وقف المجاعة في قطاع غزة..

تاريخ الإضافة الخميس 11 نيسان 2024 - 6:29 ص    عدد الزيارات 273    التعليقات 0

        

وقف المجاعة في قطاع غزة..

لقد دفعت الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة كثيراً من سكانه إلى حافة الموت جوعاً ومرضاً. وحده وقف طويل لإطلاق النار، ترافقه عملية شاملة لتقديم المساعدات، من شأنه أن يحسِّن الوضع بما يكفي لتجنب حصيلة مروِّعة.

مجموعة الازمات الدولية..غزة/القدس/تل أبيب/واشنطن/بروكسل، 8 نيسان/أبريل 2024

ما الجديد؟ أحدث الهجوم الإسرائيلي الذي أعقب هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 كارثة على 2.23 مليون فلسطيني في قطاع غزة. باتت المجاعة وشيكة في شمال القطاع، حيث يفتقر الناس إلى ما يكفي من الغذاء والماء والمأوى. إذا اقتحمت إسرائيل رفح في الجنوب، قد تصبح المجاعة وشيكة هناك أيضاً.

ما أهمية ذلك؟ إذا استمرت إسرائيل في مهاجمة قطاع غزة وسكانه ومؤسساته المدنية، والحد من دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها، وتحريض العائلات ضد بعضها بعضاً، فإن المجاعة والمرض سيؤديان إلى موت جماعي. وقد يؤدي استعمال المساعدات لإحداث تغيير في النظام السياسي في قطاع غزة إلى تمزيق النسيج الاجتماعي بشكل يجعل القطاع غير قابل للحكم.

ما الذي ينبغي فعله؟ يحتاج قطاع غزة إلى المزيد من المساعدات، التي ينبغي أن تضمن سلطاته ومنظماته المدنية توزيعها. لكن من غير المرجح أن يحدث ذلك دون وقف لإطلاق النار. لكن حتى في غياب وقف إطلاق النار، ينبغي على إسرائيل زيادة تدفق المساعدات، والسماح بالحركة على نحو أكثر سهولة، والتوقف عن استهداف المجموعات الإنسانية والمدنية التي تقدم المساعدات، حتى لو كانت تنسق مع حماس.

الملخص التنفيذي

لم تنته الحرب في قطاع غزة بعد، لكن مصير كثير من سكانه قد يصبح محتوماً في وقت قريب. فقد يواجه شمال القطاع أسوأ مجاعة في العالم، نسبة إلى عدد السكان، خلال العقود القليلة الماضية. ثمة حاجة إلى وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى قطاع غزة بأكمله، وعلى نحو مستدام وآمن، مع السماح للسلطات والمنظمات المدنية بحماية توزيع المساعدات، لمنع وقوع هذه الحصيلة. ورغم أن إسرائيل سمحت بدخول مزيد من المساعدات إلى قطاع غزة في آذار/مارس، إلَّا أنها لم تكن كافية. الوضع في شمال القطاع هو الأكثر قتامة، حيث تستهدف إسرائيل شخصيات حماس والمدنيين الذين يشرفون على توزيع المساعدات. وإذا تحرك الجيش الإسرائيلي إلى رفح، المدينة الواقعة في أقصى جنوب القطاع، كما يقول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنه سيفعل، فإن عمليات الإخلاء التي ستحدث قبل ذلك، ناهيك عن الهجوم بحد ذاته، يمكن أن تُحدث في الجنوب وضعاً رهيباً مشابهاً. وحده وقف إطلاق نار طويل يمكن أن يحسِّن الوصول، والتنقل، والتوزيع بما يكفي لتجنب حدوث موت جماعي. وفي حال عدم التوصل إليه، فإن الخيار الوحيد هو التخفيف من حدة المجاعة من خلال تحسينات متواضعة في هذه المناطق، مع ضمان إسرائيل لسلامة العاملين في مجال تقديم المساعدات، بصرف النظر عن جنسيتهم وانتمائهم السياسي.

لقد توقف القتال في غزة ولكن المعاناة لم تتوقف. يبدو أن الجميع قد أساؤوا تقدير نتائج أفعالهم في هذه الحرب. فقادة حماس لم يتوقعوا مثل هذا الرد الانتقامي المدمر على هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 في جنوب إسرائيل، حتى بعد أن أصبح نطاقها وطبيعتها واضحين. ووجدت إسرائيل، من جهتها، أن هزيمة حماس تمثل تحدياً أكبر مما كانت تفترض. إذ تبين أن نظام الأنفاق الذي حفرته حماس تحت قطاع غزة أكبر مما كان متوقعاً. لقد أُضعفت كتائب حماس بشكل كبير، لكن مقاتليها يواصلون إلحاق الخسائر بالقوات الإسرائيلية، ويعودون مراراً وتكراراً إلى المناطق التي اعتقد الجيش أنه كان قد طهرها. تعيق الخلافات في حكومة الحرب الإسرائيلية، وكذلك بين كبار السياسيين والعسكريين، المجهود الحربي. ويُعتقد على نطاق واسع أن نتنياهو يطيل أمد الصراع من أجل البقاء في السلطة وتجنب مواجهة تهم الفساد.

