المحكمة: الصفقة المستحيلة والصفقة الممكنة

تاريخ الإضافة الجمعة 17 أيلول 2010 - 7:48 ص    عدد الزيارات 608    التعليقات 0

        

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
المحكمة: الصفقة المستحيلة والصفقة الممكنة
موقف الحريري ليس جزءاً من عملية لإلغاء القرار الظني

"قام ديبلوماسيون وخبراء غربيون معنيون بمسار الأوضاع في الساحة اللبنانية بدراسة لملف المحكمة الخاصة بلبنان من كل جوانبه، في ضوء المعلومات والمعطيات التي يملكونها ومواقف الدول والأفرقاء منها، وذلك من أجل الاجابة عن السؤال الآتي: هل يمكن التوصل الى تفاهمات محددة حول المحكمة مقبولة لدى مختلف الأطراف المعنيين بها، أي الى "صفقة مشرفة" تؤدي في وقت واحد الى تحقيق العدالة وضمان الاستقرار والأمن في لبنان؟ وتهدف هذه الدراسة الى اطلاع المسؤولين في دولة غربية بارزة والمعنيين بملف المحكمة المكلفة النظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي جرائم سياسية أخرى مرتبطة بها، على الخيارات الممكنة والمتاحة وعلى الخيارات المستحيلة، بطريقة تساعدهم على اتخاذ القرارات الملائمة، من غير أن يعني ذلك وجود استعداد لدى هؤلاء المسؤولين لتقديم تنازلات تضعف عمل المحكمة أو تؤثر سلباً عليها أو تمنع كشف الحقيقة ومحاسبة المتورطين في تلك الجرائم السياسية".
هذا ما أعلنته مصادر ديبلوماسية غربية وثيقة الاطلاع في باريس. وأوضحت أن دراسة هؤلاء الديبلوماسيين والخبراء الغربيين شددت منذ البداية على أن أي "تفاهمات مقبولة" أو "صفقة مشرفة" حول المحكمة يجب أن ترتكز على ثلاثة عناصر أساسية هي الآتية:
أولاً - يجب أن تكون هذه التفاهمات مقبولة قانونياً وأن تؤدي الى تحقيق العدالة وليس الى التضحية بها وأن تؤمن الحقوق المشروعة لأهالي الضحايا واللبنانيين عموماً وتكون مصدر اطمئنان لهم.
ثانياً - يجب أن تحفظ هذه التفاهمات دور المحكمة الخاصة بلبنان وتصون هيبتها وسمعتها وكذلك سمعة قضائها، لأن هذه المحكمة تمثل الشرعية الدولية وتنفذ مهمتها باسم مجلس الأمن والمجتمع الدولي وليس باسم الأفرقاء اللبنانيين وحدهم.
ثالثاً - يجب أن تكون هذه التفاهمات مقبولة لدى كل الأفرقاء المعنيين بالأمر وليس من البعض منهم كي تضمن في الوقت عينه تحقيق العدالة والحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان ولكي تمنع استخدام القوة والعنف لمواجهة أي قرار ظني يصدره المدعي العام الدولي دانيال بلمار يعترض عليه هذا الفريق أو ذاك.
وقالت المصادر الغربية المطلعة ان هذه الدراسة أوردت  الاحتمالات والسيناريوات الأساسية الآتية في ما يتعلق بامكان عقد "صفقة ما" حول المحكمة:
