التجسس الفضائي الإسرائيلي: الاقمار الصهيونية تفضح هاجس القلق الوجودي

التجسس الفضائي الإسرائيلي: الاقمار الصهيونية تفضح هاجس القلق الوجودي
مأمون كيوان*

 

 

 أعلنت وزارة الحرب الإسرائيلية في 23 حزيران/يونيو 2010، إطلاق قمر اصطناعي للتجسس من قاعدة <بالماخيم> في جنوب تل أبيب، ويدعى القمر(أفق 9) وقد وضعه في المدار صاروخ من طراز (شافيت)· ويأتي اطلاق هذا القمر في اطار مراقبة الأنشطة النووية الإيرانية· وسيكون واحداً من ثلاثة أقمار لمراقبة مناطق حساسة> في المنطقة·

ويزن القمر(أفق 9) نحو 300 كيلوغرام، ويقوم بدورة كاملة حول مداره كل 90 دقيقة، وهو السادس في سلسلة أقمار اصطناعية لأغراض التجسس تحمل اسم (أفق)· وبالرغم من أن القمر الجديد لا يعد تحوّلاً تكنولوجياً مقارنة بالأقمار الاصطناعية السابقة، إلا أنه يؤمّن للجيش الإسرائيلي مرونة أكبر في مجال التجسس من الفضاء· وهذا حسب ما نقلته صحيفة جيروزاليم بوست عن مسؤول عسكري إسرائيلي·

وسبق أن أطلقت إسرائيل في أوائل العام 2008 قمراً اصطناعياً للاستطلاع? هو القمر <تك سار>، البالغ وزنه 30 كيلوغراما والمعروف أيضاً باسم <بولاريس>، وأطلق بوساطة صاروخ هندي، وهو أول قمر اصطناعي إسرائيلي مجهز بتكنولوجيا <أس آيه أر> (سينثيتيك ابريتشر رادار) القادرة على نقل صور عالية الدقة في كل الظروف المناخية، ويمكنه مراقبة المنشآت النووية الإيرانية?

كما كانت إسرائيل قد أطلقت في 27/12/2003 من قاعدة <بايكونور> الروسية في كازاخستان، القمر الصناعي <عاموس> الذي بلغت كلفة تطويره حوالي 150مليون دولار بدعم أميركي واسع، بوساطة صاروخ تابع لشركة الإطلاق الفرنسية - الروسية <ستار - سام>?

ويوفر القمر خدمات بث للعملاء الإسرائيليين والأجانب في الشرق الأوسط وأوروبا ويخدم الشركة الإسرائيلية للتلفزيون الفضائي YES ومحطة HBO الأميركية في المجر وبولندا وسلوفاكيا ورومانيا وجمهورية التشيك?

وعادة تطلق إسرائيل الأقمار الاصطناعية التجارية من سلسلة <عاموس> عبر صواريخ أجنبية بسبب ثقلها الكبير فيما تتولى بنفسها بإطلاق الأقمار الاصطناعية العسكرية، من طراز <أفق> من قواعد سلاح الجو الإسرائيلي، لقلة وزنه والتكتم على الأسرار الخاصة بنظام الفضاء الإسرائيلي?

وأطلق في أيار مايو 2002 القمر الصناعي التجسسي <أفق5> على متن صاروخ إسرائيلي من طراز <شافيت> من ميدان التجارب الصاروخية في شاطئ <بلماخيم> جنوب تل أبيب? ويدور هذا القمر على ارتفاع 500 كيلومتر فوق سطح الأرض وبمعدل 16 دورة في اليوم ? ورغم الفارق بين انحراف دورة القمر الصناعي وانحراف دوران الكرة الأرضية في إمكان <أفق 5> المرور فوق نقطة معينة فقط مرة واحدة كل يومين? وبلغت كلفة <أفق 5> نحو 60 مليون دولار أميركي، وجرت عملية بنائه في مصنع <مبات> التابع للصناعات الجوية الإسرائيلية، فيما تم صنع الصاروخ <شافيت> في مصنع <ميلم> التابع أيضا للصناعات الجوية الإسرائيلية?

ويعتبر <أفق 5> جزءاً من منظومة جمع المعلومات الاستخباراتية عن الدول العربية وغيرها من الدول? ولا تخفي إسرائيل أهدافها من وراء إطلاق الأقمار التجسسية بل تؤكد أن الهدف المركزي يتمثل في محاولة امتلاك قدرة إنذارية خاصة عن الصواريخ العربية البعيدة المدى? والتركيز على ما يطرأ على الأرض من تغييرات لجهة حفر قواعد للصواريخ أو إقامة مخازن لها أو إجراء تجارب عليها?

