداف سياسية غايتها المباعدة بين السنة والشيعة من أبناء البلد والدين الواحد، بالرغم من تحذيرنا من أن هذا الأسلوب قاتل وخطير».
يضيف إلى اغتيال الرئيس الحريري، وما استتبعه من «تجييش مذهبي»، ما يحصل في سوريا اليوم، ليقول إن «البعض يصور الأحداث في سوريا كأنها تحصل بين طائفتين او مذهبين، كي يوظف الدين والمذهبية للإيحاء بأن العداء هو بين هذه الطائفة وتلك».
ويرى أن معظـم الأحـداث التي تقع هي احداث فردية يتعامل معها البعض احــياناً بطريقة خاطئة، وأن «حزب الله يســعى للتوفيق بين الجميع وهو لم يتدخـل في أي اشكال داخلي في المدينة». ويعــود إلى تحميل القوى ألأمنــية مسؤولياتـها، سائـلاً عن «السبب الذي يمنع الدولة من لعب دورها على ألأرض؟».
ويقر «بحصول تشليح وفرض خوات وإقفال طرقات وسرقات»، لكنه يؤكد أن «التـصدي لها هو مسؤولية الدولة، ويجب ان تضرب القوى الأمنية بقوة، وألا تتراخى، ونحن لا يمكن ان نكون بديلاً منها، ولا يمكن ان نكون مسؤولين عن امن البلد».
ويرى ان «من يريد عكس ذلك يهدف إلى تغطيس حزب الله في مشاكل لا يريدها جملة وتفصيلاً. فالحزب ليس مسؤولاً عن العائلات سواء أكانت شيعية أم غير شيعية. ولسنا مسؤولين عن المشاغبين». ويتوقف عند «قرار قاطع اتخذه حزب الله قبل نحو عشرين عاماً يفيد بعدم التدخل الأمني في المنطقة»، مشيراً إلى عقد نحو أربعين لقاء مع عائلات المنطقة للضغط على بعض أبنائها ومنع بعض الحوادث. لكن الحزب في النهاية يتصدى للشأن السياسي وليس الأمني الميداني». ولا يعفي ياغي نواب المنطقة الذين «يجب أن يرفعوا الصوت ويتخذوا موقفاً قاسياً مما يحصل، على الرغم من أنهم لا يقصرون في النهاية»، وفق ما قال.
لا حول ولا قوّة
على الضفة الأخرى، يرى مسؤول «تيار المستقبل» في المدينة حسين صلح أن «أمن بعلبك كان أفضل من اليوم حتى خلال الحرب الأهلية، على الرغم من أن الدولة لم تكن موجودة فعلاً، إذ لم تكن هناك ظاهرة عصابات وحوادث خطف وقتل وسرقة وسلب». ويميز بين فترة «كان السوريون فيها ممسكين بالأمن»، وبين الفترة التي تلت اغتيال الرئيس الحريري و«ضعف الدولة وتراجع دورها وسيطرة حزب الله كخيمة امنية على المنطقة». ويقول إن هناك «مجموعات مسلحة، فالطفار يهربون وتجار المخدرات يمارسون عملهم بشكل اعتيادي مع تجنب الاصطدام بالقوى الأمنية تارة وبشراء البعض منهم تارة اخرى»، وأن هناك من «يتعدى على أمن المدينة من دون ان يتمكن احد من تحديد الجهة المحسوب عليها».
فـ«حزب الله، وفق صلح، يقول إن «الدولة موجودة، فيما يقول البعض انهم محميون من قبل الأحزاب. والنتيجة ان بعلبك تدفع ثمن الحالة الفالتة، وصار بإمكان اي شخص ان يقفل سوق المدينة وعجلة الحياة فيها».
ويسأل: «لماذا يتركون المدينة لمجموعة تتحكم بأمنها الاجتماعي؟ ولماذا يمسك حزب الله بأمن الجنوب، ولا يفعل الأمر نفسه في البقاع وبعلبك؟ واين هيبة الدولة؟
ويستــشهد بحادثة تعــرض احد تجار المدينة للسلب انتهت بمقتل احد المعتـدين، ومع ذلك نزح التاجـر مع اقاربه من المدينــة خـوفاً من رد فعل انتقامي «لا حول لهـم ولا قوة تجـاهه».
ويرسم صلح «خطاً ناظماً للعلاقة بين ابناء بعلبك من سنة وشيعة»، فـ«لم يحدث»، وفقه، «أي إشكال بين السنة وحزب الله والعائلات». تحصل أحداث تكرس فكرة هي: «ابناء المدينة والآخرون من خارجها».
لكن ماذا يفعل «المستقبل» للمدينة؟
يجيب صلح بأن «المستقبل يحرص على أن تبقى بعلبك بكل أطيافها. ونحن نتصدى للتمذهب وتعويمه على السطح. مع ذلك، تفقد المدينة بهجتها. وأصبح المواطن يحسب ألف حساب لخروجه من منزله».
تطرف يتجاوز الأطراف السياسية
في رؤية تعبر عن تخوف من الأسوأ، يرى الأستاذ المدرسي بكر صلح أن «الإشكالات الأمنية التي تحصل في المدينة تفتح أحياناً المجال لتفسيرات وتدخلات سياسية على خلفية مذهبية»، ليشير إلى «نمو ايديولوجيات غريبة عن المجتمع البعلبكي تتجلى باستنفار مذهبي حاد يقوم على رفض الآخر المختلف مذهبياً، وما يترتب على هذا من حالة عصبية تبحث عن حضانة سياسية وأمنية». ويخشى صلح من «ظواهر متطرفة بين السنة والشيعة تتخطى الأحزاب والتيارات الموجودة على الأرض إلى ما هو أكثر تطرفاً وتشدداً، ومن بروز «طابور خامس» لاستغلال ما يحدث».
ويرى صلح أن المدينة اليوم حزينة يملأها السواد الفكري والانغلاق الطائفي والمذهبي، ويتوج ذلك بفلتان امني يخشى أن يتحول إلى بيئة حاضنة للتطرف المذهبي». ويرى أن «الدولة بتقصيرها في حماية الناس تعزز الأمن الذاتي للعائلات، واعتبار الأشخاص أن مرجعيتهم هي العائلة التي تحميهم وتأخذ حقهم».
وفي محاولة إلى رد الأمور إلى جوهرها، يرى الدكتور غسان العميري أن «المشكلة هي في النظام ككل، وفي الطبقة الحاكمة منذ عشرات السنين والتي تستحوذ مقدرات البلاد وليس لها مصلحة في قيام الدولة ولا في سيادة القوانين». ويؤمن بأن الحل «في القضاء على الطبقة الحاكمة بالكامل»، مع الإقرار بأن «الظروف غير مؤاتية».

المصدر: مصادر مختلفة

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,502,253

عدد الزوار: 6,953,177

المتواجدون الآن: 68