فيروس كورونا في الكويت: كيف يمكن أن يكون محفّزاً للإصلاحات؟...

تاريخ الإضافة الأربعاء 3 حزيران 2020 - 1:46 م    عدد الزيارات 1299    التعليقات 0

        

فيروس كورونا في الكويت: كيف يمكن أن يكون محفّزاً للإصلاحات؟...

بدر السيف....

مركز كارنيغي...المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية....

ملخّص: كانت الكويت تُعرَف بأنها "لؤلؤة الخليج" قبل أن تتعرض إلى أزمة كبرى بسبب الاحتلال العراقي في 1990-1991. لكن الآن، تتيح أزمةٌ ثانية فرصة ذهبية للبلاد كي تجري إصلاحات للعديد من الإشكاليات القائمة وتستعيد مكانتها المعهودة....

انقضت المئة يوم الأولى من عمر حكومة رئيس الوزراء صباح الخالد الصباح، الحكومة السادسة والثلاثون في الكويت، من دون كثير من الصخب. وهنا، يستطيع رئيس الوزراء الجديد أن يلقي باللائمة على فيروس كورونا المستجد وأن يشكره في آن. إذ على الرغم من أنه أُريد لهذه الحكومة أن يكون عمرها قصيراً إلى حين إجراء الانتخابات النيابية المقبلة في خريف 2020، ضخّ الوباء حياة جديدة في السلطة التنفيذية وساهم في تعزيز مكانة رئيس الوزراء الجديد، وحوّلها من حكومة كانت تترنح تحت وطأة الاستجواب في مجلس الأمة وتقديم وزيرَين فيها استقالتهما المبكرة، إلى حكومة أزمة فعالة، أي خلية عمل تنشط على مدار الساعة من أجل التصدي للوباء المتفشي. بيد أن أسلوب إدارتها يتعرّض إلى التشكيك على نحوٍ متزايد، ولاسيّما مع فرض حظر التجوال الشامل على نحوٍ مفاجئ وموجة التفشي السريع لفيروس كورونا مؤخراً في 35 حياً سكنياً عبر الجمعيات التعاونية الموجودة فيها. ونظراً إلى طبيعة الأزمة، جاء عدد كبير من القرارات بمثابة ردة فعل أو استجابةً لاحتياجات قصيرة الأمد. وبعدما امتّصت الحكومة الكويتية الصدمة الأولية، وفيما تستعد لإعادة فتح البلاد تدريجياً، قد يكون الأجدى بها اعتماد استراتيجيات متوسطة وطويلة الأمد، وسياسات أكثر ارتكازاً على الأدلة بما يتماشى مع الثقافة التشاركية في البلاد، هذا إذا كانت ترغب في تجنّب العودة إلى ممارسة السياسة على الطريقة المعتادة.

كانت الكويت من أولى الدول التي سجّلت إصابات بفيروس كورونا في المنطقة، نظراً إلى قربها الجغرافي من إيران التي كانت في البداية بؤرة للوباء في الشرق الأوسط. وقد اتخذت الحكومة خطوات جريئة عدة لمكافحة انتشار الفيروس واحتوائه. وتشمل هذه الإجراءات إغلاق الحدود باكراً ووقف الرحلات؛ وإغلاق أماكن التجمعات (المدارس وأماكن العمل والمساجد والمراكز التجارية)؛ وفرض حظر تجوال جزئي (من 11 ساعة إلى 16 ساعة)؛ وفرض حظر شامل لمدة 21 يوماً منذ 10 أيار/مايو؛ وعزل مدينتَين يُشتبَه في انتشار العدوى فيهما على نطاق واسع؛ وقيام وزارة الصحة يومياً بتقديم إحاطات صحافية وإطلالة العديد من الوزراء في مؤتمرات صحافية على نحوٍ منتظم وغير مسبوق؛ وإطلاق حملة تبرعات وطنية؛ وإجراء فحوصات عشوائية يومياً؛ وتسيير رحلات لإجلاء نحو ثلاثين ألف كويتي في الخارج مجاناً، وهي أكبر عملية إجلاء في تاريخ الكويت.

جميع هذه السياسات وغيرها هي نتيجة العمل الحكومي التفاعلي. فالحكومة في حالة تأهّب قصوى وتعقد جلسات بصورة مستمرة. ولدى الإعلان عن تسجيل الإصابات الأولى في 24 شباط/فبراير، شكّلت الحكومة لجنة عليا لمكافحة فيروس كورونا. وقد انبثق عن هذه اللجنة التي تتمثّل فيها أجهزة عدة ست عشرة لجنة مكلّفة العمل على تحقيق أهداف محددة في ميادين التربية، والاقتصاد، والدعم في مجال تكنولوجيا المعلومات، والأمن الغذائي، وإجلاء المواطنين الكويتيين في الخارج، وما إلى ذلك. وقد ساهمت هذه الخطوات في استعادة عدد كبير من الكويتيين ثقتهم بالسلطة التنفيذية، وكانت موضع ثناء من منظمة الصحة العالمية. لكن ثمة حاجة إلى بذل جهود إضافية لتمتين المقاربة التي تعتمدها البلاد في التعاطي مع الجائحة، ولاسيما أن الوباء يواصل التفشي وتواجه الحكومة خطر الإنهاك. وفي هذا الصدد، من شأن التوصيات الخمس الآتية أن تشكّل انطلاقة جيدة في السياسة العامة:

