تقارير ...ثوار سورية كسروا «الصورة الثابتة»...فضائح.. الميكروفونات المفتوحة، من أوباما إلى بوش إلى كلينتون إلى ..تركيا وضعت مناهج للغة العربية هي الأولى من نوعها.. وثنائية المعارضة...الشباب والنساء في مهبّ الثورات العربية
سلفيون أردنيون يتواصلون مع السفارة الأميركية... ويستعدون لخوض الانتخابات
الأحد 1 نيسان 2012 - 8:52 ص 2961 0 عربية |
تجتاح الأردن موجة سلفية جديدة تتجه نحو العمل الإغاثي المنظم عبر 5 جمعيات خيرية، بعدما كان مثل هذه الأعمال حكراً على تيار الإخوان المسلمين.
بعد سنوات من العمل المسجدي المقتصر على حلقات الذكر والقرآن، أخذت مجموعات سلفية - تصف نفسها بالتيار الإصلاحي - تتسلل بهدوء نحو التجمعات العمّانية الشعبية، وصولاً إلى المناطق المهمشة. وبدأت تقديم المساعدات لمحتاجيها، وبينهم لاجئون من سورية، من خلال مؤسسة أطلقوا عليها اســـم جمعية «الكتاب والسنّة»، التي تمثل الذراع الاجتماعية لتيار دفعته تجربة السلفيين السياسية في مصر للتفكير في خوض التجربة السياسية.
في مركزهم الرئيس في منطقة حي نزال الشعبية في العاصمة عمان، يعمد أعضاء التيار الإصلاحي - وهم عبارة عن شبان ملتحين - الى توزيع المناشير الدينية على المستفيدين من تبرعاتهم.
تجربة حزب النور السلفي في مصر ودخوله معترك السياسة، ألقت بظلال ثقيلة على الحركات والتجمعات السلفية في العالم العربي عموماً، وعلى التيارات السلفية الأردنية على وجه الخصوص.
وبدأ الشارع السلفي في العاصمة الأردنية يطرح تساؤلات في ما إذا كانت التجربة المصرية ستخلق حوافز مشابهة لديه، وفق مراقبين لشؤون الحركات الإسلامية.
وعلى رغم أنّ الجزء العريض من التيار السلفي التقليدي اختار عدم الولوج إلى اللعبة السياسية، إلا أن نظيره التيار الإصلاحي بدأ يفكر جدياً في المشاركة السياسية، وتشكيل حزب يعبّر عن آرائه ومواقفه العقائدية.
وفي سبيل طلب المشورة؛ أرسل التيار مجموعة من قيادييه إلى مصر لزيارة رفاقهم في حزب النور، واستمزاج آرائهم في الحالة السلفية الأردنية وإمكانية تطويرها.
ووجه قادة «النور» دعوة صريحة لنظرائهم الى ضرورة الإسراع بتشكيل حزب سياسي، وتأجيل مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة، لحين تأسيس قاعدة شعبية كبيرة تؤيد التيار، وهو ما كشفت عنه لـ «الحياة» قيادات بارزة شاركت في الزيارة التي استمرت لأيام.
مقرات السلفية الإصلاحية في عمان تحولت منذ أشهر إلى ما يشبه خلية نحل، قبل أن يتم الإعلان رسمياً عن خوض الانتخابات للمرة الأولى في تاريخهم.
وفي مسجد بلال بن رباح في منطقة الزهور العمّانية؛ يحرص القيادي في التيار السلفي الإصلاحي ورئيس جمعية (الكتاب والسنّة) زايد حماد على أداء صلواته الخمس.
وينشط الرجل مع من يسميهم «إخوانه» في إعداد نماذج إلكترونية بأسماء العائلات المحتاجة، واكتشاف بؤر الفقر المنتشرة في أصقاع المملكة الهاشمية.
ويرى أن النجاحات التي حققها السلفيون في انتخابات مجلس الشعب المصري، شكلت دافعاً لدى تياره للتفكير في إنشاء حزب سياسي.
يقول لـ «الحياة»: «منذ فترة والتيار في حالة انعقاد مستمر لإنضاج فكرة الحزب الجديد. هناك قيادات تدفع باتجاه المشاركة في الانتخابات المقبلة».
لكن حماد يتبنى تأجيل المشاركة في الانتخابات، والتركيز في هذه المرحلة على العمل الإغاثي المجتمعي، لأن ذلك سيشكل قاعدة مجتمعية تدعم توجهات التيار المقبلة، وفق تصوره.
ويرفض السلفيون الإصلاحيون الكشف عن مواقفهم السياسية قبل الإعلان عن كيانهم الجديد. ويتحدث حماد عن ضرورة التحالف مع التيار السلفي التقليدي لبناء جبهة سلفية تكون قوة أساسية في أي عملية سياسية خلال الفترة المقبلة. ويحاجج بأن السلفيين سيحصلون على نسب مرضية في حال مشاركتهم في الانتخابات، نتيجة الحملات الإغاثية التي ينظمونها من دون معارضة السلطات المحلية.
