هل تغيّر الانتخابات اللبنانية طبيعة النظام؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 3 حزيران 2009 - 4:44 م    عدد الزيارات 721    التعليقات 0

        

سليم نصار
بعد توقف معارك الفنادق في بيروت عام 1976، برز قائد "المرابطون" ابرهيم قليلات كزعيم سني عرف كيف يوظف الإرث الناصري لخلق زعامة جديدة بدعم من "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين". وكان من الطبيعي أن تقلق عمليات التدمير الشامل التي اصابت منطقتي "القنطاري" والفنادق، الزعامات السنية المحافظة. ذلك أنها رأت في تجاوزات "المرابطون" وحلفائهم انتهاكاً للوحدة الوطنية ولمبادئ العيش المشترك. لذلك قام المرحوم تقي الدين الصلح بزيارة مفاجئة لمقر "المرابطون" حيث استقبله قليلات في مكتبه المزيّن بصور جمال عبد الناصر... وبعد نقاش طويل تناول حصيلة الاحداث الدامية، رفض قليلات الاعتراف بتجاوزات أنصاره، لأن الفنادق الفخمة في رأيه، تمثل صورة الاستعمار الغربي. عندئذ اضطر تقي الدين الصلح لأن يحدثه عن ايجابيات الميثاق الوطني الذي صان وحدة لبنان وحفظ النظام من مخاطر الانقسام واستقواء طائفة على أخرى. ولما شعر قليلات بأن منطق الصلح قد أفحمه، سارع الى اطلاق سؤال استفزازي بقصد إحراجه، قائلاً: "أنا يا تقي بك، أتكلم باسم المقاتلين... ممكن أعرف أنت باسم من تتكلم؟ و"عدّل" الصلح طربوشه مثلما كان يفعل عندما يستفزه النقاش، وأجاب: أنا؟ أنا بتكلم باسم المقتولين. ونحن أكثرية!.... ليس هناك من وصف ينطبق على المشهد الانتخابي في لبنان، أفضل من الوصف الذي قدمه تقي الدين الصلح مطلع الحرب اللبنانية، خصوصاً ان صور الشهداء لدى الفريقين، تحولت الى يافطات انتخابية يستخدمها المرشحون (587 مرشحاً) لإظهار عمق الخلاف ومساحة التباعد بين تيارين وموقفين ونهجين ومشروعين...... في حديثها لصحيفة "فايننشال تايمز" عبّرت المرشحة نايلة جبران تويني عن هذه الرغبة السياسية بالقول إنها تسعى الى إحياء الحلم الذي استشهد والدها من أجله. وفي ضوء هذا التعهد، ينشط سعد رفيق الحريري ووليد كمال جنبلاط وسليمان طوني فرنجيه ونديم بشير الجميّل وسامي أمين الجميّل وعمر كرامي وميشال رينه معوض وايلي ماروني، وسواهم ممن فقدوا والداً أو شقيقاً.
وعليه أصبحت انتخابات 2009 مسألة بالغة الاهمية من حيث استقطاباتها السياسية وحجم التناقضات والانقسامات، واختلاط عناصرها المحلية بالمشاريع الاقليمية. وهذا ما يفسر الانتقادات الحادة التي واجهتها زيارة نائب الرئيس الاميركي جو بايدن للبنان الاسبوع الماضي، خصوصاً بعدما ربط مساعدات بلاده بهوية الحكومة الجديدة. ومع أنه ادعى الحياد في تعاطيه مع القوى المحلية، الا انه قيّد برنامج المساعدات العسكرية بنتائج الانتخابات والحكومة المنبثقة منها.... واللافت ان زيارة بايدن كشفت للرأي العام اللبناني البوصلة السياسية الجديدة التي سيعتمدها وليد جنبلاط في رحلته المستقلة المقبلة. فقد اتصلت به سفيرة اميركا ميشيل سيسون، لتقترح عليه استقبال نائب الرئيس في منزله بحضور قادة 14 آذار. وبعد أن أسمعها انتقاداً قاسياً بسبب توقيت الزيارة، اعتذر عن استقباله في منزله وأجابها انه على استعداد للقاء بايدن في منزل السيدة معوض في الحازمية. وهذا ما حدث..... يُستدل من التصاريح التي أطلقها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، أنه في صدد القيام باستدارة سياسية تحله من الارتباط بـ14 آذار، وتقربه أكثر فأكثر من "حزب الله". وقد شرح في مناسبات مختلفة، الاسباب الموجبة التي دفعته الى اتخاذ قراره الجديد، مدعياً ان التيارات الدولية والاقليمية هي التي فرضت عليه التراجع عن مواقف تبنّاها منذ عام 2005. واختصر اسباب التراجع بالتقارب السعودي - السوري، وبالانفتاح الاميركي على ايران وسوريا عقب وصول رئيس معارض لسياسة جورج بوش. كذلك يرى جنبلاط أن انتخاب حكومة يمينية في اسرائيل تهدد بالحرب وترفض التعاون مع واشنطن، مشروع نزاع طويل في المنطقة. لذلك اعتبر ان ما نشرته مجلة "دير شبيغل" حول اتهام "حزب الله" باغتيال رفيق الحريري، يدخل في خانة التشويش والتحريض، وأخطر بكثير من بوسطة "عين الرمانة". وربط في التفسير الذي قدمه اثناء حفلة العشاء السنوي لمنظمة الشباب التقدمي، بين توقيت نشر "تقرير دير شبيغل" وتفكيك شبكات اسرائيل في لبنان....  