استراتيجية أوروبا تجاه الصين هشة بامتياز..

تاريخ الإضافة الجمعة 9 نيسان 2021 - 9:11 م    عدد الزيارات 1013    التعليقات 0

        

استراتيجية أوروبا تجاه الصين هشة بامتياز...

الجريدة....كتب الخبر بوليتيكو.... يُعتبر الرأي العام قوة مؤثرة جداً في الصين وأوروبا، وإذا هاجمت بكين شرائح واسعة من الرأي العام الأوروبي، فلا مفرّ من أن تُمهّد الاضطرابات والتناقضات الكامنة في استراتيجية الانفراج المتشعبة لنشوء تحالف عدائي، ويثبت نجاح الصين في تأجيج السخط العام، تزامناً مع زيادة الانقسامات في أوروبا، مدى هشاشة التوازن في أوروبا. لجأت الولايات المتحدة إلى استراتيجيتها التقليدية الكبرى للتعامل مع بكين بهدف الحفاظ على تفوّقها، وفي المقابل، يطبّق الاتحاد الأوروبي نهجاً متعدد المسارات وأقل تماسكاً، لكنّه أكثر تناسباً مع الوضع القائم، لكنّ تحركات الصين الأخيرة قد تدفع الأوروبيين إلى الاصطفاف مع الولايات المتحدة بالكامل، وهي خطوة مؤثرة وخطيرة في آن. ولتحليل الظروف المستجدة، يكفي أن نفكر بوضع العالم في ديسمبر 2020، إذ خرجت الصين بكل قوّة من صدمة فيروس كورونا، في حين غرقت الولايات المتحدة بفوضى غير مسبوقة غداة الانتخابات الرئاسية، وكانت إدارة ترامب قد سمحت بخروج الوباء عن السيطرة محلياً. أما الاتحاد الأوروبي، فكان يعمل على طرح «حزمة الجيل المقبل» لإطلاق مسار التعافي الاقتصادي، وفي آخر خطوة اتخذتها زعيمة أوروبا الحقيقية أنجيلا ميركل، أيّدت المستشارة الألمانية الاتفاق الشامل حول الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين، بدعمٍ من حلفائها في المفوضية الأوروبية.

حرب اقتصادية في الأفق

أصبح هناك مفهومان استراتيجيان مختلفان على المحك في طريقة التعامل مع الصين، فمنذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، تقضي نزعة متزايدة بالجمع بين مجالات سياسية مختلفة (التجارة، والاستثمارات، والتكنولوجيا، والسياسة الأمنية، والحقوق) ووضعها في خانة المنافسة الجيوسياسية، وقد ترسخت هذه النزعة بدرجة إضافية خلال عهد دونالد ترامب. وقد طغى مفهوم المنافسة بين القوى العظمى على النقاشات الأميركية بكل وضوح في المساحة التي يسمّيها الأميركيون منذ عام 2017 منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. واعتباراً من ربيع عام 2020، اتخذت هذه المنافسة منحىً دراماتيكياً، وأصبحت أقرب إلى نسخة أيديولوجية من الحرب الباردة، حتى أن العقوبات التكنولوجية الأميركية قد تكون مرادفة لإعلان حرب اقتصادية. وتبدي إدارة بايدن استعدادها للتعاون مع الصين في مسائل مثل التغيّر المناخي، لكن إذا استمرت الضوابط المفروضة على تصدير معدات صنع الرقائق والعقوبات ضد شركات مثل «هواوي» و»سميك» و»دي جي آي»، سيوحي الوضع أن الولايات المتحدة تسعى إلى الحد من التطور الصناعي الصيني، حتى أنها تقوم بذلك انطلاقاً من اعتبارات الأمن القومي، وهذا الوضع يعيق تقدّم الصين ويتعارض مع طموحاتها باكتساب مكانة مهمة في عالمٍ يتأثر بتاريخ الصين ومكانتها الاقتصادية راهناً ومستقبلاً. تتسم الاستراتيجية الأميركية بتماسكها القوي، فهي عبارة عن رؤية كلاسيكية لاستراتيجية كبرى تليق بمكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى، لكنها تشمل في الوقت نفسه جانباً شائكاً، فقد بدأ المجمع الصناعي العسكري الأميركي يشبه نظيره في الصين. هذه الظاهرة ليست جديدة، فقد كان الرئيس دوايت أيزنهاور قلقاً من هذه المسألة خلال الخمسينيات غداة الحملة المكارثية، وقد حذّر حينها من نشوء مجمع صناعي عسكري ودولة حامية.