لكن القيادي في التيار السلفي التقليدي (العلمي) عرفات العلي، يرفض إقحام المجموعات السلفية في عملية سياسية سيكون لها الأثر في «شق عصا المسلمين» على حد تعبيره.
«أخوان مسلمون» في أفكارهم
ويقول: «القاعدة الشرعية ترفض الخروج على إمام المسلمين. العمل الحزبي يفتت الجهد ويفرق العاملين في العمل الدعوي، وهو مرفوض بالنسبة الينا». ولا يتردد العلي في مهاجمة التيار الإصلاحي، ووصف قادته بأنهم «إخوان مسلمون بأفكارهم، وسلفيون بثيابهم».
وتعد السلفية الإصلاحية امتداداً لمدرسة الشيخ المصري الراحل محمد رشيد رضا، التي جمعت بين الأخذ بالمنهج السلفي للاستدلال، والاستفادة من أدوات العصر المتجددة، مع الاهتمام بمعرفة الواقع والتفاعل السياسي والإصلاحي معه.
أما السلفية التقليدية؛ فهي امتداد لمدرسة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني التي تدعو إلى البعد عن العمل السياسي، وتنطلق من نظرية التصفية والتربية، التي تقوم على تصفية التراث الإسلامي مما علق به من انحرافات وبدع، وتربية النشء على تراثهم. ويعتبر التقليديون أن الطريق الصحيح للتغيير تتمثل في العمل على تصحيح العقائد والابتعاد من السياسة المعاصرة، لما ينجم عنها من أعراض تتناقض مع طبيعة الدعوة الإسلامية، وفق الكثير من علمائهم.
توجه السلفيين نحو السياسية؛ جذب مبكراً وعلى نحو مفاجئ أنظار السفارة الأميركية، فقد رتبت الأخيرة اجتماعاً مع بعض قيادات التيار بشقيه الإصلاحي والتقليدي في عمان.
وكشفت مصادر سلفية لـ «الحياة»، عن دعوات وجهتها السفارة الأميركية لبعض القيادات السلفية بهدف استكشافهم عن قرب. وبينما نفى إصلاحيون تلقيهم دعوات في هذا السياق، أكد آخرون عقد مثل هذه اللقاءات بعيداً من دائرة الضوء.
السلفي الإصلاحي حماد أكد تأييده الشخصي للانفتاح على الغرب والولايات المتحدة، بهدف توصيل الصورة الحقيقية عن السلفيين. فيما كشف السلفي التقليدي العلي عن زيارة قام بها ومجموعة من نشطاء التيار إلى مقر السفارة الأميركية، أكدوا خلالها تمسكهم بالانفتاح على الآخر، وقدموا دراسة بحثية مفصلة عن التيارات السلفية في الأردن.
وتتجنب السفارة الأميركية الكشف عن طبيعة نشاطها في عقد اللقاءات مع الإسلاميين، لكن السفير الأميركي ستيوارت جونز، قال لـ «الحياة» إن السفارة «منفتحة للتحدث مع أي مجموعة».
تحالفات محتملة
وتحدث عن حرص بلاده على احترام حقوق الأقليات في الأردن، والمشاركة الكاملة للمرأة في العملية السياسية، والتعامل مع جميع المجموعات بناء على أفعالها لا مسمياتها.
الباحث في شؤون الحركات الإسلامية وائل البتيري، العضو السابق في جمعية (الكتاب والسنّة)، لا يتردد في الحكم سلفاً على أي تجربة سياسية لسلفيي الأردن. يقول إن «دخولهم في اللعبة السياسية يحتم عليهم بناء تحالف مع الإخوان المسلمين الذين يمثلون الجماعة الأم بالنسبة الى الحركات الإسلامية، ومن دون هذا التحالف ستكون نتائجهم في أية انتخابات مقبلة فاشلة».
ويضيف أن «التيارات السلفية في الأردن تفتقر الى وجود شخصيات دعوية مؤثرة في الرأي العام على غرار الوضع المصري، وهو ما يقلل من فرص نجاحها في العملية السياسية».
ويرى أن السلفية الإصلاحية في الأردن «لم تتمكن بعد من الوصول بعملها الإغاثي إلى جميع شرائح المجتمع، وهو أمر يضعها بعيداً من شعبية كافية لدفعهم في شكل بارز في المشهد السياسي».
خضوع جمعية (الكتّاب والسنّة) لإملاءات الأجهزة الأمنية، بعد عملية ترويض مارسها جهاز الاستخــبارات العامة على قياداتها، سيساهم في فشل تجربة أي حزب سلفي وفق البتيري، وهو الاتهام الذي ترفضه إدارة الجمعية بلسان الكثير من قادتها.
ويبدو أن المخاضات التي تعيشها المجموعات السلفية في الأردن طاولت في شكل غير مسبوق التيار السلفي الجهادي، الذي سارع قبل أيام إلى تأسيس مجلس شورى، وهو ما اعتبره مراقبون خطوة باتجاه مشاركة التيار في العمل السياسي.
