علاقة الشيعة بالكيان اللبناني بين الماضي والحاضر .. "أمـــــل" المــتــأرجــحـــــة

تاريخ الإضافة الأربعاء 8 أيلول 2010 - 7:54 ص    عدد الزيارات 615    التعليقات 0

        

علاقة الشيعة بالكيان اللبناني بين الماضي والحاضر .. "أمـــــل" المــتــأرجــحـــــة - منى فياض


تشكل وفاة الزعيم التقليدي كامل الاسعد غياباً لآخر ممثل للعائلات التقليدية الشيعية في السلطة في لبنان. فالحرب الأهلية اللبنانية أحدثت تغييرات مهمة على صعيد التمثيل السياسي في السلطة؛ بحيث انقرضت بعض العائلات السياسية بينما برزت غيرها، مثل "العائلة السياسية" لآل الحريري. فبينما نجد أن العائلات السياسية التي انبثقت عن أسر رجالات الاستقلال ظلت محافظة بنسب متفاوتة على وجودها السياسي وبحسب ظروف كل عائلة (الصلح، كرامي، فرنجية، سلام، ارسلان، شمعون، الجميل...) نجد أن العائلتين الشيعيتين (عسيران وحمادة) ضعف تأثيرهما السياسي إذا لم نقل أنه تلاشى.
إذن كانت الحرب الأهلية أحد مسببات نقل السلطة عند الشيعة من العائلات التقليدية (الأسعد، عسيران، الخليل، حمادة، الزين...) الى التشكيلات السياسية الحزبية ("أمل"، "حزب الله"). أقول أحد مسببات نقل السلطة لأن هذه السيرورة سبق وأن بدأت عبر وسيط تمثل في حركة الإمام المغيب موسى الصدر منذ الستينات، والذي ناضل على خطين: الأول في مواجهة العائلات السياسية الاقطاعية التي تخلفت عن القيام بدورها التنموي طوال مدة مشاركتها في السلطة، والثاني في مواجهة الدولة، متمثلة بالمارونية السياسية التي هيمنت على مقدرات الدولة مهمشة الأطراف ومهملة لها. الأمر الذي انعكس حرماناً على الشيعة بشكل أساسي لحصرية تواجدهم في تلك المرحلة في الأطراف، جنوب وبقاع، بينما توزع تواجد السنة بين تجار في المدن وفلاحين في عكار ما خفف من الحرمان.
وفيما أوجدت هذه الحرب، بظروفها المعقدة، من جهة حروباً لا تزال مستمرة على الزعامة عند الطوائف المسيحية، ساعدت من جهة أخرى على بروز اتجاهات سياسية تحاول مأسسة نفسها واعطاء نموذج غير عائلي (تراجع الامكانية في حزب الكتائب مع اغتيال الوزير بيار الجميل، ولا تزال رهناً بالتطورات لدى القوات ولم يبدُ أنها نجحت لدى التيار العوني الذي تجعله سياسات زعيمه متجهاً إلى غلبة التحول الى زعامة عائلية)؛ وفيما أبقت على شكل من التنوع والمشاركة موجوداً عند الطوائف الاسلامية الأخرى مع هيمنة عائلية؛ نجد انها انتهت عند الشيعة إلى إيجاد هيمنة متماسكة ومتسلطة بشكل متزايد للثنائية الحزبية الشيعية، "أمل" و"حزب الله" مع غلبة واضحة لهذا الأخير. لكن ذلك لم يمنع بروز تململ في النسيج المحلي المكون من العائلات المتوسطة عبّر عن نفسه بخجل في الانتخابات البلدية الاخيرة، ولا نعرف إلى ماذا سيفضي.
لكن اعتبار غياب الأسعد كمحطة يكمن في أنه يطوي أحد آخر رجالات الدولة بالمعنى التقليدي الكلاسيكي ممن رفضوا اللجوء الى الميليشيات. فهو أحد أرستوقراطيي المرحلة السابقة على الحرب من ممثلي الاقطاع السياسي في السلطة التي ضمت إلى جانب الزعامات التقليدية ما عرف بالاوليغارشية المالية او البورجوازية الحاكمة او المارونية السياسية... والغريب (وبعد مراجعتي للمقالات التي وقعت تحت يدي عن الراحل خاصة مقابلته في "الحياة") أنه وقع في تناقض عميق خلال ممارسته السياسية الحافلة والتي طالت لعقود؛ فهو سليل الإقطاعية بما تعنيه من صفات تقليدية وسلوك امتثالي وتمثيلي للجماعة، يبدو أنه لطالما تصرف انطلاقاً من قناعات وإطيقا فردانية بالمعنى الحديث للكلمة متأثراً ربما بدراسته المبكرة للحقوق في باريس. فالتنظيرات الحديثة حول بروز الدولة تأخذ هذه النواحي الشخصية بعين الاعتبار، فبالاضافة الى وزن العوامل الاقتصادية والتطور السياسي، هناك العوامل النفسية والتطور الذاتي للأفراد الذي يلعب دوره في إرساء مؤسسة الدولة - الحديثة جداً في التاريخ- ومن هنا يرجع البعض حلول الدولة الحديثة هذه، من بين عوامل أخرى، إلى بروز الكائن الفرد وانطوائه على نفسه وعدم تصرفه كحيوان اجتماعي على حد تعبير أرسطو في تعريفه للإنسان.
