إجهاض حق التكليف

تاريخ الإضافة الأحد 8 شباط 2009 - 9:28 م    عدد الزيارات 824    التعليقات 0

        

 مروان اسكندر

هنالك بضع خصائص تلتصق بمفهوم الدولة و يفترض ان تنحصر ممارستها بها.
من هذه الخصائص:
حق اصدار النقود.
حق فرض الضرائب.
حق اصدار القوانين وتطبيقها.
حق وواجب الدفاع عن البلد وصون حدوده.
عندما تجهض الدول، بتصرف حكوماتها، واحدة أو أكثر من الخصائص المعددة اعلاه يشكك المواطنون في استمرار الدولة أو في استمرارهم تحت مظلتها.
من الواضح ان الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ الاستقلال تخلت عن حق الدفاع عن الوطن وصون حدوده، فكانت الحروب المتنوعة مع من استباح حدود البلد ونظامه، ومن هؤلاء بالطبع فصائل فلسطينية عدة.
وتركيزنا في هذا المقال هو على حق فرض الضرائب. لكننا نرى، لاسباب سنعدد بعضها، ان هذه الحكومة بالذات وهذا المجلس لا يحق لهما معنوياً فرض أي ضريبة قبل ضبط الاهدار الذي مورس بصورة تهز ضمائر اللبنانيين العارفين ببعض تفاصيل ما يجري. 
ولنكن أكثر وضوحا في ما ندعي.
في مقابل التعهدات التي حصل عليها لبنان في مؤتمر باريس 3 والتي بلغت 7،5 مليارات دولار توافر منها حتى تاريخه نحو 1،5 مليار دولار، ارتبطت الحكومة بالقيام بإصلاحات ادارية  وبخطوات لتحسين الاداء من أجل الحصول على ستة مليارات دولار، تعهدت في مقابلها تحقيق مشاريع عدة.
وفي المناسبة يصح التذكير بان الازمة المالية الاقتصادية العالمية قد تكون في ذاتها فرضت على بعض الدول الملتزمة خفض مبالغ التزاماتها.
ولكن، ماذا تشهد الدول المانحة؟ 
منذ انتهاء مؤتمر باريس 3 وحتى تاريخه انقضت سنتان لم ينفذ خلالهما مشروع واحد يحسّن اداء الاقتصاد اللبناني.
فشبكة توزيع الكهرباء لم تطوّر، علما بأن استمرار الشبكة على شكلها الحالي غير المتكامل وغير المجهز لنقل طاقة كبيرة على غالبيتها أمر يعني ان انتاج المعامل، وأخصها المعامل الحديثة نسبياً، في الشمال والزهراني والبقاع والتي تبلغ طاقة انتاجها النظرية 1000 ميغاوات، أي 45 في المئة من طاقة الانتاج في لبنان، لا تتجاوز نسبة 30 في المئة من الطاقة.  وهذا الامر يعني ان كلفة الانتاج مرتفعة لأن احتساب كامل الاهتلاك والفوائد (لان هذه المعامل انجزت بالدين) على طاقة 30 في المئة تعني ان كلفة الوحدة من الانتاج - كيلوواط ساعة تسجل ارتفاعاً كبيراً.  ويزيد تراجيدية الوضع ان هذه المصانع انشئت لتعمل على الغاز الطبيعي او المازوت لان الغاز اقل كلفة بنسبة 30 في المئة و لا يتسبب بتلوث البيئة، لكننا نستمر باستيراد المازوت لتوليد الكهرباء من هذه المصانع الحديثة نسبيا ونستغل 30 في المئة من طاقتها فقط.
وكما نعرف، ان الكهرباء هي سبب رئيسي للعجز المستمر في البلد، وستكون كذلك بعد انخفاض اسعار النفط لان الادارة سيئة والصيانة بطيئة والمصانع متقادمة.
قبل أكثر من سنة، وبمبادرة من رئيس الحكومة، كلفت لجنة درس ملفات اصحاب اختصاص متقدم من اجل تشكيل مجلس يعمل على تنظيم تحسين فاعلية انتاج الكهرباء وتوزيعها، ورسم قواعد تخصيصها خلال ثلاث سنوات.
انجزت لجنة من اصحاب الاختصاص والالتزام للشأن العام مراجعة الطلبات، وتمت تسمية أفضل المتقدمين بطلب تولي المسؤولية، وسمي ثلاثة مرشحين لكل منصب وترك الخيار النهائي لمجلس الوزراء. ولا نظن ان التوصيات طرحت، بل تدهور الوضع في توفير الكهرباء وتوسّع عجزها من دون ضوابط، ومجلس الوزراء غائب أو مغيّب عن أي تسميات.
مثال ثان على انفضاح امر الادارة العامة وعجز الحكومة عن تحقيق التقدم وإن بالنسبة الى أمر ملح.