وانتخب الجهاديون في جلسة غير معلنة عشرة من قادتهم شكلوا نواة المجلس الجديد، عرف منهم منظر التيار السلفي في شمال المملكة عبد شحادة المعروف بـ «أبو محمد الطحاوي»، ومحمد الشلبي المعروف بـ «أبو سياف»، والقيادي الشاب في التيار لقمان ريالات.
تكتم التيار على التفاصيل المتعلقة بالمجلس الجديد، بعد حدوث انشطارات طولية بين فريق يتبنى الخيار السلمي وتمثله القيادات الجهادية المعروفة (تيار أبو محمد المقدسي) وآخر يغلب عليه العنصر الشبابي يدعو إلى التمسك بالعمل المسلح (تيار أبو مصعب الزرقاوي) وهو ما أكدته لـ «الحياة» قيادات بارزة في التيار.
وعزت تلك القيادات تأجيل الإعلان عن المجلس، لحين الوصول إلى تفاهمات مع الفريق المستنكف عن حضور الاجتماعات.
ورفض عضو المجلس الجديد الطحاوي التعليق على قرار الجهاديين تشكيل الكائن السياسي الجديد، وهو الموقف الذي التزم به القيادي أبو سياف.
القيادي البارز في التيار الدكتور منيف سمارة، الذي غاب عن اللقاء الشوروي الأول، اعتذر عن التعليق على التــــشكيلة الجديدة. فيما قال قيادي آخر إن «مثل هذا المجلس لن يمثل جميع أعضاء التيار». إلا أن مصدراً قيادياً في الجهاديين قال لـ «الحياة»، إن المجلس يهدف «إلى ترتيب أوراق التيار، وتنظيم عمله على الساحة المحلية».
واعتبر المصدر الذي رفض ذكر اسمه أن مثل هذه الخطوة إن كتب لها النجاح، ستؤكد نبذ التيار العمل المسلح في المجتمعات العربية الآمنة، وحصر القتال في الدول التي تتعرض لاحتلال أجنبي.
الخبير في شؤون الحركات السلفية حسن أبو هنية، يرى أن تشكيل السلفية الجهادية مجلساً شوروياً «يؤكد تراجعها عن العمل المسلح، ومحاولتها الاقتراب من الخيار السياسي».
وقال لـ «الحياة»: «غالبية القيادات الجهادية بدأت تعلن القبول بسلمية الدعوة وترفض العمل المسلح في الأردن، من دون التراجع عن البنية الأيديولوجية الصلبة المتعلقة بالعداء للأنظمة الحاكمة».
وانتقد أبو هنية التعامل الأمني مع التيار. واعتبر أن تشكيل المجلس خطوة قد تتبعها خطوات في طريق التوجه إلى العمل السياسي المنظم.
جليٌّ أنَّه في سورية الآن تُولَدُ سورية جديدة. أبرز صفاتها أنها مفتوحة على الحركة. حقيقية وحيَّة، وممتنعة عن التراجع. في «بلد الممانعة» معادلاتٌ لم تألفها هذه البلاد سابقاً، خصوصاً خلال حكم الأسد الأب وما تبعه من حكم ابنه الوريث. الحاكم بروح الوالد الغائب. نظام الأسد لم يكتفِ بتحويل سورية إلى «مملكة للصمت»، بل حاول أن يجعل منها فوق ذلك «مملكةً للسكون» أيضاً. باكراً حاولت هذه السلطة ما استطاعت فُرض حالة من «الثبات» على كل شيء في سورية. على السياسة والثقافة وعلى حياة المجتمع وصراعاته الطبيعية. عملت تحديداً على تعطيل الحركة الطبيعية لمجتمع يتشكّل في دولة حديثة ناشئة. يُرجح أن هذا كان تعبيراً عن رغبة سياسية لدى الحكّام في التقاط «صور ثابتة» للسوريين، وتأبيدهم داخلها.
تعتمد هذه الرغبة السياسية على حقيقة أن قراءة الثوابت والتعامل معها أكثر سهولة من قراءة المتغيرات وحكمها. فدوام السوريين ثابتين في حالهم، يظهر دوام السلطة ثابتة أبدية طبيعياً أيضاً.
