مع النظام نصف العلماني في سوريا ... ضد الاستبداد الديني

تاريخ الإضافة الجمعة 27 آب 2010 - 7:45 ص    عدد الزيارات 610    التعليقات 0

        

مع النظام نصف العلماني في سوريا ... ضد الاستبداد الديني

نقل المعلمات المنقبات السوريات لوظائف إدارية والحديث عن "النية" لمنعهم من دخول الجامعات، أثار جدلاً في أوساط المعارضة السورية تعود أهميته لكشفه ما تريده المعارضة من النظام أو نوع التغيير الذي تطمح له.
اعترض الإخوان المسلمون السوريون على الإجراء، حيث اعتبر البيان الختامي لمجلس شورى الجماعة أن جانباً من قمع الإنسان السوري "حملات العدوان على حجاب المرأة السورية المسلمة بذريعة منع نقابها..." فيما اعتبر ناطقها الرسمي منع الحجاب -وليس النقاب!- تأكيداً لعلمانية الدولة التي هي مشروع صهيو-أميركي! مما أظهر مدى عداء الجماعة للعلمانية كجزء من الحداثة والديموقراطية، واعتبارها–حسب زعمهم- أحد أوجه الحرب التي يشنها الغرب ضد الإسلام والمسلمين، مما يتناقض مع الوقائع، فهذه الحرب اختراع للمنظمات الأصولية المسلحة لتبرير تكفيرها للعالم وإعلان جهادها ضد "فسطاطه الكافر"، فيما الحرب على الإرهاب أهدافها محددة بالمنظمات الأصولية التي ترتكب أعمالاً إرهابية في أرجاء العالم. كما أظهر موقف الجماعة أن مشروعها لسوريا حديثة المعلن منذ سنوات ليس للتطبيق العملي، فالموقف الحقيقي للجماعة طموحها لنظام يطبق الشريعة حسب فهمها لها رغم تناقض عدد من نصوصها القديمة في مسائل المعاملات مع الديموقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والحياة الحديثة.
طرف آخر محسوب على المعارضة، التجمع الوطني الديموقراطي لأحزاب قومية ويسارية، فضل اعتبار الإجراء "انتهاكاً لحقوق المدرسات المحجبات والمنقبات"! وهو موقف ينسجم مع توجهات "التجمع" الذي يتحاشى العلمانية ويطالب بديموقراطية هدفها الأول تمكينه من المشاركة في دعم "الممانعة والمقاومة" في بلدان عربية مجاورة والسعي لتوحيد "الامة العربية"! وتحقيق "العدالة الاجتماعية"! وهي أهداف حسب رأيه أهم من قضية النقاب أو العلمانية، وتستوجب عدم السماح بهز تحالف التيار القومي واليساري مع التيار الإسلامي الذي قد يتأثر بدعم التجمع للإجراء. فيما الدفاع عن حقوق المنقبات يتجاهل ان الإجراء لا يتعرض لحريتهن الشخصية بارتدائه، إذ يمنعه فقط في المدارس والجامعات وهي مؤسسات من حقها تحديد لباس منتسبيها.
تيار معارض آخر هو ائتلاف "إعلان دمشق" فضل عدم الانجرار للجدل حول الإجراء فتجاهله حتى الآن، فلا يريد لنفسه "وجع رأس". أما موقعه الرسمي فنشر وجهات النظر المختلفة دون أن يكون للإعلان وجهة نظر خاصة. رغم أنه لم  يكن هناك ضرورة للتجاهل في ضوء خروج معظم القوميين واليساريين من صفوفه بحجة أنه تحت هيمنة الليبراليين، بالإضافة لتجميد التيار الإخواني معارضته للنظام مما يعني افتقاده لشرط أساسي للمشاركة في "الإعلان" وهو معارضة النظام من أجل التغيير الديموقراطي، وليس الدعوة للوحدة الوطنية لمواجهة الحرب على المسلمين، أولوية الجماعة التي جمدت على أساسها معارضتها منذ حرب غزة.
