المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية: دفاعاً عن مقاربة إقليمية

تاريخ الإضافة الإثنين 20 أيلول 2010 - 6:27 ص    عدد الزيارات 639    التعليقات 0

        

المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية: دفاعاً عن مقاربة إقليمية
بقلم مروان المعشر

حتى في ظل تلاشي فرص الانفراج في الأفق، دأب المفاوضون الأميركيون على حضّ الفلسطينيين والإسرائيليين على استئناف محادثات السلام المباشرة. لكن كان بإمكانهم، مع نسبة مماثلة من هذه الجهود، اعتماد مقاربة مختلفة تحمل ثماراً واعدةً أكثر.
ويبدو أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، بإعلانها إطلاق المحادثات، قد تبنّت الموقف الذي يحبّذه القادة الإسرائيليون، والمحادثات بدون شروط مسبقة ووقف واضح لأنشطة الاستيطان، وغياب حدود مُتّفَق عليها للدولة الفلسطينية. هذا علاوة على أن اعتقاد كلينتون بأنه يمكن إجراء المفاوضات في غضون عامٍ واحد لايشكّل جدولاً زمنياً ملزماً لإنهاء المحادثات. في المقلب الآخر، كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس لايزال يدعو إلى إنشاء دولة فلسطينية بناءً على حدود سنة 1967، ووقف أنشطة الاستيطان، ووضع جدول زمني محدد كحدٍّ أدنى لبدء المحادثات المباشرة.
إلاّ أن الإدارة الأميركية مارست الضغط بشكل مكثّف على الفلسطينيين بهدف الالتفاف على هذه الشروط المسبقة، وتكللت جهودها بالنجاح، فتعيّن على الفلسطينيين القبول ببيانٍ صادر عن اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا)، تعيد التأكيد فيه على التزامها بالتوصّل إلى "تسوية مُتفاوَض عليها بين الطرفين تضع حداً للاحتلال الذي بدأ في العام 1967 وتؤدّي إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وديموقراطية وقابلة للحياة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل والدول المجاورة الأخرى في سلام وأمن".
ومن الضروري التساؤل في هذه المرحلة عمّا إذا كانت المحادثات المباشرة بين الطرفين ستؤدّي إلى اتفاق دائم.