السلطة التي خلقت هذه «الصورة الثابتة» كطريقة نظر للمجتمع صدّقت هذه الصورة أيضاً، أي أن المخلوق صارت له سطوة على الخالق. وعمّمت لأنها سلطة متحكّمة منطقاً سكونياً في النظر والقراءة، تولَّدت عنه «صور ثابتة» عديدة وميتة، فصار عند السوريين عموماً صور ثابتة عن دولتهم. كما غداً عند مجموعات السوريين الإثنية والطائفية وحتى الثقافية والسياسية صور عرقية وطائفية ومناطقية ثابتة ومختصرة عن بعضها البعض أيضاً. مع ذلك بقي أنه لا يمكن إيقاف حركة مجتمع بشكل كامل. وإن كان من الممكن تصويره على أنه في حالة سكون مطلق. بينما يمكن للسلطة أن تصدّق «الصورة الثابتة» التي التقطتها للمحكومين وأن تغرق بعد ذلك في الثبات والتكرار، وفي وهم الأبد. هذا يعني أن صورة النظام في مخيّلة محكوميه (عصبوي ولا يتورع عن اقتراف أي جرم إذا ما تهددت سلطاته) حقيقية، وتطابق واقع النظام أكثر بكثير مما يطابق المحكومون صورتهم التي التقطها لهم النظام ورعاها (متخلّفون ومتناحرون دوماً، ولا يستأهلون الديموقراطية وحقوق الإنسان) وتعامل معهم على أساسها. هذه «الصور الثابتة» لم تغِب عن مجريات الثورة السورية بالطبع، ولا عن سياسة النظام في ردود أفعاله. على العكس، أثبتت هذه المجريات تجذّر الصور النمطية ومنطقها السكوني في بنية النظام وذهنيته. قد لا يتّسع المقام لتقصي كل أثارها بالتفصيل وكل الأنماط التي أفرزتها. لكن عموماً يظهر ذلك واضحاً في خطاب السلطة الذي احتقر المنتفضين، وبادر سريعاً للحديث عن حروب طائفية ومؤامرات خارجية وضرب للوحدة الوطنية وللاستقرار. الاستقرار الذي هو بأسوأ مدلولاته وأكثرها ابتذالاً، معشوق السلطة.
ولم يقتصر تأثير هذه «الصور الثابتة» على السلطة وسياسييها، بل تعداها ليؤثر في بعض النشطاء والمتحدثين المعارضين لها. وخصوصاً في ما يقترب من مواضيع مرهوب التعامل معها والتساؤل حولها في سورية. كالطائفية ومدى فئوية الاحتجاجات، وبما يتعلق بعسكرة الإنتفاضة والتدخل الخارجي.
منذ بداية الحراك، ظهر نمط يمثّله بعضٌ من المعارضين التقليديين، ومال هذا البعض إلى استبطان الطريقة التي يرى فيها النظام شعبه (إن لم يكن مشاركاً في تكريسها). كما مال إلى الركون السهل لها وللنظر على أساسها، فأنكر هؤلاء على الإنتفاضة صدقها أحياناً، ونفوا في أحيان أخرى إمكانية أن تقود البلاد نحو تغيير حقيقي لأسباب تتعلق بعدم نضج الظروف أو بشروخ في البناء الوطني. أي إنعدام الصلاحية عند الشعب. كما لم يتردد بعضهم الأكثر نكوصاً في وضع العلّة والمرض، تلميحاً وتصريحاً، في «هوية» المناطق المنتفضة. والتي بتأثير من تصوراتهم الجامدة لم يروا فيها إلا «بؤر تخلّف دينية أو مناطقية». هؤلاء مثلاً قرروا بنسب متفاوتة أن هذه الإنتفاضة طائفية ومسلّحة وتهدف لاستجلاب التدخّل الخارجي. وكل ذلك جوهري فيها. أما شعاراتها «لاءاتها» التي رفعتها لشهور، فلا تعدو كونها تورية على «حقيقة الشعب». بالنهاية وقف بعضهم مع النظام من دون لبس وبعضهم الآخر ناصره موضوعياً.
هنالك نمط آخر من أصحاب «الصور الثابتة»، يختلف عن النمط السابق ويتمثل في «تنويعة» من معارضين تقليديين أيضاً، وشباب وطلاب إضافة الى ناشطين مدنيين دخلوا الشأن العام خلال السنوات الأخيرة. هؤلاء حاولوا الإشتغال والإنشغال بالإنتفاضة بهدف إسقاط النظام. جرّبوا باكراً ميادين الإنتفاضة بنسب متفاوتة، ورفعوا «لاءاتها» الثلاث بكل صدق، وبعضهم تعرّض للإعتقال والتعذيب. ولأنهم خبروا عن قرب مدى افتراء خطاب النظام، ومدى قلة أفق بعض المعارضين التقليديين، إلتقطوا «صورة ثابتة» مختلفة ومعاكسة. وضعوا الشعب وانتفاضته فيها. وأيضاً بصيغة جوهرية وبدوافع «قيمية» قرروا أنه، لا يمكن وجود طائفية في سورية إلا عند النظام، وأنه لا سلاح سيخدم الثورة، وطبعاً أبدوا رفضاً قاطعاً للتدخل الخارجي.
ما حصل، أنه وبعد استمرار النظام في الضغوط الوحشية على المناطق المنتفضة طوال عام، وما تبع ذلك من ظهور نتائج وردود فعل على عسف النظام، تمثلت في المظاهر المسلحة التي تبدو اليوم أكثر تنظيماً وعضوية، وفي المشاكل ذات التمظهر الطائفي التي برزت في مناطق سورية، إضافةً إلى تزايد رغبة شعبية بإشراك الخارج في الشأن السوري طلباً للخلاص.
