تقارير..ضرب سوريا: دروس مستفادة من التجربة الإسرائيلية......ربط الأهداف العسكرية بالأهداف السياسية الرئيسية في سوريا

تقرير الاستخبارات الفرنسية عن البرنامج الكيميائي السوري واعتداءات21 آب....تقرير: واشنطن تتجسس على حليفتها باكستان مثل عدوتيها «القاعدة»

تاريخ الإضافة الخميس 5 أيلول 2013 - 7:42 ص    عدد الزيارات 1918    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

تقرير الاستخبارات الفرنسية عن البرنامج الكيميائي السوري واعتداءات21 آب
المستقبل..مراد مراد
اصدرت الحكومة الفرنسية، أول من امس، تقرير اجهزتها الاستخباراتية الخاصة الذي يؤكد أن نظام بشار الاسد قام بهجوم كيميائي ضخم على الغوطة في 21 آب 2013 عن سابق اصرار وترصد. ووزع التقرير الذي يتالف من سبع صفحات على النواب الفرنسيين ونشرت الحكومة نصه على موقعها الكتروني.
الآتي النص الحرفي للتقرير في ترجمة رسمية:
تقرير جمعته الاستخبارات الوطنية وتم رفع السرية عنه.
1ـ البرنامج الكيميائي السوري
2ـ الحالات السابقة التي استخدم فيها النظام السوري اسلحة كيميائية
3الهجوم الكيميائي الذي قام به النظام في 21 آب 2013
تحتوي هذه الوثيقة على معلومات استخبارية جمعتها مصادر فرنسية بحتة ورفعت عنها السرية. وترتكز ايضا على تحليل تقني معمق قامت به اجهزتنا لمعلومات من مصادر متاحة، كما تشمل العناصر الاضافية التي تم جمعها بالتعاون مع شركائنا الرئيسيين.
تملك سوريا واحدة من اهم ترسانات الاسلحة الكيميائية في اطار برنامج قديم ومتنوع يخضع منذ زمن طويل لرقابة اجهزة الاستخبارات الفرنسية واستخبارات الدول الشريكة. هذا البرنامج يشكل واحدا من التهديدات الاساسية في ما يتعلق بانتشار اسلحة الدمار الشامل الذي يعد تقليصه احد اكبر الاهداف لوزارة الدفاع الفرنسية وهذا ما اعاد تأكيده مؤخرا محتوى الكتاب الابيض المخصص لشؤون الدفاع والامن القومي.
خلال المعارك الدائرة ضد المعارضة الثائرة على نظام بشار الأسد، قامت دمشق بإستخدام هذه الاسلحة ولا سيما السارين من خلال هجمات محدودة موجهة ضد شعبها وخاصة في نيسان 2013. ان التحليل الاستخباراتي الذي بين يدينا اليوم يقودنا الى اعتبار ان النظام السوري قام في تاريخ 21 آب 2013 بإطلاق هجوم على بعض الاحياء في ضواحي دمشق تسيطر عليها وحدات المعارضة، جمع خلاله بين الاسلحة التقليدية وكميات ضخمة من المواد الكيميائية.
البرنامج الكيميائي السوري
تمتلك سوريا منذ مدة طويلة ترسانة كيميائية متعددة مع الاسلحة التي يمكن تزويدها بها. وقد اعترف النظام علنا بوجود هذه الترسانة خلال تصريح ادلى به الناطق بإسم الخارجية السورية في 23 تموز 2012 واكد فيه ان "هذه الاسلحة (الكيميائية او الغير تقليدية) مخزنة وحراستها مشددة تحت اشراف القوات النظامية المسلحة". سوريا ليست طرفا في معاهدة حظر الاسلحة الكيميائية (سي اي آي سي) التي صدرت عام 1993 بخلاف 189 دولة وقعتها.
وبدأ البرنامج الكيميائي السوري في سبعينات القرن الماضي مع استيراد ذخائر كيميائية. ومنذ الثمانينات قامت دمشق بشراء المواد والمنتجات واصبح لها الدراية اللازمة لإنشاء قدرة انتاج وطنية مستقلة وضخمة في هذا المجال.
طبيعة الترسانة الكيميائية السورية
مع اكثر من الف طن من المواد الكيميائية لأغراض الحرب، تملك دمشق احدى اكبر الترسانات الكيميائية الشغالة في العالم من دون اي نية للتخلص منها بشكل ممنهج وغياب اي رغبة لدى دمشق في الانضمام الى معاهدة حظر الاسلحة الكيميائية.
الترسانة الكيميائية السورية ضخمة ومتنوعة. وهي تحتوي:
ـ مئات الاطنان من غاز الخردل مخزنة بشكلها النهائي.
ـ عشرات الاطنان من غاز الـ "في اكس" وهو الاكثر فتكا بين المواد الكيميائية التي تستخدم في الحروب.
ـ مئات الاطنان من غاز السارين وهي تشكل غالبية المخزون في الترسانة.
السارين وفي اكس هما غازا اعصاب من الفوسفات العضوية. وقد خزن قسم منهما بطريقة ثنائية بما يعني انه تم حفظهما على شكل منتجين كيميائيين يطلق عليهما اسم السلائف (اي انهما في الحالة التي تسلف وتسبق) عملية دمجهما وتجهيزهما للاستعمال. هذه التقنية والعمليات المتعلقة بها تؤكد مدى خبرة وتمكن النظام السوري من تكنولوجيا الاسلحة الكيميائية.
وقد عمل العلماء السوريون على انتاج غاز الخردل مع الازوت وايضا على انتاج غاز اعصاب من الفوسفات العضوية له تاثير سام اعلى مستوى من تأثير السارين.
الأسلحة التي يتم تزويدها بالكيميائي (الحاملات = الاسلحة التي تنقل الكيميائي معها الى الهدف)
تقوم دمشق بإستخدام الاسلحة الكيميائية بواسطة مجموعة واسعة من الخيارات العسكرية تتضمن آلاف الادوات الحربية التي يتم تزويدها بالكيميائي وهذه الخيارات هي:
ـ صواريخ من طراز "سكود سي" التي بإمكانها بلوغ اهداف تبعد 500 كيلومتر. هذه الصواريخ قادرة على حمل الخردل والسارين وفي اكس.
ـ صواريخ من طراز "سكود بي" تحمل سارين او في اكس الى بعد 300 كيلومتر.
ـ صواريخ من "طراز ام 600" مداها بين 250 و300 كيلومتر ويمكن تزويدها بأي من الغازات الثلاثة.
ـ صواريخ من طراز "اس اس 21" تم تعديلها لحمل انواع المواد السامة الثلاثة ولكنها تبلغ مدى اقصر اقصاه 70 كيلومترا.
ـ قنابل جوية مخصصة لحمل السارين وتختلف اشكالها بحسب حجمها وكل قنبلة منها قادرة على احتواء من 100 الى 300 ليتر من المادة السامة.
ـ صواريخ مدفعية ولا سيما 302 و320 ميلليمترا مخصصة لحمل السارين او الخردل او في اكس لكن مداها قصير لا يتجاوز 50 كيلومترا.
يشار الى ان بعض هذه الصواريخ قادرة على حمل مئات الليترات من المواد السامة. ورصدت اجهزة الرقابة منذ سنوات عدة وجود اشكال توزيع جديدة يتم الاعداد لها. وخاصة منذ بدء النزاع الحالي اكدت استخباراتنا استخدام النظام لذخائر تحتوي كميات قليلة من المواد الكيميائية تم تحضيرها في اطار تكتيكي لاطلاقها ضد اهداف محددة ومحصورة.
ولا يمكن استبعاد ان هذه التجارب تم ايضا خلالها استخدام مواد كيميائية اخرى تم تحويلها من الاستخدامات التقليدية الى الاستعمال لأغراض حربية.
تراتبية اصدار الاوامر والمسؤوليات
يشرف مركز الدراسات والابحاث العلمية (سي. اي. ار. اس.) على البرنامج الكيميائي السوري . وهذا المركز مكلف بإنتاج المواد الكيميائية للإستخدام الحربي. الفرع 450 من هذا المركز مسؤول عن عمليات تعبئة الذخائر الكيميائية وايضا مسؤول عن امن المواقع والمخازن الكيميائية . وهذا الفرع يتألف فقط من عسكريين من الطائفة العلوية، وتتميز هذه الوحدة العسكرية بولائها الشديد للنظام.
