هل هناك سلم أهلي في لبنان؟

تاريخ الإضافة الأحد 1 آب 2010 - 8:13 ص    عدد الزيارات 648    التعليقات 0

        

هل هناك سلم أهلي في لبنان؟
بقلم رويدة سام منسى - واشنطن

يصعب على المراقب المتابع للوضع في لبنان ان لا يتوقف امام التطورات الجارية لا سيما المتعلقة بالكشف عن الجواسيس في شركات الهاتف الخليوي كما الحملة التي تشن على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. والكشف عن شبكات التجسس تُوج بالاعلان عن اختراق اسرائيلي لشبكات الهاتف الخليوي وانكشاف لبنان امام اسرائيل وأُتبع بتسلسل منسق بحملة منظمة مدروسة على صدقية المحكمة الدولية انتهت بخطابين للسيد نصرالله اعلن فيهما صراحة رفض "حزب الله" لما سوف يصدر عن المحكمة التي وصفها بأنها اسرائيلية وطالب الرئيس الحريري العمل مع الدول الكبرى بما له من علاقات على وقف ما سماه باللعب الذي تقوم به المحكمة الدولية.
ما يلفت اضافة الى تسلسل الاحداث المنسق وتوقيت الحملة على المحكمة هو ما يلاحظه المشاهد او القارئ لوسائل الاعلام التي تنقل تصريحات ومواقف السياسيين اللبنانيين حلفاء الحزب وسوريا من المحكمة والتي تشبه جراء كثافتها وتتطابقها وتركيزها عمليات غسل الدماغ حيث لم تخرج عن الاطار الذي رسمه لهم سيد المقاومة والاسس والحجج التي ساقها. هذا الامر دفع باحد المراقبين من واشنطن ان يعلق وبطرافة على هذه الملاحظة بقوله اننا تعودنا ان نستعمل "الريموت كونترول" جهاز التحكم عن بعد لتشغيل وضبط شاشات التلفزة انما لم يسبق ان تعرفنا انه عبر شاشة عملاقة يستطيع شخص واحد ان يحرك ويضبط الحياة السياسية في بلد ما على غرار السيد نصرالله والجوقة التي ملأت الإعلام بمواقفها من المحكمة والتي تذكر بانظمة سياسية قريبة وبعيدة دارت في الفلك السوفياتي البائد.
هذا في الشكل اما المضمون فهو اشد خطورة لأن الانطباع لدى المراقب لا سيما من الخارج لردود الفعل على كلام السيد نصر الله انها بقيت دون حجم الفعل واهمية ودلالات ما يطالب به السيد الذي يحتكر وحده معرفة الحقيقة كل الحقيقة لا سيما ما قاله عن البيئة الحاضنة للجواسيس ورفضه المحكمة والطلب من الرئيس الحريري وقف اعمالها ودعوة قيادات 14 آذار للتراجع واعلان التوبة والالتحاق بطروحات وسياسات الحزب وحلفائه. وليس من المستغرب ان ينطق السيد بما نطق به وهو نتيجة طبيعية للفكر الشمولي الآحادي الذي يملك الاجوبة على كل الاسئلة ولا مجال للمناقشة او حتى التفكير.
ان منطق ومضمون كلام السيد نصرالله واضح وبسيط لا يحتاج الى تحليل ودراسة نص. فالحزب وبخاصة منذ اتفاق الدوحة يمعن بنجاح في سياسة القضم ثم الهضم، وهكذا حيث تمكن من طمر قضية شرعية سلاح المقاومة المختلف عليها وحوّل النقاش السياسي في البلد صوب المحكمة الدولية مهددا ومتوعدا جراء تهم محتملة قد توجه اليه حتى باتت القضية الرئيسة هي المحكمة الدولية وليس سلاح الحزب.
