علاقة الشيعة بالكيان بين الماضي والحاضر

تاريخ الإضافة الإثنين 13 أيلول 2010 - 6:34 ص    عدد الزيارات 597    التعليقات 0

        

 علاقة الشيعة بالكيان بين الماضي والحاضر

يثير عنوان الملف "علاقة الطائفة الشيعية بالكيان اللبناني" تحفظين منهجيين:
الأول حول الطائفة الشيعية فهل هي واحدة مجتمعياً في لبنان؟ وهل شكلت كياناً قائماً بذاته فيه؟ وهل يقصد بالطائفة الشيعية عموم ابنائها، أم مرجعيتها الدينية؟ أم أولي الأمر فيها أم نخبها؟
الثاني حول علاقة الطائفة الشيعية بالكيان اللبناني، فهل شكّل الشيعة كياناً قائماً بذاته مقابل الكيان اللبناني لتقوم علاقة بينهما؟ أم أن الشيعة، كأفراد وجماعات وقيادات، انخرطوا في الكيان اللبناني لحظة تأسيسه وكانوا في حقله الاجتماعي السياسي الواحد؟
وعليه أرى:
1- إن الشيعة لحظة تأسيس الكيان ثلاثة تجمعات: الشيعة في الجنوب والشيعة في البقاع والشيعة في المتصرفية (ضواحي بيروت وجبيل) وكل منها منخرط في نمط انتاج مغاير للآخر وفي وحدات سياسية متباينة. ولم يغير وجودهم في الكيان الحديث من هذا التمايز الذي أنتج قيادات عديدة في كل تجمع من هذه التجمعات؛ طموح كل منها قيادة منطقة لا طائفة، كما انتج تمايزات طبقية في كل منها.
كما لم تسلّم هذه القيادات، ومعها ما انتشر بين الشيعة من احزاب تغييرية، بمحاولة السيد موسى الصدر توحيد الطائفة تحت قيادته ومشروعه ، فكانت موجودة في المجلس المذهبي للطائفة، وإن كان هو الأقوى بينها، وكانت فاعلة في الحرب اللبنانية، قبل تغييبه وبعده.
كما لم تسلس الانقياد لقيادة الثنائي "أمل" - "حزب الله" إلا في لحظات التأزم القصوى، فضلاً عن أنها قيادة ثنائية، رغم التقارب بينهما الذي فرضته الرعاية الاقليمية والتأزم.
2- إن استخدام تعيير الشيعة - أو الدروز أو الموارنة أو... - في تحديد موقف أو رأي من قضية ما غير دقيق، إلا إذا قام باستخدام استطلاعات رأي ودراسات ميدانية وسوسيولوجية، وقد يكون الأفضل - رغم عدم الدقة الكاملة - استخدام تعبير مرجعيات دينية إذا كان الأمر متعلقاً بقضايا دينية أو القيادات والنخب بين الشيعة في القضايا الأخرى ، وقد كانت المرجعيات والقيادات متعددة ومتباينة بينهم.
3- إن الشيعة كبقية الطوائف في لبنان في حقل اجتماع سياسي واحد هو الكيان (حسب تعبير الوحدويين) أو الدولة (حسب تعبير الآخرين) ولم يشكل أي منها كيانا قائماً بذاته في مواجهة الكيان - الدولة لتقوم علاقة بينهما، واقتصرت "كيانية" الطوائف على لحظة تأسيس الكيان، التي كانت "كيانات" وقيادات لا "كياناً" - قائداً عند كل الطوائف، باستثناء الموارنة.
وقد كانت القيادات الشيعية بتجمعاتها الثلاثة في موقفها من الكيان لحظة التأسيس مشدودة بعامل استمراء الاستمرار على القديم من جهة وبعامل التوهم الايديولوجي بانتصار المشروع الفيصلي، من جهة ثانية.
إلا أن هزيمة فيصل واعلان الدول الكبرى دولة لبنان الكبير عدّل مواقف غالبية هذه القيادات، كما قيادات الطوائف الأخرى، ولم تكن المشاركة في الانتفاضات التي جرت ما بين 1920 و 1926 فاعلة وعامة بين هذه الطوائف، إذ اقتصرت على بعض المندفعين في الجنوب وبعلبك دون قياداتها ودروز وادي التيم، دون دروز جبل لبنان وقياداته.