أولا الصفقة المستحيلة: يرى الديبلوماسيون والخبراء أنه يستحيل عقد " صفقة " تؤدي الى منع صدور قرار ظني أو الى تغيير مضمون هذا القرار من أجل ارضاء هذا الفريق أو ذاك أو الى وقف عمل المحكمة أو الى الامتناع عن تمويلها قبل أن تنهي مهمتها وتصدر أحكامها، لأن ذلك كله سيكون مرفوضاً لدى مجلس الأمن ويؤدي الى "التضحية بالعدالة بطريقة فجة والى افلات المتورطين في هذه الجرائم من العقاب مما يشكل هزيمة كبرى للمجلس بصفة كونه ممثلاً للمجتمع الدولي وللمطالبين بالعدالة من اللبنانيين ويهدد الأمن والاستقرار والسلم الأهلي في لبنان ويضعف سلطة القانون وهيبة الدولة وصدقية الحكم في هذا البلد". وذكّر ديبلوماسي أوروبي مطلع "بان دانيال بلمار أكد علناً أنه سيستقيل من منصبه اذا ما تعرض لضغوط سياسية خارجية من أجل تغيير مسار التحقيق أو لأي سبب آخر، وهو جاد في موقفه هذا. وفي حال استقالة بلمار لهذه الأسباب فان ذلك يشكل فضيحة سياسية دولية كبرى يدفع ثمنها الذين مارسوا الضغوط على المدعي العام الدولي. لكن الاستقالة لن تمنع كشف الحقيقة في أي حال".
ثانيا صفقة التأجيل: لم يحدد بلمار رسمياً وعلناً موعداً معيناً لاصدار قراره الظني، وان تكن معلومات ترددت في أوساط ديبلوماسية أوروبية وعربية مفادها أن هذا القرار قد يصدر في النصف الثاني من أيلول أو في الشهرين المقبلين. وقد بذلت جهات لبنانية واقليمية جهوداً لاقناع دول كبرى بالتدخل لدى بلمار لتأجيل اصدار قراره الظني ستة أشهر. لكن صفقة التأجيل هذه صعبة التحقيق لأن أميركا وفرنسا ودولاً أخرى معنية بالأمر ترفض التدخل في عمل المحكمة، اذ إن ذلك يشكل تسييساً لها وينعكس سلباً عليها وعلى قراراتها، كما ان بلمار وقضاة المحكمة يرفضون الخضوع لأي ضغوط سياسية أو تعليمات خارجية لأن ذلك يمس بصدقية مهمتهم ويدفع الى الطعن في أي اتهامات قد يوجهونها أو أحكام يصدرونها. وليست ثمة جدوى من تأجيل اصدار القرار الظني اذا كان الفريق الرافض لمضمونه سيظل يتمسك بموقفه السلبي هذا. وتوقعت الدراسة الغربية أن يصدر بلمار القرار الظني في الوقت الذي يحدده بالتشاور مع قضاة المحكمة، وبعد أن يدرس جدياً وبعناية احتمال تورط اسرائيل في جريمة اغتيال الحريري ورفاقه استناداً الى المعطيات والقرائن التي تسلمها من "حزب الله" أو استناداً الى أي معطيات أخرى يمكن أن يحصل عليها، وحين يصبح مقتنعاً تماماً بأنه يملك الأدلة والمعلومات والقرائن القوية والواضحة والدامغة والمقبولة قانونياً التي تدعم أي اتهامات يوجهها الى المتورطين في جريمة اغتيال الحريري وربما في جرائم سياسية أخرى.