كما ان "حزب الله" يعرف تماما ان عودة الخلاف على المحكمة يعني اسقاط اتفاق الدوحة وتعقيداً اضافياً لجلسات الحوار وهي متابعة منطقية لانجاز 7 ايار 2008 اي فرض وقائع جديدة على الارض وبقوة السلاح هدفها الرئيس الالغاء التام وبشكل مدروس ومنسق لكل ما نشأ في المرحلة التي تلت اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط 2005 الى اليوم. "حزب الله" يريد وبشكل لا يحتمل الالتباس ان يعتبر جمهور 14 آذار ان زلزال اغتيال الحريري وما تلاه من اغتيالات وتفجيرات وممارسات لم تحصل بل يسعى وسيستمر يسعى الى محاسبة ومعاقبة المسؤولين عن تلك المرحلة. بل اكثر من ذلك ان الحزب يسعى لالغاء تاريخ الوصاية السورية على لبنان ما قبل اغتيال الرئيس الحريري كما لو ان خلاف أكثرية اللبنانيين مع سوريا وحلفائها يقتصر على اتهام سوريا ومن في فلكها بمقتل رفيق الحريري وبالمحكمة الدولية ومجرياتها ولا يتعداه الى تدمير المؤسسات اللبنانية ونظامها الديموقراطي التعددي على مدى ثلاثين عاما؟
ان دلالات اسقاط المحكمة الدولية تتجاوز قضية الاغتيالات والتهم التي قد تطاول الحزب او تمتد الى غيره من الاطراف التي قد تكون متورطة بل هي مسح وإلغاء مرحلة كاملة بكل ما حملته من انجازات وادبيات ومواقف.
هل هذا الهدف بعيد عن الرغبة السورية بإعادة عقارب الساعة الى 13 شباط 2005؟ ان المتابع للشأن اللبناني منذ السبعينات وحتى اليوم يصف ما يجري ب DÉJÀ VU اي ما سبق ورأيناه وليس بالشيئ الجديد. انما تغير بعض اللاعبين بينما بقي كثير منهم ولا يزالون يتقنون اصول اللعبة. لقد تمكن النظام في سوريا وبفعل عوامل محلية متعلقة باداء 14 آذار واخرى اقليمية من تحييد نفسه وطبّع علاقاته مع الدولة اللبنانية ولا سيما مع الرئيس سعد الحريري، وبدأ يعود عبر بوابات عربية الى لعب دور الوسيط والذي قد يتطور الى دور الاطفائي وقد يتجاوزه، وبفعل قوته وسطوته، الى دور الردع الذي مارسه اكثر من ربع قرن، ولا يزال فريق كبير من اللبنانيين يحن اليه بحسب ما نلاحظ. يصعب نسيان مرحلة بدأت منذ عهد الرئيس فرنجية واستمرت حتى العام 2005 حيث بدأ الدور السوري توفيقيا وسيطا بين الاطراف المتنازعة وغالبا ما كان يحرضها ويسعر خلافاتها مباشرة او مداورة عبر تنظيمات حليفة وانتهى محتلا حتى خروجه مجبرا.
اليوم يكاد المشهد يتكرر مع "حزب الله" صديق سوريا وحليفها حيث لم تسقط دمشق حرفا واحدا من خطابها الداعم للحزب ومساعداتها له والتي هي بمثابة الرئة التي يتنفس منها اضافة الى علاقاتها مع الراعي الايراني. كما وفي الوقت عينه تنسج علاقات دافئة وحميمة مع الرئيس سعد الحريري انما تقتصر على الشكل والظاهر بينما لم تغير شيئا في المضمون وعلى اكثر من صعيد. مرة اخرى نجحت سوريا من خلال "حزب الله" وحلفائها في جعل قضية المحكمة الدولية قضية خلافية داخلية محيدة نفسها، وبدل ان تكون المواجهة بين سوريا ولبنان في هذا الملف اضحت بين فريقين لبنانيين. ونحن في انتظار يدها التي سوف تمد "لمساعدة البلد الشقيق من الانزلاق مجددا في حرب اهلية".
