خمسة عوامل جعلت أبو مازن يرضخ لأوباما

تاريخ الإضافة الجمعة 3 أيلول 2010 - 6:55 ص    عدد الزيارات 623    التعليقات 0

        

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
خمسة عوامل جعلت أبو مازن يرضخ لأوباما
واشنطن: لا سلام بلا تنازلات

معاودة المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية المباشرة في واشنطن في رعاية ادارة الرئيس باراك أوباما واللجنة الرباعية الدولية وبدعم من مصر والأردن ودول عربية عدة من دون تجميد الاستيطان طوال انعقادها أو التفاهم سلفا على حدود الدولة الفلسطينية، ليست هزيمة للرئيس محمود عباس وللمعتدلين والواقعيين الفلسطينيين والعرب وليست انتصاراً للمتشددين في المنطقة. بل ان هذا التطور الديبلوماسي والسياسي هو نتيجة موازين القوى الاقليمية والدولية ونتيجة الواقع الفلسطيني - العربي - الدولي الذي يترك للفلسطينيين خياراً جدياً وحيداً في التعامل مع اسرائيل هو خيار التفاوض وفقاً للشروط الأميركية والدولية، لأن حال اللاحرب واللاتفاوض يخدم الاسرائيليين ويجعلهم يتصرفون كما يريدون بالأراضي والحقوق الفلسطينية ويتحكمون بمصير الشعب الفلسطيني الى حد كبير".
هذا هو تقويم مصادر ديبلوماسية أوروبية وأميركية وعربية وثيقة الاطلاع في باريس. وأكدت هذه المصادر أن الرئيس محمود عباس (أبو مازن) تعرض فعلاً "لضغوط أميركية هائلة وعلى أعلى مستوى للموافقة على معاودة المفاوضات المباشرة مع حكومة بنيامين نتنياهو من دون شروط مسبقة أو ضمانات محددة في شأن مصيرها". لكن الواقع أن خمسة عوامل أساسية عربية واقليمية ودولية هي التي دفعت الرئيس الفلسطيني الى الرضوخ لمطالب أوباما ومواصلة المفاوضات المباشرة مع الاسرائيليين وفقاً لما تريده واشنطن والجهات الدولية الأخرى المعنية بالأمر، وهذه العوامل هي الآتية:
• أولاً - ان الفلسطينيين لا يملكون قدرات وامكانات ذاتية كافية لتأمين حقوقهم ومطالبهم المشروعة سواء باعتماد خيار المقاومة المسلحة أو باعتماد خيار الحوار والتفاوض مع اسرائيل. فالامكانات العسكرية المحدودة جداً للفلسطينيين بالمقارنة مع ما تملكه اسرائيل تجعلهم عاجزين عن تغيير المواقف والسياسات الاسرائيلية حيالهم وتأمين حقوقهم ومطالبهم بواسطة الكفاح المسلح، بل انهم يدفعون ثمناً باهظاً في أي مواجهة مع الدولة العبرية. كما أن اعتماد خيار المقاومة المسلحة، في ضوء موازين القوى غير المتكافئة، يزيد تصلب الاسرائيليين وشراستهم ومعاناة الفلسطينيين وبؤسهم، من غير أن يؤدي ذلك الى تحقيق مكاسب ملموسة للشعب الفلسطيني أو الى حصول تغيير في المعادلة لمصلحة القضية الفلسطينية.
