وحدة الفلسطينيين لمنع تكرار المآسي: الدروس والتجارب والمطلوب والواجب!

تاريخ الإضافة الإثنين 2 شباط 2009 - 6:42 م    عدد الزيارات 869    التعليقات 0

        

عرفان نظام الدين

لم تبرد جراح غزة بعد، ولن تبرد لسنوات طويلة، ولم تهدأ نفوس أهلنا في هذا القطاع المنكوب، ولن تهدأ قبل الحصول على الحقوق ووضع حدّ نهائي لهذا الظلم الصهيوني الذي لم ولن يماثله ظلم في تاريخ البشر. ولم يخفق الألم وعذاب الضمير عند العرب والمسلمين وهم يعرفون جيداً في قرارة أنفسهم أنهم شهدوا وشاهدوا كل ما تعرّض له إخوان لهم من مذابح ووحشية وقتل وتشريد ودمار ولم يتحركوا لوقف المعتدي عند حد السيف والثأر.

المشهد لا يزال ماثلاً أمام الأعين، والصور ستظل مرتسمة في أعماق ضمائرنا، وصرخات الأطفال والثكالى والأرامل والأيتام ستظل تصم آذاننا حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، أو حين نفهم معاني نخوة المعتصم وعبر تاريخ الآباء والأجداد.

والآن بعد وقف اطلاق النار، وبانتظار الفصل الثاني من المؤامرة الصهيونية الكبرى ماذا يمكن أن يفعل أصحاب القضية؟ وما هي مسؤولية القيادات الفلسطينية ودور القيادات والشعوب العربية؟ وما هي الأولويات المطلوبة والضرورية والواجبة على الجميع لمعالجة الجراح ورأب الصدع وتحقيق الوحدة الوطنية ومسح دموع الأطفال وإغاثة المنكوبين وإعمار ما تهدم وإسكان المشردين وإعادة تفعيل الإرادة وبناء مؤسسات السلطة طالما أن حلم الدولة ما زال بعيد المنال؟

بكل صراحة وأسف وأسى يبدو المشهد الفلسطيني، ومن خلفه المشهد العربي، قاتماً كئيباً لا يبشّر بالخير! ففي الوقت الذي تتضح فيه صورة مأساة أهالي غزة ويتصاعد أنين الجرحى والثكالى والمنكوبين يحتدم الجدل حول من الأحق بتسلّم أموال المساعدات، ومن المسؤول عن الإشراف على إعادة بناء ما تهدّم. والأخطر من كل ذلك من المسؤول عن النكبة الجديدة التي حلت بأهالي غزة وسط تبادل اتهامات خطيرة تندرج في اطار ذوي القربى الأشد مضاضة من ظلم المجرم الصهيوني.

لا أحد يتعلم من الدروس، ولا أحد في فلسطين وكل أرجاء الوطن العربي يتعظ من دروس التاريخ وعبره من تجارب قريبة وأخرى بعيدة، تماماً كما جرى خلال أيام العدوان الغاشم حيث ترك أكثرنا المجرم يمارس مذابحه واعتداءاته ويعيث دماراً وفساداً في غزة وقتلاً وتشريداً لأهلنا فيها والتهوا بتبادل الاتهامات والتحريض ضد هذه الدولة أو تلك واتهام هذا الزعيم أو ذاك فيما اسرائيل تشمت وتفرح وترتاح.

هكذا كنا، وهكذا سنبقى إن لم نغيّر ما فينا ونعد تقويم ممارساتنا وسلوكنا ونتعظ من تجاربنا المؤلمة. فبكل أسف نقول إنه في كل مرة يكون الحق معنا مئة في المئة أمام العالم كله نرتكب الأخطاء والخطايا فنقلب الآية ويصبح الحق علينا وينجو المجرم من فعلته!

قد يقول قائل إن ساعة المحاسبة ولحظة الحقيقة لم تحن بعد بسبب ظروف المأساة، وهذا صحيح لكن ساعة مواجهة الحقيقة حانت منذ زمن من أجل تنقية النفوس وإصلاح الأوضاع وأولها حل الخلافات العربية - العربية والفلسطينية - الفلسطينية.

وقد وضع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يده على الجرح وبدأ بنفسه في الدعوة للمصارحة والمصالحة وإزالة سبب رئيسي من أسباب النكبة الجديدة عندما قال: «إن خلافاتنا السياسية أدت الى فرقتنا وانقسامنا وشتات أمرنا... وكانت وما زالت عوناً للعدو الاسرائيلي الغادر ولكل من يريد شق الصف العربي لتحقيق أهدافه الاقليمية على حساب وحدتنا وعزّتنا وآمالنا»، مناشداً قادة الأمة أن يكونوا أكبر من جراحهم وأن يسموا على خلافاتهم وأن يقفوا موقفاً مشرفاً يذكرهم به التاريخ وتفخر بهم أمتهم».