بشار الأسد وبعض العناصر الاكثر نفوذا من حاشيته هم الوحيدون المخولون اصدار الامر بإستخدام الاسلحة الكيميائية. الامر بعدها ينتقل الى المسؤولين عن فروع مركز الابحاث العلمية. وفي الوقت عينه على خط متواز يصل الامر الى القيادة العليا للجيش التي تحدد الاهداف والاسلحة والمواد الكيميائية المستخدمة.
هجمات كيميائيات قام بها النظام
خلال الاشهر الاخيرة تم رصد حالات استخدم فيها النظام السوري المواد الكيميائية في هجمات استهدفت مناطق تسيطر عليها المعارضة بهدف بث الرعب والتوسع الميداني. وبهذا انتهك النظام التزاماته التي تعهد بها منذ عام 1968 في ما يتعلق ببروتوكول جنيف الصادر عام 1925 الذي يحظر الاستعمال الحربي للغازات الخانقة والسامة والاساليب البكتريولوجية.
وقامت الاجهزة الفرنسية المختصة بجمع عينات بيوطبية، كالدم والبول، وعينات طبيعية، كالتراب، وعينات من بقايا الذخائر من ضحايا ومصابين ومواقع استهدفها النظام في سراقب بتاريخ 29 نيسان 2013 وجوبر منتصف نيسان 2013 . وقد اكدت تحاليل هذه العينات استخدام السارين.
في 29 نيسان نعلم ان النظام هاجم سراقب التي تقع على بعد 30 كيلومترا جنوب شرق ادلب. وقامت مروحية بالتحليق على علو مرتفع وقامت بإلقاء ذخائر صغيرة فوق المدينة يصدر منها دخان ابيض. فتأثر نحو عشرين شخصا بالمواد السامة وتم نقلهم الى المستشفيات حيث اصيب الطاقم الطبي ايضا بأعراض مشابهة بسبب تعرضهم للآثار السامة اثر احتكاكهم بالمصابين. واكدت التحاليل التي اجريت ان المادة المستخدمة في ذلك الاعتداء كانت السارين.
منتصف نيسان تعرض 40 شخصا لهذه السموم وتم اجلاؤهم من احياء شرق دمشق في مدينة جوبر. واكدت التحاليل التي قامت بدراستها اجهزتنا المختصة انه في ذلك الاعتداء ايضا كان الغاز المستخدم هو السارين.
وقد برهنت تلك الهجمات ان قوات نظام بشار الأسد اعتمدت تكتيكيا استخدام هذه الذخائر المكدسة في ترسانتها من اجل اثارة الهلع في نفوس المدنيين.
هذه الاحداث الماضية بالاضافة الى استخدام المواد الكيميائية في الهجوم الذي وقع ليلة 21 آب 2013 على الضاحية الشرقية لدمشق تؤكد اذا ان نظام دمشق تجاوز عمدا حدوده.
واجهزتنا ايضا لديها معلومات من مصادر وطنية تجعلنا نظن بان نشاطات اخرى من هذا النوع قد قام بها النظام.
الاستخدام المتعمد
والمكثف للمواد الكيميائية
ضد المدنيين في 21 آب
على اساس دراسة تقنية معمقة لـ47 فيديو تم تصويرها لأحداث 21 آب، بعد احصاء اولي لعدد الضحايا لمنطقة تلو اخرى، يوجد على الاقل 281 حالة وفاة في الغوطة الشرقية ( احياء عين طرما ودوما وعربين وجوبر وكفربطنا وكاس القلعة والزملكا ) والغوطة الغربية (حي معضمية الشام).
استخباراتنا تؤكد انه في مستشفى دوما نصف الضحايا هم من الاطفال والنساء وانه في 50 في المئة من الحالات حدثت الوفاة بشكل فوري. ويشير الاطباء الى ان كميات مكثفة من المواد السامة استخدمت في الهجوم.
وبحسب تقييمات اخرى مستقلة، كتقرير "اطباء بلا حدود" فإن عدد الوفيات يبلغ 355 ضحية على الاقل. وهناك عدة احصائيات تقنية اخرى اجريت عبر مصادر متعددة ترفع عدد الوفيات الى حوالي 1500 قتيل. ان العمل الذي قام به خبراؤنا من اجل تصور وقع هجوم كيميائي على اهالي المواقع المستهدفة يتوافق مع هذا العدد.
اضافة الى ان جثث الضحايا لا تحمل اي جروح جسدية ، فإن اعراض الاحتضار شهدت التشنج والغثيان والتقيؤ وضيق الحدقة وسيلان اللعاب وضيق التنفس والاختناق والاغماء وهي كلها علامات سريرية تؤكد استخدام مواد كيميائية. كما انه في بعض الحالات انتقلت هذه الاعراض الى الطواقم الطبية بسبب تعرض هؤلاء لهذه المواد اثر احتكاكهم بالمصابين.
مشاهدة اطفال في سن صغيرة يعانون من هذه الاعراض العنيفة (ولا سيما التشنجات) في ثمانية مواقع مختلفة يجعلنا نستخلص ان احتمال ان يكون ما جرى هو تمثيلية او خدعة قامت بها المعارضة هو احتمال ضئيل جدا. كما ان عدد مشاهد الفيديو التي صورت الوقائع وتعدد شهود العيان يستبعد تماما هذه الفرضية.
ان تدفق اعداد كبيرة من المرضى من اماكن مختلفة الى عدة مستشفيات في وقت قصير جدا والدراسات التي قمنا بها للمعلومات التي بحوزتنا، كلها عوامل تشير الى استخدام اسلحة كيميائية فتاكة جدا وتؤكد ان هجوما ضخما ومتعمدا وقع في 21 آب 2013.
لا يمكن ان يكون اعتداء 21 آب قد نفذ الا من قبل النظام السوري.
ان الهجوم الذي تم توليفه في 21 آب يتلاقى مع الاسلوب التكتيكي الكلاسيكي (تحضير مدفعية يليه هجوم بري). لكن تم استخدام المواد الكيميائية بشكل تكتيكي يتماشى مع طريقة نشر القوات النظامية ميدانيا. وهناك مصادر استخباراتية صديقة موثوقة رصدت تحضيرات معينة قام بها النظام قبل اعتداء 21 آب.
قام الطيران الحربي والمدفعية بقصف الغوطة الشرقية بالاسلحة التقليدية بين الثالثة والرابعة صباح ذلك اليوم. في الوقت عينه تعرضت زملكا وكفر بطنا وعين طرما لهجمات كيميائية. وفي الساعة السادسة صباحا قام الجيش النظامي بهجوم بري على تلك المواقع.
وتفيد مصادر عدة ان الذخائر التي استخدمت في ذلك القصف لم تكن ذخائر تقليدية. وتؤكد دراساتنا التقنية ان البقايا الضخمة للصواريخ التي استخدمت في الهجوم تدل على ان محتواها لم يكن متفجرات اعتيادية انما كانت تحمل الغازات السامة.
وبعد ذلك كثف النظام قصفه البري والجوي للمواقع التي استهدفت وقام عمدا بتأخير دخول المحققين الدوليين الى تلك المناطق لعدة ايام. هذه كلها عوامل تشير الى ارادة النظام الواضحة اتلاف اي ادلة على جريمته. اضافة الى ذلك قام جيشه بإضرام نيران في المواقع بهدف تنقية الجو من آثار الغازات.
وتؤكد استخباراتنا ان النظام كان يخشى هجوما شديد القوة من المعارضة على دمشق في تلك الفترة. وتقييمنا هو ان النظام حاول عبر هذا الهجوم تخفيف قبضة المعارضة في تلك المناطق بغرض تأمين المواقع الاستراتيجية من اجل السيطرة على العاصمة. على سبيل المثال حي المعضمية (الذي تم استهدافه بالكيميائي) يقع قرب مطار المزة العسكرية معقل اجهزة الاستخبارات الجوية.
وبدراسة المواقع التي استهدفتها الهجمات وتعتبر مواقع استراتيجية مهمة للمعارضة لا يمكن ان يكون اي طرف غير النظام هو من قام بهذه الهجمات.
اخيرا نحن نعتقد ان المعارضة السورية لا تملك القدرة على القيام بعملية بهذا الحجم مستخدمة مواد كيميائية. لا يوجد اي مجموعة في صفوف الثوار لديها القدرة في هذه المرحلة على تخزين واستعمال اسلحة كيميائية وخاصة بالحجم والكثافة التي استخدمت في هجمات 21 آب 2013 في دمشق. تلك المجموعات ليس لديها الخبرة ولا الدراية بإستخدام الاسلحة التي حملت المواد الكيميائية في اعتداء 21 آب .
 