ربما هذ يفسر سلوك الأسعد في تغليبه لكونه جزءاً من "الدولة اللبنانية" على تمثيله الحصري لمصالح الطائفة الشيعية وحاجاتها من إنماء وتوظيفات وما شابه. وربما هذا ما أحبط التوقعات التي كانت منتظرة منه، في وقت كانت هيمنة المارونية السياسية تمنع الإنماء المتوازن للمناطق من الجنوب الى الشمال، فعكار لا تزال ترزح تحت الفقر والتأخر في النمو الاقتصادي والاجتماعي حتى الآن. لا أقول أن كونه "الفرد" هو العامل اليتيم في سلوكه، ذلك أن من عوامل هذه الفردانية أصوله الاريستوقراطية - الاقطاعية ونشأته كزعيم منذ صغره الأمر الذي يورث قدراً كبيراً من النرجسية ومن التناقض والتعالي في السلوك. ذُكر مؤخراً امامي في نقاش بين مثقفين أن ممارساته كانت "ديموقراطية" مع غير الشيعة، وفي هذا إشارة إلى نوع من الازدواجية تطال سلوكه عامة، فهو  برلماني عصري في انتمائه الى الدولة، عمل على ترسيخها وإرساء قواعد سلوك برلمانية تحترم الأصول الديموقراطية في المناسبات الصعبة التي مرّ بها لبنان، وأريستوقراطي إقطاعي رجعي في تعامله اليومي وفي انتمائه الطائفي والاجتماعي. ففرديته مختلفة عن فردية المثقف المهجوس بفكرة العدالة الاجتماعية وحاجات المناطق الطرفية. فأهمل منطقته خاصة وغفل عن دوره في إنمائها كما درجت على فعل ذلك الزعامات الأخرى وبنسب متفاومة في ظل نظام طائفي. وللإنصاف ربما كان ضعف موقعه في التركيبة السياسية للنظام ، الذي تعدل في الطائف، هو سبب آخر.  
وهذا ما أسس لبروز الامام موسى الصدر في وجهه ووجه زعامات العائلات الاخرى وانتهى به الأمر إلى تأسيس حركة "أمل" التي آلت الى الرئيس بري الذي، ومع كونه رجل دولة في مناسبات معينة، إلا أنه مارس سلوكاً معاكساً لسلوك الأسعد بإعطائه الأولوية للولاء للطائفة من جهة وللانخراط في سلوك السياسة الغنائمية بعد أن صار جزءاً من الطبقة الحاكمة اللبنانية.
الأمر الذي يقودنا إلى عقد مقارنة بين الزعامتين ، فماذا نجد؟ أن الحرب الأهلية أفضت في خاتمتها في نهاية الثمانينات وبعد إرساء اتفاق الطائف إلى حلول الزعامة الجديدة، القائمة على الحزبية الجماعية ، محل القديمة الاقطاعية المتفردة. لكن حركة "أمل"، التي تأسست كحركة للمحرومين وكانت جزءاً من الحركة الوطنية التقدمية في بداية الثمانينات، تحولت لتصبح في نهايتها جزءاً من "السيستام" السياسي اللبناني، الذي أرادت تحسينه، فانخرطت فيه بكل مساوئه بما في ذلك الفساد والزبائنية وانطبعت بكل الممارسات التي تأسست حركة الإمام الصدر لمحاربتها فأقامت نوعا من الهيمنة البديلة من هيمنة العائلات الاقطاعية التقليدية وصارت أحد ركنين وحيدين للتمثيل السياسي الشيعي. الأمر الذي يعني استبدال هيمنة تقليدية تترك هامشاً للتعددية ولنوع من المشاركة مهدت لبروز تيارات علمانية ويسارية من شباب وشابات الطائفة إلى هيمنة أخرى، إضافة الى كونها مسلحة، مطبوعة بطابع ديني مذهبي تحتكر التمثيل السياسي وتستبعد الآخر وتمنع أي مشاركة  لغير محازبيها.
