اقتراع المصريين في الخارج يطلق سباق الرئاسة....الشعب أحب المناظرة وصباحي فاز بجولة موسى وأبو الفتوح...المغرب: أول تعيينات لولاة ومحافظين بناء على اقتراح من رئيس الحكومة
جبهة التحرير تفوز في الانتخابات... والإسلاميون خسروا رهانهم على «ربيع» جزائري
الأحد 13 أيار 2012 - 5:54 ص 2227 0 عربية |
حقق حزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر فوزاً كبيراً في الانتخابات التشريعية التي جرت الخميس بنيله 220 مقعداً من أصل 462 يتألف منها المجلس الشعبي الوطني (البرلمان). وشكّلت نتائج الانتخابات انتصاراً لأمين جبهة التحرير عبدالعزيز بلخادم الذي كان يواجه حملة لإطاحته من داخل حزبه، كما أنها تشكّل نكسة واضحة للتيار الإسلامي الممثل خصوصاً بـ «تكتل الجزائر الخضراء» (حركة مجتمع السلم وحركة النهضة وحركة الإصلاح) وثلاثة أحزاب أخرى صغيرة، ذلك أن الإسلاميين جاؤوا في المرتبة الثالثة بعد حزب التجمع الوطني الديموقراطي الذي يرأسه الوزير الأول (رئيس الحكومة) أحمد أويحيى والذي حقق 68 مقعداً.
وتعني النتائج أن الإسلاميين الذي حققوا مجتمعين 66 مقعداً، خسروا رهانهم على أن يساعد «الربيع العربي» في حمل الأحزاب الإسلامية إلى سدة الحكم، كما حصل حتى الآن في تونس ومصر والمغرب.
وأعلن وزير الداخلية دحو ولد قابلية في مؤتمر صحافي بعد ظهر أمس النتائج الرسمية للانتخابات.
وجاءت النتائج كالآتي: جبهة التحرير: 220 مقعداً منها 68 لنساء، التجمع الوطني الديموقراطي 68 مقعداً (32 امرأة)، «الجزائر الخضراء» 48 مقعداً (15 امرأة)، جبهة القوى الاشتراكية (21 مقعداً)، حزب العمال 20 مقعداً (10 نساء)، حزب جبهة العدالة والبناء لعبدالله جاب الله 7 مقاعد، الحركة الشعبية 6 مقاعد، الفجر 5 مقاعد، جبهة التغيير 4 مقاعد، التضامن والتنمية 4. ونالت أحزاب صغيرة أخرى أقل من 3 مقاعد لكل منها، فيما نال المستقلون 19 مقعداً.
وكانت الحكومة الجزائرية أعلنت ليلة الخميس أن نسبة المشاركة العامة في الانتخابات التشريعية بلغت 42.90 في المئة، ولفت وزير الداخلية ولد قابلية إلى أن هذه النتيجة تتجاوز بكثير نسبة المشاركة في انتخابات 2007 التي لم تتخط 36 في المئة.
وقال ولد قابلية إن نسبة المشاركة على المستوى الوطني بلغت 44.38 في المئة بينما بلغت 14 في المائة بالنسبة إلى الجالية المقيمة في الخارج. وأشار إلى أن 19 ولاية (من أصل 48) فاقت فيها نسبة المشاركة 50 في المئة، موضحاً أن أعلى نسبة مشاركة سُجّلت بولاية تندوف (1800 كلم جنوب غربي العاصمة) حيث بلغت 83.15 في المئة، في حين تعدّت المشاركة في كل ولايات الجنوب نسبة 60 في المئة. كما أوضح أنه تم تسجيل نسب مشاركة قُدّرت بـ 25.11 ببجاية و19.84 بتيزي وزو و30.95 في المئة بالجزائر العاصمة.
وانتقدت أحزاب كثيرة إشارات وردت في خطاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، يوم الثلثاء الماضي في سطيف شرق الجزائر، فُهمت أنها توجيه للناخبين لقوائم حزب «جبهة التحرير الوطني». وكان بوتفليقة ذكر في ذلك الخطاب ما يلي: ««انتمائي السياسي معروف ولا غبار عليه». ومعلوم أن الرئيس الجزائري يرأس شرفياً «جبهة التحرير» وهو عضو في لجنتها المركزية في سنوات سابقة وأحد مناضليها الأوفياء.
وأفيد أن جبهة التحرير الوطني حققت نتائج غير مسبوقة في بعض الولايات حيث حصدت كل المقاعد، ففي أم البواقي (400 كلم شرق العاصمة) حصدت الجبهة المقاعد الثمانية جميعها المقررة للولاية. وقد أتاحت مادة قانونية لم تسلّط عليها الأضواء سابقاً لجبهة التحرير الوطني تحقيق مراتب متقدمة في كثير من الولايات، وتُقصي هذه المادة تلقائياً كل قائمة لم تحقق خمسة في المئة من الأصوات من السباق نهائياً وتوزّع المقاعد على الأحزاب التي حققت أكثر من هذه النسبة.
وحققت جبهة التحرير ثمانية مقاعد أيضاً في ولاية سطيف ثاني كبرى المدن الجزائرية، في حين حصد تكتل الإسلاميين المسمى «الجزائر الخضراء» خمسة مقاعد، ونال الحزب الوطني الجمهوري مقعدين، في حين حصد كل من حزبي العمال والتجمع الوطني الديموقراطي مقعداً لكل منهما.
لكن «تكتل الجزائر الخضراء» حصد غالبية المقاعد في ولاية الجزائر العاصمة، التي تحوز وحدها 37 مقعداً برلمانياً. وحصد التكتل الإسلامي 40 المئة من الأصوات في العاصمة، يليه حزب العمال الذي تقوده لويزة حنون، ثم التجمع الوطني الديموقراطي وجبهة القوى الإشتراكية.