مُطْلَق ضربة تُسقٍط النظام
المستقبل...وسام سعادة
مُطلَق ضربة، أي مهما كان حجمها، سوف تؤدّي الى سقوط النظام البعثي الفئوي الدموي في سوريا، بمجرّد أن تدمّر سلاحه الجوي المتقادم، غير النافع لشيء أساساً إلا لقتل السوريين الذين رُفِضَ تسليمهم مضادات أرض - جو، بحجة تحاشي وقوعها في أيدي تنظيم القاعدة، ليترك المجال لتسلسل دراماتيكي للحوادث إلى اللحظة الراهنة، لحظة "غاز السارين" وما بعده، واحتمال توجيه الضربة العتيدة.
وأياً كان المسار العملي الذي سيسلكه هذا الاحتمال، إلا أنّ الخطأ الأساسي في معالجة إدارة باراك أوباما للأزمة السورية يكمن في اكتفائها بتحديد استخدام السلاح الكيماوي كخط أحمر يحظّر على النظام اللجوء إليه، تحت طائلة العقاب، بدلاً من أن يكون الخط الأحمر الأول يتعلّق بسلاح الطيران السوري، الذي لا يمكن بأية حال اعتبار استخدامه في قمع ثورة داخلية، أو استخدامه في غمار حرب أهلية، شأناً "سيادياً".
لو اتخذت الإدارة الأميركية موقفاً صلباً يوم شنّت الطائرات الشيوعية الصنع غاراتها منذ الصيف الماضي، لكانت الأمور سلكت منحًى آخر، ولما كانت "جبهة النصرة" قد استشرت حالتها، ولا كان "حزب الله" غرق بكليته في النزاع السوري، دافعاً بأساسيات الوجود اللبناني إلى المجهول.
لكن الإدارة الأميركية ليست لا جمعية خيرية ولا مرجعية تحكيمية شرعية في أحوال العالم، ولذا، فهي وضعت التوقيت الذي يعني أمنها القوميَّ، والمتصل باستخدام سلاح دمار شامل من قبل نظام مارق على رؤوس الأشهاد، مع خطورة وقوع مثل هذا السلاح في أيدي "النصرة" أو "حزب الله". هي جعلت من ذلك خطاً أحمر، وأباحت ما دون ذلك للنظام البعثي. لكنّ نظاماً كهذا، عندما تطلق يده الجوية ضد المدن والقرى السورية، ثم تتظاهر بالاقتراب نسبياً من وجهة نظره في موضوع الإرهاب، فمن العبث حينها عدم توقع لجوئه إلى "المنشطّات البعثية"، أي الغازات السامّة.
لا يعني ذلك أبداً أنّ الولايات المتحدة تختار سبباً واهياً لشنّ ضربة ضد النظام السوري. إذا كانت الأسباب المباشرة للحروب تنقسم بين الواهي والوجيه، فليس هناك ما هو أكثر وجاهة من معاقبة نظام لاستخدامه السلاح الكيماوي سواء في قمع ثورة أو في خوض حرب أهلية. الحالة مختلفة عن احتلال العراق هنا، إذا ما أخذنا معيار الذريعة المباشرة. عام ألفين وثلاثة، لفّقت الإدارة الأميركية الذريعة، ونظّرت لها باسم لاهوت "الحرب العادلة" الأوغسطيني، ونظرية "الحرب الاستباقية"، وملحمية "الحرب العالمية على الإرهاب"، ومثالية "تصدير الديموقراطية". لكن السبب المباشر بقي واهياً، ومن فئة القيل والقال.
اليوم، الحالة تختلف تماماً. هناك سبب مباشر وجيه.
لكن السبب المباشر الوجيه ليس كافياً لوحده، ولأجل ذلك لا ينفع المسلك التهليلي للضربة، فضلاً عن أنه موقف يسلّف خصمه الممانع ورقة مزايدة وطنية وقومية ليس من الضرورة تسليفه إياها، حتى لو قلنا في آخر الأمر ليبلّها ويشرب ماءها.
فمن جهة، ينبغي عدم تضييع الاختلاف الأساسي بين الخط الأحمر الذي اختاره أوباما وبين الخط الأحمر الذي كان يفترض في هذه الحالة كمعيار دولي حازم: رفض استخدام سلاح الطيران في قمع ثورة داخلية أو في إطار حرب أهلية.
ومن جهة ثانية، المواقف "الوجودية" و"الوجدانية" حيال الضربة العتيدة مضيعة للوقت. الأهم منها التحوّط للتداعيات. فالسؤال هو، هل إنّ أهل الثورة في سوريا، ومشروع الاستقلال الثاني في لبنان، متحوطون كفاية لمرحلة سقوط النظام البعثي؟ كيف السبيل بالدرجة الأولى الى كف اليد الشريرة لهذا النظام في أسابيعه الأخيرة إذا ما تلقى الضربة، بدلاً من أن يجعل هكذا ضربة مناسبة لارتكاب مجازر نوعية شاملة لإجبار العالم على تقسيم سوريا؟ كيف السبيل للحؤول دون جعل الضربة لحظة تحرّك لـ"حزب الله" لمحاولة تسجيل نقاط ميدانية في الداخل اللبناني؟ كيف السبيل للحؤول دون استفادة المجموعات الأكثر تشدّداً في سوريا من الضربة على حساب المجموعات الأقرب الى التلاحم مع الأهالي؟
ليسَ صحيحاً أبداً، لا في عزّ الاستعمار الأوروبي ولا اليوم، أنّ التضامن مع المستبدّين الطغاة الشرقيين هو الموقف الوطني حين يتعرّض أحدهم لضربة أجنبية. ليس صحيحاً كذلك العكس. المعايير المثالية لا تستقيم في هذا المجال. الأولوية للمعايير النفعية شرط عدم تذويبها في عدمية وطنية من نوع التهليل للضربة الأجنبية، أو من نوع استسهال المقارنة مع الإنزال الأميركي في النورماندي إبان تحرير فرنسا. لا، ثمة فارق كولونيالي بين سوريا والغرب لا يجوز تضييعه، هذا إذا أردنا إعادة بناء سوريا كوطن.
فقبل كلّ شيء، لا وقت للتهليل، ولا للنكد والغمّ. تداعيات سقوط النظام السوري أكثر من خطيرة، وهذه التداعيات التي جعلت العالم يتردّد كثيراً حتى اليوم في إسقاطه، قد آن للسوريين واللبنانيين في مواجهة نظام النتانة المطلقة، أن يتصدّوا لها منذ اليوم.
 