حدود المقاربة الحالية
 

يبدو أن المقاربة التي تعتمدها إدارة أوباما تتجاهل بعض الوقائع الصارخة التي يُحتَمَل أن تقوّض هذه المفاوضات. الحقيقة الأولى هي أنه يتملّك الإدارة الأميركية هوس العمليّة نفسها على حساب جوهرها، ماقد يجعلها تقع في شرك التدرجيّة، وهي الفرضية القائمة على إمكانية أن يتوصّل الطرفان إلى اتفاق من خلال معالجة المواضيع الشائكة بشكل تدرّجي في عملية تفاوض لاتتّبع جدولاً زمنياً محدّداً. لكن تاريخ صنع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين أظهر أن التدرّجية "على طريقة أوسلو" قد استنفدت إمكاناتها، وهذا بغض النظر عن إنجازات عملية أوسلو، بما في ذلك وضع الخطوط العامة للاتفاق النهائي بعد سنين من المفاوضات. واليوم وبعد 11 عاماً من التأخير عن الموعد المحدد في عملية أوسلو للتوصّل إلى اتفاق بشأن الوضع النهائي، لا يزال النزاع يفتقر إلى حلّ.
لقد قَبِل الفلسطينيون – والبلدان العربية الرئيسة – على مضض واقع تأجيل المفاوضات حول المسائل الشائكة على غرار مسألة اللاجئين والقدس والاستيطان، فيما تواصلت أعمال بناء المستوطنات في ذلك الوقت. لكن اليوم وبعد مرور 17 عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو الأولى، تظهر في صفوف الرأي العام العربي علامات الشك والسأم بألاّ يؤدّي هذا الإصرار المتواصل على مقاربة تدرجيّة سوى إلى منح إسرائيل المزيد من الوقت لمواصلة بناء المستوطنات، وبالتالي تغيير الواقع على الأرض فيمسي حلّ الدولتين من رابع المستحيلات.
ويبدي الرأي العام الإسرائيلي شكوكه أيضاً تجاه الاستمرار في تقديم مايعتبره مساومات مفتوحة، من دون صورة واضحة للنتيجة النهائية، ويشكّك في إمكانية وفاء شركائه العرب بالتزاماتهم. ويتخوّف كلا الجمهورين أكثر فأكثر من ألا يكون الطرف الآخر جدياً حيال السلام، وهما باتا اليوم يشعران بإرهاقِ مَن يخوض سباقاً طويلاً ولايرى خط النهاية.
ثانياً، يتعذّر اليوم تلبية متطلبات اتفاقية سلام منفصلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هي لاتغري أي من الجمهورين، إذ يصعب على الإسرائيليين القبول بالمساومات الموجعة مقابل السلام مع "نصف الشعب الفلسطيني". ومن جهة أخرى، تعجز السلطة الفلسطينية عن القيام بمساومات مؤلمة (في موضوع اللاجئين أو القدس على سبيل المثال) في غياب غطاء عربي.
لا يختلف الوضع بالنسبة إلى اتفاقية سلام منفصلة بين سوريا وإسرائيل، حيث سيصعب على الإسرائيليين إعادة هضبة الجولان من دون التوصّل إلى حلّ لمسائل حركة "حماس" و"حزب الله" وإيران، كما سيصعب على نظام بشار الأسد التوقيع على اتفاقية سلام منفصلة مع إسرائيل تتطلّب حلّ أواصر علاقاته مع إيران ووقف كل دعمه لـ"حزب الله" وحركة "حماس"، حتى
لو أعيدت هضبة الجولان إلى سوريا بالكامل.
لقد شكّل غياب البعد الإقليمي في مفاوضات السلام أحد العوامل الرئيسة التي ساهمت في انهيار جهود الرئيس كلينتون لصنع السلام في العام 2000، (هذا فضلاً عن تقديم رزمة حلول بعد فوات الأوان وتلكؤ ياسر عرفات في التوقيع على صفقة). لم يكن بإمكان ياسر عرفات الموافقة على حلٍّ من دون غطاء عربي. وهذا، على أي حال، كان أمراً مستحيلاً نظراً إلى أن كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك أصرّا على إقصاء العرب عن المفاوضات.
العامل الثالث الذي لايمكن التغاضي عنه بعد الآن هو أن حلّ الدولتين بات اليوم على فراش الموت، وهي خلاصة توصّل إليها حتى المتفائلون الأكثر حماسةً. فعلى الرغم من الجهود المثيرة للإعجاب والجدية التي يبذلها رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض لبناء الدولة على أرض الواقع، يُعتبر إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة أمراً مستحيلاً عملياً في ضوء تزايد أعداد المستوطنين الإسرائيليين، وانتشار شبكة معقّدة من المستوطنات المبعثرة في كل أنحاء الضفة الغربية، وإصرار إسرائيل على الاحتفاظ بغور الأردن في أي تسوية محتملة، والتصدّع القائم مابين الفصائل السياسية الفلسطينية. الوقت، وهو السلعة الأساسية الوحيدة في أي مقاربة تدرّجية ناجحة، قد نفد عملياً.

 