وحققت جبهة القوى الاشتراكية فوزاً كاسحاً بولايات منطقة القبائل حيث معاقلها التقليدية، إذ حصدت ما لا يقل عن سبعة مقاعد في ولاية بجاية (300 كلم شرق العاصمة) وكذلك في تيزي وزو (110 كلم شرق العاصمة).
بيد أن التقدم الملحوظ في النتائج لـ «تكتل الجزائر الخضراء» لم يعن بالضرورة نتائج حسنة لبقية الأحزاب الإسلامية التي لم تشترك فيه، إذ غابت جبهة العدالة والتنمية التي يرأسها عبدالله جاب الله، عن المراكز الأولى في الولايات، كما غابت بدرجة أكبر جبهة التغيير التي يرأسها عبدالمجيد مناصرة. ولم يحقق جاب الله سوى مقعد واحد في الولاية التي ينحدر منها سكيكدة (540 كلم شرق العاصمة). وحصدت جبهة التحرير في تلك الولاية خمسة مقاعد في مقابل ثلاثة مقاعد للتجمع الوطني الديموقراطي.
واتهم عبدالمجيد مناصرة السلطات الجزائرية بتزوير الانتخابات، قائلاً إن «الجنود تلقوا تعليمات بالتصويت لحزب جبهة التحرير الوطني». وقال مناصرة إن هناك «مؤشرات تزوير قوية بدأت منذ الساعة الأولى لفتح مكاتب الانتخاب عن طريق استعمال الوكالات بطريقة غير قانونية»، موضحاً أن ورقة الانتخاب الخاصة بحزبه لم تكن موجودة في العديد من مراكز التصويت. كما أوضح رئيس جبهة التغيير أن مراقبي حزبه لاحظوا أن العديد من الناخبين لم يجدوا أسماءهم أثناء تنقلهم إلى مراكز الاقتراع من أجل الإدلاء بأصواتهم.
ونأت اللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات التشريعية بنفسها عن هذه الاتهامات «إلى غاية إعداد التقرير النهائي الذي سيسلم للرئيس» بوتفليقة. لكنها أعلنت عن نحو 10 إخطارات وردت إليها من لجانها الفرعية الموزعة عبر ولايات الوطن لتحال على النيابة العامة كونها «تحتمل وصفاً جزائياً» للفصل فيها، بحسب ما كشف عنه رئيس اللجنة سليمان بودي. وتتعلق طبيعة هذه المخالفات، كما قال بودي، بإخلال بعض مناضلي الأحزاب السياسية بأمن مكاتب ومراكز التصويت ومنها ما تعلّق بمواصلة بعض مناضلي التشكيلات السياسية بحملة انتخابية خارج الآجال القانونية. وأشار بودي إلى أن اللجنة رفضت 13 إخطاراً من بين 113 إخطاراً فصلت فيها منذ بدء عملية الاقتراع يوم الخميس عبر كل مكاتب التصويت ومراكزه الموزعة على مستوى ولايات الوطن «كونها لا ترتكز على أسس قانونية».
واتهم رئيس التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، محسن بلعباس، السلطة بالتلاعب بنسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية التي «لم تتجاوز» 18 في المئة وفق تقديراته.
وقدّم بلعباس في مؤتمر إعلامي بمقر الحزب في العاصمة معطيات ادّعى أنها تثبت «تضخيم أرقام المشاركة في هذا الاقتراع، ومن ذلك أن اللجان البلدية لمراقبة الانتخابات سجّلت نسبة مشاركة لا تتجاوز 18 في المئة». كما لاحظ ارتفاع نسب الاقتراع التي أعلنت عنها وزارة الداخلية «بصفة غير عادية» من ساعة إلى أخرى. ورأى أن من غير الطبيعي أن يتأخر الإعلان عن النتائج إلى مساء أمس، بينما كان الأجدر أن يتم ذلك صباحاً. وفسّر تأخر الإعلان عن النتائج بانشغال السلطة بإعداد «طبخة» تُسوّق للرأي العام. ومعلوم أن حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية هو حزب معتمد لكنه دعا إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية.
وفي ردود الفعل الأخرى، حيّت جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في البلاد، «المواطنين والناخبين الذي عبّروا عن رأيهم بشكل سياسي وسلمي ولم يستجيبوا للنداءات المعادية للتعبير الشعبي والسلمي». وقال الحزب في بيان: «نتفهم عزوف الناخبين السلمي الذي سببه سنوات التزوير والشمولية التي تحتقر الحريات وحقوق المواطنين». كما أكد الحزب أنه يسجّل «نسبة المشاركة الرسمية» ويندد باستخدام «المال الوسخ» في هذه الانتخابات.
انطلقت أمس أولى جولات الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المصرية مع بدء تصويت أكثر من نصف مليون مغترب، غداة أول مناظرة رئاسية في تاريخ البلاد جمعت المرشحين عمرو موسى وعبدالمنعم أبو الفتوح وحظيت بمتابعة واسعة. ويبت القضاء اليوم في مصير حكمين يهددان الجدول الزمني للاستحقاق.
وتنظر المحكمة الإدارية العليا اليوم في طعن قدمته الحكومة ضد حكمين، قضى أحدهما بوقف الانتخابات لخطأ إجرائي فيما أوقف الثاني قرار لجنة الانتخابات إحالة قانون العزل السياسي على المحكمة الدستورية العليا وأبعد ضمناً المرشح أحمد شفيق. لكن مصادر قضائية تحدثت إلى «الحياة» توقعت أن تبطل المحكمة الحكمين لتجري الانتخابات في مسارها الطبيعي.
