الكرامة هي الواقعية. وما عداها الوقيعة

تاريخ الإضافة الأحد 8 شباط 2009 - 9:25 م    عدد الزيارات 840    التعليقات 0

        

كلوفيس مقصود

ما اصعب استيعاب ما نحن عليه من تعقيدات في الحالة العربية الراهنة والتي تفاقمت الى حد كبير بالفلتان السائد في معالجة نتائج مجزرة غزة عربياً ولاسيما فلسطينياً. ويصبح الاستيعاب اشد ايلاماً عندما نلاحظ فقدان استراتيجية عربية واحدة حيال التحدي الصهيوني الواضح باهدافه وغاياته واساليبه. وشراسة عنصرية تعامله مع الشعب الفلسطيني، مما أزال أي التباس في تصميمه على اعتبار الفلسطينيين عوائق بشرية امام تمدد اسرائيل في ارض فلسطين. وبالتالي الحؤول بكل الوسائل دون اي تنسيق او وحدة بين الدول العربية والايحاء ان الشرعية الدولية ومقتضيات الامتثال لها غير واردة بالنسبة الى اسرائيل، واي اتجاه عربي نحو التعامل معها يجب ان يأخذ في الاعتبار هذه البديهية الحائلة دون الاقتراب من اي تهدئة، او تسوية، ناهيك باي حل. واذا خطر لاي نظام او حكم عربي ان يلجأ الى الامم المتحدة فان كل قراراتها ومعها ادانة المنظمات الدولية والانسانية، هي تمرينات عبثية، وان املاء الشروط هو حق مطلق لاسرائيل. وهي التي انتزعت ضمانات من الادارات الاميركية المتعاقبة لنقض اي قرار ادانة او عقاب او اي كلفة قد يفكر بها اي نظام عربي او غير عربي مسبقاً.
ولعل هذا الاستكبار في السلوك، واللجوء الى التكذيب الكثيف للحقائق المثبتة وصفاقة الابتزاز الذي تلجأ اليه اجهزة الاعلام والديبلوماسية الاسرائيلية من خلال تصنيف كل ناقد او معارض – او حتى معترض – على سلوك اسرائيل او خرقها المستمر للقوانين والقرارات الدولية، ناهيك بارتكاباتها السابقة والحالية للجرائم ضد الانسانية لما حصل اخيراً في غزة... هو ما دفع رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان على ان يرد – بمقاطعة من رئيس الجلسة في دافوس – على التقرير الفاضح الذي اراد شيمون بيريس تسويقه، ومن ثم مغادرته فوراً الى اسطنبول.
وجاء تصرف الرئيس اردوغان تذكيراً للالم – وارجو ان يكون لنا ايضاً - بان الإصرار على الكرامة عنصر مكوّن رئيسي للواقعية! لهذا السبب اعتبر بعض "الواقعيين" موقف اردوغان "مغامرة"، في حين اعتبرتها الشعوب في تركيا والوطن العربي ودائرة الضمير تزكية لشرعية قد تكون مكلفة موقتا، ولكن حان الوقت لتكون الكرامة مرادفة للواقعية.
ويتساءل العرب حيال الاستفزازات المتكررة والتحديات المتجددة وما قد تفرزه الانتخابات الاسرائيلية في العاشر من شباط واحتمالات المزيد من شراسة التمدد الاستيطاني وجرائم القمع من "الليكود" أو"كاديما"، كيف ستتعامل ادارة الرئيس الاميركي الجديد باراك اوباما مع التطورات المقبلة، وكيف سيتعامل معها الاتحاد الاوروبي الساعي إلى توفير المساعدة على ما قال المفوض الاوروبي لشؤون التنمية والمساعدات الانسانية لوي ميشال في وقف تهريب الاسلحة، والاستعداد للتنسيق مع واشنطن ولاعبين اقليميين في هذا الشأن، محملاً في تصريحه في 26 كانون الثاني حركة "حماس" المسؤولية الكبرى عن الحرب، وواصفاً إياها بانها "ارهابية ولا يمكن التحاور معها". وذلك في حين ترتفع اصوات اوروبية تدعو الى التعاون معها. وستتبع هذا الموقف السؤال: هل سيكون الموقف الاوروبي – الاميركي الاستمرار في اسقاط حق "حماس في المشاركة الفعلية؟ هل ان الديبلوماسية العربية حققت في هذا الموضوع الخطير والذي من شأنه تعطيل مساعي الوحدة الوطنية الفلسطينية او هل هناك تفاهم مسبق مع طرف او اطراف عرب في هذا الموسم الخطير؟