المقاربة الإقليمية تمنح أملاً جديداً
 

نظراً إلى عيوب المقاربة التدرجيّة على الساحة الفلسطينية-الإسرائيلية، لابدّ من النظر في مقاربات أخرى للتوصّل إلى حلّ مقبول ومستدام للنزاع. وإذا كان التحدي يكمن في إيجاد مجموعة من الشروط الملائمة لكي يصبح الاتفاق ممكناً ومرغوباً فيه من الطرفين، فإنه يتعذّر الوفاء بهذه الشروط إلاّ إذا ركّزت الجهود على التوصّل إلى اتفاق شامل بين إسرائيل والعالم العربي بأسره. يجب اليوم التخلّي عن المقاربات الثنائية والاستعاضة عنها بالسعي إلى إبرام اتفاق إقليمي يمكن وضعه على الطاولة بعد بضعة أشهر، يُشرك البلدان الأساسية الأخرى على غرار المملكة العربية السعودية وسوريا.
من شأن هذا الاتفاق الشامل أن يبني على مبادرة السلام العربية التي اعتُمِدَت في بيروت في العام 2002 كحجر الزاوية لاتفاق إقليمي. هذه المبادرة قدّمت إلى إسرائيل إمكانية إحلال السلام والأمن مع الدول العربية كافة، ووضع حدٍّ للنزاع والتخلّي عن المطالبة بدولة فلسطينية في حدود ماقبل سنة 1948، وحل متّفق عليه لمشكلة اللاجئين.
إحدى نقاط القوة الحقيقية للمبادرة هي أنها تقدّم إلى الطرفين شبكة أمان إقليمية: إلى الفلسطينيين والسوريين، تقدّم غطاءً عربياً للمساومات الموجعة (مسألة اللاجئين والقدس للفلسطينيين، وتغيير العلاقة مع إيران و"حزب الله" لسوريا)؛ وإلى الإسرائيليين الاقتناع بأنهم يحصلون على السلام والأمن في المنطقة، وبأن الاتفاق ليس مجرد اتفاق سلام منفصل مع نصف الشعب الفلسطيني ولا اتفاقاً مع سوريا لايتضمّن حلاً ملائماً لحاجات إسرائيل في مجال الأمن.
إذا ما اعتُمِد هذا النموذج، فستتغير مقاربة المفاوضات برمّتها، إذ ستخلق هذه المقاربة الإقليمية بيئةً جديدةً وتخويليةً تمكِّن الطرفين من النظر إلى التسوية على أنها تصبّ في مصالحهما الوطنية الفضلى، عوضاً عن محاولة دفع الفلسطينيين والإسرائيليين للاتفاق على مواقف محددة تحت الضغط وخلافاً لرغباتهم.
تتّسم مبادرة السلام العربية بنقطة قوّة أخرى تم التغاضي عنها على نطاق واسع، ألا وهي واجب الدول العربية الضمني بتوفير حلول لمسألتي حركة "حماس" و"حزب الله" من خلال الضمانات الأمنية المذكورة. بعبارة أخرى، عند إدراج حركة حماس و"حزب الله" في الاتفاقية – بعد أن تقدّم الدول العربية وعداً بتحويل المنظمتين إلى منظمتين سياسيتين خالصتين – تصبح هذه المسؤولية مسؤولية عربية. إنها الفرصة المثلى لتحويل هاتين المنظمتين، بخاصةٍ بعد أن منيت محاولة إسرائيل العسكرية لنزع سلاح "حزب الله" في لبنان في العام 2006 وحركة "حماس" في غزة في العام 2008 بالفشل.
يمكن تقديم رزمة إقليمية تتضمّن مبادئ معايير كلينتون ومبادرة السلام العربية معاً ضمن جدول زمني معقول يتيح إمكانية التوصّل إلى حلّ قابل للحياة قبل فوات الأوان. ومن شأن هذه المقاربة الإقليمية أن تعود بنتائج تتخطى النتائج المحتملة للجهود الحالية المبذولة التي تقتصر على المحادثات الفلسطينية-الإسرائيلية.
لقد أصبح هذا النزاع إقليمياً وآن الأوان لمعالجته بمقاربة إقليمية، نظراً إلى عيوب المقاربات الأخرى المعتمدة.

 