وفي حال أيدت المحكمة حكم وقف الانتخابات، فسيكون لزاماً على رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي التدخل وتوجيه الدعوة إلى الناخبين للتصويت، بدلا من اللجنة العليا للانتخابات، باعتباره القائم بصلاحيات الرئيس. أما إذا أيدت المحكمة حكم إبعاد شفيق، فمن الممكن أن ترفض اللجنة المشرفة على الانتخابات تنفيذه استناداً إلى المادة 28 من الإعلان الدستوري التي تحصن قراراتها ضد التقاضي.
وبدا أن المرشحين غير عابئين بما يجري من تنازع في ساحات القضاء، إذ كثفوا تحركاتهم وحملاتهم الدعائية. وأكد أبو الفتوح أنه «لابد للرئيس المقبل من أن يكون رئيساً لكل أبناء مصر ويعبر عن مصلحتهم من دون تمييز، وأن يكون خادماً لهم وألا يدير الوطن من برج عاجي». وقال خلال مؤتمر جماهيري في محافظة الشرقية (دلتا النيل)، إنه «ضد التطاول على الرموز أو الشريعة الإسلامية»، موضحاً أنه «مع الشريعة الوسطية بمفهومها الوطني بعيداً عن الحزبية».
أما مرشح «الإخوان» محمد مرسي فاعتبر أن «لا خوف من تطبيق شرع الله لأنه يهدف إلى الحق والعدل والعمل والمساواة، ولا يوجد تشريع متوازن في أي دستور في العالم أكثر من الشريعة الإسلامية». وقال خلال مؤتمر عقده في السويس: «الناس أحرار في اعتناق مذاهبهم وأن يفعلوا ويفكروا وينتجوا في إطار تشريعي يضمن للجميع حقوقه. الحكم أصل في الإسلام، وليس فرعاً منه، والإسلام قادر على إقامة دولة العلم والأمن السلام والاقتصاد والفكر والحريات».
في المقابل، انتقد المرشح الثوري الشاب خالد علي «اتخاذ الدين ستاراً لممارسة السياسة، والوصول إلى السلطة». ورفض «تشبيه بعض المرشحين بالأنبياء، وإطلاق أسماء الصحابة عليهم لأن هذا أمر غير مقبول»، في إشارة إلى مرسي الذي أطلق عليه لقب «لقمان هذا العصر». وحذر من إرجاء الانتخابات «لأن ذلك من الممكن أن يجر البلاد إلى موجة من الفوضى والخلافات التي قد تصل إلى حد استخدام العنف».
وقال علي خلال مؤتمر في الشرقية (دلتا النيل) إنه يفضل «ابتعاد القوات المسلحة عن ممارسة السياسة لأنها مجال مليء بالخلافات والاختلافات، حتى يحتفظ الجيش المصري بالحب والاحترام الذي يصل إلى حد التقديس الذي يكنه له كل المصريين». ورأى أن «السياسة أفقدت المجلس الكثير من هذا الحب الذي كان له رصيد كاف لتحمل أخطاء لم يكن يتحملها هذا الشعب الثائر مع غيره أبداً».
وبدأ المغتربون الإدلاء بأصواتهم أمس في تصويت قد يساعد على ترجيح كفة أحد المرشحين الـ13، رغم صغر عدد المشاركين فيه مقارنة بالناخبين في الداخل، إذ ستعلن النتائج في السفارات والقنصليات بعد الانتهاء من فرز الأصوات الذي يبدأ فور انتهاء مهلة التصويت الخميس المقبل. وتجرى المرحلة الأولى من الانتخابات في مصر يومي 23 و24 الجاري.
واصطف مئات المصريين أمام سفارتهم في الرياض للإدلاء بأصواتهم. وقالت ماهي سمير وهي مواطنة مصرية في الثلاثينات من العمر وأم لطفلتين: «كلي أمل أن تحدث الانتخابات فارقاً وألا تكون نهايتها كنهايات ما سبقها من انتخابات هزلية في ظل النظام السابق. شتان بين الوضع الذي نعيشه الآن وبين ما كان يحدث في الماضي». وأضافت: «لأول مرة في حياتي أشارك في انتخابات لا أعرف نهايتها ولا أعرف من الفائز وأترقب النتيجة بشغف شديد وأتابع برامج المرشحين بكل حماسة».
وفي الكويت، تجمعت أعداد قليلة من المصريين خارج مقر سفارة بلادهم التي تمثل المقر الرسمي لعملية الاقتراع مع بدء التصويت في الساعة الثامنة بالتوقيت المحلي. وقال محمود أبو الشيخ، وهو طبيب مصري يعمل في الكويت: «الناس أكثر تحمساً في الانتخابات الرئاسية لأنها الأخطر في الحياة السياسية... هذه هي أول مرة نختار رئيسنا». وأدلى مصريون في لبنان والأردن بأصواتهم أمس.
ويبلغ عدد الناخبين المسجلين خارج مصر نحو 586 ألفاً، معظمهم في السعودية حيث يوجد أكثر من ربع مليون ناخب مسجل، ثم الكويت بنحو 119 ألفاً ودولة الأمارات بأكثر من 61 ألفاً وقطر بحوالى 32 ألفاً والولايات المتحدة بنحو 27 ألفاً وكندا بـ11 ألفاً.
يفترض أن تكون ساعة الذروة المرورية. إنه مساء الخميس. والخميس في القاهرة يعني ازدحاماً مرورياً يصل حد الاختناق، ونزوحاً جماهيرياً كاسحاً صوب المراكز التجارية، إما للتسوق أو للتسكع، وهروباً ذكورياً صوب المقاهي بحثاً عن كوب شاي في الخمسينة و «عشرتين» طاولة، إضافة إلى غزو شبابي مبين للكوفي شوب والنوادي والنواصي، كل بحسب ميوله.