لا بد من الاشارة في هذا السياق الى تصريحات لوزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط عندما قال لفضائية "اوربت" الاربعاء الماضي ان حماس وحزب الله معاً في غزة بغية افتعال نزاع في الشرق الاوسط لمصلحة ايران التي حاولت بدورها استعمال اوراقها للهرب من ضغط الغرب عليها في ما يتعلق بالملف النووي. وقال في الحديث نفسه ان مصر "قوطبت" على محاولات قطر تنظيم قمة عربية لغزة في بداية الشهر لأن قمة الدوحة كانت لتعطل العمل العربي المشترك". واضاف: "نحن نرى ما لا يراه الغير. وفي اشارة الى تغطية الجزيرة قال: "تصور بعضهم ان فضائية تستطيع أن تسقط دولة مصر... من دون ادراك ان مصر اقوى من ذلك". ثم تابع: "ان مصر كبيرة جدا ولديها نفوذ واسع على رغم محاولات التأثير على هذا النفوذ والدور، أكانت من "الجزيرة ام غيرها". ثم انتقد انقلاب "حماس" عام 2007 على السلطة الفلسطينية بثرثرة كهذه تواجه مصر الدولة التحديات المحيطة بالأمة العربية وبقضيتها المركزية وهي المهيأة لتكون الدولة الرائدة والمبادرة في رسم مقومات استراتيجية عربية شاملة وتنسيق الدول العربية جميعها في ما بينها لتعميق ادراكها للمتغيرات المتكاثرة وجعل حقوق الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة بعد مجزرة غزة، الاولوية المطلقة.
لا داعي الى فصاحة للمكابرة في استئثار مصر الدولة بالتعامل مع المصير الفلسطيني بل تهمنا استعادة دورها القوي لتعبئة الامة بكل دولها وشعوبها كي توفر لها المناعة امام عدوان اسرائيل المتنامي واخطاره على مستقبل الوطن العربي الكبير. وعند ذلك لا تعود تستطيع وزيرة خارجية اسرائيل تسيبي ليفني القول انها هي الاكثر ائتمانا على "تجنيد الولايات المتحدة ضد ايران و"حزب الله" وحماس"، كما ورد في تصريحها لجريدة "هآرتس" يوم 29 كانون الثاني الماضي في سعيها الى ابراز تميزها عن منافسها بنيامين نتنياهو واخطار انتخابه، لأن انتخاب  الاخير "سيحول دون وضع تحالف دولي ضد التهديدات وسوف تتأثر سلبا على الفور في اسرائيل". وفي تبرير ما قامت به اسرائيل في غزة قالت: "الارهابيون قتلة. هم يتعمدون قتل الاطفال. ونحن نقتل الارهابيين". هكذا! والسؤال يطرح نفسه هل يعني كلام معالي وزير خارجية مصر انها قررت الاصطفاف مع اسرائيل في الاصطفاف مع "التحالف الدولي" الذي اشارت اليه ليفني الاربعاء الماضي؟
هذا لا يعني اننا لا نوافق على اللغة المتشنجة التي يستعملها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في تأييده للمقاومة أكانت فلسطينية ام لبنانية او على كثير مما يعلنه في معالجته لقضايانا... لكن تأييده المتشنج يجب ان يدفعنا الى التصحيح من خلال حوارنا واطلاعنا على طبيعة اولوياتنا وعلى اولوية العرب – موحدين – في تحديد المعالم والمراحل الاستراتيجية تأمين تحرير فلسطين. وبالتالي تأمين جميع الحقوق القومية والانسانية لشعوبنا. اما ان نتمحور في خانة "تحالف ضد ايران" كما تسعى اسرائيل وترغب ادارة اوباما الجديدة مع ترجيح الحوار والتفاوض مع ايران على المواجهة الفورية، فهذا من شأنه تشجيع العدو اسرائيل على الامعان في عدوانيتها المتنامية وتصميمها على اجهاض الحقوق الفلسطينية ومسؤولية العرب تجاهها.
اللافت في هذا المضمار هو ان الدولتين الاقليميتين – ايران وتركيا – تؤيدان الحق المطلق للفلسطينيين وتدينان الاجرام الاسرائيلي الاخير في غزة. ويؤكد اردوغان ان "حماس" شريك فاعل وشرعي في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي. والجدير بالذكر ان هذا الاحتضان من هاتين الدولتين الجارتين من مواقعهما المتباينة اتاح استحضار غزة ومآسيها في صلب قضية فلسطين واحتمال التعجيل في الوحدة الوطنية التي بدونها تستمر الاستباحة ويبقى الانشطار العربي والفلسطيني وتعود عدوانية اسرائيل طليقة بدون ردع ولا عقاب. وحري بالدول العربية تاليا ان تعيد استقامة المعادلة فايران ليست خصما وان كانت ثمة تحفظات مشروعة عن بعض مفردات خطابها وتحديها لحقوق الامارات في الجزر الثلاث بالخليج، الا ان معالجة هذه التحفظات تكون من ضمن تنشيط العلاقات الديبلوماسية والحوارات الكثيفة وصراحة المخاطبة بغية الحرص على التفاهم وعلى المصالح المشتركة. كذلك الامر في ما يتعلق بالجديد في علاقات العرب مع تركيا خصوصا بعد دور الرئيس اردوغان وموقفه الشجاع في دافوس حيث اختزل تمنيات عربية لطالما انتظرنا ان يحققها بعض قادتنا، او معظمهم وخصوصا ان موقف رئيس وزراء