تفصيل المفاوضات الإقليمية: "ودائع" المراحل النهائية
من المفاوضات
 

من شأن هذه المقاربة الجديدة أن ترتكز أولاً على تأمين "ودائع" المراحل النهائية للمفاوضات من الأطراف كافةً، أي على الأطراف أن تقدّم التزامات افتراضية قد لاتكون راغبةً في تقديمها في البداية، بل يمكن "إيداعها" لدى الجانب الأميركي ولايلتزم الطرف المعني باحترامها سوى عندما يبدي الطرف الآخر استعداده للالتزام بودائعه أيضاً. لقد حصل وزير الخارجية السابق وارين كريستوفر على وديعة افتراضية للمراحل الأخيرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين الذي أبدى استعداد إسرائيل للانسحاب كلياً من هضبة الجولان إلى حدود 4 حزيران 1967، مقابل ضمانات تقدّمها سوريا بشأن السلام والأمن في أي تسوية محتملة. وبالمثل، على الولايات المتحدة أن تحصل اليوم على التزامات من هذا النوع على الصعد كافة مع الأطراف الإقليمية الأساسية كلّها.
كيف يبدو أحد السيناريوات المحتملة؟ يتوسّع إطار المحادثات عن قرب بين الولايات المتحدة من جهة، والفلسطينيين والإسرائيليين من جهة أخرى، من خلال إشراك البلد الأوحد في العالم العربي الذي يمكنه أن يؤدّي اليوم دور الكفيل الإقليمي الذي يضمن التسوية وهو المملكة العربية السعودية. وقد طلب السعوديون من الرئيس أوباما، كما فعل العديد من البلدان العربية الأخرى، وضع رزمة على طاولة المفاوضات تقوم على مزيج من معايير كلينتون ومبادرة السلام العربية.
لكن قبل تقديم هذه الرزمة، يجب أن يجري أوباما حواراً ًصريحاً مع الملك عبد الله ليعلمه بنيّته تقديمها. وإذ يدرك أوباما أن الرزمة لن تلبّي متطلبات أي من الأطراف بشكل كامل، عليه أن يحصل على التزام من العاهل السعودي بألا يتم رفض الرزمة عند طرحها، وبأنه سيضمن الدعم العربي والإسلامي للمساومات المؤلمة التي يتعيّن على الفلسطينيين القبول بها. وبما أنه من المفهوم أن المسألة التي تحتلّ قمة اهتمامات السعوديين هي مسألة القدس الشرقية، يجب أن تتضمّن أي رزمة القدس الشرقية كعاصمة الدولة الفلسطينية الجديدة.
الأمر نفسه يجب أن يتمّ مع سوريا. لقد أعاد البعض في الغرب مراراً وتكراراً المقولةَ بأن حلّ النزاع لايندرج ضمن اهتمامات الأنظمة السلطوية كالنظام السوري الذي يفضّل تغذية نيران النزاع لمصلحته الخاصة. لكن الطريقة الفضلى لاختبار هذه تكمن في الطلب من سوريا إيداع التزاماتها للمراحل الأخيرة من المفاوضات مقابل انسحاب إسرائيل بشكل كامل من هضبة الجولان.
من اللافت هنا أن صراحة السوريين ازدادت بأشواط حيال المسائل الأمنية على سبيل المثال، بعد أن أعلمهم كريستوفر بوديعة رابين. بالتالي، يتعيّن على السعوديين والسوريين على السواء توخّي الوضوح في التزاماتهم لمعالجة إدماج "حماس" و"حزب الله" في أي اتفاق إقليمي. كما عليهم وضع حدٍّ لكلّ دعم لوجستي ومالي وعسكري وتقديم المساعدة لتتحوّل المنظمتين إلى جهتين سياسيتين خالصتين.
هذه الودائع ستيسّر إلى حدّ كبير انخراط الرئيس محمود عباس في ممارسةٍ تهدف إلى إنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي مرة وإلى الأبد، إذ تمكّنه من تقديم ودائعه للمراحل النهائية من المفاوضات بشأن المواضيع الشائكة، إذا ما أودعت إسرائيل التزاماً لدى الولايات المتحدة لإنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة تتّخذ القدس الشرقية عاصمةً لها مثلاً. وفي غياب التزام كهذا، يبقى الموقف الفلسطيني من مسألة اللاجئين، على سبيل المثال لا الحصر، موقف الحدّ الأقصى.
وعلى إسرائيل أيضاً تقديم ودائعها والتزاماتها للمراحل النهائية. يجب أن يكون واضحاً أن أي حلّ للنزاع، لكي يكون مستداماً، يجب أن يرتكز على حدود العام 1967 مع بعض التعديلات الطفيفة، وعودة هضبة الجولان بشكل كامل حتى حدود 4 حزيران 1967. ولاريب في أن هذه المساومات موجعة للجانب الإسرائيلي إلاّ أنها تمنحه مكافأة أساسية ألا وهي ما لايقلّ عن قبول دول الجوار بوجود إسرائيل بشكل دائم مع ضمانات أمنية كاملة.
وحال حصول الولايات المتحدة على الودائع من الجهات كافة التي تشكّل رزمة شاملة معقولة، عليها أن تضع على طاولة المفاوضات هذه الرزمة بالتعاون مع اللجنة الرباعية. عند تقديم الرزمة الشاملة، بإمكان الولايات المتحدة أن تباشر التركيز على تدابير بناء الثقة التي تنقل الأطراف كافة من الموقع الذي توجد فيه اليوم نحو المراحل النهائية من المفاوضات. وبموجب هذه المقاربة، تبدي كل الأطراف تعاوناً إلى حدٍّ أبعد مما تشير إليه في مواقفها الحالية.