لكن التاريخ الحديث سيضع خطاً، وربما خطين، أسفل ليل قاهرة الخميس 10 أيار (مايو) 2012، إذ خفت حدة الاختناق المروري لدرجة مريبة، وصفّ سائقو الأجرة سياراتهم أمام المقاهي، وبذلت الأمهات جهوداً عاتية لإجبار الصغار على النوم مبكراً، وحانت اللحظة الحاسمة، وتعلقت أنظار الجميع بما أتيح لها من شاشات تلفزيونية.
الإنجاز الأكبر لـ «ثورة 25 يناير» بعد إسقاط الرئيس المخلوع حسني مبارك أوشك على التبلور. اجتمع عدد من ملوك الـ «توك شو» في القنوات الخاصة، وبدا التوتر الإيجابي على الجميع. خلفية تاريخية عن المناظرات السياسية والرئاسية، أشهر المناظرات في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، إشارات متكررة لفضل الثورة وشهدائها ومصابيها وأنه لولاهم لما عاش المصريون ليشهدوا «مناظرة مرشحي الرئاسة».
«مناظرة مرشحي الرئاسة» في حد ذاتها عبارة تنتمي إلى مدرسة الفانتازيا، فحتى 14 شهراً مضت لم يكن لمصري يردد عبارة كهذه إلا أن يواجه أحد مصيرين: وصمة الجنون أو تهمة تؤدي إلى أحد معتقلي وادي النطرون أو طرة.
المؤكد أن أجواء طرة حيث يقبع نجلا الرئيس السابق وعدد من رموز حكمه، لم تكن عادية ليل أول من أمس، وشأنها في ذلك شأن أجواء «المركز الطبي العالمي» حيث يرقد مبارك الذي إن كان شاهد المناظرة التاريخية، فإنه حتماً أيقن أن مصر تتغير. فحين يقف مرشحان من بين 13 مرشحاً ليردا على الأسئلة الأكثر مراودة للناخبين، بغرض كشف الستار عن منهجيهما، إضافة طبعاً إلى محاولات حثيثة لإحراجهما، وفتح نافذة يتمعن عبرها ملايين المشاهدين في ملامح كل منهما، وحركاته وقفشاته وسقطاته وهفواته، فإن ذلك يعني حقاً أن مصر تتغير.
والتغيير سنة الحياة وأحياناً نقمتها وأحياناً أخرى فضيحتها. التغريدة الأكثر انتشاراً على «تويتر» عكست الأخيرة. أحدهم لخص محاولات «الضرب تحت الحزام» من قبل المرشحين المتصارعين: «هاتقولهم لي حسني حسني، هاقولهم لك إخوان إخوان»، فموسى المصنف «فلولاً» من قبل قوى ثورية رافضة لترشحه يرد على تلميحات أبو الفتوح الموصوف ليبرالياً بأنه «ليبرالي نهاراً مائل للجماعة ليلاً» بمبادلة التلميح له بالإشارة إلى انتماء منافسه السابق لـ «الإخوان»، اتباعاً للمثل الشعبي الرائع: «لا تعايرني ولا أعايرك، الهم طايلني وطايلك». وطاول كلاهما كذلك في المناظرة التاريخية همان متناقضان: الأول استقطاب أنصار الآخر من بوابة «داوها بالتي كانت هي الداء»، والثاني كيل التهم للآخر في محاولة لإحراز نقاط في كل جولة.
جولة شكل الدولة المرتقبة تعادل فيها الطرفان، فكلاهما أراد دولة ديموقراطية ومواطنين يتمتعون بكرامة ومستوى حياة لائق. وأحرز موسى نقطة على حساب خصمه حين حان وقت التطرق إلى الشريعة والمادة الثانية من الدستور وحرية المعتقد الديني، إذ ظهر وجه أبو الفتوح «المائل إلى الجماعة» في إجاباته، إلا أن أبو الفتوح استعاد عدداً من النقاط بتقمصه الدور الذي يراهن عليه موسى، وهو دور رجل الدولة القوي.
ففي وقت وصف موسى «أحداث العباسية» الأخيرة بأنها «لم يكن لها مبرر»، وأن «هدفها كان الفوضى»، أكد أبو الفتوح أن الأحداث وقعت «نتيجة سوء أداء من أطراف مختلفة»، وأنها «لم تكن لتقع لو كنت رئيساً للجمهورية».
لكن بطاقة «رجل الدولة القوي» سرعان ما استعادها موسى بنبرة استعلائية غارقة في الكبرياء لدرجة سلبت أبو الفتوح ميزة معارضة النظام، معتبراً معارضته جزءاً من معارضة جماعة «الإخوان المسلمين» ككل، وليست معارضة أشخاص. وحاول موسى أن يوجه لخصمه لكمة قوية علها تسقطه أرضاً بقوله: «وسمحنا لك بالمشاركة في الجامعة العربية، وأنا كنت أميناً عاماً لها، ولم أر لك معارضة في حضور المؤتمرات الإنسانية أو المؤتمرات الخاصة بالإغاثة». ومضى قدماً، ناسباً إلى نفسه شرف المعارضة السياسية، قائلاً: «أنا اختلفت مع النظام في أكثر من نقطة، لذلك خرجت من الخارجية، ولم أكن أريد البقاء. وهذه هي الخلافات السياسية والصدام والموقف»، قبل أن يقول عن نفسه في سؤال آخر: «نحن الثورة والثوار...».