مؤتمر "التحديات التي تواجه المسيحيين العرب" يفتتح أعماله في عمان والعاهل الأردني: القدس تتعرض لأبشع صور التهويد
(يو بي أي، اف ب)
رأى الملك الأردني عبدالله الثاني، أمس الثلاثاء، أن "المنطقة تواجه صراعاً طائفياً ومذهبياً وعقائدياً"، مشيراً إلى أن "القدس تتعرض اليوم لأبشع صور التهويد".
وقال الملك خلال استقباله المشاركين في مؤتمر "التحديات التي تواجه المسيحيين العرب" الذي بدأ أعماله أمس في عمان أن "منطقتنا تواجه حالة من العنف والصراع الطائفي والمذهبي والعقائدي، الذي طالما حذرنا من تبعاته السلبية التي تفرز مظاهر من السلوك الغريب على تقاليدنا وإرثنا الإنساني والحضاري، القائم على مبادئ الاعتدال والتسامح، والتعايش وقبول الآخر".
ودعا إلى "تعزيز مسيرة الحوار بين الأديان، والتركيز على تعظيم الجوامع المشتركة بين أتباع الديانات والمذاهب"، مشيراً إلى أن "المسيحيبن العرب هم الأقرب إلى فهم الإسلام وقيمه الحقيقية، وهم مدعوون إلى الدفاع عنه في هذه المرحلة، التي يتعرض فيها إلى الكثير من الظلم، بسبب جهل البعض بجوهر الإسلام، الذي يدعو إلى التسامح والاعتدال، والبعد عن التطرف والانعزال".
وتابع العاهل الاردني ان "مدينة القدس التي تتعرض اليوم، مع الأسف، لأبشع صور التهويد، شاهد عيان ومنذ أربعة عشر قرنا، على عمق ومتانة العلاقة الإسلامية المسيحية الأخوية"، مشدداً على ضرورة الدفاع عن هوية القدس العربية وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها"، ومطالباً المسيحيين العرب بـ"التمسك بهويتهم العربية".
وكان مؤتمر "التحديات التي تواجه المسيحيين العرب" افتتح أمس أعماله في العاصمة الاردنية عمان لمناقشة ابرز التحديات التي يواجهها المسيحيون في منطقة الشرق الأوسط.
وقال الأمير غازي بن محمد بن طلال، كبير مستشاري العاهل الاردني للشؤون الدينية والثقافية والمبعوث الشخصي للملك، في كلمة في افتتاح المؤتمر ان "المسيحيين العرب اصبحوا مستهدفين في بعض الدول".
واوضح ان ذلك يحدث "لأول مرة منذ مئات السنوات، ليس فقط بسبب الفتنة العمياء الصماء التي يعاني منها كل الناس في بعض الدول العربية منذ وقت ما يسمى خطأ بالربيع العربي، ولكن بالخصوص فقط لكونهم مسيحيين".
واكد ان "هذا امر مرفوض كليا، اولا: شرعا كمسلمين امام الله، وثانيا: اخلاقيا كعرب، وثالثا: شعوريا كجيران وأصدقاء وأعزاء، ورابعا: انسانيا كبشر"، مشدداً على ان "المسيحيين موجودون في المنطقة قبل المسلمين فهم ليسوا غرباء ولا مستعمرين ولا اجانب بل اهل الديار وعرب مثل المسلمين".
وتناولت الجلسة الاولى للمؤتمر الذي يشارك فيه رجال دين مسيحيون من مختلف دول الشرق الاوسط، الشؤون المصرية واكد خلالها الامونيوس الاب عادل عازر، الذي تحدث نيابة عن بابا الاقباط بمصر تواضروس الثاني، ان "هناك تحديات كثيرة ومؤلمة تواجه المسيحيين العرب".
وقال انه "على الرغم من كثرة التحديات، فان الكنيسة القبطية لا تقبل اي تدخل من اي دولة سواء كانت كبيرة او صغيرة في دولنا العربية بذريعة حماية الأقليات لان تلك الدول لا تعرف سوى مصالحها". واكد ان "الكنيسة القبطية كنيسة وطنية لا تقبل التدخل في شؤون مصر او الدول العربية"، مشددا على ان "الازهر والكنيسة هما رئتا مصر".
بدوره، قال مفتي مصر السابق علي جمعة ان "على المسلمين ان يغيروا خطابهم الديني". واضاف "لا بد من تغيير الخطاب الديني الذي يؤذي الآخر فهو ليس من ديننا ولا من اخلاقنا ولا من وطنيتنا ولا نعرفه ويجب التخلص منه".
واكد اهمية ان يتم التوافق على الدستور الذي كلف الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور لجنة من خمسين شخصا بينهم اربعة ممثلين عن الازهر الشريف ودار الافتاء المصرية بالاضافة الى ثلاثة ممثلين للكنائس المصرية الثلاث.
وقال جمعة "الدستور الذي يعد الآن يجب ان يكون توافقيا، والتوافق ينبغي ان يكون من فوق 90% وليس ان يكون 60% من الناس هم من يقرون والباقي مقهورون".
ويعد تعديل الدستور المصري، الذي تم اقراره في كانون الثاني الماضي وصاغته جمعية تأسيسية سيطر الاسلاميون عليها، احد ابرز ملامح خارطة المستقبل التي اعلنها الجيش المصري اثر عزل الرئيس الاسلامي محمد مرسي في تموز الماضي.
 
«الأطلسي»: لا يمكن تحمل وتيرة الخسائر البشرية في صفوف القوات الأفغانية
لندن، كابول - ا ف ب، يو بي آي - حذر قائد قوات حلف شمال الاطلسي في افغانستان الجنرال الاميركي جوزف دانفورد، من ان الوتيرة الحالية للخسائر البشرية في صفوف القوات الافغانية «لا يمكن تحملها».
وفي مقابلة مع صحيفة «الغارديان» نشرت، امس، صرح دانفورد ان «قوات الامن الافغانية قد تحتاج للدعم الغربي لمدة 5 سنوات اخرى قبل أن تصبح قادرة لوحدها على تولي المسؤولية كاملة».
وقال: «اعتبر هذا الامر خطيرا وهكذا يفعل كل القادة»، وذلك في معرض حديثه عن وتيرة القتلى العسكريين الافغان التي كثيرا ما تصل إلى 100 قتيل في الأسبوع. واضاف: «لا اعتقد ان هذه الخسائر يمكن تحملها».
وتابع: «الوقت سيقول لنا ما اذا كان حلف شمال الاطلسي محقا في قراره التخلي في يونيو عن الدور القتالي والانتقال الى تقديم التدريب والمشورة والمساندة للقوات الافغانية. لا اعتقد انه بالامكان معرفة الجواب اليوم».
وكان الرئيس باراك أوباما وعد بأن يتحمل الأفغان كامل المسؤوليات الامنية في بلادهم بحلول نهاية عام 2014، رغم ان جزءا من قوات حلف شمال الاطلسي سيبقى بعد ذلك التاريخ لتدريب القوات الافغانية.
واعتبر الجنرال دانفورد انه قد تكون هناك حاجة لبقاء قسم من هؤلاء الجنود حتى العام 2018.
وقال: «اعتقد ان تطور قوات الأمن الأفغانية يحتاج لما بين ثلاث إلى خمس سنوات» حتى تصبح قادرة على تحمل المسؤوليات كاملة لوحدها من دون الحاجة الى تلقي اسناد خارجي.
واوضح ان مهمة «المساعدة» التي ستتولاها القوات الاطلسية بعد 2014 قد يتطلب تنفيذها تقديم اسناد قتالي.
 
تقرير: واشنطن تتجسس على حليفتها باكستان مثل عدوتيها «القاعدة» وإيران والبرازيل والمكسيك تطلبان توضيحات من أميركا بعد اتهامات باعتراض اتصالات رئاسية