بعد ذلك كله وبالتزامن معه، صارت تهتز عند هؤلاء الشباب والنشطاء «الصورة الثابتة الجديدة» التي وضعوا الشعب السوري وانتفاضته فيها. فبدا عديد منهم شقيّاً. البعض حاول فهم الظروف الجديدة، فيما راح بعضهم الآخر ينكر الواقع المتطور للإنتفاضة ويقصيه. وآخرون لاحقوا الأحداث بالتبريرات من دون محاولات تأثير. فيما أبدى البعض قبل تبرّئه من الإنتفاضة إمتعاضاً وصدمةً بالشارع و «بخيانته له ولنفسه وللاءاته الطاهرة»!
يبدو أنه من المناسب أن نتعامل مع هذه المسائل على أنها متغيّرات حيّة تشبه حرارة الجسد. لها منسوب يرتفع وينخفض تبعاً للظروف الداخلية والخارجية. النظر لها بهذه الطريقة يبرز مدى أهمية الفعل داخل الثورة، ومدى مسؤولية المتخوفين. تستمر هذه الصور الثابتة وغيرها في التآكل مع استمرار الثورة ومع قفز السوريين إلى الضوء من جديد.
هم اليوم سوريون جددٌ بعيدون عن النمطين السابقين. يتظاهرون خارج سيطرة النظام ويقلصون هذه السيطرة في مناطقهم، يتابعون السياسة وشؤونها في كل لحظة ويرفضون ويقبلون من دون أوصياء، ويتضامنون في ما بينهم بوسائل جديدة ومبتكرة.
يمكن القول إن سورية تعود إلى الحياة لأن أهلها عادوا أحياءً خارج إطارات الصور والأنماط، حتى بأخطائهم وعثراتهم التي صارت حيّة بدورها وصار من الممكن التعامل معها. التعامل معها سيكون معقداً وأكثر صعوبة طبعاً، لكن هذه معالم الحياة. الأموات لا يتعثرون ولا يخطئون!
الشباب والنساء في مهبّ الثورات العربية
ماذا يعني قتل عشرات من شبان "الإيمو" في العراق، وتزويج فتاة قاصر من مغتصبها في المغرب، ومطاردة مئات من الشبان المصريين سائحة أجنبية ترتدي تنورة قصيرة في السويس، وفحص عذرية شابات الثورة المعتقلات في القاهرة، وتمرد طالبات الثانويات في اليمن، وضياع بعض طالبات السكن الجامعي في الجزائر، وعملهن بائعات هوى؟
هل جدّدت الثورات العربية المتلاحقة والمتزامنة سياقات الحوادث والظواهر السياسية والاجتماعية المتفرقة والمتباعدة، وغيّرت من دلالاتها في ما يتعلق بأحوال مجتمعات تسلطت عليها جماعاتها الحاكمة، وأغرقتها في الركود والتمزق، وسجنتها خلف جدران الكتمان والصمت؟
قد لا تكون الحوادث والظواهر المعنية جديدة وغير مسبوقة. لكن الجديد أن الثورات عرّضت المجتمعات والسلطات في بلدان الثورات وسواها من البلدان العربية، للانكشاف، وألقت الضوء على الحوادث والظواهر فيها، وجدّدت النظر اليها وغيّرت أطر تناولها وسياقاتها ودلالاتها. ذلك ان حقبة سياسية – اجتماعية مديدة تتهيأ للأفول. أما مصاعب المرحلة الانتقالية هذه، عسرها وتعثرها، وإحباطات الفئات المدنية والشبابية السبّاقة في إطلاق الحركات الاحتجاجية وتصدرها، وصعود تيارات الاسلام السياسي وجماعاته المختلفة وتصدرها المشهد العام، فهي من المسائل المرشحة للنظر والمناقشة والتبصر والتفكير راهناً، وربما على المدى الطويل. أما اولئك الذين ينظرون الى الثورات كحدث خلاصي، فجائي وناجز، ويدفعهم عدم وضوحه وترجحه وغموضه الى التشكيك في جدواه، ويأخذهم التحسر المرضي والرجعي على ما فات وانقضى، راغبين في توقيف الزمن ولجم التحولات السياسية والاجتماعية، وتفصيلها على مقاس نظرتهم الخلاصية ومواقعهم وأدوارهم، فيفوتهم أن ما حدث يستحيل الرجوع عنه، وأن رغباتهم تتماهى مع الاهتراء والاستنقاع المديدين اللذين سبقا الثورات.