السمة الغالبة للمناظرة كانت التحضر والهدوء، وإن بدت آثار التوتر حيناً والغضب أحياناً على المتنافسين. فعلى رغم أن أبو الفتوح اتهم نظام مبارك بأنه يقف وراء إصابته بأمراض الضغط والسكر، إلا أنه استمر على نهجه السابق في انتقاد منافسه المتقدم عنه في السن، وهو الانتقاد الذي فضل موسى تجاهله لفظاً وإن أثر على ملامح وجهه سلباً. وسجل أبو الفتوح نقطة حين أبرز إقرار ذمته المالية وتقريراً عن وضعه الصحي «لأن من حق الشعب أن يعرف»، فيما قال موسى إنه سيفعل ذلك «بعد انتخابي».
جولات المناظرة لم تنته بضربة قاضية، أو باستسلام منافس، بل انتهت نهايات عدة، فبين قائل بأن نتيجة المناظرة تصب في مصلحة المرشح حمدين صباحي الذي لم يكن مشاركاً، وآخر معلناً «حط الشمس (رمز عمرو موسى الانتخابي) على الميزان (رمز مرشح الإخوان محمد مرسي)، الحصان (رمز أبو الفتوح) هو الكسبان»، وآخر مداعباً بأن «الميزة الوحيدة للمناظرة هي أن الشعب عرف عنوان موسى، وبالتالي سيسهل عليه إسقاطه من بيتهم».
من كان مؤيداً لموسى زاد تأييده، ومن عقد العزم على إعطاء صوته لأبو الفتوح قوي عزمه، ومن كان حائراً بينهما إما مال نحو أحدهما، أو قرر الانصراف عن كليهما متجهاً نحو اختيار ثالث. لكن الجديد في المناظرة التاريخية أن «الطرف الثالث» الذي صار جزءاً لا يتجزأ من حياة المصريين على مدى الأشهر الـ14 الماضية عاود الظهور، لكنه ظهور افتراضي.
الشبكة العنكبوتية أوشكت على الانفجار لفرط تواتر التغريدات والتعليقات والتحميلات والمشاحنات الخاصة بالمناظرة التاريخية. وكالعادة، استحوذت الكوميديا على نصيب الأسد، وإن كان استحواذاً لم يخل من سياسة، إذ عكست روح الدعابة والسخرية انتماءات شتى. أحدهم كتب ساخراً رؤيته لجانب من المناظرة: «أبو الفتوح: أنت جزء من النظام السابق. موسى: لم أكن وكنت مناضلاً. أبو الفتوح: طيب أنت صدرت الغاز لإسرائيل. موسى: لم أصدره وكنت رافضاً. أبو الفتوح: أنت ناقص تقول إنت إللي عملت الثورة. موسى: فعلاً. إحنا كثوار قلنا لا، أنت قلت نعم لتعديل الدستور».
وفي السياق نفسه، رأى أحدهم أن موسى أفرط في التنويه إلى ثوريته ومعارضته للنظام السابق فكتب: «لا ينقص موسى الآن إلا أن يعلن أنه عضو في جماعة 6 أبريل وأنه أدمن (مدير) صفحة كلنا خالد سعيد وشهيد سابق في موقعة الجمل».
جمال أجواء المناظرة لم يفسده سوى هجمة الإعلانات الشرسة على فواصل المناظرة لدرجة أدت إلى اختلاط الأمور لدى المشاهدين، فهناك من شكا من طول فترة المناظرة التي تتخلل الإعلانات، وهناك من خرج بعد المناظرة بقرار تحوله من التهام أكياس البطاطا المضلعة إلى الرقائق المستطيلة اللتين داهمتا الفواصل الإعلانية الكثيرة والطويلة جداً.
النتيجة الأكبر من مناظرة ليل أول من أمس هي أنها أضفت هدوءاً طال انتظاره وسكينة خرجت ولم تعد لدى ملايين المصريين ممن أصابتهم فوضى المرحلة الانتقالية ببوادر ضغط وملامح سكر كتلك التي أصابت الدكتور أبو الفتوح بسبب مبارك. ويبدو أن الهتاف الجديد الذي سيخرج به الصامتون المعروفون ثورياً بـ «حزب الكنبة» هو: «الشعب يريد عودة الأمن والمناظرات».
بدأ أكثر من نصف مليون مصري خارج بلادهم التصويت أمس في انتخابات الرئاسة، على وقع جدال قضائي يهدد مصير الاستحقاق الرئاسي الأول بعد إطاحة حسني مبارك، ينتظر أن تحسمه المحكمة الإدارية العليا اليوم عندما تنظر في الطعون التي تقدمت بها الحكومة على حكمين، قضى الأول بوقف الانتخابات لخطأ إجرائي فيما أوقف الثاني إحالة قانون العزل السياسي على المحكمة الدستورية العليا.
وتوقعت مصادر قضائية تحدثت إلى «الحياة» أن تحكم المحكمة الإدارية العليا ببطلان الحكمين القضائيين، ومن ثم تعود الانتخابات إلى مسارها الطبيعي. ولفتت المصادر إلى «عدم قانونية» حكم وقف الانتخابات باعتبار أن محكمة القضاء الإداري في بنها «غير مختصة نوعياً بالنظر في القضية، إذ أن الجمعية العمومية لمجلس الدولة قررت في وقت سابق بعدم اختصاص أي من محاكم القضاء الإداري الإقليمية بالنظر في الانتخابات الرئاسية، على أن تكون الدائرة الأولى في محكمة النقض هي المسؤولة عن هذا».
وبدأ المغتربون الإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة أمس، في تصويت قد يساعد على ترجيح كفة أحد المرشحين الـ13، على رغم صغر عدد المشاركين فيه مقارنة بالناخبين في الداخل، إذ ستعلن النتائج في السفارات والقنصليات بعد الانتهاء من فرز الأصوات الذي يبدأ فور انتهاء مهلة التصويت الخميس المقبل. وتجرى المرحلة الأولى من الانتخابات في مصر يومي 23 و24 الجاري.