الشريك الآخر في هذه الهيمنة هو "حزب الله"  الذي انخرط في السياسة الداخلية بعد التحرير في العام 2000 الذي ازداد بعد حرب تموز في العام 2006 وبرز كلاعب أساسي في البلد تلتحق به "أمل". وبعد أن كان متفرغاً للمقاومة انتهى به الأمر إلى الإمساك الفعلي بالقرار السياسي الحصري للطائفة الشيعية مع إعطائه لنفسه صفة القداسة والتنزيه عن الخطأ بالرغم من كل ممارساته المتأخرة التي أقل ما يقال فيها بعدها عن القيم الدينية الحقيقية التي استرشدها الامام الحسين الذي يحاول احتكار تمثيله.
واللافت أنه ومع ازدياد حصة الشيعية السياسية في السلطة ومشاركتها الفعلية في القرار إلى حد محاولة مصادرته في مناسبات عدة وتحت أغطية واهية، ازداد بعد الشيعة عن الدولة كما برز الإعلان عن الشعور بالحرمان كشعار لتبرير كل الممارسات غير المؤسساتية واللادولتية التي يقوم بها الثنائي الشيعي. وصار تخويف الجمهور من العودة إلى سابق عهد الحرمان والتهميش هو المبرر للحفاظ على التماسك والعصبية المذهبيين في مواجهة الشركاء الآخرين وفي حماية الدويلة داخل الدولة.
لكن السؤال كيف تحول التيار الذي بدأ مع الامام الصدر، من منضوٍ تحت سقف الدولة ومدافع عنها، إلى تيار يساهم في إضعاف هذه الدولة وتهديدها؟
يسود الخطاب التنظيري الشيعي السائد مقولات عدة منها أن احد اهم أسباب الأحداث التي مرت بلبنان تكمن في الحرمان المزمن لمناطق الأطراف وضواحي بيروت والى الخلل القائم بين القوى الطائفية المكونة للسلطة في حينها، في إشارة الى مشكلة التهميش في ما يتعلق بالعلاقة بالدولة؛  وأن حركة الاعتراض الشيعية حصلت أساساً من أجل رفع الغبن والحرمان عن الطائفة الشيعية والمطالبة ببرامج الانماء المتوازن في السلطة من اجل بناء دولة تؤمن بحقوق مواطنيها وتساهم ببناء دولة عادلة...
لكن ما يعلق في ذهن الفرد الشيعي المتوسط، حتى غير المستفيد مباشرة من مكاسب الثنائية الشيعية، أن علاقة الشيعة بالدولة كانت دائماً واهية، ويعطيك أمثلة على ذلك: الطفّار في البقاع، إهمال الجنوب والنقص في تنميته، وجود السلطة القامعة عبر الدركي والضابط الذي "يدعس الناس" بسبب أن الجنوب ظل طويلاً منطقة طوارئ ومنطقة حرب يمتلئ بحواجز الجيش. والمثل الآخر على إهمال الجنوب إهمال تنفيذ مشروع الليطاني الذي كان يمكن أن يجعل من الجنوب جنة. كذلك من مآخذ الجنوبي على الدولة اللبنانية عدم وضوح سياستها تجاه إسرائيل، فهي من ناحية هادنت الفلسطيني وأعطته أرضاً لبنانية بسبب اتفاق القاهرة وجعلت منه "فتح لاند" وتسببت بحرمان الجنوب من الدولة. هذا ما ترك الجنوبي وحيداً في قتاله ضد إسرائيل خلال 22 سنة. في إغفال تام بأن هذا التقدمي الشيعي، الذي يعترض الآن، كان من ضمن الحركة الوطنية التي ساهمت بإدخال السلاح الفلسطيني إلى لبنان وبإضعاف الدولة، لكن هذا نقاش آخر.