في مهب هذه الحقبة الوليدة ومخاضها، هل من سياقات وأطر واضحة المعالم لتناول الحوادث والظواهر الاجتماعية المتدافعة، ومقاربة دلالاتها ومقارنتها في مرايا الثورات العربية؟
على سبيل المثال والتجريب والاختبار، ننتقي هنا اخباراً ومتابعات صحافية موسعة عن بعض الحوادث وردود الفعل عليها، في مصر والمغرب والجزائر واليمن والعراق، لنقدّم عرضاً موجزاً لها، ونكتشف بعض المعاني والدلالات المشتركة بينها. في العراق اثار قتل عشرات من شبّان "الإيمو" في بغداد وبابل استنكار المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان، على ما كتبت خلود العامري ("الحياة"، 12 آذار، 2012). "الإيمو" مصدرها كلمة "إيموشن" الانكليزية، أي العاطفة أو المشاعر الجياشة. وهي تطلَق على جماعات من الفتية والشبان والفتيات المراهقين الذين يهتمون بالملابس والعطور والاكسسوارات، ويتبادلون القبل علانية ويستمعون الى موسيقى الروك والراب، ويرتادون أماكن ومقاهي خاصة بهم، تعبيراً عن ابتعادهم من التقاليد والعادات المحافظة في مجتمعهم القاسي والعنيف في العراق، وفقاً لما كتب شاكر الانباري ("المستقبل"، 18 آذار، 2012). وكان شبان "الإيمو" قد ظهروا قبل سنتين أو ثلاث في مدينة طرابلس اللبنانية، وأثاروا لغطاً في مجتمعها المحافظ. أما ظهورهم اليوم في مدن عراقية فأدى إلى تعرّض بعضهم للقتل بأسلوب شنيع، من طريق سحق رؤوسهم بحجار كبيرة من الاسمنت. وزارة الداخلية العراقية اشارت الى مقتل 56 شاباً منهم، فيما بلغ عدد القتلى 90 في إحصاءات أخرى. حامت الشبهات حول "عصائب أهل الحق" الشيعية، الممولة من ايران، التي انشقّت عن "التيار الصدري"، وبدأت تنشط في الشارع العراقي في الشهور الاخيرة، وتتصرف كوصي على التقاليد الاجتماعية والدينية، بعدما سمح لها رئيس الوزراء نوري المالكي بإقامة استعراض علني، لإشراكها في العملية السياسية. لكن معلومات اخرى أكدت ان الاتهام يشمل ضباطاً أمنيين عراقيين يناصرون "التيار الصدري" و"عصائب أهل الحق". لذا اصدرت وزارة الداخلية العراقية بياناً ينفي عنها الشبهات، ويحذر من "التجاوز على الحريات العامة في قمع ظاهرة الإيمو والترويج لها". التحذير موجّه الى ناشطي حقوق الانسان والصحافيين الذين سلّطوا الضوء على الظاهرة وعلى جرائم القتل المروعة لشبانها. وأكد صحافيون تلقيهم رسائل تهديد تحذّرهم من تناول الظاهرة والجرائم.
لا يبدو أن حملة قتل شبان "الإيمو" تفاعلت على نطاق واسع ومشهود في العراق، برغم ضخامتها. فالمجتمع العراقي مرهق ومحطم، ولا يزال مسرحاً يومياً للتفجيرات والقتل العشوائي الممنهج. عدوى الثورات العربية التي اطلقت بعض التظاهرات الشبابية في مدن عراقية، سرعان ما جرى إخمادها بالقوة والحصار. هذا على خلاف المغرب الذي شهد تظاهرات واحتجاجات واسعة أدت الى تعديلات دستورية لا يستهان بها، انبثقت عنها حكومة تمثل فيها الاسلام السياسي تمثيلاً راجحاً. قوة المجتمع المدني وحراكه النشيط في المغرب ما بعد الثورات، أطلقا حملة واسعة من الاحتجاجات على حادثة انتحار فتاة قاصر (16 سنة)، بعد إجبارها على الزواج من مغتصبها، على ما تقتضي أعراف وقوانين قضائية تحمي المغتصب من العقاب في حال قبوله الزواج من المغتصَبة، في إطار ما يسمّى "ستر الفضيحة". حملات الاعتراض والاحتجاج شملت تنظيم تظاهرات وتوقيع عرائض وتحرّك جمعيات حقوقية وحملات تضامن شعبي ووقفات امام البرلمان المغربي، وإقامة ندوات ومناقشات واسعة، لإعادة النظر في قوانين الأسرة التي تعفي المغتصب من العقاب وتمنحه حق الزواج من ضحيته.
برغم الاختلاف بين الحادثتين، العراقية والمغربية، وحجم كلٍّ منهما ووقعها وردود الفعل عليها، فإن القاسم المشترك بينهما، بروز مسألة حقوق الإنسان، وخصوصاً في الاوساط الشبابية التي يبدو ان الثورات ألقت الضوء عليها، وإن على نحو متفاوت بين العراق والمغرب.