مقاربة أوروبية متعددة المسارات

في ظل احتدام المواجهة مع الصين خلال القرن الواحد والعشرين، تتعارض عودة الولايات المتحدة إلى استراتيجيتها الكبرى الكلاسيكية حتى الآن مع جهود الاتحاد الأوروبي لصياغة سياسة معيّنة تجاه الصين، واستناداً إلى الوثيقة السياسية التأسيسية عام 2019، ترتكز تلك المقاربة على رفض منطق التوليف والربط الأميركي، لكن الاتحاد الأوروبي قرر، وسط ذهول عدد كبير من المعلّقين الأميركيين، اعتبار الصين شريكة محتملة ومنافِسة بارزة، ووضعها في مصاف الخصوم المنهجيين، لكنّه لم يسمح لأي جانب من هذه العلاقة بالتأثير على الجوانب الأخرى. تتماشى مسودة الاتفاق الاستثماري المبرم في ديسمبر 2020 مع هذا الموقف على أكمل وجه، وتفتح المجال أمام حصول تعاون مستقبلي وتعزيز المنافسة التجارية العادية من دون فرض شروط مفرطة، باستثناء التزام الصين بواجباتها كعضو في منظمة العمل الدولية، إنه مجرّد تلميح للمخاوف المرتبطة بالسخرة إذاً. وبضغطٍ من النقاد غير المقتنعين بذلك الاتفاق، أصرّت برلين وباريس على أن دعم الاتفاق الاستثماري لا يمنع اتخاذ موقف صارم في ملفات أخرى يعتبرها الأوروبيون شائكة، منها النظام القمعي في «شينغيانغ» أو قمع الحريات في هونغ كونغ. ويشكّل هذا الموقف جزءاً من المقاربة الأوروبية المتعددة المسارات، وبعبارة أخرى، لا يمنع التعاون في أحد المجالات الاعتراف بوجود اختلافات واضحة بين الطرفين أو التصادم في مجالات أخرى، حتى أن التمسّك بمواقف متنوعة قد يكون ضرورياً لضمان شرعية العلاقات الثنائية ككل. وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية أحداثاً تُجسّد هذا المنطق على أرض الواقع، لكن هل تستطيع الصين تحمّل هذه التعقيدات؟ يُفترض ألا يتوقع النظام الصيني من الغرب الترحيب بمرتكبي جرائم ضد الإنسانية. ويجب ألا يتوقع حصول أي تعامل بين منظماته الأمنية والغرب، قد لا تحبذ بكين هذا الوضع، لكن من الأفضل أن تعتبر العقوبات المقترحة حتى الآن مجرّد مبادرة رمزية ومحدودة، فهي لا تستهدف كبار القادة الصينيين، مع أنهم المسؤولون عن الارتكابات في «شينغيانغ». أما إذا ردّت بكين عبر استهداف النواب الأوروبيين والمنظمات البحثية الأوروبية، فيجب أن تتحمّل مسؤولية توسّع الصراع. ويُفترض ألا تفاجأ حينها بتعليق الاتفاق الاستثماري وتقرّب الاتحاد الأوروبي من الولايات المتحدة نتيجة احتدام الصراع. بكين هي التي تسعى إلى فرض ظروفٍ يحاول الأوروبيون المدافعون عن سياسة الانفراج تجنّبها.

