الزعامة السنية: من المحيط "اللبناني" إلى الخليج "العربي" [2] -

تاريخ الإضافة الخميس 15 تموز 2010 - 6:21 ص    عدد الزيارات 568    التعليقات 0

        

الزعامة السنية: من المحيط "اللبناني" إلى الخليج "العربي" [2] -
بقلم فريد الخازن 

في ما يأتي الحلقة الثانية والاخيرة من مقالة فريد الخازن عن الزعامة السنية في لبنان:
تسارعت الاحداث في السنتين الاخيرتين من الحرب وادت الى انهائها في ظل متغيرات داخلية واقليمية ودولية متسارعة، والى اعلان وثيقة الوفاق الوطني في الطائف التي تضمنت عناوين عديدة، اهمها: الاصلاحات الدستورية التي كانت معظم مضامينها متداولة قبل اجتماعات الطائف، والسيادة الوطنية، وتحديدا مسألة انسحاب الجيش السوري من لبنان (ذلك ان لا خلاف داخلياً حول الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب) الذي لم يلحظ اتفاق الطائف آلية لتنفيذه ضمن مهلة السنتين بعد ادخال الاصلاحات الدستورية. ولقد عزز الدستور المعدل على اساس اتفاق الطائف الموقع السني في الحكم عبر تدعيم موقع رئاسة الحكومة. وكان رجل الاعمال رفيق الحريري، الموفد من العاهل السعودي، من الذين شاركوا منذ منتصف الثمانينات في وساطات بين الجانبين السوري واللبناني وفيما بعد في مرحلة اقرار اتفاق الطائف.
اما انطلاقة رفيق الحريري الاولى في الشأن العام فكانت عبر انشاء "مؤسسة الحريري" التي ركزت نشاطها في الثمانينات على منح المساعدات الاجتماعية وعلى تعليم جيل كامل من الشباب اللبناني في الجامعات اللبنانية والاجنبية. ومع انتهاء الحرب في 1990 كان الحريري في جهوزية كاملة لخوض المعترك السياسي من الموقع الاعلى داخل طائفته، اي رئاسة الحكومة. ولم تنضج ظروف توليه السلطة الا في العام 1992، وتحديدا بعد الانتخابات النيابية الاولى بعد الحرب التي قاطعها ما يزيد على سبعين بالمئة من الناخبين.
لن ندخل في تفاصيل الاوضاع السياسية التي سادت في مرحلة الوصاية، وهي معروفة من الجميع، منذ مطلع التسعينات حتى اغتيال الرئيس الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان في نيسان 2005. الا ان اللافت في مسار رفيق الحريري انه  اتى الى السياسة اللبنانية من عالم مختلف عن ذاك الذي انتج الزعامات السنية،  التقليدية والجديدة، على حد سواء.
 لم يدخل الحريري السياسة عن طريق الوراثة السياسية او الزعامة التقليدية بل من باب الاعمال والثروة  وعبر شبكة علاقات عربية ودولية متشعبة ركيزتها الاساس العلاقة الخاصة بالعاهل السعودي الملك فهد، قبل توليه الحكم وبعده. كما ان بروز الحريري على الساحة السياسية تزامن مع الوهن السياسي الذي اصاب الزعماء السنة، فمنهم من شاخ، ومنهم من كان خارج البلاد او تراجعت شعبيته. الا ان دخول رفيق الحريري المعترك السياسي لم يكن لاسباب ايديولوجية، قومية عربية بتلاوينها المختلفة، ولا عبر الشارع السني المعبأ، الذي لم يعد شارعا عروبيا وحدويا في التسعينات مثلما كان في مراحل سابقة.
لقد شكل رفيق الحريري نمطا جديدا في الزعامة السياسية في الشكل والمضمون: زعامة براغماتية، ركيزتها حضور فاعل في معظم المناطق اللبنانية، وعلاقات وطيدة مع ملوك ورؤساء دول عربية واجنبية، وطموح لا تحده حدود. فبينما كانت الزعامات السنية من صنع الداخل اللبناني المتأثر بالمحيط العربي، كان مسار الحريري معاكسا: نفوذ عربي، ومن ثم زعامة محلية. كما ان الحريري لم يكن في حالة تنافس مع زعيم شعبي عربي مثل عبد الناصر او عرفات، وان كان له معارضون وخصوم كثر في لبنان وخارجه.
 اما النخب السنية الاخرى التي برزت في مرحلة ما بعد الحرب فمسارها في بعض جوانبه مشابه لمسار الحريري لجهة حداثة عهدها ومقاربتها الواقعية للشأن السياسي، ولكون اركانها رجال اعمال واصحاب ثروات ضخمة.
اما المحطة الحاسمة في مسار رفيق الحريري السياسي فجاءت لحظة استشهاده التي كانت الشرارة لانطلاق تيار سياسي وشعبي واسع، لا سيما في الوسط السني. هكذا التقت التيارات السيادية المطالبة بانسحاب الجيش السوري منذ مطلع التسعينات، خصوصا في الوسط المسيحي قبل استشهاد الرئيس الحريري وبعده، في لحظة تاريخية لتصنع الاستقلال الثاني للبنان في ظل متغيرات اقليمية ودولية معاكسة لتلك التي سادت في زمن دخول الحريري السلطة مطلع التسعينات.
 