فإذا كانت هذه هي مسؤولية القادة العرب فإن مسؤولية القادة الفلسطينيين أخطر وأهم، وسيلعنهم التاريخ جميعاً في حال بقوا على مواقفهم ولم ينفضوا عنهم غبار الخلافات الآثم ويسارعوا الى توحيد صفوفهم ونسيان الماضي وفتح صفحة جديدة من الاخاء والمودة والتضامن أسوة بالصفحة الجديدة التي يفتحها العالم اليوم مع تولي باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة.

فأمام الجميع من دون استثناء مسؤولية كبرى أمام الله والشعب المنكوب بعيداً عن المزايدات والاتهامات والرواسب والأحقاد فالمركب يغرق وهم يتراشقون بالتهم، وفلسطين تضيع وهم يتلهون بالصغائر والقضية تتآكل تحت ضربات الاحتلال وهم يتبارون بالخطب والشروط والشروط المضادة. والشعب يئنّ وهم كأنهم «صم بكم عمي فهم لا يعقلون»!

المشهد رهيب والحدث خطير والمسؤوليات جسام والوحدة ضرورية وواجبة، مع الأخذ في الاعتبار أن الآمال شيء والواقع شيء آخر والأهداف كثيرة والمطلوب واحد هو المصالحة والوحدة والعمل المشترك لانقاذ ما يمكن انقاذه من الوطن والمواطن والقضية الواحدة.

هناك أولويات وبديهيات لا يختلف عليها اثنان أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر النقاط التالية:

* ان اسرائيل هي العدو المشترك للجميع... وهي.. وهي.. إلى آخر ما هو معروف ومتداول ومكرر، ولا حاجة للنقاش في هذه البديهية المكرسة منذ أكثر من ستين عاماً ونيف، ولا اعتقد بأن أي طرف أو فصيل فلسطيني يختلف عليها أو يجادل بها الا من رهن نفسه للآخرين او ارتضى عار العمالة.

* ان انحياز العالم لإسرائيل، والسياسة الاميركية المنحازة، والتهاون العربي والخلافات الفلسطينية والتعنت الاسرائيلي المبرمج، عوامل اسهمت في الاحباط وتراجع الآمال بالسلام وبكل مشاريعه ومبادراته ومفاوضاته العبثية.

* ان أداء السلطة الوطنية الفلسطينية لم يكن ابداً على مستوى القضية المقدسة، كما ان ممارسات بعض أركانها أضعفت كيانها وأساءت لسمعتها وصدقيتها. ولكن علينا أن نتذكر في المقابل ان الرئيس محمود عباس (ابو مازن) قد ورث اشلاء سلطة مقسمة ومشرذمة وركام دولة لم تنعم بأي ركن من أركان بنيانها ومؤسساتها، كما اضطر لمجابهة مخاطر من الداخل والخارج بعد مؤامرة اغتيال الرئيس الشهيد ياسر عرفات الذي كان يمسك بكل مفاصل اللعبة ويحافظ على توازنات كأنه لاعب في سيرك أو متسابق في المشي على الحبال المتفجرة!

* ان تسرع حركة «حماس» في التمسك بتلابيب السلطة وكأنها الغاية والهدف والمنتهى أساء إليها خصوصاً بعد الانقلاب الذي قامت به في غزة وتعاملها القاسي مع حركة «فتح» وطردها للسلطة برمتها من القطاع لتسهم في التقسيم بين الضفة وغزة وتوسيع الشرخ في الجسم الفلسطيني العليل.

وقد يقول قائل إن حكومة اسماعيل هنية قد مارست حقها الشرعي والديموقراطي بعد فوز «حماس» في الانتخابات، وهذا صحيح وقول لا جدال في حيثياته. ولكن الواقع مختلف تماماً عن الحق والآمال والطموحات، وهذا كان يستدعي استيعاب الحقائق والاكتفاء بالمراقبة والمحاسبة عبر المجلس التشريعي وترك الحكومة لخيرة من أبناء الشعب الفلسطيني من التكنوقراط والعلماء وغيرهم بعيداً عن الانتماءات الحزبية والحركية... بل يمكن الجزم بأن الجمع بين المعارضة والحكومة وبين المقاومة والسلطة بدعة وهرطقة لا منطق فيها ولا إمكان لتحقيق الأهداف، خصوصاً وان الدولة غير قائمة والحصار يحيط بغزة من كل صوب وان الحكومة مضطرة للتعامل مع واقع الاحتلال يومياً بسبب إمساكه بكل المقدرات من غذاء وكهرباء وغاز ومحروقات ومتطلبات الحياة اليومية اضافة الى اضطرار عشرات الآلاف من المواطنين للانتقال الى فلسطين المحتلة بحثاً عن لقمة العيش لأن غزة المكتظة بسكانها وأكثريتهم من اللاجئين في المخيمات (365 كلم) لا تتسع لهم ولا تمكنهم من العمل ضمن امكاناتها المحدودة والمحاصرة!