في مصر تزدحم الحوادث والظواهر المتدافعة في مجتمع الحقبة الانتقالية المضطربة وبرلمانها الانتقالي الذي هيمنت عليه قوى الاسلام السياسي "الإخواني" والسلفي، ذي الثقل الانتخابي والاجتماعي الكبير في بلاد النيل، وحيث لا تزال السلطات التنفيذية الانتقالية في يد الجيش، وهذا ما أحبط الحركة المدنية والشبابية التي أطلقت الثورة وتصدّرتها. الإسلام السلفي المصري الذي أخذت الغفوة بعض نوّابه في الجلسة الأولى لبرلمان ما بعد الثورة، يتزايد نشاطه بقوة لافتة في المجتمع الأهلي. وهو يصدّر نجوم دعاته إلى كل من تونس ولبنان، لإقامة لقاءات ومهرجانات دعوية. وجدي غنيم من أشهر هؤلاء النجوم الذين شنّوا حملة تكفير واسعة ضد المسلمين الذين شاركوا في تشييع البابا شنودة الثالث القبطي المسيحي الى مثواه الأخير. الحملة هذه تتزامن مع استمرار السلفيين في دعمهم المجلس العسكري المتهم بقضية "فحص العذرية" التي اعتمدها سياسة رادعة ومذلّة للشابات المشاركات في الثورة. القضية هذه حملت بعض الشابات الجريئات من المعتدى عليهن على مقاضاة الأجهزة الامنية والعسكرية. هيئات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية غير الحكومية التي ناصرت الشابات ودعمتهن، تعرضت، أخيراً، لحملة شعواء، واتهمت بأنها غير قانونية وتتلقى مساعدات من الخارج، واعتقل بعض ناشطيها الأميركيين في القاهرة، وذلك لإثارة "المشاعر الوطنية" المصرية التي تشكل مناهضة السياسات الغربية عاملاً من عواملها. وهذا ما أضعف الناشطين المدنيين في جمعيات حقوق الانسان، وأسقط في أيديهم في جبههم الحملة الاعلامية المناهضة للأجانب ولقضية "فحص العذرية".
لكن إحدى الشابات الناشطات سجلت بالصوت والصورة ما سمّته قصيدة في عنوان "فحص عذرية"، فبثّت الشريط على موقع "يوتيوب"، مستلهمةً ما فعلته الناشطة أسماء محفوظ عشية الثورة المصرية. تقول الشابة في قصيدتها التي كتبتها بالانكليزية وترجمتها الى العربية:
"مشفتش الخوف في عنيَّ/ ففتحت رجليَّ تدوّر عليه هناك؟!
شفت إيه لما بصيت؟!/ سمعت آهات المظلومين؟
شفت جثث الشهدا؟/ شفت – بلا مؤاخذة – حد بيبصلك بعين قوية؟
حسيت بإيه لمّا تف عليك؟/ شفت إيه لما بصيت؟
شفت جنين الحرية في الشهر الثالث؟/ شفت ما شا الله باسم الله عافيته الزاي؟
خوّفك إللي شفتو؟ أنا لو كنت محلّك بخاف.
أنت مقتنع فعلاً إنك أهنتني وكسرت عيني؟!
أنت غلبان قوي/ أنا مفيش حاجة في الدنيا عيزاها غير إنك تفهم الإصرار والغضب اللي جوايا/ ومفيش مكان في الدنيا صغير تشوفو أوضح من مطرح ما كنت بتبص... هناك جو اوي... فبص براحتك... بص وخاف... خاف أوي".
تزامن بث هذا الشريط وكلماته في صوت الشابة، مع حادثة تناقلت الخبر عنها مواقع الكترونية مصرية كثيرة، إضافة الى صحف 16 آذار 2012. حصلت الحادثة في مدينة السويس، عندما قام عشرات من الشبان بتعقب سائحة دانماركية شابة ترتدي قميصاً وتنورة قصيرة جداً، أثناء سيرها في شارع سعد زغلول. أطلق الشبان الذين عاكسوا السائحة سيلاً من التعليقات والتحرشات، فلجأت الى متجر للملابس. لكن المطاردين تزايد عددهم في الشارع، فبلغ المئات. هذا حمل صاحب المتجر على الاتصال بالشرطة، فحضرت الى المكان وحدة كبرى من عناصرها، لكنها لم تستطع إخراج السائحة من المتجر، إلا بعد إطلاقها قنابل الغاز المسيلة للدموع لتفريق الحشود التي ملأت الشارع. نقل رجال الشرطة الفتاة الى مصفحة، وهي تبكي وفي حال من الدهشة والانهيار، حتى وصولها الى الفندق الذي تنزل فيه.
هل من حاجة الى استنطاق دلالات هذه الحوادث وصدورها عن هوس تناولته كلمات قصيدة "فحص عذرية"؟ هوس محوره الأنوثة وسفور المرأة، وهتك كرامتها الشخصية لفحص عذريتها حفاظاً على شرف الأهل، إذا كانت من ديارنا وأهلنا وحرمة لنا، والتهامها اذا كانت غريبة وأجنبية. الهوس هذا، أليس هو نفسه محور التدين السلفي والإخواني؟ لكن الجديد أن الحوادث الناجمة عن هذا الهوس، صارت اليوم مداراً للمناقشة العلنية المتنازعة بين قوى المجتمع وهيئاته، من دون أن تتمكن السيطرة المطلقة للسلطات من التلاعب بالحوادث ومواراتها خلف ستار من الخوف والتخويف.