وفي هذا السياق بدأ يتردد في بعض اوساط ما تبقى من الاكثرية مقولة ان سوريا دولة قوية مقتدرة نافذة ولن نقدر على مواجهتها وان لا استقرار وامن في لبنان ان لم تكن علاقاته بسوريا جيدة. هذا واقع صحيح وقد يصعب قبوله، انما السؤال هل علاقة بيروت بدمشق اضحت اليوم متكافئة من الند الى الند مثل العلاقات بين سائر الدول ام ان سوريا ما زالت تسعى الى دور الوصي وتمكنت وبفضل حلفائها وتصميمهم الدؤوب من تحقيق كل ما تريده ولا تزال تسعى لتحقيق الاكثر؟ وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى ما نسب الى الرئيس الحريري في بعض الصحف من انه ينبغي "عدم التركيز فقط على سلبيات مرحلة الوجود السوري لأنه كانت لها إيجابيات يجب عدم نسيانها منها أجواء الاستقرار والأمن التي كان ينعم بها اللبنانيون". لعل الرئيس الحريري نسي ان رفيق الحريري اغتيل في تلك المرحلة وليس بعدها.
 ما الذي حصده لبنان منذ اتفاق الدوحة اكثر من امن يتهدد في كل لحظة من الداخل والخارج في آن واحد؟ ماذا جنى الرئيس الحريري وتيار المستقبل اكثر من رئاسة حكومة مهددة ايضا في كل لحظة بالتعطيل؟ ما هو مصير الكتائب والقوات اللبنانية وبعض رموز 14 آذار جراء المتغيرات والمطالبات المتسارعة؟
طبعا سيرد البعض بحجة مكررة هي اولوية حماية ما يسمونه بالسلم الاهلي، انما هل بالفعل هناك سلم اهلي في لبنان؟ واي سلم اهلي وفريق واحد يفرض يوميا بقوة السلاح وقائع جديدة على اكثر من صعيد في السياسة والامن وحتى الثقافة؟ انها حرب اهلية مستترة يحقق فيها مالك القوة العسكرية اهدافه كل يوم حتى دون ان يستعمل ما بحوزته من سلاح.
ان المرحلة تقضي طبعا بضرورة التروي ومقاربة الامور بمسؤولية انما تقضي ايضا وبالقدر نفسه التروي والمسؤولية في قراءة الموقف السوري من جهة كما التعاطي بجدية وحزم إزاء ما يقوم وسوف يقوم به "حزب الله" وان يكون الرد بحجم الحدث. ان ما يتعرض له لبنان يتجاوز مجرد تجاذبات سياسية عادية تشهدها الدول في الاوضاع الطبيعية ويطاول الكيان ومستقبل الناس وحريتها وبقائها.
ان سقف الردود على هجمة "حزب الله" على المحكمة الدولية اكبر برهان على التشرذم وانعدام الرؤية والتردد والالتباس وكلها مؤشرات لا تشجع المجتمع الدولي لا سيما الدول الكبرى على الدعم والمساندة ما يدفعها الى تفضيل مصالحها على المبادئ والقيم كما هو معروف في السياسة، ومن بمقدوره تأمين هذه المصالح سوف تكون له اكثرية المقاعد على طاولة المفاوضات لا سيما ان اوساطا كثيرة بحثية واستخبارية وعسكرية غربية واميركية باتت تروج للحوار مع "حزب الله" وغيره من الحركات المتشددة.
وفي هذا الصدد ينبغى ان لا يلوم اللبنانيون لا سيما جمهور 14 آذار الدول الصديقة اذا تراجع دعمها لهم بعض الشيئ. كما ان الزيارة المرتقبة للعاهل السعودي والرئيس الاسد وامير قطر الى بيروت اذا ما قدر لها ان تتم، ينبغي ان تكون مناسبة للرئيس الحريري للتمسك بالمحكمة الدولية وتحصينها والتي انشئت ليس فقط لمعرفة قتلة الرئيس الحريري انما ايضا سائر الجرائم التي وقعت بعدها ولحماية اللبنانيين كافة من عودة آلة القتل الى عملها.


 

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,150,678

عدد الزوار: 7,622,457

المتواجدون الآن: 0