واشنطن - برازيليا: «الشرق الأوسط» .. أفاد تقرير إخباري أمس بأن الولايات المتحدة تنفق المليارات لمراقبة حليفتها باكستان تماما كما تنفق لمراقبة أعداء مثل «القاعدة» وإيران. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن الولايات المتحدة كثفت مراقبة أسلحة باكستان النووية وهي تركز خصوصا على مواقع للأسلحة البيولوجية والكيماوية فيها وتحاول تقييم مدى ولاء عناصر مكافحة الإرهاب الباكستانيين الذين تجندهم وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه).
ونقلت الصحيفة عن ملخص من 178 صفحة للعمليات السرية للاستخبارات الأميركية باسم «الميزانية السوداء» حصلت عليها من إدوارد سنودن، خبير الاتصالات الذي كشف البرامج الأميركية لمراقبة الاتصالات في العالم. ورأت أن الوثائق تكشف إلى أي مدى يصل انعدام الثقة في إطار الشراكة الأمنية المهزوزة أصلا بين الجانبين، وأن الجانب الأميركي يقوم بعمليات جمع معلومات استخبارية عن باكستان أكثر اتساعا مما تحدث عنه مسؤولون أميركيون سابقا. وتابعت الصحيفة أن الولايات المتحدة قدمت مساعدات بقيمة 26 مليون دولار إلى باكستان في السنوات الـ12 الأخيرة بهدف تحسين استقرار البلاد وضمان تعاونها في جهود مكافحة الإرهاب.
لكن بعد قتل أسامة بن لادن وإضعاف تنظيم القاعدة بدت وكالات التجسس الأميركية وكأنها تركز على رصد مخاطر برزت خارج مناطق باكستانية تراقبها طائرات أميركية بلا طيار. وقال حسين حقاني الذي كان سفير باكستان لدى الولايات المتحدة حتى 2011: «إذا كان الأميركيون يوسعون قدرات مراقبتهم فذلك يعني شيئا واحدا: العلاقة يسودها انعدام الثقة وليس عن الثقة».
في قضايا أخرى أكدت «واشنطن بوست» أن وثائق سرية أخرى حصلت عليها من سنودن تكشف معلومات جديدة عن انتهاكات لحقوق الإنسان في باكستان. ونقلت وكالات التجسس الأميركية أن مسؤولين باكستانيين كبارا في الجيش والاستخبارات كانوا على علم وربما أمروا بتنفيذ حملة واسعة من التصفيات استهدفت مقاتلين ومعارضين آخرين. واستندت هذه المعلومات إلى اتصالات جرى اعتراضها بين عامي 2010 و2012 ومعلومات استخبارية أخرى.
وكان يمكن للكشف العلني عن هذه الوثائق أن يجبر إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على قطع المساعدات للقوات المسلحة الباكستانية عملا بقانون أميركي يحظر تقديم مساعدة عسكرية لجهات تنتهك حقوق الإنسان. لكن الصحيفة أكدت أن الوثائق تشير إلى اتخاذ مسؤولي الإدارة قرارا بعدم الضغط في هذا الملف للحفاظ على العلاقة الهشة مع باكستان.
وصرحت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي كايتلين هايدن في بيان بأن الولايات المتحدة «ملتزمة بشراكة طويلة الأمد مع باكستان ونحن ملتزمون بالكامل بناء علاقة تستند إلى المصالح المشتركة والاحترام المتبادل». وتابعت هايدن: «لدينا حوار استراتيجي مستمر يعالج بواقعية الكثير من القضايا الرئيسة بيننا، من إدارة الحدود إلى مكافحة الإرهاب، من الأمن النووي إلى تعزيز التجارة والاستثمار». وأضافت أن «الولايات المتحدة وباكستان تتشاركان مصلحة استراتيجية تكمن في مواجهة التحديات الأمنية في باكستان ونواصل العمل بشكل وثيق مع قوى الأمن الباكستانية المحترفة والملتزمة من أجل ذلك».
وفي شأن آخر يتعلق بالنشاطات التجسسية المفترضة، طلبت حكومتا البرازيل والمكسيك الاثنين الماضي توضيحات رسمية من الولايات المتحدة، بعدما تحدثت قناة التلفزيون البرازيلية «تي في غلوبو» الأحد الماضي عن تجسس قامت به واشنطن على الرئيسين ديلما روسيف وإنريكي بينيا نييتو. وقال وزير الخارجية البرازيلي لويس ألبرتو فيغويريدو في مؤتمر صحافي إنه إذا صح أن الولايات المتحدة اعترضت اتصالات للرئيسة روسيف فإن هذا الأمر «يشكل انتهاكا مرفوضا للسيادة البرازيلية»، مطالبا بـ«تفسيرات رسمية مكتوبة سريعة». واستدعى الوزير البرازيلي الاثنين السفير الأميركي توماس شانون لإبلاغه بأن «الحكومة البرازيلية تريد توضيحات رسمية مكتوبة سريعة وفي أسرع وقت هذا الأسبوع» من الإدارة الأميركية.
وسئل الوزير عن إمكانية إلغاء زيارة الدولة لواشنطن التي ستقوم بها روسيف في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل تلبية لدعوة الرئيس أوباما، فأوضح أنه لن يتحدث عن هذه الزيارة حاليا.
ووفق ما بثته قناة «غلوبو» مساء الأحد الماضي، فإن الولايات المتحدة تجسست في نهاية 2012 على اتصالات الرئيسة البرازيلية والرئيس المكسيكي إنريكي بينيا نييتو حين كان لا يزال مرشحا للرئاسة. وبدورها، أعلنت وزارة الخارجية المكسيكية الاثنين الماضي في بيان أنها استدعت سفير الولايات المتحدة في مكسيكو ووجهت برقية دبلوماسية إلى واشنطن «تطالب فيها بتحقيق مفصل» حول هذه المزاعم.
وللحصول على معلوماتها، تعاونت القناة البرازيلية مع الصحافي في الـ«غارديان» غلين غرينوالد المقيم في البرازيل والذي كشف عن وثيقة كانت لدى المستشار السابق في الاستخبارات الأميركية إدوارد سنودن. وسنودن متهم بالتجسس في الولايات المتحدة ولجأ إلى روسيا. وأعلن غرينوالد أنه التقى سنودن في يونيو (حزيران) الماضي في هونغ كونغ وتسلم منه المعلومات يومها.
 
أوكرانيا تسعى للتقارب مع الغرب رغم ضغوط موسكو وخصوم يانوكوفيتش ينتقدون تقاعسه عن وضع حد للمحاكمات السياسية

كييف – لندن: «الشرق الأوسط» .. حث الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش أمس البرلمان على تمرير قوانين لتأكيد حملة أوكرانيا للتقارب مع أوروبا على الرغم من تجديد روسيا الضغط على كييف لوقف توجهها نحو الغرب. لكن سياسيين معارضين اتهموا الرئيس يانوكوفيتش نفسه بتعريض سياسة أوكرانيا المؤيدة إلى أوروبا للخطر من خلال عدم تنفيذ تعهد بإنهاء المحاكمات السياسية والالتزام بالصمت حيال خصمته اللدودة رئيسة الوزراء السابقة المسجونة يوليا تيموشينكو.
ويقول الاتحاد الأوروبي إن «محاكمة تيموشينكو لاستغلالها منصبها سياسية واستمرار سجنها قد يعرضان للخطر التوقيع على اتفاقية رئيسة للانضمام للاتحاد وللتجارة الحرة مع أوكرانيا خلال اجتماع قمة يعقد في فيلنيوس بليتوانيا في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل».
وحث يانوكوفيتش في كلمة أمام البرلمان النواب على إعداد مسودة قانون لإصلاح الهيئة القضائية وجهاز إنفاذ القانون ومكافحة الفساد للمساعدة في جعل أوكرانيا تتماشى بشكل أكبر مع معايير الاتحاد الأوروبي. وحدد الاتحاد الأوروبي الذي يضم في عضويته 28 دولة معايير للتقدم الديمقراطي الذي يقول إنه يجب على أوكرانيا أن تحققه إذا كانت ترغب في التوقيع على هذه الاتفاقيات التاريخية في نوفمبر.
وقال يانوكوفيتش: «يجب التحضير للنجاح في قمة فيلنيوس. يجب الموافقة على الوثائق المهمة لتحقيقنا تقدما أكبر في اتجاه أوروبا. هذا عمل يجب على البرلمان الأوكراني القيام به من أجل أن تكون أوكرانيا قادرة على التوقيع على اتفاقيات الارتباط والتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي».
وحتى مع سعي حكومة كييف لإقناع الاتحاد الأوروبي بأن أوكرانيا شريك ملائم للمستقبل تعرضت لضغط من روسيا أكبر شريك منفرد لأوكرانيا والتي تريد جذبها لاتحاد جمركي تقوده روسيا. وتخشى روسيا من تدفق سلع قادرة على المنافسة بشكل كبير إلى السوق الروسية إذا انضمت أوكرانيا لمنطقة للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي.
 