 

شروط الصفقة الممكنة

ثالثاً الصفقة الممكنة: من الناحية النظرية يجب أن تكون أي صفقة منسجمة مع معطيات التحقيق الدولي ومع الأدلة والمعلومات التي حصل عليها المحققون، ويجب أن تنبع أساساً من تقويم بلمار وقضاة المحكمة للوضع من جوانبه المختلفة، بحيث تكون "مشرفة" ومقبولة قانونياً. والصفقة "المشرفة" الممكنة يجب أن تشمل، أولا، كشف حقائق جريمة اغتيال الحريري وأي جرائم سياسية مرتبطة بها، اذ ليس ممكناً، من الناحية القانونية، اقفال هذا الملف من دون نشر نتائج التحقيق الدولي. وهذه الصفقة يجب أن تشمل، ثانيا، توجيه الاتهام الى أشخاص معينين في حال امتلاك بلمار أدلة ومعلومات وقرائن قوية وصلبة عن تورطهم في جريمة اغتيال الحريري وربما في جرائم سياسية أخرى، كما يجب أن تتم محاكمة هؤلاء المتهمين. ويجب أن تتضمن الصفقة، ثالثا، استعداد جميع الأطراف المعنيين بالأمر للتعامل بالوسائل القانونية المشروعة مع أي قرار ظني يصدره بلمار وتكليف محامين الدفاع عن المتهمين والتخلي تالياً عن أي اجراءات أو خطوات أخرى غير مشروعة. وهذه الصفقة يمكن أن تؤدي، رابعاً، الى ايجاد صيغة قانونية ملائمة لحصر الاتهام في أشخاص معينين وفي حلقة ضيقة محدودة وبحيث لا يطال الاتهام مسؤولين رفيعي المستوى وهو أمر يمكن تحقيقه في حال عدم وجود أدلة ومعلومات قوية عن تورط هؤلاء المسؤولين في الجرائم.
وكما قال ديبلوماسي غربي مطلع، "ان هذه الصفقة الممكنة نظرياً، في حال التوصل اليها فعلاً بقطع النظر عما يملكه بلمار من معطيات، لن تكون نتيجة تدخلات سياسية خارجية بل ستكون صفقة من داخل المحكمة ذاتها منبثقة من اقتناعات قضاتها في ضوء المعلومات التي يملكونها. فقضاة المحكمة حرصاء بالطبع على تطبيق القانون وتحقيق العدالة لأن هذه هي مهمتهم الأساسية، ولأنهم على اقتناع بأن ذلك يعزز الأمن والاستقرار في لبنان من خلال وضع حد للاغتيالات السياسية، لكن هؤلاء القضاة يدركون أيضاً واقع الأمر والسبل الملائمة لانجاز مهمتهم بطريقة جيدة ولحماية الساحة اللبنانية من الأخطار "من دون التخلي عن متطلبات العدالة ومن دون السماح لمرتكبي الجرائم بالافلات من المحاسبة والعقاب ومن غير أن يدفع أهالي الضحايا اللبنانيون عموماً الثمن".

 