• ثانياً - لم يعد ثمة خيار عسكري عربي جدي في التعامل مع اسرائيل منذ توقيع معاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية عام 1979، ذلك ان كل الدول العربية بما فيها سوريا تخلت عن خيار الحرب وهي تتمسك بالسلام كخيار استراتيجي لمحاولة استعادة الأرض المحتلة والحقوق المغتصبة ولحل النزاع مع الدولة العبرية. كما ان كل الدول العربية بلا استثناء تعطي الأولوية لتأمين مصالحها الوطنية الحيوية الذاتية وتدعم القضية الفلسطينية ضمن اطار المحافظة على هذه المصالح وترفض التضحية بها من أجل الفلسطينيين وخصوصاً حين يتقاتل هؤلاء في ما بينهم ويرفضون الحلول الواقعية المعقولة لتسوية نزاعهم مع اسرائيل. واذا ما دعمت دولتان أو ثلاث دول المقاومة الفلسطينية المسلحة فانها تفعل ذلك خارج أراضيها ومن أجل تحقيق أهداف خاصة بها وليس من أجل المساعدة على حل القضية الفلسطينية.
• ثالثاً - ان المحور السوري - الايراني المقاوم والممانع سياسياً لم يتحول محوراً عسكرياً يمتلك القدرات المشتركة الضرورية اللازمة والارادة السياسية للدخول في مواجهة حقيقية مع اسرائيل تشمل فتح جبهة الجولان المغلقة منذ العام 1974 أمام العمليات الفدائية والنشاطات العسكرية المختلفة، كما تشمل مشاركة الايرانيين مباشرة في القتال من أجل تأمين الحقوق والمطالب الفلسطينية المشروعة. بل ان هذا المحور يريد تجنب المواجهة المباشرة مع اسرائيل ويسعى أساساً الى تأمين مصالح سوريا وايران وتعزيز مواقعهما التفاوضية مع الدول الكبرى من خلال الاستعانة بحلفائه الفلسطينيين واللبنانيين الذين يتبنون نهج المقاومة المسلحة.
• رابعاً - ليست ثمة جبهة مقاومة مسلحة فلسطينية - لبنانية - عربية حقيقية موحدة تلقى دعماً جدياً عسكرياً ومالياً وسياسياً من دول عربية واقليمية عدة من أجل خوض حرب استنزاف طويلة ضد اسرائيل وانطلاقاً من ساحات عدة لتأمين حقوق الفلسطينيين ومطالبهم. بل ان الدعم العربي - الاقليمي المقدم الى "حماس" وتنظيمات فلسطينية مسلحة أخرى محدود جداً قياساً بما تملكه اسرائيل من امكانات عسكرية هائلة مما يجعل المقاومين الفلسطينيين عاجزين وحدهم عن تغيير المعادلة لمصلحتهم أو عن تأمين مكاسب حقيقية للشعب الفلسطيني أفضل من تلك التي يستطيع المعتدلون الفلسطينيون تأمينها.
• خامساً - الدول البارزة والمؤثرة في العالم ترفض خيار الحرب والمقاومة المسلحة وتدعم حل النزاع العربي - الاسرائيلي سلمياً ومن طريق الحوار والتفاوض، وعلى أساس تأمين مطالب اسرائيل ومصالحها الحيوية والأمنية والاستراتيجية وليس الاكتفاء بدعم المطالب والحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة. وهذا الواقع يجعل الدول المؤثرة ترفض التعامل جدياً مع "حماس" والتنظيمات الفلسطينية المتشددة الأخرى ما لم تقبل بوقف الكفاح المسلح وتعترف بوجود اسرائيل ضمناً أو صراحة وتعمل على حل النزاع سلمياً معها، كما ان هذا الواقع يجعل الدول المؤثرة ترفض دعم أي مطالب فلسطينية أو عربية تتناقض مع مصالح الدولة العبرية الحيوية والأمنية أو تضعفها أو تهددها. وفي الوقت عينه، ترفض سائر الدول العربية الدخول في مواجهة من أي نوع مع الدول البارزة والمؤثرة من أجل تغيير هذا الواقع الدولي الذي يضعف الفلسطينيين ويضع قيوداً على المفاوض الفلسطيني.
هذا هو الواقع الفلسطيني - العربي - الدولي الصعب والمعقد الذي دفع فعلاً القيادة الفلسطينية الى الرضوخ للشروط الأميركية والدولية والموافقة على معاودة المفاوضات المباشرة مع اسرائيل على أساسها.