وعليه لايصح القول:اعطونا دولة قوية وقادرة نعطكم السلاح، او ماذا يريد الشيعة من الدولة او غير ذلك من التعابير، وهي كثيرة، توحي بأن الشيعة "كيان" مستقل خارج الدولة، وهي تعابير غير دقيقة من جهة، وتستبطن عند قائليها رغبة بذلك، من جهة اخرى.
4- إن مواقف وتوجهات النخب بين الشيعة في الكيان اللبناني ومنه مرت بمراحل متعددة:
- مرحلة ما بين اعلان دولة لبنان الكبير (1920) ومطلع السبعينات.
- مرحلة مطلع السبعينات حتى اتفاق الطائف.
- مرحلة الطائف حتى استشهاد الرئيس رفيق الحريري.
- مرحلة ما بعد استشهاد الحريري.
ففي المرحلة الأولى، كان الغالب على الانتاج الطابع الزراعي في الجنوب والبقاع وطابع العمل في المعامل والمهن الدنيا في قطاع الخدمات في بيروت والضواحي، وكانت قيادات هذه التجمعات مناطقية وركائزها العائلات وبنيتها "اقطاعية " وقيمها قيم المجتمعات الزراعية .
ولم يكن قطاع الخدمات في بيروت وجبل لبنان المجاور لها قد توسع إلى الارياف الجنوبية والبقاعية وفي جبل لبنان والشمال. وقد كان توسع البنية التحتية لهذا القطاع، كهرباء وماء وتعليم، والذي شهد تطوراً نوعياً في العهد الشهابي مدعاة لنمو الاحزاب التغييرية فيها.
ففي الموقف من الكيان اجمعت القيادات التقليدية على القبول به واختلفت - كما في بقية الطوائف - على سياسات العهود المختلفة فانقسمت بين المحورين اللذين سادا (دستوري - كتلوي، ناصري - انعزالي، شهابي - شمعوني) وامتداداتهما الاقليمية والدولية ، ولم تكن مطالبات زعمائه المناطقية ذات الطابع الطائفي مغايرة لمطالبات زعماء الطوائف الأخرى، وأحياناً كان الطابع الطائفي لبعض المطالبات ذا طبيعة ايديولوجية، للتعبئة ولاخفاء مضمونه الفعلي، وقد غلب على هذه القيادات طابع الارتباط بالارض والارتكاز على العائلات والدعم من المرجعيات العليا للبلد.
وقد خرجت عن هذا الموقف النخب المنضوية في الاحزاب التغييرية، فكانت الأحزاب القومية (الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب) رافضة للكيان، خطاباً على الأقل، باستثناء عهد كميل شمعون بالنسبة للأول، وكانت مع الاحزاب الاشتراكية والشيوعية معترضة على سياسات العهود المتلاحقة خارج اعتراض التقليديين.
وقد غلب على هذه النخب الطابع البورجوازي الصغير، اجتماعياً، والتنويري، فكرياً، إذ كانت بين المعلمين والطلاب وأصحاب المهن الحرة، فضلا عن العمال وصغار الكسبة في بيروت وضواحيها.
وفي المرحلة الثانية، حين توسع انتشار نظام الخدمات في الأرياف وأصبح الوجود الفدائي الفلسطيني فاعلاً في لبنان ومعه حضور لبنان في السياسة الدولية، او بالاحرى ازدياد حضور الدول الكبرى والاقليمي فيه، كلا الامرين كانا أكثر تأثيراً في المناطق ذات الوجود الشيعي (الجنوب، ضاحية بيروت الجنوبية، تل الزعتر) فتراجع الانتاج الزراعي ونخبه المنشدة إلى الأرض والانقسامات المحلية، وتقدمت النخب المنشدة إلى القضية والمنفتحة على الانقسامات الاقليمية.
وبرغم استمرار القيادات التقليدية بين الشيعة، في هذه المرحلة، على موقفها من الكيان وانخراطها في الثنائية السائدة في سياساته، فإنها تراجعت لمصلحة ثنائية جديدة:
• قوى التغيير التي حملت مشروعاً لتغيير النظام السياسي الاقتصادي في لبنان وتخففت من قضية الموقف من الكيان، إذ كان مشروعها يضرب بنية الميثاق الوطني، ركيزة تميز الكيان.