ونقلت وكالة «رويترز» عن عبدالعال شادي (55 سنة) وهو مهندس يعيش في باريس، أنه صوت للمرشح اليساري حمدين صباحي. وقال: «إنه الحصان الأسود للانتخابات الرئاسية لأنه أشهر من حاربوا النظام السابق منذ كان طالباً... إذا فاز عمرو موسى سيكون ذلك كارثة للشعب. سيؤدي إلى ثورة ثانية».
واصطف مئات المصريين أمام سفارتهم في الرياض للإدلاء بأصواتهم. وقالت ماهي سمير وهي مواطنة مصرية في الثلاثينات من العمر وأم لطفلتين: «كلي أمل أن تحدث الانتخابات فارقاً وألا تكون نهايتها كنهايات ما سبقها من انتخابات هزلية في ظل النظام السابق. شتان بين الوضع الذي نعيشه الآن وبين ما كان يحدث في الماضي». وأضافت في حماسة: «لأول مرة في حياتي أشارك في انتخابات لا أعرف نهايتها ولا أعرف من الفائز وأترقب النتيجة بشغف شديد وأتابع برامج المرشحين بكل حماسة».
وفي الكويت، تجمعت أعداد قليلة من المصريين خارج مقر السفارة المصرية التي تمثل المقر الرسمي لعملية الاقتراع مع بدء التصويت في الساعة الثامنة بالتوقيت المحلي. وقال محمود أبو الشيخ، وهو طبيب مصري يعمل في الكويت: «الناس أكثر تحمساً في الانتخابات الرئاسية لأنها الأخطر في الحياة السياسية... هذه هي أول مرة نختار رئيسنا».
وأدلى مصريون في لبنان والأردن بأصواتهم أمس. وقال مجدي محمد، وهو مغترب يعيش في لبنان، إنه صوت لمرشح «الإخوان المسلمين» محمد مرسي. وقال خالد متولي وهو مغترب في الأردن إنه انتخب المرشح الإسلامي الوسطي عبدالمنعم أبو الفتوح.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية عمرو رشدي إن «الوزارة تلقت تعليمات جديدة من لجنة انتخابات الرئاسة بإمكان تصويت المصريين في الخارج عن طريق جواز السفر المميكن (الجديد) أو إرفاق صورته مع بطاقة الاقتراع من دون الحاجة إلى تقديم بطاقة الرقم القومي أو صورتها الذي كان أحد شروط التصويت سابقاً».
ويختار المغتربون من بين 13 مرشحاً، لكن المنافسة أساساً بين إسلاميين ومحسوبين على النظام السابق، إضافة إلى صباحي. ويبلغ عدد الناخبين المسجلين خارج مصر نحو 586 ألفاً، أكثرهم في السعودية حيث يوجد أكثر من ربع مليون ناخب مسجل، ثم الكويت بنحو 119 ألفاً ودولة الأمارات بأكثر من 61 ألفاً وقطر بحوالى 32 ألفاً والولايات المتحدة بنحو 27 ألفاً وكندا بـ11 ألفاً.
ويأتي بدء تصويت المغتربين في وقت احتدم الصراع الانتخابي. وأكد المرشح حمدين صباحي في مؤتمر انتخابي أن «مصر لن تدخل حرباً مع إسرائيل إلا إذا فرضت عليها»، مشدداً على التزامه اتفاق السلام مع الدولة العبرية. وقال خلال لقائه أمس «ائتلاف أقباط مصر» إن «أهم النقاط التي يرتكز عليها برنامجي الانتخابي هي محاربة الفقر». وأضاف أنه سيفرض «العدل والمساواة بين المواطنين من خلال تفعيل مواد وبنود الدستور وجميع المواثيق التي تعهدت بها مصر لحماية حقوق الإنسان». وأكد أنه سيفتح كل ملفات انتهاكات الجيش «وسيكون هناك خروج عادل للمجلس العسكري وليس آمناً».
أما المرشح الثوري الشاب خالد علي، فدعا المجلس العسكري إلى «أن يبتعد عن ممارسة السياسة حتى يظل الجيش موضع عشق واحترام الشعب». وقال إن «السياسة أفقدت المجلس الكثير من هذا الحب الذي كان له رصيد كاف لتحمل أخطاء لم يكن يتحملها هذا الشعب الثائر مع غيره أبداً». وأشار خلال لقاء جماهيري في محافظة الشرقية (دلتا النيل) إلى أن «الفساد استشرى في هذا البلد، والدولة كانت تتجه إلى عدم إنتاج المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة والقطن والرز وكانت تتعمد إذلال الفلاح، وهذا لا بد من أن ينتهي».
حرب إعلانية بين «الكبار»... ولا عزاء للفقراء
كان إعلان اللائحة النهائي لمرشحي أول انتخابات رئاسية تجرى في مصر بعد إسقاط الرئيس المخلوع حسني مبارك، إيذاناً باشتعال الصراع بين المرشحين للمنافسة على أصوات الناخبين، لكن هذا السباق المشروع باتت تتحكم فيه سطوة المال، ما دفع مراقبين إلى التحذير من خطر «المال السياسي» على الديموقراطية الوليدة.
وكثف المرشحون خلال الأيام الماضية وسائلهم الدعائية، سواء اللافتات أو الملصقات أو المسيرات الانتخابية في الشوارع أو عبر وسائل الإعلام، لكن تلك الحملات أظهرت بجلاء «الكبار» في هذا المعترك الانتخابي. فالمتابع للقنوات التلفزيونية يرصد حضوراً واسعاً لحملات المرشحين عمرو موسى وأحمد شفيق ومحمد مرسي وعبدالمنعم أبو الفتوح، ثم يأتي على استحياء محمد سليم العوا.