 

التعاون مع المعتدلين لا مع دمشق

وأوضح مسؤول أوروبي بارز معني مباشرة بهذا الملف ان عملية التفاوض الفلسطينية - الاسرائيلية الجديدة تعكس الحقائق والمعطيات الأساسية الآتية:
- أولاً - ان ادارة أوباما تريد اعطاء الأولوية فعلاً للمسار الفلسطيني - الاسرائيلي وليس للمسار السوري - الاسرائيلي، من جهة لأنها على اقتناع بأن حل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي "مصلحة حيوية وطنية واستراتيجية أميركية" وبأن اقامة الدولة الفلسطينية تنعكس ايجاباً على دور الولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط، ومن جهة ثانية لأن سائر الدول العربية والأجنبية البارزة تدعم هذا التوجه وترفض تركيز الجهود الديبلوماسية أولاً على المسار السوري - الاسرائيلي، ومن جهة ثالثة لأن عقبات عدة تمنع انطلاق أي مفاوضات جدية بين السوريين والاسرائيليين اضافة الى أن العلاقات بين واشنطن ودمشق "ليست جيدة".
- ثانياً - ان ادارة أوباما تريد التعاون والتنسيق مع حلفائها وأصدقائها الاقليميين والدوليين والاعتماد على المعتدلين العرب والفلسطينيين وليس على نظام الرئيس بشار الأسد لاحراز أي تقدم في المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية. وعلى هذا الأساس ستتجاهل الادارة الأميركية مواقف النظام السوري وحلفائه الفلسطينيين والاقليميين المعارضة لهذه المفاوضات المباشرة، كما انها ستتخذ اجراءات ضد أي قوى أو جهات تحاول وضع عقبات أمامها.
- ثالثاً - أظهرت التطورات والأحداث في ساحة النزاع العربي - الاسرائيلي انه ليس ثمة بديل من أميركا سوى أميركا ذاتها لمعالجة هذا النزاع، ذلك انها القوة الوحيدة القادرة فعلاً على تحريك المفاوضات العربية - الاسرائيلية والتأثير على مواقف الحكومة الاسرائيلية بقطع النظر عن حجم هذا التأثير. فلم تتمكن أي دولة أخرى أو مجموعة دول من تأمين معاودة المفاوضات المباشرة الفلسطينية - الاسرائيلية منذ توقفها عام 2008 الى أن تدخلت ادارة أوباما. وهذا ما يزيد اعتماد القيادة الفلسطينية على الدور الأميركي.
-    رابعاً - ان العملية التفاوضية الجديدة فرصة جيدة وملائمة للفلسطينيين لأنها تؤمن مواصلة الدعم الدولي لهم وتسمح لهم بطرح مطالبهم المشروعة على طاولة المفاوضات والدفاع عنها وابقائها حية في الساحة الدولية، كما ان هذه العملية تدفع المسؤولين الاسرائيليين الى كشف مواقفهم وأوراقهم وتحديد توجهاتهم وتضع الادارة الأميركية أمام مسؤولياتها بصفتها راعية هذه المفاوضات والمشرفة عليها، مما يحتم عليها اتخاذ مواقف محددة حيال القضايا المطروحة والمشكلات العالقة لن تكون بالضرورة مطابقة دائماً لما تريده تل أبيب.

 