 فما هو تفسير  ذلك؟ وما أصل هذا الشعور بالغبن والاضطهاد عند الشيعي؟
لقد تأثرت علاقة الشيعة بالدولة بعدة عوامل، منها الخلفية التاريخية التي راكمت مشاعر الغبن عبر حقب التاريخ، منذ ايام الخلافة الاولى والنزاع الذي حصل حول أحقية الامام علي بها الى مصرع الحسين؛ إضافة الى الاضطهاد الذي عانى منه الشيعة ايام العثمانيين والذي شكل الخلفية الأولى لتواصل علماء الشيعة من جبل عامل مع الصفويين وساهم بتشييع إيران نفسها؛ مثلما ساهم استبداد صدام وقمعه للشيعة في العراق على إعادة انفتاحهم على إيران الإسلامية. من هنا مراكمة الشعور بالاضطهاد والحرمان والخلط بين أنواع الحرمان التاريخي القديم والحديث وتكوينهما الخلفية النفسية والاجتماعية لمشاعر الحرمان بعد الاستقلال اللبناني، كما التماهي مع الشيعة المضطهدين في الدول العربية الأخرى.
فماذا حصل عند لحظة الاستقلال؟ وإذا كانت الدولة اللبنانية ساهمت في حرمان الشيعة، فعلياً وعن غير قصد، في سياساتها غير المتوازنة، فهل ساهمت حقاً في اضطهادهم خصوصاً كما يشيّع الآن؟
في لحظة الاستقلال كان الشيعة في معظمهم في الاطراف، أي الريف، بما يعنيه ذلك من نمط ومستوى عيش مختلفين عن العاصمة والمدن الكبرى. بينما السنة كانوا تجارا في المدن مع ما يعنيه ذلك من فائدة ومكاسب. وجاء احتلال فلسطين في لحظة لم تكن الدولة اللبنانية الحاصلة حديثاً على استقلالها في العام 1943 قد دعمت ركائزها. وكان لهذا الاحتلال أكبر الأثر على الجنوب وسكانه لجهة انقطاعهم عن المجال الحيوي، الاجتماعي والاقتصادي، في تواصلهم التاريخي مع ولاية عكا الذي كان ربما يفوق صلتهم  بولاية بيروت. ساهم هذا الانقطاع من ناحية، واللجوء الفلسطيني الى لبنان والجنوب خاصة من ناحية أخرى، في إحداث موجات هجرة متتابعة بحثاً عن الرزق، إما إلى بيروت كعمال غير مهرة و"على البور"، أو إلى المهاجر من إفريقيا الى الخليج والأميركيتين. الهجرة الأولى ساعدت في تعميق شعور التهميش والحرمان بسبب تعرضهم للاستغلال و للمعاملة الفوقية؛ فيما ساهمت الثانية في تحسين أوضاع الشيعة وإضعاف علاقتهم بالاقطاع السياسي وبالعائلات التقليدية.  كذلك نتج عن الهجرة الأولى وظروف مختلفة، وبسبب الطفرة العلمانية، انضمام الجيل الشاب الى الاحزاب العلمانية والمنظمات الفلسطينية ما أحدث تغيرات راديكالية في الجماعة الشيعية ساهم في ابتعادها عن الاقطاع السياسي والتمييز الطائفي. انطبع إذن الحراك الشيعي في الستينات بالعلمانية والتحرر مستفيدين من المشاركة بالأحزاب ومن الإنماء المتوازن الذي قامت به الشهابية في نشر المدارس في الارياف.
في موازاة ذلك برز الامام موسى الصدر أيضاً منذ الستينات وقد تحدث باسم الشيعة كفئة وقام بتأسيس حركة المحرومين و نشط في السبعينات من أجل رفع الحرمان عن الأطراف المحرومة  وخاصة الطرفين الشيعيين فيها أي البقاع والجنوب.
إذن تتلخص العوامل التي ساهمت في بروز الشيعية السياسية بالتالي:الاحتلال الإسرائيلي والواقع الاجتماعي والسياسات المحلية غير المتوازنة في محطات 48 و70 والطفرة الديموغرافية والانتساب الى الاحزاب العلمانية والتعليم او الطفرة الثقافية والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة مع اهمال الدفاع عن الجنوب وعقد اتفاق القاهرة ما أدى إلى مجيء المنظمات المسلحة الفلسطينية الى لبنان وخلق "فتح لاند"، ما ساهم باندلاع الحرب الاهلية، إلى جنب الاعتداءات الإسرائيلية بين 76 و78 و79 إضافة إلى اغتيال جنبلاط ودخول النظام السوري على الخط وإيجاد الظروف لهيمنته اللاحقة مع تدخل المحاور الاقليمية، وتغييب الامام الصدر وتأثير الثورة الايرانية ومن ثم اجتياح اسرائيل... هذه جميعها عوامل اكثر من كافية لإحداث التغير الذي حصل على مستوى الطائفة الشيعية.