ضرب سوريا: دروس مستفادة من التجربة الإسرائيلية
مايكل هيرتسوغ
مايكل هيرتسوغ هو عميد (متقاعد) في "جيش الدفاع الإسرائيلي"، وزميل ميلتون فاين الدولي في معهد واشنطن، ومقره في إسرائيل. وقد شغل سابقاً منصب رئيس التخطيط الاستراتيجي لجيش الدفاع الإسرائيلي، مساعد عسكري أقدم، ورئيس موظفي مكتب أربعة وزراء دفاع.
تراقب إسرائيل [الأوضاع في حدودها الشمالية] عن كثب في الوقت الذي تمهد فيه الولايات المتحدة الطريق لتوجيه ضربة محتملة في سوريا. وعلى الرغم من إدراك المسؤولين أن ثمة رد فعل عسكري قوي ضد إسرائيل لا يمكن استبعاده من قبل النظام السوري، إلا أنهم لا يزالون يعدون العدة للتعامل مع أي احتمال أو أي أمور طارئة في هذا الشأن فضلاً عن إصدار بيانات علنية هدفها ردع بشار الأسد. وكما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأسبوع الأخير من آب/أغسطس، "إن دولة إسرائيل مستعدة لأي سيناريو. نحن لسنا جزءاً من الحرب الأهلية في سوريا، ولكن اذا ما شخصنا أي محاولة على الإطلاق لإلحاق الأذى بنا ... فإننا سنرد وبقسوة".
وفي الوقت الذي تحرص فيه إسرائيل بأن لا تظهر كمتورطة في الأزمة، فهي تتوقع أيضاً في قرارة نفسها أن تتخذ واشنطن إجراءات ذات مغزى في هذا الشأن. فبعيداً عن الأبعاد الإنسانية والمعيارية، يعتقد الإسرائيليون أن مصداقية الولايات المتحدة - بين العناصر الفاعلة المحلية والدولية - هي على المحك، خصوصاً في إيران. وسيكون تآكل قوة الردع الأمريكي سيئاً بالنسبة لإسرائيل وكذلك لواشنطن. ولذا ربما يستفيد صناع القرار والمخططين العسكريين من النظر إلى الوراء إلى التجربة الإسرائيلية الطويلة فيما يخص الضربات التي وجهتها ضد سوريا و «حزب الله» و «حماس»، والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى.
الدروس المستفادة
منذ تولي بشار الأسد السلطة عام 2000، شنت إسرائيل عدة غارات جوية جراحية في سوريا. فبين عامي 2001 و 2005، عندما كان الجيش السوري لا يزال يحتل لبنان، كان الهدف من الضربات الإسرائيلية هو الضغط على النظام لكبح جماح الهجمات الإرهابية التي ينفذها وكلاؤه. ففي تموز/يوليو 2001، على سبيل المثال، دمر سلاح الجو الإسرائيلي محطة رادار سورية في شرق لبنان في محاول (فاشلة) لردع «حزب الله». وفي تشرين الأول/أكتوبر 2003 تم توجيه ضربة عسكرية على معسكر لتدريب إرهابيين فلسطينيين بالقرب من دمشق رداً على هجوم انتحاري في إسرائيل جرى تنفيذه بتعليمات من مركز القيادة في سوريا. وقد أفادت بعض التقارير أن الهجمات الأخيرة كانت تهدف منع سوريا ووكلائها من رفع قدراتهم الإستراتيجية. وفي عام 2007، أفادت التقارير بأن إسرائيل دمرت مفاعل نووي في شرق سوريا. وفي أكثر من مناسبة هذا العام، أفادت التقارير بأن هجمات إسرائيلية استهدفت (بتحفظ) القوافل التي كانت تحاول نقل الأسلحة الإستراتيجية إلى «حزب الله» في لبنان.
ويقيناً، هناك فروق واضحة بين إسرائيل والولايات المتحدة من بينها حقيقة أن إسرائيل ليست قوة عظمى لذا فإنها لابد أن ترد وحدها وبإنكار على العديد من المواقف. ومع ذلك، يمكن للولايات المتحدة استخلاص العديد من الدروس - بعضها كانت دروساً مريرة - من مواجهات إسرائيل السابقة في سوريا.
تحقيق التوازن الصحيح عند تحديد موعد شن الضربة العسكرية.
على الرغم من أهمية القيام بالاستعدادات العسكرية المناسبة وبناء التحضيرات القانونية والسياسية والإعلامية والدعائية لأي ضربة عسكرية، إلا أن الانتظار طويلاً قد يتسبب في خلق مشاكل. فبالإضافة إلى إخراج الهجوم عن سياق سببه الأصلي، قد يعطي التأخير الطرف المستهدف وحلفاءه وقتاً ثميناً لإعداد تدابير دفاعية ومضادة. وقد يكون ذلك هو ما يحدث بالفعل في سوريا.
تحديد الهدف بوضوح.
عند التخطيط لتوجيه ضربة عسكرية، يجب على الجهة المنفذة أن تحدد أهدافها بدقة، وأن توفق بين الأهداف المنشودة مع ما يمكن تحقيقه، وأن تحدد الوسائل لتلبية تلك الغايات. فخلال الحرب في لبنان عام 2006، حددت إسرائيل في البداية بعض الأهداف غير الواقعية (مثلاً، استرجاع جنود مخطوفين) واضطرت لتعديلها في مواجهة الحقائق الخطيرة. وكانت النتيجة هي تنفيذ إستراتيجية سياسية-عسكرية تفتقر إلى الترابط والتماسك الأمر الذي أدى إلى الوصول إلى نتيجة غير مرضية.
وفي ضوء هدفها الأساسي الخاص بتعزيز مصداقية الولايات المتحدة وردعها، تستطيع واشنطن إما وضع أهداف محدودة أو أهداف إستراتيجية أوسع نطاقاً. ومن المحتمل أن يتكون الخيار المحدود من ردع النظام السوري عن أي استخدام آخر مفرط للأسلحة الكيماوية وذلك عبر فرض ثمن عقابي لأفعاله. وقد يشمل ذلك تدمير بعض من قدرات الأسد في استخدام المواد الكيميائية. ومن الممكن أن يكون الهدف من المنهجية الإستراتيجية الأوسع نطاقاً هو تغيير ميزان القوى في سوريا (وبالتالي إضعاف المحور الراديكالي الذي تقوده إيران)، والذي قد يتطلب توجيه ضربات أكثر قوة وفرض تدابير إضافية لمساعدة مجموعات بعينها من الثوار أو الإطاحة بالأسد بشكل كامل. وأياً كان الهدف المختار، ينبغي على واشنطن أن توضحه بقدر الإمكان وبالتالي تحسن من فرص استيعاب الأسد له وتتيح الفرصة لكي يفسره العالم الخارجي بصورة صحيحة.