ديناميكية التنازلات

أي دور ستضطلع به ادارة أوباما خلال عملية التفاوض الجديدة التي انطلقت في واشنطن والتي ستتواصل لاحقاً في عواصم أخرى منها القاهرة؟
مصادر ديبلوماسية غربية وثيقة الصلة بادارة أوباما ابلغتنا ان الموقف الأميركي من هذه العملية يتضمن العناصر الأساسية الآتية:
• أولاً - تعهدت الادارة الأميركية أن تتناول هذه المفاوضات قضايا الحل النهائي للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي وأبرزها: حدود الدولة الفلسطينية ومساحتها وطبيعتها، وضع القدس، مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، مصير المستوطنات، الترتيبات الأمنية، مسألة المياه، العلاقات المستقبلية بين الفلسطينيين والاسرائيليين، انهاء النزاع في حال التوصل الى اتفاق شامل يحدد كل القضايا العالقة. لكن ادارة أوباما ترفض تقديم أي التزام محدد في ما يتعلق بنتائج هذه المفاوضات، كما ترفض تقديم أي ضمانات رسمية، أن هذه المفاوضات ستحقق أهدافها وتؤدي الى تسوية القضايا العالقة واقامة الدولة الفلسطينية خلال سنة أو سنتين أو أكثر، لأن احراز أي تقدم متوقف أساساً على الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي.
• ثانياً - ادارة أوباما لن تفرض حلاً للنزاع على أي من الطرفين على رغم ان تحقيق السلام مصلحة حيوية واستراتيجية للولايات المتحدة. بل يجب أن يكون الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي مستعدين أكثر من أي طرف ثالث للتوصل الى اتفاق في ما بينهما، مما يعني ان على القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية تقديم تنازلات كبيرة مؤلمة واتخاذ قرارات تاريخية شجاعة واقناع شعبيهما بها، من أجل حل هذا النزاع نهائياً واقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة والاستمرار.
• ثالثاً - يستطيع كل طرف أن يطرح ما يريد من أفكار واقتراحات ومطالب على طاولة المفاوضات ولكن من غير أن يؤدي ذلك الى وقف التفاوض، بل ان الحوار يجب أن يستمر ويتجاوز العقبات والعقد المختلفة للتوصل الى التفاهمات المنشودة.
• رابعاً - ان ادارة أوباما لن تكتفي باطلاق المفاوضات ثم تتركها تجري وفقاً لارادة الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، بل انها تنوي الاضطلاع بدور نشيط وفعّال خلال عملية التفاوض لايجاد الظروف الملائمة لنجاحها من دون الذهاب الى حد فرض الحلول. فادارة أوباما ستؤمن، أولاً، دعماً أميركياً ودولياً وعربياً لهذه المفاوضات من أجل تسهيل التوصل الى حلول مقبولة لدى الطرفين للمشاكل العالقة. ويشكل هذا الدعم نوعاً من الحماية الأميركية - الدولية لعملية التفاوض الجديدة في مواجهة أعدائها وخصومها. وستتابع ادارة أوباما، ثانيا، من قرب هذه المفاوضات وهي تنوي أن تقدم أفكاراً واقتراحات محددة الى الطرفين حين تدعو الحاجة من أجل تحقيق تقارب في مواقفهما والتوصل الى صيغ حلول مقبولة لديهما للمشاكل العالقة. وادارة أوباما مستعدة، ثالثاً، لتقديم ضمانات أمنية ومساعدات مالية الى الطرفين لتأمين نجاح المفاوضات والتوصل الى تفاهمات مقبلة منهما.
وكما قال لنا ديبلوماسي أوروبي مطلع: "ان خيار التفاوض أقل كلفة من خيار المقاومة المسلحة وأكثر قدرة منه على تأمين مكاسب للفلسطينيين. لقد أكدت ادارة أوباما للفرنسيين ولجهات دولية وعربية معنية بالأمر ان هذه المفاوضات ستكون صعبة جداً، لكنها تأمل في أن تؤدي الى ايجاد ديناميكية سلمية جديدة بين الفلسطينيين والاسرائيليين يتم في اطارها تقديم تنازلات مهمة متبادلة مما يحقق انجازات ملموسة لم تكن واردة في المرحلة السابقة. وترفض ادارة أوباما ضمان نتائج المفاوضات سلفاً وتطالب دولاً عدة بالتعاون معها لاقناع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي بتقديم تنازلات متبادلة من أجل تعزيز فرص السلام".
 

بقلم عبد الكريم أبو النصر  

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,108,506

عدد الزوار: 7,621,177

المتواجدون الآن: 1