 

الفشل المحتمل
للمقاربة الإقليمية
 

إذا ماتضمّن الحلّ إعادة القدس الشرقية إلى كنف السيادة الفلسطينية، فسيصعب على العرب، الذين كانوا يطالبون الولايات المتحدة بتقديم اتفاقية سلام شاملة، رفض الرزمة المطروحة نظراً إلى المفاوضات الإعدادية التي وُصِفَت أعلاه.
لكن من المحتمل أكثر أن يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هذه الرزمة مسبقاً، عازياً ذلك على الأرجح إلى مشاكل ضمن ائتلافه الحكومي. عندئذ يطرح السؤال عمّا إذا كان على الولايات المتحدة أن تستمر في طرح هذه الرزمة علناً على طاولة المفاوضات. هنا تتعدّد الأسباب التي تشير إلى ضرورة طرحها على الطاولة، إذ سيكون من الصعب على الرأي العام الإسرائيلي رفض رزمة: 1) تقدّم إلى إسرائيل السلام والأمن مع العالم العربي بأسره، و2) تعالج مسألة "حماس" و"حزب الله" و3) تجرّد إيران من أي عذر للاستمرار في خطابها السائد وتقطع صلاتها المالية واللوجستية بـ"حماس" و”حزب الله"، و4) تحلّ مسألة اللاجئين الفلسطينيين بشكل نهائي، على أن يتمّ ذلك على نطاق واسع ضمن الدولة الفلسطينية الجديدة، و5) تحلّ المسألة الديموغرافية لإسرائيل و6) وأخيراً تضع حداً نهائياً للنزاع من دون أي مطالب إضافية.
بتعبيرٍ آخر، من المفترض أن تعالج هذه الرزمة كل هموم المواطن الإسرائيلي المتعلقة بالمستقبل.

 