زيادة الشفافية. لقد أبلت الدولة بلاء حسناً في نشر المعلومات مقارنةً بالدول المجاورة لها، إنما لايزال يجب بذل مزيد من الجهود. لا تتوافر معلومات كافية عن الإنفاق العام لمكافحة الجائحة؛ وعن أعداد الأجهزة والإمدادات الطبية المتوافرة؛ وأماكن الحجر وقدراتها الاستيعابية بحسب النوع؛ وإجراءات الحجر المنزلي؛ وتوجيهات إعادة المواطنين الكويتيين إلى بلادهم؛ والتوقعات عن ذروة الوباء. ويتجلّى غياب الشفافية في المرحلة التي سبقت فرض حظر التجوال الشامل. فقد صدر القرار في غضون يومَين من تسجيل عدد قياسي من الإصابات، ما أثار الهلع في أوساط الكويتيين، وكان الدافع وراء أيضاً عدم مراعاة التباعد الاجتماعي في التعاونيات. وبسبب شح المعلومات، طُرِحت علامات استفهام حول المنطق الذي يقف خلف السياسة الجديدة. فـالقرار الذي اتخذته الحكومة مؤخراً بحظر المقابلات التلفزيونية المباشرة متذرعةً بالدواعي الصحية، يتعارض مع روح الشفافية وحرية تدفق المعلومات اللتين لطالما تميّزت بهما الكويت في المنطقة. وتُعتبَر نتائج فحوصات كورونا من المجالات التي شهدت تحسناً ملحوظاً في الشفافية. فالكويت كانت قد توقفت في منتصف آذار/مارس عن نشر معدل الفحوصات التي تُجرى في البلاد لتعود وتستأنف نشره على نحو متقطع بين 28 نيسان/أبريل و13 أيار/مايو. وتنشر السلطات حالياً العدد اليومي والإجمالي للفحوصات، إنما لايزال على وزارة الصحة أن توضح ما إذا كانت هذه الأعداد تعبّر عن الفحوصات التي تجرى لمرضى مختلفين أم أنها تشمل الفحوصات التي تجرى تكراراً للمريض نفسه. فالكشف الكامل عن المعلومات يطمئن الناس ويلفت الانتباه إلى أي انتكاسات أو مجالات بحاجة إلى اهتمام خاص.

تعزيز التعاون بين الأجهزة الحكومية وحشد الدعم المجتمعي. هذان الإجراءان قيد التنفيذ، لكنهما لا يزالان حالياً في بدايتهما، وهما متقطعان جداً مقارنةً مع حجم المسألة المطروحة، أو يصطدمان بـالمشاحنات الداخلية. من شأن زيادة التعاون واعتماد إجراءات لدوزنة الجهود أن يساهما في الحد من الإفراط، وفي تقنين التكاليف والاستخدام الأمثل للموارد البشرية، وتحقيق نتائج أفضل.

دعم الجهود التي تُبذَل راهناً لـتعزيز مجلس التعاون الخليجي وبناء منصّة موحّدة للدول الخليجية الست. وقد أدّت الكويت دوراً قيادياً في هذا الصدد من خلال التوسط بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. ومن شأن تمتين الدعم والمقارنة بين الممارسات الفضلى في مساحة جغرافية أوسع أن يتيحا التصدّي للجائحة على نحوٍ أفضل. وفي هذا الصدد، يشغل أمين عام مجلس التعاون الخليجي، وهو كويتي، موقعاً جيداً يخوّله الدفع باتجاه تحقيق تنسيق أفضل بين دول الخليج. ويجب العمل على إشراك الدول الواقعة في الجوار المباشر مثل العراق وإيران واليمن في هذا المجهود، نظراً إلى أهمية الاعتبارات العابرة للدول عند ظهور جائحة سريعة الانتشار. ولن يعود دعم هذه الدول بالفائدة عليها وحسب، بل من شأنه أن يساعد أيضاً دول مجلس التعاون الخليجي ويجعلها أقرب إلى المصالحة.

تؤدّي الكويت دوراً قيادياً في المساعدات الإنسانية. وهي أيضاً الجهة التي تقدّم القدر الأكبر من المساعدات لمنظمة الصحة العالمية في معركتها ضد فيروس كورونا. يجب أن يتواصل هذا الدور وينمو، فهو يساهم في تفعيل القوة الناعمة لدى الكويت ومكانتها الدولية.