تعرّض كتّاب معارضون سوريون للإجراء ومنهم بشكل خاص الدكتور عبد الرزاق عيد الذي فضل ان يرجع اتخاذه من قبل النظام للتصدير الخارجي للتغطية على قمعه لمعارضيه، ثم "كجائزة ترضية" داخلية لنخب تنحدر من أوساط "مسيحية وعلوية" تراهن على الحداثة والعلمانية بغض النظر عن الديموقراطية، كما نفى كون الإجراء
علمانياً ونفى أية علاقة للنظام بالعلمانية وفضل اعتباره نظاماً "عدمانياً!".
الصديق الدكتور عبر عن آراء معارضين يفضلون المبالغة في شن حملات ضد النظام ورفض تأييد أي إجراء أو إصلاح يتخذه حتى لو لم يتعارض مع الأهداف التي يسعون إليها. هذه الحملات تبتعد عن توصيف الوقائع كما هي وتحصر إهتمامها بتغيير النظام دون الاهتمام بما يليه الذي لا تقل أهميته عن التغيير نفسه، إذ أن أي ديموقراطي لا يقبل استبدال النظام الراهن بنظام إستبدادي "ديني" يستند لنصوص مقدسة، كما لا يمكن تجاهل أن ما يسمى "الصحوة الإسلامية" تهدد باجتياح المنطقة ولن تكون سوريا استثناء، وتؤكد دلا ئل كثيرة تهيؤ الإسلام السياسي لوراثة الانظمة الراهنة.
وإذا كان النظام يحدد الشريعة كأحد مصادر التشريع -وليس المصدر الوحيد-، ويخضع المواطنين لقوانين أحوال شخصية تعتمد على النصوص الدينية ويدرس الديانة في مدارسه، وغير ذلك من الظواهر المتعارضة مع العلمانية، فإنه لا يمكن اعتباره نظاماً دينياً كإيران مثلاً، فهناك علمانية نسبية ناقصة، منع النقاب أحد مظاهرها، نفضل وصفها بانها شبه أو نصف علمانية.
أما إذا كان هناك حقيقة نخب مسيحية وعلوية تنادي بالعلمانية وتقف مع النظام فلماذا استبعاد وجود نخب درزية وسنية واسماعيلية ومرشدية... أيضاً؟ برأينا لا يمكن رد مواقف النخب لأسباب تتعلق بالانتماء الديني أو الطائفي. وحسب علمنا فإن معظم المعارضين الذين يتحدثون عن العلمانية يريدونها متممة للديموقراطية وليس بديلاً منها ويرفضون الاستبداد شبه العلماني في الوقت نفسه الذي يرفضون بديلاً اصولياً لن يكون أقل استبداداً.
ولا نظن أن النظام يريد لفت انظار القوى الخارجية إذ أن علاقاته الدولية الراهنة تمر بمرحلة لا تدعوه للقلق، وهو ليس بحاجة لتسويق نفسه كنظام علماني او ديموقراطي، فالغرب إجمالاً يقبله كما يقبل أنظمة أخرى رغم عدم ديموقراطيتها، إذ أن مصالحه حالياً أهم من نشر الديموقراطية او العلمانية في المنطقة، وهو لا يشترط للتعاون مع أنظمتها احترامها لحقوق الإنسان رغم التعرض لها أحياناً كرغبات وليس كشروط، فالشروط الحقيقية لاميركا مثلاً لتحسين العلاقة مع سوريا وقف دعمها لـ"حزب الله" و"حماس" وإنهاء تحالفها مع إيران، إذ لا تبني مواقفها على منع النقاب حتى يسترضيها النظام بمثل هذا الإجراء.
يتضح برأينا مدى هشاشة المعارضة السورية وضعفها وابتعادها عن إعلان جريء بمساندة أي إصلاح مهما كان جزئياً، حتى لو كان صادراً عن النظام الذي تعارضه، لتذكر بالموقف الجريء لماركس عندما قال أن البورجوازية تقوم بعملنا في مرحلة ما!

جورج كتن     
(كاتب فلسطيني مقيم في سوريا)      

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,117,899

عدد الزوار: 7,621,628

المتواجدون الآن: 0