تقارير..

استخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع ضد المدنيين السوريين: التداعيات العسكرية

تاريخ الإضافة الإثنين 26 آب 2013 - 7:45 ص    عدد الزيارات 2243    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

استخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع ضد المدنيين السوريين: التداعيات العسكرية
جيفري وايت
جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في معهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية.
استناداً إلى مقاطع الفيديو الكثيرة والصور وروايات شهود العيان، يبدو جلياً أن شيئاً كبيراً ومروعاً حدث في سوريا في 21 آب/أغسطس. فقد أفادت التقارير عن موت آلاف الناس أو إصابتهم [بتسمم]، وجميعهم تقريباً في المناطق المجاورة لدمشق. وينبغي هنا الالتفات إلى أنه لا ثمة عمل سابق من قبل النظام أو المعارضة أدى إلى وقوع مثل هذه الخسائر على هذا النطاق الواسع أو في هذه البقعة الجغرافية شديدة الكثافة السكانية. ويبدو أن ذلك كان عملاً محسوباً، ويرجح أن الهدف منه هو تغيير الوضع العسكري حول العاصمة بطريقة حاسمة. كما يتزامن ذلك مع الذكرى السنوية لإعلانيين غير مؤثرين للسياسة الأمريكية: إعلان الرئيس أوباما في 18 آب/أغسطس 2011،عن ضرورة "تنحي" بشار الأسد، وتصريحه في 20 آب/أغسطس 2012 بأن استخدام الأسلحة الكيميائية سوف يغير قواعد اللعبة.
والتفسير الواضح لما حدث هو أن النظام قرر اللجوء إلى استخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع ضد المدنيين. وبطبيعة الحال، يجب توخي الحذر لاستبعاد احتمالات أخرى، مثل استخدام الثوار للأسلحة الكيميائية أو اتخاذ قائد محلي تابع للنظام قراراً باستخدامها بمبادرة شخصية منه. بيد أنه لو خلص هذا التقييم بشكل منطقي إلى أن قيادة النظام مسؤولة عن المجازر التي وقعت على ذلك النطاق الواسع، فيجب حينها على الولايات المتحدة وحلفائها القيام بالرد المناسب والرادع. وهذا يعني إجراءاً عسكرياً مباشراً ضد قوات النظام، وضد قيادة النظام والأهداف ذات الصلة إذا استمر استخدام الأسلحة الكيميائية.
الدوافع المحتملة
على الرغم من أن الدافع وراء ما حدث في 21 آب/أغسطس لا يزال غير معروف، إلا أن استخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع يشير إلى وجود أهداف كبيرة أو استراتيجية، وأن هناك عدة عوامل فاعلة. كما أن استخدام الأسلحة الكيميائية يتوافق مع النمط السلوكي للنظام القائم منذ فترة طويلة، ووضعه الحالي على الأرض. أولاً، لم يتحرك الوضع العسكري في منطقة دمشق، رغم عدم خطورته، في صالح النظام. فهجمات الحكومة في الأحياء لم تلق نجاحاً كبيراً وترتب عليها خسائر هائلة لكل من النظام وحلفائه من «حزب الله» والشيعة. وفي غضون ذلك، تقوم قوات الثوار في الريف بأعمال هجومية ذاتية وتحقق بعض النجاحات التكتيكية.
ثانياً، ربما تكون التطورات العسكرية في أجزاء أخرى من البلاد قد غيرت حسابات النظام. فالهجوم الأخير للثوار في المناطق العلوية من اللاذقية، رغم النجاح في دحره، أحرج النظام وجعله يحوّل موارده العسكرية إلى تلك المنطقة. كما أن الثوار يحققون كذلك تقدماً حول مدينة حلب وفي الريف، وكان أبرز النجاحات وأكثرها أهمية الاستيلاء على مطار منغ [العسكري]. وإلى جانب الوضع حول دمشق، ربما تكون تلك التطورات قد دفعت النظام إلى استنتاج حاجته إلى القيام بعمل حاسم.