معالجة الشؤون غير الصحية التي تؤثّر في القدرة على إدارة الجائحة واحتوائها:

العمالة الوافدة: بما أن 30 في المئة فقط من المقيمين في الكويت يحملون الجنسية الكويتية، تتقدّم العمالة الوافدة والعلاقات مع الجاليات الأجنبية إلى الواجهة:

مكافحة الإتجار بالبشر الذي يُمارَس تحت ستار إدارة اليد العاملة، وذلك من خلال فضح المرتكبين في ما يُسمّى "تجار الإقامات" وملاحقتهم، بغض النظر عن مكانتهم أو خلفيتهم.

تطبيق معايير إنسانية في ما يتعلق بسكن العمال، ومعالجة مسألة التباعد الاجتماعي الذي لا يُراعى على الإطلاق في مساكن العمال الحالية.

تطبيق قوانين العمل التي جرى إصلاحها مؤخراً والتي تفرض الالتزام بالحد الأدنى للأجور وبتأمين ظروف معيشية لائقة للعمال، واقتراح قوانين جديدة عند الحاجة.

مكافحة مختلف أشكال كراهية الأجانب والسلوك التمييزي.

الأمن الغذائي: وافق مجلس التعاون الخليجي على اقتراح تقدّمت به الكويت لإنشاء شبكة أمن غذائي عابرة لدول المجلس. يجب متابعة هذه المسألة وإبعادها عن التجاذبات السياسية بين الدول الأعضاء.

الحوافز الاقتصادية: بُذِلت جهود متواضعة في هذا الملف حتى تاريخه. ثمة حاجة إلى خطة جيدة للتحفيز والإغاثة الاقتصادية، ولاسيما للأشخاص الذين يعتمدون على الأجور اليومية والذين لن يكترثوا على الأرجح لتدابير التباعد الاجتماعي وحظر التجوال لأنهم يسعون وراء تأمين لقمة عيشهم.

الإصلاحات التربوية: من أجل إنشاء منصة إلكترونية واضحة ومفهومة للتخفيف من أثر الجائحة على الطلاب، من جملة مبادرات أخرى، خاصة وأن المنظومة التربوية الرسمية في الكويت هي المنظومة الوحيدة في الخليج التي توقفت عن التدريس بسبب نقص البنى التحتية الملائمة للتعلم عن بعد.

بغض النظر عن الانتقادات والرهانات الكبيرة، تمر الحكومة الكويتية بأفضل أيامها منذ سنوات. ومن أجل ضمان استدامة المكانة الحالية للحكومة، فضلاً عن مكافحة الجائحة والنجاح في تطبيق السياسات المذكورة آنفاً، يجب معالجة المشكلات الأربع الآتية التي لطالما عانت منها الكويت:

I.الفساد: حلّت الكويت في المرتبة الأخيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي في مؤشر مدركات الفساد للعام 2019 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. وقد تراجعت مرتبتها إلى حد كبير على مر السنين، فانتقلت من المرتبة 35 عالمياً في العام 2003 إلى المرتبة 85 في العام 2019. وقد دفع هذا الواقع الجديد بـنائبَين سابقين إلى دق ناقوس الخطر في ما يتعلق بالإنفاق العام خلال الجائحة، وهو ما اعتبرته الحكومة افتراء بحقها، مشيرةً إلى عدم تقديم أدلة إثباتاً لهذه المزاعم.

II. الإصلاح الاقتصادي الشامل: 95 في المئة من الدخل الكويتي مصدره النفط. إنه الوقت الأنسب للعمل على إيجاد حلول لاعتماد البلاد غير المستدام على النفط وسط تفشي الجائحة وانهيار أسعار النفط.

III. تحسين الخدمات: سواء في التعليم أو الرعاية الصحية أو السكن.

IV. إعادة ضبط العلاقة مع مجلس الأمة: يُفترَض أن تمتد ولاية كلٍّ من الحكومة ومجلس الأمة أربع سنوات. ولكن التوترات المستمرة بين الطرفَين أفضت إلى تعاقب 18 حكومة و7 مجالس أمة على السلطة في الأعوام العشرين الأخيرة. يغيب مجلس الأمة مؤخراً عن المشهد إلى حد كبير، لكن ذلك لن يستمر طويلاً، فالجائحة لن تبقى إلى ما لا نهاية.

كانت الكويت تُعرَف بأنها "لؤلؤة الخليج" قبل أن تتعرض إلى أزمة كبرى بسبب الاحتلال العراقي في 1990-1991. لكن الآن، تتيح أزمةٌ ثانية فرصة ذهبية للبلاد كي تجري إصلاحات للعديد من الإشكاليات القائمة وتستعيد مكانتهاالمعهودة.

تم نشر هذا التحليل على موقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,403,807

عدد الزوار: 6,948,543

المتواجدون الآن: 68