إن شدة الأزمة مذهلة؛ إذ قُتل نحو 33 ألف شخص، ويُفترض أن عدة آلاف آخرين ما يزالون مفقودين. أما الكارثة التي ستحدثها المجاعة فيمكن أن تكون أكبر من ذلك، لأنها ستسبب خسائر كبيرة وسريعة في الأرواح، ناجمة عن انهيار أنظمة الغذاء، والصحة، والمياه والأنظمة الاجتماعية. لا تزال الوفيات المسجلة بسبب سوء التغذية قليلة، لكن صور الهياكل العظمية لجثث الأطفال تظهر الآثار الرهيبة للجوع. عندما يتم تجاوز عتبة المجاعة، يبدأ الارتفاع الكبير في الوفيات بالأطفال الصغار، وكبار السن، والمصابين بأمراض مزمنة، قبل أن ينتشر بين باقي شرائح السكان. لا تُعد أرقام سوء التغذية الحاد الأخيرة مرتفعة بشكل مثير للقلق فحسب، بل إنها، على حد تعبير خبير في المجاعات، “مروِّعة فعلاً” من حيث معدل ارتفاعها خلال الشهرين الماضيين، ولا سيما بين الأطفال دون سن الخامسة. لقد انهارت خدمات المياه، والصرف الصحي، والصحة تماماً، على عكس ما حدث خلال الحروب السابقة بين حماس وإسرائيل. ولكن في أعقاب رعب 7 تشرين الأول/أكتوبر، تجاهلت إسرائيل القواعد الإنسانية. وتخلت عن استعمال التدابير التي قُدمت من خلالها المساعدات المنقذة للحياة في حربي 2008-2009 و2014 – مثل الهدنات المؤقتة التي تسمح بتوزيع المساعدات وتمرير المساعدات إلى قطاع غزة عبر إسرائيل.

بدلاً من ذلك، فرضت إسرائيل حصاراً لم تخففه على نحو كافٍ منذ ذلك الحين. وثمة كثير من الأسباب لذلك، منها: حرمان حماس من الموارد؛ ومحاولة إثارة سكان القطاع ضد الحركة؛ وتجنب التشابكات اللوجستية؛ وتحويل غضب الجمهور الإسرائيلي بشأن 7 تشرين الأول/أكتوبر في الاتجاه الذي تريده. تعترف إسرائيل بأن قطاع غزة يواجه أزمة لكنها تشكك في شدتها – وتنفي مسؤوليتها عنها. بل على العكس من ذلك، تقول إنها بذلت جهوداً لا نظير لها لحماية المدنيين، والسماح بدخول مزيد من المساعدات، ولا سيما في الأسبوعين الأخيرين من آذار/مارس. تُحمِّل إسرائيل المسؤولية لفشل وكالات الإغاثة وفساد حماس. لكن هذا الزعم لا يصمد أمام الوقائع. صحيح أن عدم الكفاءة والفساد في العريش، ميناء مصر الرئيسي في سيناء، أعاقا العمليات، لكنهما لا يفسران سبب وجود ما لا يقل عن 7,000 شاحنة متوقفة في شبه الجزيرة، أو لماذا لا يحصل سوى عدد قليل جداً منها على إذن بالتوجه إلى شمال غزة. وليس من الواضح، كما يقول مسؤولون أميركيون، أن حماس تسرق المساعدات. في كل الأحوال، ليس من المستغرب أن تحدث السرقة – فالأشخاص الذين يحملون أسلحة لا يموتون من الجوع أولاً في العادة – ولكن لا يوجد دليل على ذلك.

لقد أساءت الولايات المتحدة قراءة الوضع بشدة أيضاً. وحاولت إقناع حكومة نتنياهو بأن تسهيل المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين من شأنه أن يساعد إسرائيل في تحقيق الأهداف من حربها. مع تصاعد عدد القتلى في غزة والتكلفة السياسية للحرب بالنسبة لبايدن، زادت الولايات المتحدة من حدة انتقاداتها على نحو كبير، لكنها لم تُظهر انفتاحاً يذكر على استخدام أقوى الأدوات المتاحة لها – المال والأسلحة. وامتنعت عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على قرار لوقف مؤقت لإطلاق النار، فقط للتقليل من شأن القرار باعتباره “غير ملزم“. لن تكون عمليات إسقاط المساعدات من الطائرات والرصيف العائم الذي تقوم الولايات المتحدة ببنائه كافية كي يحصل الفلسطينيون في غزة على ما يحتاجونه، لا سيما وأن مقدمي المساعدات الإسرائيليين أوقفوا نشاطهم بعد أن قتلت غارات جوية إسرائيلية سبعة من عمال المطبخ المركزي العالمي في 1 نيسان/أبريل. لقد راهنت الولايات المتحدة على أن وقف إطلاق النار المؤقت وإطلاق سراح الرهائن سيسمح بدخول المساعدات ويولِّد زخماً للهدوء. حتى الآن، لم تحرز المفاوضات تقدماً يذكر.