وعلى نطاق أوسع، سعى النظام منذ فترة طويلة إلى كسر الروابط بين الشعب والمقاومة المسلحة، عازلاً الثوار عن قاعدة دعمهم. ولتحقيق تلك الغاية، استخدم النظام المدفعية والطائرات والصواريخ بشكل مكثف ضد المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار. إن استخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع سيكون امتداداً منطقياً لهذه السياسة.
ما الذي حدث؟
على الرغم من الحاجة إلى تأكيد التفاصيل بشأن أنواع الأسلحة الكيميائية المستخدمة، إلا أن وسائل توصيل الأسلحة والمناطق التي تعرضت للهجوم، والإصابات، والتقارير حتى كتابة هذه السطور تشير جميعها إلى عملية كبرى تم التنسيق لها جيداً وشملت وحدات المدفعية وصواريخ أرض أرض وربما طائرات. وتعد الهجمات عن طريق الوحدات الجوية مؤشراً حاسماً على مسؤولية النظام. وهذه العملية تختلف عن أي من الحالات السابقة لاستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، والتي كانت صغيرة نسبياً في نطاقها، ومحدودة من حيث الخسائر البشرية، ومصممة في الغالب على ما يبدو للحد من مخاطر اكتشافها من قبل المراقبين الخارجيين.
ويبدو أن العملية شملت قصفاً تقليدياً شبه متزامن للعديد من مراكز المقاومة الخاضعة لسيطرة الثوار في منطقة دمشق. واستناداً إلى تقارير ناشطين، شملت المواقع المتضررة: دوما وجوبر وزملكا وعربين وعين ترما والمعضمية وسقبا وحرستا. ويقال إن غاز السارين، وهو غاز أعصاب تتسق آثاره إلى حد ما على الأقل مع تلك التي تم الإبلاغ عنها من مواقع الأحداث، قد تم استخدامه في تلك العملية، رغم أن تحديد المادة المستخدمة سوف يتطلب تحليلاً تقنياً. هذا وكانت الإصابات المبلغ عنها عالية جداً: أكثر من 1,000 قتيل وإصابة عدة آلاف آخرين [بتسمم]. ويقال إن المرافق الطبية في المناطق المتضررة قد تكاثرت فيها أعداد المرضى، في ضوء طاقتها المحدودة لعلاج الجرحى. والكثير من أولئك المصابين هم من النساء والأطفال؛ ولا يعرف عدد الضحايا في صفوف المقاتلين الثوار.
ويرجح أن تشمل الآثار طويلة الأجل تعطيلاً كبيراً في نشاط المدنيين وتحركات اللاجئين والقضايا النفسية. وفي جميع الاحتمالات، سوف تزيد الهجمات بشكل كبير من الإحساس بالضعف بين المدنيين والمقاتلين في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار في جميع أنحاء سوريا، رغم أنه لم يتقرر بعد ما إذا كان النظام سينجح في هدفه بفصل الدعم عن المقاومة. ومن جانبهم، فإن الثوار لا يمتلكون سوى قدرات محدودة للرد على الهجمات بالأسلحة الكيميائية على هذا النطاق الواسع، حيث يفتقرون إلى الوسائل الفعالة للهجوم على نوعيات قوات النظام المشاركة أو الدفاع عن أنفسهم ضد مثل هذه الأسلحة. كما أنهم لا يمتلكون أي قدرات على الإطلاق لحماية المدنيين ضد المزيد من الهجمات بالأسلحة الكيميائية. فالمدنيون ببساطة لا يمكن الدفاع عنهم في ظل تلك الهجمات.