هذا الخماسي له أيضاً النصيب الأكبر من لافتات الشوارع التي تظهر فيها على استحياء ملصقات مرشحين مثل هشام البسطويسي الذي اكتفي بانضوائه أسفل عباءة حزب «التجمع» والشاب الثوري خالد علي الذي اكتفي هو الآخر بالظهور المكثف في وسائل الإعلام. ويقترب منهما حمدين صباحي، وإن كان الأخير يعتمد في الترويج لحملته الدعائية على عدد من الفنانين والمثقفين المنتمين إلى التيار الناصري. ويشكو الثلاثة ضعف الموارد.
ولا تخلو الحملات من رسائل تتنوع بين الهجوم والطمأنة والإفراط في الوعود. واعتمد شفيق الذي كان آخر رؤساء حكومات الرئيس المخلوع، على شعار «بالأفعال، وليس بالكلام»، ما بدا موجهاً إلى مرسي مرشح جماعة «الإخوان المسلمين» التي تمتلك الأكثرية النيابية وتواجه انتقادات لأدائها البرلماني.
مرسي هو الآخر سعى إلى طمأنة الأقباط، فظهر في حملته الانتخابية قساوسة للتعبير عن إيمانه بالمواطنة، كما ظهرت صور لكنائس، ما يوحي بأن مرسي لن يمانع في بناء الكنائس. مرسي ركز أيضاً في دعايته على قدراته على «تحسين الأحوال المعيشية للمصريين»، وإصلاح الأوضاع من مشاكل الفلاح إلى تردي أحوال الصحة والتعليم.
وإضافة إلى ملصقات المرشحين، انتشرت لافتات موجهة إلى المحسوبين منهم على التيار الإسلامي، وهم أبو الفتوح ومرسي والعوا، كتبت عليها عبارة: «توحدوا». لكن الداعم لهذه اللافتات يبدو أنه من مؤيدي أبو الفتوح، إذ جاورت الشعار صورة كبيرة للمرشح وإلى يسارها صورة مرسي لكن بحجم أصغر، وعلى الجانب الأيمن صورة للعوا أصغر من صورتيهما. وذيل هذا كله دعاء: «اللهم ولي أمورنا خيارنا».
ودفعت هذه المنافسة في الحملات الدعائية مراقبين إلى التحذير من خطر «المال السياسي» على مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين والمتنافسين. ويتوقع هؤلاء أن تتعدى كلفة الدعاية الانتخابية 500 مليون جنيه (نحو 83 مليون دولار) في بلد يشكو تدهوراً اقتصادياً، علماً أن اللجنة المشرفة على الانتخابات كانت حددت مبلغ عشرة ملايين جنيه حداً أقصى للدعاية.
غير أن مراقبين يؤكدون أن الإنفاق الدعائي يصعب ضبطه في ظل غياب الرقابة وعدم وجود ضوابط للدعاية الانتخابية. وتعهد مسؤول عسكري «مواجهة المال السياسي بكل حزم»، مشدداً على أن «القانون سينفذ على الجميع، واللجنة العليا المشرفة على الانتخابات لديها بالتعاون مع الأجهزة الرقابية والأمنية آليات وقدرات على ضبط الأمور، ومن يثبت انحرافه ستطبق عليه العقوبات المنصوص عليها في القانون».
جريدة الشرق الاوسط
المغرب: أول تعيينات لولاة ومحافظين بناء على اقتراح من رئيس الحكومة
أعلن بيان رسمي أن العاهل المغربي الملك محمد السادس عيّن ولاة ومحافظين في الإدارة المحلية. وأفاد بيان الديوان الملكي أن التعيينات التي شملت 10 ولاة و30 محافظاً في أقاليم ومدن المملكة جاء باقتراح من رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران ومبادرة من وزير الداخلية محند العنصر تنفيذاً لمقتضيات الدستور الجديد.
وتُعتبر هذه المرة الأولى التي يقترح فيها رئيس حكومة مغربية قوائم ولاة ومحافظين بعدما كان الأمر يقتصر على اختصاص المراجع الرسمية العليا. ويُنظر إلى المناقلات والتعيينات الجديدة أنها تأتي قبل أقل من شهور على استحقاقات انتخابات البلديات، لكن المصادر الرسمية عزت الأمر إلى أنه يأتي «في سياق تعزيز الحوكمة وتقريب الإدارة من المواطنين». وهذه أول مناقلات بعد مرور أكثر من مئة يوم على تشكيل الحكومة التي يقودها زعيم حزب العدالة والتنمية عبدالإله بن كيران الذي سبق له أن أنحى باللائمة حين كان في المعارضة على مواقف بعض المحافظين بسبب تصرفات اعتبرها «غير محايدة» إزاء ضرورة المساواة بين الأحزاب.
إلى ذلك، انتقد حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض ما وصفه بـ «تهميش الدستور» على خلفية الجدل الذي أثير حول القانون التنظيمي الذي يطاول التعيين في المناصب الرفيعة. وكتبت صحيفة «الاتحاد الاشتراكي»، أمس، أن القانون «لم يكلّف نفسه عناء التعريف بالمعنى الذي يعطيه للطابع الاستراتيجي، ولا تقديم المؤشرات الموضوعية التي اعتمدها قاعدة تصنيف»، في إشارة إلى المؤسسات الإستراتيجية التي يختار المجلس الوزاري برئاسة ملك البلاد مسؤوليها، وتلك التي تندرج في اختصاصات رئيس الحكومة.
