الآن بات في الضفة الغربية "حربان أهليتان"

تاريخ الإضافة الخميس 2 أيلول 2010 - 7:51 ص    عدد الزيارات 603    التعليقات 0

        

مفاوضات واشنطن وقتل المستوطنين الأربعة
الآن بات في الضفة الغربية "حربان أهليتان"

إذا لم يحدث اختراق نوعي نحو حل سلمي في المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية التي تبدأ اليوم في واشنطن، اختراق يتيح لقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس البقاء على قيد الحياة السياسية بشكل مشروع وطنياً...
... إذا لم يحدث ذلك فقد تكون عملية قتل المستوطنين الاربعة (مع جنين المرأة الحامل... خمسة) اعلاناً من ذلك النوع الذي يطلق مرحلة تاريخية جديدة في الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي عندما تتضافر معاً عوامل مقصودة و"غير مقصودة". العامل المقصود هو اختيار حركة "حماس" التوقيت لاحراج مفاوضات واشنطن في نقطتها الأكثر جوهرية: الاستيطان الاسرائيلي. لكن "غير المقصود" هنا هو هذا التراكم من الوقائع العميقة المحتقنة التي تجعل العدد الاجمالي للمستوطنين الاسرائيليين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية يناهز النصف مليون مستوطن.
هل تطلق هذه العملية ضد المستوطنين، حتى لو لم تكن حالياً جزءاً (مقصوداً) من استراتيجية دائمة جديدة لحركة "حماس" تقوم على بدء التركيز على عمل مسلح ضد المستوطنين، مرحلة تشبه ولكن داخل الضفة وحدها ما كان عليه الامر في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين في كل فلسطين: بداية انتشار المستوطنات الاسرائيلية و"رعاية" الانتداب البريطاني بشكل تدريجي ومتصاعد للوضع في كل فلسطين على انه وضع "حرب أهلية" بين العرب واليهود!
على الارض داخل الضفة الغربية، اختمر وضع كهذا مع اقتراب وربما تجاوز عدد المستوطنين الاسرائيليين في القدس الشرقية والضفة حدود النصف مليون. بهذا المعنى، وإذا ثبت انسداد أفق الحل السلمي النهائي، فإن عملية امس الاول التي قتلت مجموعة مستوطنين قرب مدينة الخليل تعني ان بديل فشل محادثات واشنطن لن يكون "كلاسيكياً": أي لن يكون انتفاضة حجارة بل بدء مرحلة مواجهات مسلحة ربما من شأنها أن تنتج جيلاً صراعياً جديداً، لاسيما ان من ملامح الوضع الفلسطيني الحالي ما يظهر انه "تعب أجيال"... من جيل كان ذات يوم بكامل ديناميته وشبابه، جيل "فتح" كمدرسة قيادية لحركة وطنية فلسطينية تقوم الآن - في واشنطن - بآخر محاولاتها الكبرى، وجيل قائم لا زال محتفظاً بقوته ضمن الجو العربي الاسلامي للاصوليات الصاعدة، ويمسك بجزء حساس جداً من الجيوبوليتيك الفلسطيني هو قطاع غزة، هذا الجيل تمثله حركة "حماس"... وربما جيل ثالث كامن، وغير واضح قد تأتي به صراعات ما بعد انسداد الأفق السلمي: أي جيل المواجهة مع المستوطنين... أو جيل "الحرب الاهلية" في الضفة كما ستسعى الحكومة - بل الطبقة السياسية - الاسرائيلية لتصوير الوضع مثلما فعل الجيل الصهيوني الاول قبل تأسيس اسرائيل في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الاولى.
لكن هذا التحول المحتمل نحو المواجهة المسلحة المباشرة مع الاستيطان - والتي لها جاذبياتها القوية داخل مجتمع الضفة الفلسطيني، مخيمات ومناطق -  يتطلب بعض الرصد للتحولات الديموغرافية والنظرة السياسية اليها.
في كتابهما الصادر عن منشورات "سوي" الباريسية عام 2007 تحت عنوان "ملتقى الحضارات" وهو كتاب لأخصائيين في الديموغرافيا والانتروبولوجيا، يلاحظ يوسف كرباج وايمانويل تود في الفصل الخامس "في قلب الاسلام، العالم العربي" وفي الجزء المتعلق بـ"الفلسطينيين: الاحتلال، الحرب والخصوبة" ان الانتفاضة الفلسطينية الثانية - اي بعد العام 2000 - اظهرت بشكل مفاجىء نتائج ديموغرافية - في مجال الولادات - معاكسة للانتفاضة الاولى التي بدأت اواخر العام 1987. فبينما كانت انتفاضة اواخر الثمانينات تظهر زيادة في الخصوبة الفلسطينية بمعدل ستة اطفال للمرأة الواحدة أظهرت احداث ما بعد 2000 تراجعاً في الولادات الى معدل 3,4 اطفال للمرأة الواحدة حسب ارقام 2002 و2003. وهكذا حدثت - وفق الباحثين تود وكرباج - ظاهرة جديدة هي تجاوز نسبة الخصوبة لدى المستوطنين الاسرائيليين النسبة لدى الفلسطينيين داخل الضفة الغربية. فسجل المستوطنون معدل 4,51 وسجل الفلسطينيون معدل 4,18 اعتبارا من العام 2000. وحتى داخل القدس نفسها اشارت ارقام الـ245000 فلسطيني الى معدل ولادات 3,94 مقابل معدل ولادات لدى 475 الف اسرائيلي في المدينة هو 3,95 حسب الكتاب.