وبالإضافة إلى ذلك، قد تكون الهجمات الكيميائية جزءاً من عملية أوسع نطاقاً في منطقة العاصمة. فقد أفاد النشطاء وجود قصف جوي ومدفعي مكثف، وكذلك هجمات برية على المناطق التي يسيطر عليها الثوار. كما أشاروا إلى أن عناصر من الفرقة المدرعة الرابعة التابعة للنظام تقوم بتحركات واستعدادات تتسق مع هجوم مخطط له. ومن الناحية العسكرية، سيكون من المنطقي بالنسبة للأسد استغلال الوضع عن طريق التحرك ضد مراكز المقاومة والدعم التابعة للثوار، في الوقت التي تواجه هذه المراكز الخلل والتعطيل وتتعامل مع الضحايا.
التداعيات السياسية
لقد كانت منطقة دمشق هي الموقع الأكثر احتمالاً لاستخدام النظام الجاد للأسلحة الكيميائية حيث إن تحقيق الانتصار في العاصمة يعد عاملاً جوهرياً. ولو ثبت بالدليل القاطع أن النظام مسؤول عن العمليات التي وقعت في 21 آب/أغسطس، فسوف يشير ذلك إلى أن الأسد وزمرته يشعرون بالضغط جراء الوضع العسكري ولا يتوخون ضبط النفس في أفعالهم. وهم على الأرجح يفهمون أن الإجراء الحاسم سيلقى الدعم - وربما حتى التشجيع بقوة - من قبل حلفائهم الإيرانيين و «حزب الله»، الذين أصبحت الحرب بالنسبة لهم مصدراً لاستنفاد الموارد والمسؤولية السياسية.
ورغم ضرورة إجراء تقييم موثق لما حدث، إلا أنه لا ينبغي الإفراط في الاعتماد عليه. فاستخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع يمثل تحدياً مباشراً وخطيراً للولايات المتحدة وحلفائها. وبغض النظر عمن قام بتنفيذ الهجمات في 21 آب/أغسطس، فإن الحكومة السورية مسؤولة عن أمن ترسانتها الكيميائية. وإذا وقعت بعض من أسلحتها الكيميائية في أيدي الثوار، فإن النظام هو المسؤول على الفور بالتصريح عن ذلك والتماس المساعدة الدولية لإزالة هذه الأسلحة من سيطرة الثوار.
ينبغي على المجتمع الدولي أن يتصرف بسرعة. كما يجب ألا يخضع رده قطعاً لفيتو النظام أو الفيتو الروسي. وبدلاً من ذلك، إذا اتضح بشكل منطقي أن النظام استخدم الأسلحة الكيميائية، يجب اتخاذ إجراءات مباشرة وجادة سواء سمحت موسكو بإصدار قرار من قبل مجلس الأمن أم لا. وهذا المسار له ما يبرره ليس فقط على أساس استخدام الأسلحة الكيميائية، ولكن أيضاً بسبب عدد الخسائر في صفوف المدنيين. ويجب أن تشمل الإجراءات المحددة ما يلي:
• تقديم المساعدة الطبية إلى المناطق المتضررة
• زيادة قدرات المدنيين الدفاعية ضد الأسلحة الكيميائية
• إنشاء نظام للإنذار عن الهجمات المستقبلية بالأسلحة الكيميائية
• تزويد الثوار بقدرات إضافية لمهاجمة قوات النظام المتورطة في عمليات الأسلحة الكيميائية
• شن هجمات عسكرية مباشرة ضد أي وحدات تابعة للنظام تورطت في تنفيذ هجمات بالأسلحة الكيميائية في 21 آب/أغسطس، وضد عناصر القيادة والتحكم والعناصر اللوجستية الداعمة لها.
• فرض منطقة حظر بري على قوات النظام في المناطق المتضررة
• تحذير النظام من أن أي استخدام آخر للأسلحة الكيميائية سوف يؤدي إلى هجمات على قيادة النظام وأهداف ذات الصلة
وإذا كان النظام قد تجاهل في الواقع تحذيرات أمريكية متكررة من أن الاستخدام المنهجي للأسلحة الكيميائية يعد بمثابة خط أحمر، فيرجح أنه سيتجاهل أي شيء لا يرقى إلى التهديد الواضح لقدرته على الحرب. وربما تكون التدابير الدبلوماسية وغيرها مفيدة كدور داعم، وخاصة في الضغط على حلفاء النظام، لكن لا يمكن الاعتماد عليها لإحداث أي تأثير حقيقي على حسابات النظام.
 
 
 

المصدر: معهد واشنطن

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,046,724

عدد الزوار: 6,749,602

المتواجدون الآن: 111