إلى أين تتجه المرحلة المقبلة؟

في الوقت الراهن، يأخذ المعسكر الذي يفضّل خوض المواجهة المبادرة على طرفَي المحيط الأطلسي، ونظراً إلى تكتيكات الصين المبنية على المضايقات المستمرة، من المنطقي أن تتماشى مقاربة أوروبا مع توجّه الولايات المتحدة وشركائها الآخرين، ويجب أن تتلقى بكين رسالة واضحة: إذا أرادت التعامل مع أوروبا، يُفترض أن تعترف بالنظام السياسي الأوروبي وتحترم طريقة عمله والحدود التي يفرضها والفرص التي يقدّمها بناءً على التزامه الجدّي بحُكم القانون وحماية حقوق الملكية ومسائل مهمة أخرى. قد يؤثر الخطاب الهجومي المرتبط بـ «قرن الإهانة» على الرأي العام الصيني طبعاً، لكنه غير نافع في أوروبا، ويجب أن تعترف الصين بهذا الواقع المزعج. وعلى عكس وضع الأوروبيين مع إفريقيا، فمن المعروف أن أوروبا لا تشعر بالذنب تجاه الصين، قد لا يكون هذا الوضع عادلاً، لكنّه جزء من الواقعية السياسية. في المقابل، يجب أن تعترف أوروبا أيضاً بحدود قدرتها على المساومة، ولا شك في أن الدفاع عن قيم أوروبا ضروري وغير قابل للتفاوض، لكنّ أي ادعاء أوروبي بـ «تغيير» وجهة التطور الصيني بطريقة جذرية هو موقف سخيف بكل بساطة. قد تقرر بكين مثلاً أن «تصلح» عملية إنتاج القطن في «شينغيانغ» وقد تخفف نطاق النظام القمعي في هونغ كونغ، لكنّ هذه الخطوات لن تغيّر موقفها الاستراتيجي الأساسي في هذين الملفين. سيرحّب الرأي العام في أوروبا بإطلاق جهود جماعية بين الدول الأوروبية للتصالح مع الإرث التاريخي للإمبريالية الأوروبية في الصين، وقد تسهم هذه الخطوة في توعية الرأي العام وتليين مواقف المتشددين في المعسكرَين، لكن يخطئ من يتوقع أن يتقرب الرأي العام الأوروبي يوماً من النظام الصيني الذي لا يشبهه في شيء، ولا يمكن إغفال حجم الشكوك وانعدام الثقة ومشاعر البغض الكامنة بين الطرفَين. نتيجةً لذلك، ستحاول الشركات التي تقرر كسب المنافع في السوقَين معاً التعامل مع درجات متفاوتة من الشكوك والمعايير الأخلاقية تزامناً مع مراعاة حاجات المستهلكين الصينيين واحتمال تضرر سمعتها بضغطٍ من المنظمات الغربية غير الحكومية. وإذا كانت هذه المقاربة تعني تراجع كميات الملابس التي تُباع في الغرب وتكون أقل كلفة ومصنوعة من قطن «شينغيانغ»، سيكون الثمن الذي تدفعه الصين صغيراً نسبياً. لكن هل ستطغى هذه الصراعات على الأجندة الأوروبية كلها؟ يثبت الاقتراح الأوروبي بدعم الاتفاق الاستثماري في ديسمبر الماضي أن تلك الخلافات لن تؤثر على المسار المعمول به. لكن تجازف ردود الأفعال المفرطة من الجانب الصيني بدمج مختلف المسائل ومنع أي تقدّم في الملفات الأخرى، حتى أن هذا النهج قد يؤدي إلى دعم الموقف الأميركي بالكامل. سيكون هذا التوجّه خطيراً.

درس مهم

هذه الاستراتيجية المتشعبة تبدو هشة بامتياز، إذ يُعتبر الرأي العام قوة مؤثرة جداً في الصين وأوروبا، وإذا هاجمت بكين شرائح واسعة من الرأي العام الأوروبي، فلا مفر من أن تُمهّد الاضطرابات والتناقضات الكامنة في استراتيجية الانفراج المتشعبة لنشوء تحالف عدائي، ويثبت نجاح الصين في تأجيج السخط العام، تزامناً مع زيادة الانقسامات في أوروبا، مدى هشاشة هذا التوازن. هذا الصراع ليس جامداً، فقد أطلقت أوروبا محاولات جديدة كي تصبح لاعبة مؤثرة على الساحة العالمية، وبدأت الجهات الأخرى تتعلم كيفية التفاعل معها. لقد اتضحت هشاشة الاستراتيجية الأوروبية الكبرى اليوم، فهي لا تتمتع بالاستقلالية التي تُميّز الآلية السياسية الأميركية، ومن الأصعب تطبيقها مع الصين على وجه التحديد. قد يكون هذا التقييم مُحبِطاً بنظر الخبراء الاستراتيجيين في أوروبا، لكنّه يعكس البنية السياسية الفريدة من نوعها في الاتحاد الأوروبي. تُعتبر استراتيجية الانفراج المتشعبة مقاربة اعتيادية في أوروبا، لكنها تتأثر بوجهة الرأي العام والبنى الديمقراطية الناشطة على مستويات مختلفة، ولا ضير من أن تتعلم القوى العالمية الأخرى هذا الدرس المفيد.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,139,214

عدد الزوار: 6,756,420

المتواجدون الآن: 118