وكما توضح التجربة الإسرائيلية، من المستحيل في العديد من الحالات تحقيق هدف واضح المعالم بضربة واحدة. فإذا اختارت واشنطن توجيه ضربة واحدة ومقيدة (التفضيل الواضح للرئيس أوباما)، فإنها ستحقق بذلك هدفاً محدوداً. ومع ذلك، فهذا ليس معناه بالضرورة تنفيذ عملية رمزية وغير فعالة، فمن خلال اختيار الأهداف المناسبة وتوجيه الهجوم بالطريقة الصحيحة تستطيع الولايات المتحدة تحقيق أهداف هامة دون مزيد من التصعيد.
تحقيق التوازن الصحيح بين الفعالية والاحتواء.
لكي يكون الهجوم فعالاً، يتعين أن تدمر الضربة المحدودة بعضاً من مصادر القوة الكبرى التي يعتمد عليها الأسد، ولدى سوريا الكثير من الأهداف الكيميائية والعسكرية ومراكز القيادة والتحكم من هذا النوع. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن يكون خيار شل حركة سلاح الجو الضعيف التابع لنظام الأسد متوافقاً مع تحقيق هدف محدود. ومع ذلك هناك نقطة معينة قد يشعر الأسد بعدها أنه مضطر للتصعيد حتى لو كان ذلك ضد مصلحته الشخصية. فعند اختيار الأهداف، قد تحتاج واشنطن أن تولي بعض الاهتمام للتأثير النفسي والرمزي لأي أعمال موجهة ضد أهداف تخص القيادة الرئيسية (إلا اذا اختارت قطع رأس الأسد). ففي حزيران/يونيو 2006، أحدثت الطائرات الإسرائيلية دوي أصوات خارقة لنطاق الصوت فوق قصر الأسد قرب اللاذقية بعد قيام فصائل فلسطينية مدعومة من سوريا باختطاف جندي إسرائيلي. ومع أن الأمر يتجاوز مسألة إذلال الأسد، إلا أن ثمة شك حول ما إذا كان ذلك الاستعراض للقوة قد أحدث تأثيراً حقيقياً على سياساته أم لا.
أخذ العواقب بعين الاعتبار.
إن الحساب الشامل لعواقب الضربة العسكرية يمثل أهمية جوهرية، لاسيما من حيث تقدير رد فعل الأسد (وحلفائه) ومن حيث الإعداد لرد فعل مضاد ووضع جميع هذه الإجراءات في سياق إستراتيجية للخروج. وكما في لعبة الشطرنج، فإن الشيء المهم هو التخطيط المسبق لبعض الخطوات. وقد فشلت إسرائيل في القيام بذلك في حرب لبنان عام 2006 - فقد كان المقصود منها في الأساس توجيه ضربة واحدة وحاسمة إلا أنها أصبحت حرباً مطولة غير متماثلة مع إستراتيجية خروج غير متسقة. وفي سوريا، ينبغي على المرء أن لا ينظر فقط إلى رد الفعل الفوري والمباشر للضربة (بما في ذلك ضد دول الجيران العربية مثل الأردن) ولكن لابد من النظر أيضاً إلى أكثر السيناريوهات احتمالاً وهو رد الفعل غير المباشر من خلال الوكلاء السوريين والإيرانيين.
التخفيف من مخاطر التصعيد العسكري.
من الممكن أن تساعد العديد من الإجراءات الرادعة في منع التصعيد بما في ذلك إرسال رسائل واضحة فضلاً عن الانتشار العسكري الواضح وحالة التأهب. فقد أعقبت الضربة التي أفادت التقارير أن إسرائيل وجهتها على المفاعل النووي السوري عام 2007، رسائل تحذر الأسد من أية ردود فعل انتقامية. كما أن الضربات العسكرية التي أفادت التقارير أن إسرائيل وجهتها هذا العام ضد عمليات نقل الأسلحة الاستراتيجية قد أعقبتها تحذيرات علنية. ويذكر أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها عن أي من هذه الهجمات، ويفترض أن ذلك يعود إلى السماح للأسد بحفظ ماء الوجه وممارسة ضبط النفس. وفي النهاية، لم تثأر دمشق، على الرغم من أنها ألقت اللوم على إسرائيل وأصدرت التهديدات ضدها. وأحياناً قد تكون الرسائل الهادئة أكثر فعالية من نظيرتها العلنية، في حين أن الرسائل المبالغ فيها ربما تأتي بنتائج عكسية.
وفي التجربة الإسرائيلية، أثبت الأسد أنه فاعل يتسم بالعقلانية (حتى لو أنه شخص عديم الرحمة). لقد تم ردع الأسد من الرد على الضربات الأخيرة والسابقة لأنه لم يكن راغباً لأن يستدعي عواقب القوة العسكرية الإسرائيلية. ولذلك، فإن أمام الولايات المتحدة فرصة جيدة لردعه أيضاً. غير أنه للقيام بذلك، ينبغي على واشنطن أن تكون مستعدة لمعاودة الهجوم على سوريا عسكرياً حال اتجاه الأسد نحو التصعيد عقب توجيه ضربة أمريكية أولية. يتعين على الأسد أن يكون على يقين بأنه سيدفع ثمناً أكثر إيلاماً - بما في ذلك اتخاذ إجراءات أمريكية أوسع نطاقاً من شأنها أن تهدد حكمه - إذا لم يلتفت إلى رسائل الردع. وبعبارة أخرى، فإن توجيه ضربة عسكرية محدودة وفعالة يتطلب المخاطرة وفي هذه الحالة هناك فرصة جيدة بأن يرتدع الأسد أولاً ويغض الطرف عن ذلك الهجوم.
توقع ما هو غير متوقع
كما هو الحال مع أي استخدام للقوة، ينبغي على المرء أن يستعد دائماً أن ذلك قد يسفر عن حدوث عواقب غير مقصودة مثل وقوع خسائر في صفوف المدنيين أو خطأ في الحسابات. على سبيل المثال، في نيسان/أبريل 1996، أدى إطلاق بطارية مدفعية إسرائيلية على قرية قانا في جنوب لبنان إلى مقتل أكثر من 100 مدنياً بطريق الخطأ خلال عملية "عناقيد الغضب" - الحملة التي كانت تهدف إلى انهاء إطلاق صواريخ «حزب الله» من لبنان. وبالإضافة إلى ارتكابها خطأ مأساوياً، اضطرت إسرائيل إلى وقف العملية في وقت سابق مما كان مخططاً له.
عند النظر في استخدام القوة العسكرية، لابد من الاعتراف إذاً بخطورة مسار الأمور في الاتجاه الخاطئ وإخراجها عن نطاق السيطرة. ومع ذلك، توضح التجربة الإسرائيلية مع الهجمات التي استهدفت الأراضي السورية أن التحليل والتجهيز الدقيق والشامل من الممكن أن يسهل من مواجهة تلك الأخطار والتعاطي معها.
 