• مشروع السيد موسى الصدر الذي حمل قضية قوى التغيير، شيعياً، وحاول انتزاع القيادة منها، دون أن يصل إلى حدودها في ضرب بنية النظام الطائفي، لا بل عززه بنقل مطالب القيادات الشيعية المناطقية إلى مطلب الشيعة ككل مؤسساً لقيادة واحدة لطائفة واحدة ما أصبح السائد في ما بعد.
وقد تميزت الحرب اللبنانية تلك بضرب بنية الاقتصاد اللبناني من جهة، وبازدياد حدة الانقسام الطائفي، دفاعاً وحماية اوهجوماً، من جهة ثانية، وبازدياد الارتهان للخارج، اقتصادياً وسياسياً، من جهة ثالثة.
ولم يخرج الوضع في المرحلة الثالثة عن ذلك، إذ خرجت الانقسامات عن ضبطها الداخلي لتدخل في الحسابات الاقليمية، وقد تبدلت فيها معطيات اقليمية ذات تأثير:
• انتصار الثورة في ايران ودعوتها للثورة الاسلامية في العالم وعملها لذلك.
• حرب الخليج الأولى ضد العراق.
• تفكك الكتلة السوفياتية وانهيارها وتحول دولها نحو الرأسمالية.
• النزوع الاميركي الى الوحدانية في قيادة العالم .
• محافظة النظام السوري على تماسكه وموقعه في ظل هذه المتغيرات.
وقد أدت هذه المعطيات، إلى تراجع قوى التغيير بصعود القوى الاسلامية وانضباط الوضع تحت الرعاية السورية، سياسياً وأمنياً، والسعودية، اقتصادياً ومالياً، للبنان، وبموافقة دولية، بشكل عام وأميركية، بشكل خاص.
وفي المرحلة الخامسة، التي اهتزت فيها الرعاية السورية للبنان وسُحب التوافق الدولي عنه، وارتفع منسوب التوتر الاقليمي والدولي، فيه وحوله،خرجت إحدى قوى الشيعة الاساسية من مكمنها القتالي ضد اسرائيل لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة إلى ساحة العمل السياسي العام منخرطة في المحور الايراني - السوري وإداة أساسية من أدواته، كما انخرطت قوى محلية أخرى في المحور السعودي - الاميركي.
وهكذا يمكن القول أن القوى بين الشيعة ونخبها المتعددة انتقلت من موقع الاحتجاج "الاقطاعي" المناطقي على الحصة في النظام في الكيان، لا الكيان نفسه، ومن ضمن ثنائيته إلى موقع آخر اضيف إليه الاحتجاج الشعبي، شيعياً وطبقياً على النظام السياسي الاقتصادي - الاجتماعي، إن لاهمال مناطق الشيعة، عند البعض، أو لظلم طبقات وفئات مجتمعية، عند البعض الآخر، وذلك في حدود الكيان.
وشكلت الحرب اللبنانية وما تلاها وبخاصة اغتيال الرئيس الحريري وتأثيرات ذلك على نظام البلد، نقلة في موقع نخب الشيعة الفاعلة، وكذا النخب في الطوائف الأخرى، من الكيان، بانخراطها في اللعبة الاقليمية والدولية، بحيث لم يعد القول الايديولوجي بالمحافظة على الكيان، وصيغ حكمه المتوالية (الميثاق الوطني، اتفاق الطائف، اتفاق الدوحة) ذا ارجحية في سياساتها. وانتقلت معه طبيعة القيادة من قيادة يغلب عليها الطابع الاقطاعي والعلاقات المجتمعية العائلية والمشبعة، حقيقة او ادعاء، بقيم المجتمعات الزراعية الى قيادات يغلب عليها الطابع الخدماتي والعلاقات المجتمعية القائمة على الولاء الطائفي والمشبعة، حقيقة او ادعاء، بقيم المجتمعات الخدماتية.
وبهذا المعنى يمكن اعتبار كامل الاسعد رمزاً لمرحلة انقضت، بايجابياتها وسلبياتها، واعتبار القيادات الراهنة، بما فيها وارثو قيادات المرحلة السابقة، رموزاً لمرحلة الانتاج الخدماتي، اقتصاياً وسياسياً.

 

فارس اشتي     

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,094,049

عدد الزوار: 7,620,343

المتواجدون الآن: 0