في برنامج حوار تقدمه إذاعة "بي بي سي" اللندنية، وتناولت حلقة من حلقاته مسألة تزويج الفتيات من مغتصبيهن، اتصل بالإذاعة شخص سعودي، فاعتبر أن ارتياد الفتيات المرابع الليلية هو ما يؤدي الى اغتصابهن، واقترح قفل منتديات السهر الليلي للقضاء على ظاهرة الاغتصاب. وفي تحقيق صحافي عن أحوال الطالبات الجزائريات من نزيلات المسكن الطالبي الجامعي في الجزائر العاصمة، روى التحقيق الذي كتبته فتحية زماموش ("الحياة"، 12 آذار 2012) بعضاً من حالات ضياع طالبات وفدن من الأرياف للدراسة الجامعية ونزلن في المسكن الطالبي. في الصورة المرفقة بالتحقيق ظهرت عشرات من طالبات المسكن محجبات، فيما تنقل مقتطفات من سيرة ثلاث طالبات وقائع "انحرافهن" و"اضطرارهن" أو "انزلاقهن" الى العمل بائعات هوى، نتيجة انسلاخهن عن البيئة الريفية وحضانة الأهل، وتعرضهن لظروف الحياة المدينية "القاسية". إحداهن تقول إن الحياة في حي السكن الطالبي الجامعي تشبه الحياة "في غابة". وهي اضطرت الى أن تعمل نادلة في مقهى للحصول على نفقات معيشتها اليومية. أما الطالبة الأخرى فروت أنها تعمل بائعة هوى في حانة ليليلة، وتتعاطى المخدرات، فيما روت طالبة ثالثة "فائقة الجمال"، أنها "تصطاد الشبان والرجال الذين يركنون سياراتهم الفارهة ليلاً قرب بيت الطالبات".
نسجاً على منوال اعتبارات صاحب الرأي في حوادث الاغتصاب، يجب الكف عن تعليم البنات وقفل المسكن الطالبي الجامعي في الجزائر، للخلاص من ظاهرة "انحراف" الطالبات بعد عملهن في النوادي الليلية التي دعا المتصل السعودي بالـ"بي بي سي" الى قفلها أيضاً. هذا يعني أن الحجر على النساء وإخراجهن من التعليم والعمل والحياة العامة، هما اللذان يعصمان المجتمع من "آفاته" كافة، ما دام خروج المرأة من محجرها أو محرمها الأسري والعائلي هو الباعث الوحيد على "الآفات" كلها. أما في اليمن – الذي اعتاد كثيرون من الرجال السعوديين على القيام برحلات سياحية فيه، والزواج من فتيات منه صغيرات عذراوات، زواجاً "سياحياً" موقتاً، ثم يتركونهن لأهلهن ويعودون الى ديارهم – فإن طالبات المدارس الثانوية اليمنية يتابعن اليوم ما يُعرف بـ"ثورة المؤسسات الهادفة الى تغيير قيادات متهمة بالفساد"، وفقاً لتحقيق صحافي كتبه علي سالم من مدينة تعز ("الحياة" 12 آذار، 2012). الصورة المرفقة بالتحقيق تظهر جمهرة من الطالبات اليمنيات المحجبات يسرن في تظاهرة ترفع لافتات تقول إن "تعيين بلاطجة مديري مدارس من اسباب فشل التعليم" و"مدرسة أسماء قررت إسقاط المديرة". مثل هذه "الانتفاضات الطالبية" المستمرة في اليمن ضد إدارة المؤسسات التعليمية، قد تؤدي على المدى البعيد الى خلخلة ثقافة طاعة أولي الأمر التي يعتبرها باحثون من أركان الاستبداد الاجتماعي. وهو الاستبداد إياه الذي يُرغم فتيات يمنيات على زواج شبه اغتصابي من رجال سعوديين يسوحون سياحة جنسية في اليمن.
هذه الوقائع الجزئية في بلدان الثورات العربية وسواها، ليست جديدة. لكن إلقاء الضوء عليها وفتح أبواب عرضها وتقصيها ومناقشتها على نطاق واسع ومستفيض، قد يكون من نتائج الثورات ومراحلها الانتقالية الراهنة. ذلك أن المجتمعات العربية اليوم في حال من الحراك يصعب وقفه ولجمه والتكهن بمساراته في المدى القريب. أما اللافت في هذه الوقائع فهو ان مدارها يتمحور حول الحراك الشبابي والظواهر الشبابية، ومسألة حقوق النساء وأوضاعهن في المجتمعات العربية الثائرة والموقوفة في مهب الثورات.
الأسبوع الماضي، عندما كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يتحدث مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف خلال قمة سيول، في كوريا الجنوبية، لم يكونا يعرفان أن الميكروفون أمامهما كان مفتوحا، في انتظار بداية مؤتمر صحافي. وكان الزعيمان ناقشا مشكلات؛ بينها غضب الروس على خطة أميركية لبناء شبكة صواريخ، وصواريخ مضادة في شرق أوروبا. بينما يقول الأميركيون إن الهدف هو حماية أوروبا من صواريخ إيران، يقول الروس إن الهدف هو روسيا. وسمع الصحافيون أوباما وهو يقول للرئيس الروسي إنه سيكون «أكثر مرونة» بعد إعادة انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. قال أوباما: «هذه آخر انتخابات لي. بعد الانتخابات سأكون أكثر مرونة». ورد الرئيس الروسي: «سوف أنقل هذه المعلومات إلى فلاديمير» (يقصد الرئيس الجديد فلاديمير بوتين).
المصدر: مصادر مختلفة