حول الثنائية الشيعية، وفي ما يتعلق بحركة "أمل" نجد أن أهم ما نتج عن اختفاء الإمام الصدر كان تصليب عودها والالتفاف حولها بالاضافة الى الدور الذي لعبه الاعتداء الاسرائيلي في العام 78 والاجتياح في العام 82 في ما بعد. اما الدعم الخاص الذي عرفته الحركة فكان من قبل الطبقة الوسطى الشيعية الصاعدة، ومن قبل الأعداد الكبيرة من الشيعة التي ساهمت الاعتداءات الإسرائيلية في تهجيرهم  ووجدوا انفسهم محصورين بين اسرائيل من جهة والمنظمات الفلسطينية (والذي عبر عن نفسه تأهيلا خجولا بالإسرائيليين سرعان ما تحول الى مقاومة شرسة لهم). وشكلت الضاحية بشكل خاص مكان تجمعهم ، لكنها سرعان ما أصبحت معقلا لـ"حزب الله". فبدأت منذ الثمانينات موجة انحسار اليسار واخراج المنظمات المسلحة الفلسطينية وبرز "حزب الله" الذي لعب دوراً في القضاء على قيادات فكرية شيعية علمانية وحصلت المنافسة بين الحزب وحركة "امل" بعد قيام الأخيرة بحرب المخيمات لضبطها ولعدم السماح للمنظمات الفلسطينية بالعودة الى لبنان. وحتى قبل حرب المخيمات كانت قد برزت تناقضات مع المسلحين الفلسطينيين الذين شكلوا نوعا من تهديد للشيعة بسبب سلوكهم الذي شكل نوعا من تعديات غير مقبولة من قبل الذين بدأوا يتحلقون حول موسى الصدر؛ فحركة المحرومين التي اخذت جزءاً من قواعدها من المنظمات اليسارية والشيوعية اللبنانية ساهمت في المزيد من اضعاف اليسار وتراخي الالتفاف حول الفلسطينيين كما في تأثير العائلات الاقطاعية.
تطور حركة "أمل"، قبل التحاقها بـ"حزب الله"، يتماشى مع برنامج موسى الصدر الهادف إلى  تقوية دور الدولة والمؤسسات منذ أن تم تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في هذا الاتجاه وهو قد عرف أفضل أيامه على يدي الرحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين. كما ساعد تأسيس مجلس الجنوب في هذا الاتجاه، أي المساعدة في تنمية الجنوب ذي الغالبية الشيعية المحرومة، مع كونه مناهضا لحصرية الهيمنة المارونية على الدولة والمؤسسات وتعاليهم على المسلمين وخاصة الشيعة منهم.
أما الآن فهناك نوع من تجاذب لدى الشيعة يتمثل في دور حركة "أمل" التي تتأرجح بين دعم الدولة اللبنانية، من ضمن توجه مؤسسها الأول من جهة، وبين تبعيتها والتحاقها بسياسات "حزب الله"، الذي يتبع مصالح إقليمية ومذهبية في تبعيته للولي الفقيه خامنئي. هذا في الوقت الذي دخل فيه الحزب الى الحياة السياسية اللبنانية بقوة بعد ان ظل طوال التسعينات مشاركاً ضعيفاً في البرلمان من دون المشاركة الجدية في السياسة الداخلية لتفرغه لمقاومة اسرائيل ولإعطاء صورة المقاوم الشريف وغير الطامع بأي من مكاسب النظام اللبناني.
ربما لو بقي سماحة المرحوم الشيخ شمس الدين، على قيد الحياة لتغيرت الصورة قليلاً؛ فهو العالم والمفكر  الذي نظّر للعلاقة السوية بين الطائفة الشيعية ومؤسسات الدولة اللبنانية الوطنية وللحوار مع الاديان واعتبر لبنان وطنا نهائيا للشيعة ولم يتبع اي ولاء سياسي خارجي بناء على الولاء الديني او الطائفي أو المذهبي... واعطى للمجلس الإسلامي الشيعي الاعلى دورا ومكانة ووظيفة فعلية. غيابه أضعف، آنياً كما نأمل، الاتجاه الموجود فعلياً في الطائفة الشيعية والداعم لشرعية الدولة اللبنانية بما هي عليه ومن دون إنقلاب أو تغيير للنظام القائم بل لتطويره نحو دولة غير طائفية لكن مدنية حقيقية. إلا إذا حسمت "حركة أمل" أمرها لمصلحة لبنان المستقل.


( استاذة جامعية)      

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,109,380

عدد الزوار: 7,621,241

المتواجدون الآن: 1