ربط الأهداف العسكرية بالأهداف السياسية الرئيسية في سوريا
تشاندلر أتوود و مايكل نايتس
الرائد تشاندلر أتوود، من السلاح الجوي الأمريكي، هو زميل عسكري زائر في معهد واشنطن. مايكل نايتس هو زميل ليفر في المعهد ومقره في بوسطن. الاستنتاجات و الآراء الواردة في هذه الوثيقة هي آراء المؤلفيْن، ولا تعكس الموقف الرسمي لحكومة الولايات المتحدة أو وزارة الدفاع أو القوات الجوية الأمريكية أو الجامعة الجوية
في الوقت الذي تتجه فيه واشنطن نحو اتخاذ إجراءات عقابية ضد سوريا، من المفترض أن تأخذ العملية العسكرية المترتبة على هذا التحرك أحد مسارين: إما توجيه ضربات عسكرية رمزية تهدف إلى استعادة المصداقية حول تصريحات الولايات المتحدة المتعلقة بـ"الخط الأحمر" أو أن تكون محاولة جادة لتحديد نوايا نظام الأسد وقدراته العسكرية. وإذا اتجهت الأحداث نحو المسار الأخير، فإن عملية اختيار الأهداف وتحديدها يجب أن تكون قائمة على مناقشات دقيقة للأهداف الإستراتيجية والنتائج المبتغاة. فعلى أقل تقدير، ستكون النتيجة المرجوة على الأرجح للعمل العسكري الذي تقوم به الولايات المتحدة وحلفائها هي ردع أي استخدام مستقبلي للأسلحة الكيميائية. غير أنه يمكن تلمس مجموعة كبيرة من النتائج واسعة النطاق أثناء انخراط الجيش الأمريكي في العمل العسكري مثل الحد من هجمات النظام على المدنيين عموماً، أو اعتراض طريق المساعدة المقدمة من الوكلاء الشيعة المدعومين من قبل إيران (على سبيل المثال، «حزب الله»)، أو حتى وقف الهجمات التي يشنها نظام الأسد فضلاً عن تعزيز وقف إطلاق النار.
ضرب أهداف الأسلحة الكيميائية فقط ؟
هناك بعض المزايا في الحفاظ على التركيز التام على الأهداف المتعلقة بالأسلحة الكيميائية في أي عملية عسكرية يتم توجيهها، بما في ذلك الربط الواضح بين العقاب والجريمة في عيون النظام والمجتمع الدولي والشعب الأمريكي. ومع ذلك فإن الخيار الأمثل - وهو القضاء على قدرة النظام على شن هجمات بالأسلحة الكيميائية عبر التخلص من مخازن الأسلحة الكيميائية أو أنظمة التوصيل - يرجح ألا يكون عملياً خارج إطار الظروف العامة للحروب.
ففي بادئ الأمر من المرجح أن يقوم النظام بإجراءات دفاعية مثل إخلاء ميادين المعارك ونقل مخزونات الأسلحة الكيميائية بشكل متكرر مما يجعل من الصعب للغاية العثور عليها واستهدافها دون غطاء جوي أمريكي كامل لإتاحة حرية الحركة الكاملة من أجل جمع معلومات إستخباراتية بشكل مستمر في المجال الجوي السوري. كما أن الدليل القاطع على استئصال الأسلحة الكيميائية سيتطلب أيضاً الدفع بجنود أمريكيين على أرض المعركة أو القيام بعمليات تفتيش دولية غير مقيدة. وبالإضافة إلى ذلك، يرجح أن يتم إحباط الجهود المبذولة لتدمير معظم أو جميع أنظمة تسليم الأسلحة الكيميائية التابعة للنظام باستخدام الأعداد الكبيرة من قطع المدفعية وقاذفات الصواريخ والقذائف وسلاح الجو في سوريا، والتي تشكل في مجملها مجموعة أهداف معقدة جداً وموزعة توزيعاً جغرافياً.
ضرب وحدات عسكرية
إذا لم يكن بمقدور الولايات المتحدة القضاء على قدرات الأسلحة الكيميائية لنظام الأسد، فإن جميع الخيارات البديلة تبقى في المناطق الضبابية التي تتمثل في الاستهداف القسري الذي يُقصد منه ردع الاستخدام المستقبلي للأسلحة الكيميائية. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن تسعى واشنطن إلى إعادة صياغة حسابات النظام عبر الانتقام المباشر من الفرقة المدرعة الرابعة المتمركزة في دمشق - وهي الوحدة المسؤولة عن الهجوم بالأسلحة الكيميائية في 21آب/أغسطس. وقد تشمل الأهداف المحددة مقرات الفرق العسكرية وأماكن ركن المركبات العسكرية وأنظمة توصيل الأسلحة الكيميائية (القذائف والمدفعية والصواريخ).
وسيكون من الصعب الهجوم على مجموعة أهداف متفرقة، بيد أنها لا تزال تقع ضمن إطار القدرات الأمريكية وبدرجة خطورة منخفضة إلى متوسطة. كما تبدو شبكة الدفاع الجوي السوري قوية من الناحية النظرية ومن الواضح أنها تقدم درجة كبيرة من الحماية، بيد إن ذلك ليس ضرورياً في الواقع. فعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، شنت إسرائيل غارات جوية في الداخل السوري كانت مباغتة للنظام ولم يتم التصدي لها بفعالية، وشملت هجمات استهدفت منشآت الفرقة الرابعة المدرعة بالقرب من دمشق. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة فقدت عنصر المفاجأة الإستراتيجية، إلا أن طائراتها المقاتلة من الجيل الرابع وغيرها من مصادر القوة الأخرى تستطيع أن تحقق تفوقاً جوياً داخلياً، وتدمر الدفاعات الجوية للعدو، وتعترض طريق القوات الميدانية وأنظمة الأسلحة الكيميائية في المناطق المحددة. وتحمل هذه الطائرات رؤوساً استكشافية عالية الدقة فضلاً عن العديد من القنابل صغيرة القطر والتي تساعدها الأقمار الصناعية وتعتبر مثالية "لاستهداف" صواريخ العدو الفردية وقاذفات الصواريخ والمركبات فضلاً عن استهداف المخازن والمستودعات على نطاقات ممتدة خارج نطاق مناطق الاشتباك بصواريخ أرض - جو. وبطبيعة الحال، لا يمكن استبعاد إمكانية حدوث أي أضرار جانبية وسقوط ضحايا بين المدنيين نظراً لأن بعض عناصر الفرقة المدرعة الرابعة تتمركز في المناطق الحضرية على مشارف ضواحي دمشق.
ومن الممكن أن تصيب واشنطن النظام من خلال توجيه ضربات حاسمة لإحدى الوحدات الأكثر أهمية بالنسبة للأسد، وهي اللواء مائة وخمسة وخمسين الكائن في وسط دمشق الذي يقوده شقيق بشار، ماهر الأسد. وسوف يتأكد عزم وإصرار الولايات المتحدة من خلال توجيه ضربة عسكرية كبيرة إلى دمشق باستخدام أسلحة توجهها عناصر عسكرية بدلاً من الاقتصار على صواريخ كروز. فمثل هذه المنهجية ستؤكد للقيادة في سوريا أن القوات الأمريكية ترغب في "الدخول إلى وسط المدينة" ونحو المراكز الدفاعية للنظام الأكثر قوة منذ اليوم الأول لتوجيه هذه الضربة. كما من الممكن أن تدفع نخبة النظام إلى الهرب من العاصمة، وتعزز الروح المعنوية للمتمردين، وتفتح أفاقاً جديدة لتقدم الثوار نحو دمشق.
استهداف أوسع نطاقاً
إذا كانت الحكومة الأمريكية على استعداد لتوسيع قائمة أهدافها، فمن الممكن أن تشير إلى جوانب تخوف الولايات المتحدة مع إفساح الطريق أمام توجيه ضربات تتابعية إذا لزم الأمر. ورغم أن استهداف القيادة المركزية من المحتمل أن يلحق الصدمة الأكبر، إلا أنه من الصعوبة بمكان القيام بذلك على نحو دقيق ومحكم. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي هذا إلى القضاء غير المقصود (لكن المتعمد على ما يظهر) على القيادة أو فشل ملحوظ يفضي إلى "التوحد خلف علم البلاد" مما يجعل القيادة تبدو بطولية ومن ثم تصبح الضربات الأمريكية ضعيفة التأثير. كما أنه من الصعوبة بمكان أيضاً قمع عناصر مثل المنافذ الإعلامية التابعة للنظام، كما كان عليه الحال خلال "عملية حرية العراق" و "عملية القوة المتحالفة في كوسوفو".
ومع ذلك، فقد يكون من المفيد مواجهة بعض الأهداف الرمزية المرتبطة بالهجمات التي يشنها النظام ضد المدنيين، لاسيما مقرات استخبارات القوات الجوية والقواعد الجوية العسكرية في ضمير وسيكال وتياس وحماة ووحدات "الجيش الشعبي" الجديدة التي تمولها إيران ويدربها «حزب الله». كما قد يكون من المفيد أيضاً استهداف أنظمة الدفاع الجوي المتنوعة ومرافق الاتصالات الآمنة من أجل جعل الهجمات المتتابعة أقل خطورة بالنسبة للقوات الأمريكية.
التداعيات على السياسة الأمريكية
إذا كانت الضربة العسكرية أكثر من مجرد خطوة رمزية، فإن القادة الأمريكان بحاجة إلى الموافقة على استهداف بعض النقاط التي من شأنها أن ترسل أكثر الرسائل التهديدية الممكنة لنظام الأسد. إن نجاح الضربة العسكرية يصبح أكثر رجحاناً إذا فاجأت واشنطن النظام السوري، من خلال الاستعداد للتعاطي مع مخاطر أكبر من المتوقع، أو من خلال التسبب في أضرار كبيرة غير متوقعة من شأنها أن تحول ميزان القوى الداخلي ضد الأسد خلال معركة ميدانية حاسمة. ومن الممكن أيضاً أن تمثل هذه الضربة فرصة أفضل للتأثير على سلوك النظام إذا مهدت الطريق لتنفيذ عمليات متتابعة.
كما أن عمليات الحصول على المعلومات عقب الهجمات ستكون مهمة بنفس قدر أهمية الضربات نفسها. كما أنه من المهم عرض أسباب القيام بضرب بعض هذه الأهداف إذا كانت واشنطن ترغب في التأثير على النظام السوري. فعلى سبيل المثال، من خلال الإشارة إلى أنهم يريدون توفير المزيد من الحماية للمدنيين السوريين بصفة عامة، فإن المسؤولين الأمريكيين قد يقنعوا النظام بأن يضع في اعتباره أن بعض الأساليب (على سبيل المثال، الهجمات الكيماوية) محظورة. كما أن مسألة تكوين تحالف لتنفيذ ضربات تتابعية أكبر ستمثل قيمة كبيرة حيث إن القيام بضربة جوية متكاملة الأركان - وهو تهديد رئيسي من المحتمل أن يتطور - سيتطلب توافر قاعدة جوية كبيرة مكونة من عدد كبير من الحلفاء.
وإجمالاً، يحتاج نظام الأسد إلى أن يدرك أن الهجمات الأمريكية ربما لا تمضي بشكل خطي أو يمكن التنبؤ به. وبعبارة أخرى، ينبغي على واشنطن منع الأسد من أن يقرر أنه يستطيع بصورة انتقائية مقايضة هجمات عارضة بالأسلحة الكيميائية مقابل الحد من الضربات العسكرية الأمريكية - وتلك مقايضة ربما يكون النظام على استعداد لتحملها. وبدلاً من ذلك، يتوجب إقناع نظام الأسد أن أي ضربة عسكرية أمريكية تعتبر بمثابة الخطوة الافتتاحية لحملة أوسع نطاقاً لا يستطيع أحد سوى النظام السوري إيقافها من خلال تغيير سلوكه.
 
 
 
.
 
 
 
 

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,265,716

عدد الزوار: 6,984,765

المتواجدون الآن: 68