وتمتلك إسرائيل إلى جانب <أفق 5> أقماراً صناعية عدة تديرها وكالة الفضاء الإسرائيلية التي تم إنشاؤها العام 1983، علما أن الاهتمام الإسرائيلي بالفضاء يعود إلى أوائل ستينيات القرن العشرين، واقتصر آنذاك على البحوث العلمية النظرية من جانب أساتذة الجامعات الإسرائيلية? كما كانت الأكاديمية الإسرائيلية للعلوم والإنسانيات أنشأت رسمياً <اللجنة القومية لبحوث الفضاء> العام 1963 ? وفي العقود اللاحقة نشط العلماء والاختصاصيون الإسرائيليون في إعداد البحوث العلمية والمشاركة في المؤتمرات الدولية الخاصة بالفضاء?ومع بداية الثمانينات تمحورت الجهود الإسرائيلية على تطوير بنية صناعية وعلمية خاصة بشؤون الفضاء كي تنضم لعضوية نادي الفضاء العالمي?

ومن أبرز الأقمار الصناعية التجسسية الإسرائيلية: <عاموس> و>أفق 3> إضافة إلى أنظمة مراقبة واستشعار عن بعد منها <ايروس> و>تك سات>، ويدور>أفق3> الذي أطلق العام 1999 على علو يتراوح بين 400 و700 كيلو متر بمعدل دورة واحدة حول الأرض خلال مدة تتراوح مابين 90 و120 دقيقة،أي بمعدل ست دورات نهارية في اليوم، بحيث يمر في الدورة النهارية الأولى فوق منطقة غرب الهند وباكستان وأفغانستان ودول آسيا الوسطى وإيران والعراق ومنطقة الخليج العربي? وهناك <أفق 1> الذي أطلق العام 1988و>أفق 2> الذي أطلق العام1990? أما القمر الصناعي <عاموس 1> فأطلق العام 1995وتبعه العام التالي القمر <عاموس2>?

ويذكر أن من أبرز وظائف <أفق 3> تزويد إسرائيل لمنظومة استطلاع متكاملة للتجسس والتصوير الفضائي تغطي منطقة الشرق الأوبسط والحصول على فرصة الإنذار المبكر عند تعرض إسرائيل لهجمات بالصواريخ الباليستية والتوجيه الدقيق للصواريخ الباليستية الإسرائيلية وإعاقة الاتصالات السلكية واللاسلكية ووسائل الاستطلاع الإشعاعية وأجهزة الاستطلاع الراداري العربية، وجني مكاسب اقتصادية حيث ترى إسرائيل أن خدمات الفضاء أصبحت سوقا ضخمة يراوح حجمها بين 100 و200 مليار دولار في السنة?

ولعبت الولايات المتحدة دورا رئيسا في تحديد الملامح الرئيسة للبرنامج الفضائي الإسرائيلي لجهة تزويد إسرائيل الخبرات ونتائج الأبحاث وصور الأقمار الصناعية الأميركية فضلا عن إشراك إسرائيل في مشروعي حرب النجوم والدرع الصاروخي? أما فرنسا فتمثل دورها بحسب تقرير نشر في صحيفة نيويورك تايمز في كانون الثاني ينايرـ من العام 1966 جاء فيه أن إسرائيل وقعت اتفاقاً سرياً مع فرنسا لشراء صواريخ أرض أرض متوسطة المدى? وفي العام 1989 وبعد عام من إطلاق <أفق 1> ذكر المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن أن الصاروخ <شافيت> هو النموذج الأساس لصاروخ أرض أرض الإسرائيلي <أريحا>? وبعد سبع سنوات من ذلك كشفت الشركة الفرنسية <داسو> قصة الصاروخ الذي طورته لإسرائيل? وبحسب منشورات أجنبية نقلت <داسو> عمليات التطوير والإنتاج إلى مصنع <ميلم> الإسرائيلي في أعقاب فرض حظر فرنسي على مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل? وهناك أيضا تعاون بين إسرائيل وجنوب إفريقيا في مجال تكنولوجيا الصواريخ الباليستية وفي مجال الأبحاث الفضائية?

ولدى مقارنة طبيعة البرنامج الفضائي الإسرائيلي مع المحاولات العربية الخجولة في هذا المجال والتي تقتصر على استيراد الأقمار الصناعية في مجال الاتصالات والبث التلفزيوني مثل:>نايلسات> و<عربسات>، ومحاولات مصرية أخرى لصوغ برنامج فضائي? تتضح محدودية القدرة التنافسية العربية الناجمة عن الهيمنة الأميركية على النادي الفضائي وكبح أي محاولة عربية للقيام بنشاطات فضائية? ويعكس إصرار إسرائيل على مواصلة اطلاق الأقمار الاصطناعية لأغراض التجسس، حالة قلق وجودي لم يبددها تفوق إسرائيل العسكري النوعي والتقني على الدول العربية كافة· وثبت عمليا في حرب لبنان2006 وحرب غزة 2009 محدودية تكنولوجيا التجسس في اختراق إرادة المقاومين التي تجسر الفجوة التكنولوجية والاختلال في ميزان القوى العسكري، وتحرم إسرائيل من إنجاز <نصر> سياسي·

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * كاتب من سوريا·