"صفقة لوكربي" وموقف الحريري

ولكن هل لهذه "الصفقة المشرفة الممكنة" ثمن؟ وأي ثمن؟ الدراسة الغربية لم تتطرق الى هذه المسألة نظراً الى حساسيتها ودقتها ولأن مسائل كهذه تعالج بسرية تامة اذا اكتملت عناصر الصفقة. لكن مصادر ديبلوماسية أوروبية مطلعة في باريس أشارت الى أن "كل الاتصالات والمشاورات الدولية - العربية الجارية حول القرار الظني وملف المحكمة تتركز على تأمين الصيغة الملائمة المقبولة قانونياً لتحقيق العدالة والاستقرار معاً في لبنان. والدول البارزة والمؤثرة مستعدة لدعم صيغة كهذه مقبولة قانونياً وتساعد المحكمة على مواصلة مهمتها، مما يعني أن الثمن المطلوب لعقد أي "صفقة مشرفة" هو أن تساهم مثل هذه الصفقة، فعلاً وعملياً، في تعزيز الاستقرار السياسي والأمني وفي تقوية الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية وفي تسهيل تطبيق قرارات مجلس الأمن، اضافة الى تأمين العدالة".
وقالت المصادر ان " قضية الحريري مختلفة عن قضايا سياسية وارهابية أخرى واجهها المجتمع الدولي، ولكن من المفيد التوقف عند احدى القضايا المهمة التي تشكل نموذجاً للصفقات القانونية - السياسية في تعامل الدول الكبرى مع الجرائم السياسية والارهابية ومع العدالة، وهي "قضية لوكربي".
الواقع أن "صفقة لوكربي" التي شاركت في اتمامها جهات دولية وعربية عدة، تتلخص في ان الدول الكبرى، وعلى رأسها أميركا وبريطانيا، وافقت على "حماية" الزعيم الليبي معمر القذافي ونظامه ومسؤولين بارزين فيه من أي محاسبة دولية أو ملاحقة قضائية في قضية تفجير طائرة الركاب الأميركية فوق لوكربي في اسكوتلندا عام 1988 والمتهمة فيها ليبيا مما أدى الى مقتل 270 شخصاً، ووافقت أيضاً على الغاء العقوبات الدولية المفروضة على هذا البلد منذ عام 1992، وذلك في مقابل مجموعة تنازلات جوهرية وأساسية قدمها القذافي الى الأميركيين والبريطانيين والى المجتمع الدولي عموماً، وهذه التنازلات هي الآتية:
أولاً - وافق القذافي على أن تتحمل ليبيا "مسؤولية ما" في تفجير الطائرة الأميركية حين سلم عام 1999 الأمم المتحدة المواطنين الليبيين عبد الباسط المقرحي والأمين خليفة فحيمة المتهمين بتفجير الطائرة تمهيداً لمثولهما أمام محكمة اسكوتلندية تم تشكيلها للنظر في هذه القضية. وأصدرت هذه المحكمة، التي انعقدت في هولندا، في شباط 2001 حكماً بالسجن المؤبد على المقرحي وبرّأت فحيمة من أي تهمة. ومنذ سنة تم الافراج عن المقرحي لأسباب صحية.
ثانيا - رضخ القذافي للمطالب الأميركية والبريطانية المدعومة دولياً ووافق عام 2003 على أن يدفع تعويضات لعائلات ضحايا الطائرة الأميركية قيمتها ملياران و300 مليون دولار، مما شكل اعترافاً ضمنياً آخر بالمسؤولية عن تفجير هذه الطائرة.
ثالثاً - وافق القذافي في نهاية عام 2003 على التخلي عن كل برامجه الخاصة بتطوير أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية، وقد تخلى فعلاً عن هذه البرامج في اشراف أميركي وبريطاني ودولي.
رابعاً - التزمت القيادة الليبية رسمياً في آب 2003 التخلي عن دعم الارهاب أو تنظيمه أو تمويله أو التحريض عليه، كما تعاونت منذ عملية 11 أيلول 2001 مع أميركا وبريطانيا ودول أخرى في مجال مكافحة النشاطات الارهابية في العالم.
خامسا - وافق القذافي على تسليم السلطات البريطانية معلومات مفصلة ودقيقة عن الدعم الذي قدمته ليبيا طوال سنوات لـ"الجيش الجمهوري الايرلندي" في معاركه مع القوات البريطانية.
ونتيجة هذه التنازلات المهمة ألغيت العقوبات الدولية والأميركية المفروضة على ليبيا ورفع اسمها من قائمة الدول الراعية للارهاب، وشهدت العلاقات الليبية - الأميركية - الغربية عموماً "تطبيعاً" وتحسناً كبيرين. وما حدث باختصار هو أن المجتمع الدولي لم يتراجع عن محاسبة ليبيا بل أن القيادة الليبية دفعت ثمناً باهظاً في مقابل ما فعلته ومن أجل رفع العقوبات والعزلة الدولية عنها، وهذه هي حقيقة "صفقة لوكربي".
وفي هذا المجال أوضح ديبلوماسي أوروبي مطلع "أن حديث رئيس الحكومة سعد الحريري الى صحيفة "الشرق الأوسط" واضح تماماً وفهمه على حقيقته قضاة المحكمة وجميع المعنيين بهذه القضية. فالحريري ذكر في حديثه هذا أن الاتهام السياسي الموجه في مرحلة ما الى سوريا باغتيال والده قد انتهى، وهذا الموقف جزء من عملية "تطبيع" العلاقات بين الدولتين اللبنانية والسورية، لكنه ليس جزءاً من عملية الغاء المحكمة أو منع صدور القرار الظني لأن مثل هذه العملية ليس لها وجود ولأن المحكمة هي وحدها التي تقرر من هو المذنب ومن هو البريء استناداً الى الأدلة والمعلومات والقرائن القوية والقاطعة. وهذا ما يدركه الحريري تماماً ولذلك ميز بين موقفه السياسي هذا ووجود تحقيق دولي ومحكمة تنظر الى الدليل، وحرص على القول انه لا يعرف ماذا يتضمنه القرار الظني وانه لا يستطيع التدخل فيه وان أحداً لا يستطيع ذلك، مما يعني انه ليس هو الذي يقرر تبرئة هذا الفريق أو ذاك من جريمة اغتيال والده ومن جرائم سياسية أخرى".
 

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,093,593

عدد الزوار: 7,620,279

المتواجدون الآن: 0