لكن يختم الكاتبان هذا الجزء الفلسطيني في كتابهما بالخلاصة التالية التي يسميانها "كافكاوية":
"الخصوبة المرتفعة للعرب الاسرائيليين (48) تهدد الدولة العبرية في داخلها بينما الخصوبة المرتفعة للمستوطنين اليهود تهدد السيطرة الديموغرافية في الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية)".
هذه الظواهر السكانية المتغيرة، ادت - حسب مقال لدان افرون في العدد الاخير من "نيوزويك" الاميركية - الى أن "عددا متزايداً من اليمينيين الاسرائيليين باتوا الآن يؤكدون على ان التوازن الديموغرافي بين الجهتين الفلسطينية والاسرائيلية اصبح اكثر لصالح الاسرائيليين وليس كما كان يُعتقد". وتبعاً لدان افرون، فان اخراج قطاع غزة اي المليون ونصف المليون من سكانه، من معادلة التنافس بل التصارع الديموغرافي الفلسطيني - الاسرائيلي بعد الانسحاب منها عام 2005 جعل هؤلاء اليمينيين الاسرائيليين اكثر تأكيدا على رؤية التحول لصالح اليهود. بل ذهب هؤلاء الى حد التشكيك بالرقم الرسمي لعدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وهو2,5 مليون نسمة، معتبرين إياه مبالغا به. وان نمو الفلسطينيين السكاني هو أقل.
لكن النتيجة السياسية لهذه التقديرات هي المهمة في مقال افرون الذي جاء تحت عنوان: "رياضيات اسرائيل الجديدة" اذ ان اليمين الاسرائيلي بات اقل خوفا من فكرة "الدولة الواحدة" التي كانت ولا تزال تعني للكثير من الاسرائيليين خسار ة الطابع اليهودي للدولة العبرية ولهذا يقول الكاتب ان عدداً من اليمينيين الاسرائيليين باتوا مستعدين لإعطاء حقوق سياسية كاملة للفلسطينيين خلال عملية الضم الكاملة للضفة الغربية الى اسرائيل.
طبعاً هذه الخلاصات السياسية هي خلاصات محدودة إذا كان الوضع ذاهباً سواء الى فشل محادثات واشنطن او "نجاحها" بمعنى ما. في حالة النجاح سيكون التقييم مرتبطاً بنوع "الاختراق" ومدى قدرته على الاستقطاب، اما في حال الفشل فإن الصراع لن يكون محصوراً طبعاً كما يفترض بين ضم وحقوق سياسية بل سيكون مفتوحا - خصوصاً لدى اليمين الاسرائيلي - على مشاريع استكمال الاستيطان - الجاري اصلاً - او الترحيل او البديل الاردني... اي اذا كان "حل الدولتين" مع جهود نصف قرن لتوليده وتنفيذه... هو الذي يسقط.
ستظهر محادثات واشنطن ما إذا كان ممكناً بعد تأجيل الحل النهائي عبر أفكار واتفاقات تبقي على المفاوض الفلسطيني في "السلطة الوطنية" حياً على الصعيد السياسي اكثر مما حصل حتى الآن.
لكن على الأرض... هل بدأت، مع قتل المستوطنين الاربعة، مرحلة "حرب اهلية" من وجهة نظر الاسرائيليين بين نصف مليون مستوطن ومليونين ونصف المليون فلسطيني في الضفة والقدس ومن وجهة نظر "جيل فلسطيني جديد" مرحلة مختلفة عنوانها الكفاح المسلح ضد المستوطنين... وهؤلاء ليسوا "مدنيين" اسرائيليين! ولا يمكن جعلهم - بدون خلاف - كذلك إلا بقيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة" وعاصمتها القدس الشرقية؟
... بهذا المعنى بدأت حربان اهليتان دفعة واحدة في الضفة، واحدة مع المستوطنين وواحدة بين الفلسطينيين انفسهم بسبب استمرار الخلاف على الخيارات والمواقع؟ وربما المواقع اكثر من الخيارات؟

 Le Rendez-vous des Civilisations - Youssef Courbage / Emmanuel Todd - Editions du Seuil et la Republique de Idées - Septembre 2007.

جهاد الزين      
       
  

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,109,743

عدد الزوار: 7,621,275

المتواجدون الآن: 1