ونعتت الجريدة هذا التصنيف بأنه «تأويل غير ديموقراطي للدستور» الذي ينطلق من مبدأ المسؤولية واعتبار أن الحكومة «تدير السلطة التنفيذية» وتمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العامة. وأعادت إلى الأذهان أن الاتحاد الاشتراكي «دافع دائماً عن الثقة كعامل للانتقال والبناء الديموقراطي والتحول السلس، ولم يكن في يوم من الأيام ضد منطق الوفاق». وخلصت إلى أن الثقة والوفاق «يكسبان شرعيتهما السياسية داخل دائرة التعاقد الدستوري».
وقلل مراقبون من تداعيات بعض مظاهر الصراع التي طفت على السطح بين حكومة بن كيران وأطراف عدة، إذ يبدو أن حزب العدالة والتنمية يميل إلى ترسيخ تقاليد الثقة كي يتسنى له المضي قدماً في تنفيذ خياراته اعتماداً على دعم شركائه في الائتلاف الحكومي، أحزاب الاستقلال والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية. وفسّرت المصادر دعم رئيس الحكومة اقتراح وزير الداخلية محند العنصر لجهة تعيين المحافظين الجدد، بأنه سيطوي صفحة خلافات كانت أُثيرت على خلفية تصريحات نُسبت إلى زعيم الحركة الشعبية تفيد بوجود محاولات للسيطرة على الحكومة. لكن بيان الديوان الملكي الذي عرض إلى بصمات بن كيران على قوائم التعيينات الجديدة، بدد معالم صورة الصراع داخل مكونات المشهد الحكومي.
ومن المقرر أن يعرض بن كيران لحصيلة أداء حكومته خلال الأشهر الأولى من ولايتها أمام جلسة نيابية تنعقد مطلع الأسبوع المقبل في مجلس النواب، فيما ارتفعت أصوات مركزيات نقابية تهدد بشن الحرب على الحكومة عبر أساليب احتجاجية في حال عدم التزامها الاتفاقات المبرمة ضمن سلسة ما يعرف بـ «الحوار الاجتماعي».
على صعيد آخر، أطاحت «دفاتر التحملات» التي تحدد سياسات التلفزيون الحكومي، رئيس المجلس الأعلى للاتصال السمعي-البصري أحمد غزالي. وأعلن بيان الديوان الملكي أن العاهل المغربي الملك محمد السادس عيّن الناشطة أمينة المريني رئيسة للمجلس، واختار الإعلامي جمال الدين الناجي مديراً عاماً. وعزا ذلك إلى الارتقاء بالمجلس الأعلى إلى مؤسسة دستورية. لكن يسود الاعتقاد أن أسلوب تعاطي المجلس مع قضية «دفاتر التحملات» التي تمت إجازتها في أقل من 24 ساعة، قد يكون وراء إقالة المسؤولين السابقين.
وفي سياق متصل، أعلن وزير الاتصال (الإعلام) مصطفى الخلفي، أن مفعول الالتزامات المتبادلة في «دفاتر التحملات» السابقة سيسري مفعوله إلى حين نشر الخطة الجديدة في الجريدة الرسمية، واصفاً إياها بأنها ذات مضمون متقدم. وجاء الموقف على خلفية اقتراح عرضه الوزير نبيل بن عبدالله الذي أسندت إليه رئاسة لجنة تُعنى بدرس مضامين خطة الإصلاح الجديدة، كونه عمل وزيراً سابقاً للإعلام ويشغل في حكومة بن كيران مسؤولية وزارة السكن وسياسة المدينة، ما اعتبرته المصادر حلاًّ وفاقياً لتجاوز المأزق الراهن في خصوص «إصلاح» الإعلام الرسمي.
في غضون ذلك (أ ف ب)، وصفت صحف مغربية أمس زيارة وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني لباريس قبل تولي فرنسوا هولاند صلاحياته الرئاسية، بمحاولة معرفة إمكان تغيّر مواقف قادة الإليزيه الجدد في ما يتعلق بالصحراء. وكتبت صحيفة «الأحداث المغربية»، أن العثماني «لم يشأ الانتظار إلى حين ممارسة الرئيس الجديد هولاند رسمياً صلاحياته في 15 أيار (مايو) الجاري»، بل «فضّل السفر على عجل إلى باريس للقاء المسؤولين الجدد» في الإليزيه. وأضافت أنه زار باريس كي «يعرف ما إذا كان الفريق الرئاسي الجديد ثابتاً على نهجه بخصوص القضايا الحيوية للمغرب وفي مقدمها ملف الصحراء».
من جانبها أرجعت صحيفة «أخبار اليوم المغربية» توجس الرباط إلى تصريحات لصناع القرار في الجزائر تحدثوا فيها عن امكان «حدوث تغييرات في طبيعة العلاقات الجزائرية-الفرنسية» في ما يتعلق بـ «الاعتراف بجرائم الاستعمار» و «الدعم القوي الذي قدمه نيكولا ساركوزي للمغرب بخصوص قضية الصحراء».
وفسّرت الصحيفة إمكان تغيّر هذه المواقف بـ «مشاكل فرنسا الاقتصادية ووعود هولاند بإيجاد حلول سريعة» ستدفع ربما باريس إلى «الاقتراب أكثر من الجزائر التي تتمتع بـ 200 بليون دولار كاحتياطي صرف»، قد تستعمله الجزائر لـ «حمل الاشتراكيين على الاعتراف بمطلبي الاعتراف بجرائم الاستعمار وتعديل موقفهم بشأن الصحراء».
لكن هذا التغيير في مواقف باريس تجاه قضايا الرباط يبدو مستبعداً في رأي صحيفة «لوماتان» المقربة من القصر الملكي، والتي قالت إن «الرئيس هولاند يريد تقارباً أكثر بين المغرب وفرنسا».
المصدر: جريدة الحياة