حسابات إيران
 

لم توقّع إيران على مبادرة السلام العربية، إذ أنها ليست من البلدان العربية. كما أنها دعمت مجموعات متطرفة في المنطقة، وخاصة "حزب الله"، لأسباب عدّة لاترتبط جميعها بالنزاع العربي-الإسرائيلي. لكن يصعب تصوّر سيناريوا توقّع فيه كل الدول العربية على معاهدة سلام مع إسرائيل، تتضمّن "حماس" و"حزب الله"، وتحظى بدعم الدول المسلمة كلّها، فيما تستمر إيران في معارضة السلام بشكل عدائي.
تنتمي إيران إلى منظمة المؤتمر الإسلامي التي تبنّت مبادرة السلام العربية. وهي لاتتنازع مع إسرائيل على أي أراضٍ ولم يمنعها موقفها الإيديولوجي في الماضي من التعاون مع الدولة الإسرائيلية في مناسبات عدّة. في الثمانينات، عبّرت إسرائيل علناً عن دعمها إيران (حتى عسكرياً) في الحرب مابين إيران والعراق، على الرغم من توجيه طهران انتقادات لاذعة علنية طاولت الدولة اليهودية. كما أن قضية إيران-كونترا (عندما باعت الولايات المتحدة الأسلحة إلى إيران بواسطة إسرائيل آملةً أن تضمن تحرير الرهائن الأميركية المحتجزة في إيران) تقدّم تذكرة صارخة بأن هوة شاسعة قد تفصل ما بين الخطاب العلني والأعمال الفعلية في العلاقات بين إسرائيل وإيران.
علاوة على ذلك، في إطار اتفاقية سلام شاملة تقدّم ضمانات أمنية خاضعة إلى المراقبة، سيصعب على إيران الاستمرار في تقديم الدعم اللوجستي والعسكري إلى "حماس" و"حزب الله"، حتى ولو انتهكت هاتان المجموعتان الاتفاقية، في غياب تعاون بلدان أخرى كسوريا.
يشكّل طموح إيران النووي مسألة يجب التعامل معها، لكن بغضّ النظر عن خطاب الرئيس محمود أحمدي نجاد، لا يرتبط خطر إيران بالنزاع العربي-الإسرائيلي بقدر ما يرتبط بطموح إيران بأن تحظى بالاعتراف بكونها قوة إقليمية.
من المؤكد أن انتظار اصطفاف الكواكب كلّها بشكل كامل في كبد السماء يعني بأن حلّ الدولتين سيكون مستحيلاً قريباً. وفي ظلّ بُطلان حلّ الدولتين، يكمن السيناريو البديل الذي أشار إليه القادة الفلسطينيون والإسرائيليون على حدٍّ سواء مرات عدّة في حلّ الدولة الواحدة حيث يمسي الفلسطينيون تحت الاحتلال مواطني دولة إسرائيل.
كان سري نسيبة أول شخصية فلسطينية بارزة تطالب بمنح الفلسطينيين المساواة في الحقوق في إسرائيل، وهو اليوم رئيس جامعة القدس. وعندما طرح الفكرة للمرة الأولى في العام 1986، اعتبره العديد من الفلسطينيين والعرب خائناً لقضية الاستقلال الفلسطينية. لكن اليوم يتزايد عدد الأشخاص الذين يرون الوضع من هذا المنظار. وفي ظلّ استحالة إنشاء دولة قابلة للحياة، قد يفضّل الفلسطينيون المطالبة بالمساواة في الحقوق ضمن إسرائيل عوضاً عن العيش تحت الاحتلال إلى أجل غير محدد.
إلا أن وجهة نظر نسيبة باتت اليوم تلقى دعماً في أوساط غير متوقعة، ولاسيما لدى اليمين الإسرائيلي. فالقائد البارز في حزب الليكود موشي أرينز، الذي كان وزير الدفاع الإسرائيلي سابقاً وعُرف بقسوته، يشير إلى أنه على إسرائيل أن تقوم بهذه الخطوة، أي أن تقدّم إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية (وليس غزة) الجنسية الإسرائيلية، وبذلك تحتفظ بسيطرتها على المناطق الفلسطينية وعلى الديموقراطية الإسرائيلية في آن واحد.
تضمّ إسرائيل اليوم 7.5 ملايين نسمة (5.7 ملايين يهودي، 1.5 مليون من العرب الإسرائيليين وحوالى 300 ألف شخص آخر). وحتى لو غضّ المرء الطرف عن مصير أكثر من مليون فلسطيني في غزة وقَبِل باقتراح أرينز بضمّ مليونَي فلسطيني (برأيه 1.5 مليون فلسطيني) إلى إسرائيل، ستضمّ إسرائيل أقلية عربية تبلغ حوالى 40 في المئة اليوم. قد تنجح إسرائيل في الاستمرار في الحدّ من التأثير العربي من خلال تطبيق نموذج يصنّف الأشخاص ضمن طبقتين اثنتين من المواطنين، لكن النتيجة واضحة في نهاية المطاف، إذ لم تتمكّن أي أقلية على مرّ التاريخ من أن تحكم الغالبية بشكل دائم. وبما أن معدلات الولادات لدى الفلسطينيين تفوق مثيلاتها عند الإسرائيليين، لن يبقى الفلسطينيون أقلية في المدى الطويل.
من البديهي أنه ما مِن حلول سهلة للنزاع العربي-الفلسطيني. ولا تتوافر اليوم الشروط الضرورية للتوصّل إلى تسوية فلسطينية إسرائيلية منفصلة، كما من المستبعد أن تغيرّ أي مفاوضات جديدة بين الطرفين هذه الشروط. إلا أن التسوية الإقليمية ممكنة ومرغوب فيها لدى الطرفين. لن يكون "إيمان" الولايات المتحدة بإمكانية إنجاز هذه المفاوضات ضمن سنة واحدة واقعياً إلا إذا وضعت رزمتها الإقليمية على الطاولة وفي وقتٍ قريب، وإلاّ فهو سرابٌ تلاحقه. لقد بلغ النزاع أخيراً نقطةً حيث لا يؤدّي تأجيل اتخاذ القرارات الصعبة اليوم، على أمل أن تتحسّن الشروط غداً، سوى إلى ترسيخ البدائل التي سيتّضح أنه من الأصعب التعامل معها.
 


( وزير الخارجية الاردني الاسبق)      

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,094,672

عدد الزوار: 7,620,416

المتواجدون الآن: 0