•••
 

انها مفارقة التحولات الكبرى في العالم العربي، من المحيط الى الخليج، الذي تغيرت اولويات شعوبه وانظمة الحكم فيه وقضاياه. فبين زمن رياض الصلح وزمن رفيق الحريري هوة واسعة يصعب ردمها، لبنانيا وعربيا. فخلال خمسة او ستة عقود ازدادت الانظمة العربية سطوة وثروة، وتراجعت الثورات وقضايا الامة الجامعة، من العروبة الى فلسطين، وحلت مكانها قضية مركزية عنوانها السلطة والاستقرار والجمود. فبعد الحرب العراقية - الايرانية والاجتياح العراقي للكويت وحرب تحرير الكويت، وحرب العراق، انتقل مركز الصراع في المنطقة الى الخليج، مصدر الثروات النفطية الكبرى والاقتصاد والعمران، ومعه انتقل مركز الثقل من المشرق العربي الى الخليج.
في المشرق نزاع قديم شاخ وهرم، عمره من عمر نشوء الدول في المنطقة. ولقد بدأ نزاعا بين العرب واسرائيل وهو اليوم نزاع فلسطيني- اسرائيلي في ظل تطرف اسرائيلي بلا حدود وانقسام فلسطيني غير مسبوق، وبمحازاته صراعات وطموحات محورها السلطة والنفوذ سواء بين العرب انفسهم او في محيطهم الجغرافي المباشر، من ايران الى تركيا.
 والتحدي الاكبر للشعوب العربية يكمن في القدرة على ايجاد نقطة ارتكاز لحركة المجتمعات المنجذبة الى الحركات الاصولية التي تسعى هي الاخرى الى ايجاد موقع نفوذ لها بشتى وسائل الترهيب والترغيب. اما انظمة الحكم فهي مكبلة لا يفك اسرها اي قضية من قضايا العالم المعاصرة، ان في مجال الانجازات الاقتصادية التي سجلتها دول نامية مثل ماليزيا والهند وقبلها كوريا الجنوبية وتايوان، او في مجال الديموقراطية السياسية، مثلما هي حال دول الغرب قبل انتهاء الحرب الباردة وبعدها.
انها معضلة تتجاوز قدرات لبنان وطاقات زعمائه من الطوائف كافة. وهي بدون شك تتجاوز امكانات الانظمة والشعوب العربية بعد ان كادت مباراة كرة قدم بين فريقي مصر والجزائر، قبل اشهر، ان تطيح بما تبقى من ورقة تين "المصير المشترك" لعرب اليوم في مطلع الالفية الثالثة. اما لبنان فلن يصون سيادته ويحمي مصالحه سوى ابنائه، هذا اذا اتحدوا واتعظوا مما خبروه من ماضيهم القريب والبعيد.


(أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية – نائب في البرلمان اللبناني)      

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,178,417

عدد الزوار: 7,622,833

المتواجدون الآن: 0