* إن الاضطرار للتوصل الى اتفاق تهدئة وتجديده ثم رفض المضي فيه احتجاجاً على الحصار الظالم أعطى الذريعة للعدو على رغم انه اعترف بأنه لم يتأثر إلا جزئياً بالصواريخ التي أطلقت على مدنه ومستعمراته.

* ان المجابهة الحقيقية للعدو تكمن في الوحدة الوطنية وإعادة بناء السلطة على أسس سليمة وتشكيل حكومة تأسيسية وطنية جديدة تشرف على عملين ضرورين: إعادة البناء وإجراء انتخابات رئاسية ونيابية تحسم أمر التمثيل وخريطة طريق المستقبل بالتزامن مع إعادة بناء منظمة التحرير ومؤسساتها بوصفها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني المعترف به عربياً ودولياً.

* لا بد من فترات سماح لتحقيق هذه الأهداف السامية قبل البتّ بخيارات السلام والحرب والتفاوض والمقاومة ولكن على أسس سليمة وبناءة يتفق عليها الجميع ويوافق عليها الشعب. فالمقاومة ليست مجرد اطلاق صاروخ والاحتماء بالمدنيين بل استراتيجية متكاملة تأخذ في الاعتبار كل الحسابات والعواقب وتحمي ظهرها بدعم شعبي وعربي واسلامي وشرعية دولية.

* ان الخلافات هي السبب الرئيسي لنكبة الفلسطينيين بعد السبب الأساسي وهو الاحتلال... ولا حاجة للعودة الى تجارب الأردن ولبنان والخلافات مع الدول وانشقاق الفصائل وتفريخ فصائل أخرى لنسمع ونرى عن وجود، أو لا وجود، عشرات المنظمات والأحزاب المتناحرة والمنتمية إلى هذا الاتجاه أو ذاك ومنها ما تقاتل وما أثار الفتن بين اخوة الدم والسلاح، من دون أن نسأل عن سرّ عدم إعادة توحيد هذه الفصائل تحت سقف واحد طالما أن الكل يدعي وصلاً بالقضية وبحقه في احتكار الدفاع عنها. والجواب هو أن أي حل سيبقى ناقصاً... وأن النكبات ستتوالى إذا لم يبدأ الفلسطينيون بأنفسهم ويوحدوا صفوفهم ويمحوا خلافاتهم إلى الأبد. فلا أحد سيعينهم إن لم يعينوا أنفسهم، وقد رأينا خلال المحنة الأخيرة عينات من الدعم، فمنهم من بكى ولطم ومنهم من تظاهر ورجم السفارات بالحجارة، ومنهم من اكتفى بالدعاء لنصرتهم ومنهم من ادعى بأن أيديه مكتوفة ومنهم من قال للشعب الفلسطيني: «فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون» ومنهم من حرّض وألّب وصب التريث على النار، ومنهم من اعتلى المنابر وألقى الخطب النارية وردد الهتافات الحماسية ومنهم من احتل الفضائيات، ومنهم من غنى وأنشد ومنهم من قال لهم «ما حك جلدك مثل ظفرك»، ونحن نقول لهم مستشهدين بقول الله عز وجل «إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم»، فإذا أرادوا منع تكرار المآسي والنكبات عليهم بالوحدة والاتعاظ بالدروس والتجارب، ومنها تجاربهم الأليمة.

فكل السبل باتت الآن مفتوحة امام المصالحة الفلسطينية بعد بدء التوافق العربي والمصالحات ومبادرة خادم الحرمين الشريفين وتوافر الدعم المالي لإعادة الإعمار، بالإضافة إلى ظروف المرحلة وواقعها ومصالح الشعب الفلسطيني ومتطلبات القضية الواحدة ونداءات الأمة.

وقد سمعنا خلال الأسابيع القليلة الماضية، ابّان العدوان الغاشم، الكثير من الاستشهادات بالقرآن الكريم وآياته البيّنات، وكلها تصب في خانة هدف واحد لا نختلف عليه ابداً ولكننا نستشهد هنا بآيات بينات تدعونا إلى التضامن وإعداد العدة لمواجهة العدو المشترك، فالله أمرنا بالاستعداد للجهاد بقوله تعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل»، كما أنه دعانا للاتحاد بقوله: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، كما أمرنا بنبذ الخلافات والمنازعات: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»... صدق الله العظيم.

ومن لا يستجيب لنداءاتنا كبشر عليه أن يلبي نداء الله عز وجل وفرائضه ودعواته وأوامره فهذا أمر مطلوب وواجب على الجميع.

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,097,613

عدد الزوار: 7,620,594

المتواجدون الآن: 0