تركيا تجاوز علاقات استراتيجية مع اسرائيل وبالتالي كان في مواجهة وضغوط من الحلف الاطلسي وبعض من يتلطون "بالحداثة والعلمانية"، وفق خط "الاعتدال" الذي كان بوش وادارته يدعوان له. يستتبع ذلك ان التعامل مع تركيا عربياً يجب ان يكون دقيقا في ايقاعه، محيطا باحتمالات التغيير الايجابي ولكن مدركا العوامل المعوقة القائمة لسلامة مسيرة التغيير المطلوب. واذا كان من سباق مع جاذبية  "الاتحاد الاوروبي" لدخول تركيا فيه على رغم الكثير من الشروط – والتعجيزية منها خاصة - فحري ان يكون  لوحدة ما عربية جاذبية اكثر تناغما بسبب عودة الحيوية الى القيم وتراث الحضارة الروحية للاسلام واستعادة دوره التنويري، وقد كان موقف اردوغان في تصديه للتزوير الاسرائيلي من هذا المنطلق تعبيرا عن حقائق حاولت ندوة دافوس تغييبها.
واذا كانت ايران وتركيا اصبحتا في خانة تأييد القضية الفلسطينية، فهذا  يجب ان يحرض النظام العربي القائم على تفعيل مهماته التنسيقية وان يققص بالقدر المطلوب وبإلحاح التناقضات الجارحة بين الدول العربية، فتعبر في سلوكها قوميا وعالميا وتؤكد ان ما تقوله في العلن هو ما تخطط لتنفيذه، وان المتغيرات في المشهد العالمي لا سيما في الولايات المتحدة مرشحة في حال وحدة مواقفنا كفيلة اسقاط محاولات اختراق تناقضاتنا الراهنة فلا يتكرر ما ادعته الادارات الاميركية السابقة وهو ان ما نقوله في العلن ليس ما نقوله لها بالسر. كان هذا التناقض مسموح به مع الادارات  السابقة خصوصا ادارة بوش الاخيرة، لكن هذه الثنائية المعيبة لن تكون مستساغة في ثقافة التغيير التي يعمل الرئيس اوباما لتعميمها.
يستتبع هذا بالضرورة وفي خطوة اولى كي نستعيد احترام جدية التزاماتنا وصدقيتها ان نتخلى فورا عن سهولة ادانة بعضنا لبعض حتى وان اختلفنا. فالاختلاف يجب الا يتحول خلافات وتثبيت انشطارات، وان نتجنب استسهال الكلام الذي يصبح عبئاً وعيباً كما حصل في اثناء دافوس عندما سأل الامين العام لجامعة الدول العربية شمعون بيريس عن "مبادرة السلام العربية" ورد عليه بيريس بأن "الرئيس مبارك قال لي ان اتفاوض مع الفلسطينيين". كما أضاف بيريس "ان ياسر عبد ربه قال ان حماس حولت المدارس والمساجد والجامعات مراكز لها، وسبب المأساة في غزة ان حماس ديكتاتورية".
ارجو ألا يكون هذا صحيحا، وبالتالي يجب تكذيبه فورا وفي شكل مباشر لأنه لا يجوز لاسرائيلي - كما فعل بيريس - تشويه حقائق نتيجة تلفيق الاكاذيب او ان تكون هذه المقولات حصلت، وبالتالي صار لزاما الاصرار على حرمة الكلمة لكل المسؤولين وان تكون الشفافية هي القاعدة. هذا لا ينفي حق النقد، حتى اللاذع منه، للذات ولسلوك بعضنا في القضايا العامة، ولكن في الانتقاد حتى الأعنف منه يجب من موقع الالتزام وليس من موقع التربص وبالتالي التشهير. كفانا تشرذماً وانقساماً. كفانا اصرارا لتراثنا الوحدوي... كفانا احتكاما الى غيرنا، فعلينا مصارحة بعضنا البعض كي نكون مسؤولين حيال بعضنا البعض. هكذا يتوافر احترام الغير لنا اذا نحن احترمنا بعضنا بعضا. صحيح ان هذه مسلمات لكن ما اختبرناه من خروق واضحة لمحرمات جعل معاودة التذكير بهذه المسلمات حاجة ملحة.
هذا الاصرار على حرمة الكلمة يأتي في مستهل التحدي للغوص في موضوع التوصل الى مرجعية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية أو الى بديل منها، وهذا موضوع يجب ان يعالج بتفصيل اكثر وادق في عجالة اخرى. يكفي التذكير ان منظمة التحرير هي اطار لوحدة الشعب الفلسطيني، اي داخل فلسطين المحتلة، في فلسطين المغتصبة وفي مواقع اللجوء والاغتراب. بدون هذا الاطار الشمولي تنتفي شرعيتها، وبالتالي بدون وحدة المقاومة وفصائلها في تعريف المقاومة – تفاوضا وكفاحا – تنتفي شرعية تمثيلها وطنيا وقوميا ودوليا.
والأهم ان نستعيد حقيقة غابت عنا وهي ان الكرامة هي الواقعية، واغفالنا عنها او عن مقوماتها هو الوقيعة.
 

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,093,487

عدد الزوار: 7,620,243

المتواجدون الآن: 0