لقد كانت مقاربة إسرائيل لتوزيع المساعدات، ولا سيما في الشمال، فاشلة. ولم تقم بتنسيق العمل العسكري مع العمل الإنساني، مما يعرِّض عمال الإغاثة والمستفيدين للخطر، ويوقف القوافل في كثير من الأحيان. وقد هاجمت إسرائيل الشرطة المدنية، بحجة صلاتها بحماس، وأجبرتها على التراجع، مما يترك الإمدادات عرضة للنهب، سواء من قبل المتربحين أو الجَوعى اليائسين. ولقد حاولت الالتفاف على نظام المساعدات الدولي وبروتوكولاته للوقاية من المجاعة والاستجابة لها، وتقديم المساعدات على أساس كل حالة على حدة، على أمل بناء شبكة لإدارة غزة نيابة عنها بعد الحرب؛ إذ توجه المساعدات إلى العائلات الكبيرة التي توافق على تبني أجندتها، بينما تستهدف أولئك الذين يرفضون، الأمر الذي يعرض النسيج الاجتماعي في قطاع غزة للخطر بطرق أشار مسؤول أميركي إلى أنها تذكرنا بمقديشو في أوائل تسعينيات القرن العشرين.

أعلنت إسرائيل عن خطوات مرحّب بها بعد ضرباتها للعاملين في المطبخ المركزي العالمي. إن فتح ميناء أشدود أمام السفن التي تنقل المساعدات؛ وتسهيل الوصول إلى معبر إيريز على الحدود الشمالية للقطاع؛ واستئناف ضخ بعض المياه من إسرائيل؛ وتسريع مرور المساعدات من الأردن من خلال معبر كرم أبو سالم (كيرم شالوم)؛ وتحسين تنسيق العمليات العسكرية مع الأنشطة الإنسانية هي بالتحديد الإجراءات التي كان هناك حاجة لاتخاذها. الآن، بات من الضروري ضمان ألّا تكون هذه الإجراءات مجرد رد فعل محدود لإسكات المنتقدين، بل بداية استجابة منسقة عاجلة وشاملة لا بد منها لوقف المجاعة. وثمة تغييرات أخرى ستكون ضرورية لتمكين توزيع المساعدات، ولا سيما مع انهيار النظام العام. على الرغم من الأضرار التي لحقت بالشرطة المدنية في غزة، إلَّا أنها لا تزال فعالة على نطاق واسع عندما يُسمح لها بالعمل، وما تزال أقل الأجهزة الأمنية تسييساً في القطاع. غالباً ما يكون لقادة الشرطة علاقات مع حماس، لكن حتى الفلسطينيين الذين يعارضون الحركة بشدة يقولون إن توزيع المساعدات قد تحسَّن عندما أشرفت عليه.

 

منذ تشرين الأول/أكتوبر، دعت مجموعة الأزمات إلى وقف لإطلاق النار يتمحور حول اتفاق سياسي. يُعدُّ إعلان إسرائيل في 7 نيسان/أبريل سحب معظم قواتها البرية من قطاع غزة إشارة إيجابية. لكن تتمثل الأولوية اليوم في معالجة الأزمة الإنسانية من خلال زيادة المساعدات، واتخاذ تدابير للسماح بحرية أكبر في التنقل في قطاع غزة، ولا سيما بالنسبة لوكالات الإغاثة، والاعتماد على السلطات والمنظمات المدنية لحماية وتيسير التوزيع. من الناحية الواقعية، لن تنجح مثل هذه الخطوات إلا مع وقف إطلاق النار. لكن عدم التوصل إلى وقف لإطلاق النار لا يمكن أن يبرر التقاعس عن العمل. لا يزال يتعين زيادة الواردات إلى أقصى حد ممكن، والسماح لقوافل المساعدات بالمرور بأمان وتخفيف القيود المفروضة على الحركة. يجب على إسرائيل التوقف عن استهداف القادة المدنيين ومسؤولي غزة المشاركين في حماية المساعدات والإشراف على التوزيع. صحيح أن بعضهم مرتبط بحماس، لكن بالنظر إلى عدم وجود خيار آخر ممكن، فإن البديل هو تسريع الموت جوعاً، إضافة إلى المستويات غير العادية أصلاً من المعاناة في قطاع غزة.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,737,508

عدد الزوار: 6,963,416

المتواجدون الآن: 63