 لقد انجزت الدراسات الهندسية لإعادة بناء مخيم نهر البارد، وبدأ العمل بورش عدة، وتحقق تفاهم سوسيولوجي واجتماعي جيد.  ومن ثم عقد مؤتمر للهيئات والدول المانحة، وتوافرت التزامات ملحوظة، لكن الحساب الذي يفترض ان تصب فيه المعونات وتنفق منه المخصصات لم يُنجز بعد. وثمة دول وهيئات مانحة تلح على فتح هذا الحساب ولا من يسمع.  لماذا؟ لأن الحكومة في منهجها ومنذ انطلقت تشدد على التقيد بأصول المحاسبة قبل أي انجاز. ويا ليت هذه اصول محققة. ويا ليت بيوت المحاسبة الدولية التي يصر عليها رئيس الوزراء منتظمة.  فأكثر هذه البيوت كان متورطاً بشكل أو بآخر في الازمة المالية التي تآكلت ثروات العالم، ومن المقدر ان ينحجب النمو عن غالبية الدول سنتين او ثلاث سنوات.
مثال آخر فاضح على عجز الحكومة عن اتباع اصول الممارسات الادارية والقانونية المنتظمة.
نواب حاكم مصرف لبنان اربعة، يفترض ان يكونوا من افضل الخبراء الماليين والاقتصاديين المنزهين، وان يعملوا مع الحاكم على ضبط ايقاع العمل المصرفي والنقدي. ولأن الحكومات اللبنانية تأخذ بالحلول المؤقتة ثم تعتبرها دائمة، اعطي مصرف لبنان دوراً لا يملكه أي مصرف مركزي اخر في العالم، حتى بعد الازمة المالية العالمية.  فمصرف لبنان يملك شركة طيران الشرق الاوسط، كما يملك نسبة في أسهم شركة انترا للاستثمار تخوله السيطرة على كازينو لبنان. كذلك يهيمن مصرف لبنان على عمليات مبادلة الاسهم المسجلة في البورصة – وهذا النشاط يرتبط عادة بهيئات ادارة الاسواق المالية لا بالمصارف المركزية - اضافة الى انه يوفّر الدعم لقروض اصبحت تبلغ 1,5 مليار دولار تفيد منها آلاف المؤسسات.
وعلى رغم تعاظم المسؤوليات وتنوعها، ألقيت اثقال ادارة مصرف لبنان على كتفي الحاكم.  وهو، على مقدرته، لا يجوز ان يحمل هذه المسؤولية.  وفي خضم الازمة المالية العالمية، من غير الجائز ان يكون المجلس الاعلى في المصرف المركزي غير مكتمل لاتخاذ قرارات اساسية للقطاع المصرفي والنظام النقدي.
وهناك مؤشرات لموافقة مجلس الوزراء على صيغة قانون يسهّل دمج المصارف، وهذه عملية اصبحت اكثر إلحاحا نتيجة للأزمة المالية العالمية، لان قدرة المصارف على تحقيق الارباح تقزّمت بعد انخفاض الفوائد على ودائعها في الخارج الى مستويات متدنية، (أقل من واحد في المئة).  وتاليا، وكي تستمر المصارف في تحقيق ارباح، عليها ان توسع حجم عملها وتزيد نسبة مداخيلها من التمويل التجاري وبطاقات الائتمان والخدمات الدورية للزبائن التي تجني منها عائدات. كل هذه النشاطات، اضافة الى شراء كميات ملحوظة من سندات الخزينة بفوائد مرتفعة نسبيا، أسهل وانجح للمصارف التي تتمتع بحجم اكبر.
ان عملية دمج المصارف تستوجب موافقة الهيئة العليا عليها، ولا يمكن تشكيل الهيئة العليا قبل تعيين نواب الحاكم، علما بان اختيار هؤلاء معلق على مواقف سياسية. فهل يجوز للحكومة ان تعرّض سلامة النقد والقطاع المصرفي لنزوات بعض وزرائها؟
ان حكومة كهذه لا تستطيع فتح حساب لمعونات نهر البارد بعد انقضاء سنة ونصف سنة على احداثه، ويتعذر عليها تحسين صيانة مصانع الكهرباء وتشغيلها، وتطوير شبكة نقل الكهرباء، ولا تستطيع تشغيل مشاريع منجزة منذ سنوات لتوزيع المياه في عكار والبقاع – مثل هذه الحكومة كيف لها ان تقترح فرض اي ضريبة او رسم على المواطنين او تطلب اية تضحية منهم.
سادتي الكرام، انتم بعجزكم اكبر ضريبة مقعدة واجهها اللبنانيون منذ الاستقلال.  افيقوا على اخطائكم وحاولوا تصحيحها، أو استريحوا وأريحوا.
 

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,094,071

عدد الزوار: 7,620,349

المتواجدون الآن: 0