القيادة العسكرية في الجيش اللبناني تحتفظ بالسر الذي قادها الى اكتشاف عملاء اسرائيل الذين زرعوا في مواقع حساسة بعد حرب صيف 2006. وربما توقعت حكومة نتنياهو من المجلة الالمانية التي عُرفت باتجاهاتها المؤيدة لليمين الصهيوني، أن يحدث الخبر الذي افتعلته ضجة تقلل من حجم الاساءة لـ"الموساد". ويبدو أن الصدفة التي قادت الى اكتشاف أديب العلم، هي التي عطلت خطة الاغتيالات والاشتباكات التي راهنت عليها الاستخبارات الاسرائيلية. وقد  توقعت صحيفة "هآرتس" قبل مدة، احتمال حدوث أعمال ارهابية في لبنان تؤدي الى اشتعال جبهة الجنوب. كذلك علقت جريدة "يديعوت احرونوت" على ما عرضه اللواء قائد المنطقة الشمالية غادي أيزتكوت، من أن سيطرة "حزب الله" على لبنان تشكل افضل سيناريو لتبرير هدم الضاحية الجنوبية وكل البنى التحتية الخاصة بالدولة، بدءا بالمطار وانتهاء بمبنى وزارة الدفاع.... ويستنتج من مراجعة الكتاب الذي اصدره البروفيسور ايال زيسر رئيس مركز دايان في جامعة تل ابيب، أن اسرائيل تتطلع الى الانتخابات المقبلة في لبنان، كفرصة لانتصار "حزب الله". ويعكس هذا الكتاب وعنوان "دم في ارز لبنان"، افكار المؤسسة العسكرية. ويقول في المقدمة: "بالقدر الذي تصبح فيه منظمة "حزب الله" قوة رائدة في لبنان" فان من شأنها ان تسعى الى احلال تغيير وجه هذه الدولة من الاساس، سواء من خلال الكفاح العنيف، ام من خلال الكفاح السياسي الذي يدار بأساليب ناعمة ويحسم في الانتخابات. ان اسرائيل قد تجد نفسها امام واقع امني وسياسي جديد على حدودها الشمالية بعد 7 حزيران".
وفي مقال كتبه شمعون شابيرا، مؤلف كتاب "حزب الله بين لبنان وايران"، قال ان الحزب دعا الى سن قانون جديد للانتخابات يؤدي الى تغيير المعادلة الحالية، والى زعزعة النظام الحزبي الذي اتُّفق عليه سنة 1943. ويرى هذا الكاتب ان الهدف من دعوة التغيير، هو اقامة دولة اسلامية تمثل سياسيا غالبية الشيعة، تبسط السيطرة النهائية لايران على لبنان... والمؤسف ان عددا كبيرا من مرشحي 14 آذار، يستخدم هذه "الفزاعة" لتخويف الناخب المسيحي او السني بهدف انتزاعه من تجمعات ميشال عون. والمؤكد أن هذا الاسلوب قد ازعج رئيس "كتلة الاصلاح والتغيير" الذي بادر الى نفي كل ما قيل عن دعوته الى تقصير مدة رئيس الجمهورية، او الحكم بالمثالثة. ولكن نفيه لم ينف من اذهان الناس ما قاله عن "ازدواجية" مواقف الرئيس، وعن تدخل البطريرك الماروني نصرالله صفير في الانتخابات، الامر الذي يعتبره خصومه مصادرة اعلامية لموقعي الرئيس والبطريرك.
امين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، شارك في نفي هذه الادعاءات، واكد في خطابه الاخير: "ان الحزب يقف مع الدولة الواحدة المقتدرة التي لديها حكومة قوية ومجلس نيابي قوي وسلطة قضائية وجيش وأجهزة امنية قوية"..... جماعة 14 آذار تقول ان ما حصل يوم 7 ايار يمكن ان يتكرر بدليل ان ضرب المسلمين والمسيحين والدروز، اصبح يوما مجيداً من ايام المقاومة. وهي ترى ان افتعال الأحداث الامنية بناء على الشكوك والظنون يمكن ان يتكرر، خصوصا ان الدولة التي يريدونها قوية لم تحرك ساكناً لحماية مواطنيها.... يقول المصرفيون في لبنان ان الشائعات التي رافقت الحملات الانتخابية حول احتمالات تغيير النظام في حال فاز تيار 7 آذار بالغالبية، قد اثّر على برنامج السندات. وهم يؤكدون ان اهتزاز الثقة، فرض على عدد كبير من المستثمرين العرب والمهاجرين، تجميد عمليات شراء سندات الخزينة بالعملة اللبنانية الى ما بعد الانتخابات. والمعروف ان المصارف اللبنانية تحتفظ بنحو 76 مليار دولار منها 25 مليارا ودائع للقطاع الخاص.
في احتفال اقامه اتحاد بلديات قضاء جبيل لمناسبة مرور سنة على انتخاب الرئيس، قال العماد ميشال سليمان، ان لبنان سيبدأ يوم الثامن من حزيران يوما جديدا. ثم وصف هذا اليوم الجديد ببداية ورش الاصلاح في الادارة والقضاء، في الاقتصاد والسياسة، في اللامركزية الادارية وبرنامج الانماء المتوازن... وتناول الرئيس سليمان موضوع صلاحياته وصلاحيات سواه، فقال: "اما الاصلاح السياسي فهو توزيع على من وكّلهم الشعب ادارة شؤونه، اولهم رئيس الجمهورية حامي الدستور وعليه تقع تبعة الحفاظ على الدستور وحمايته.... المطلوب من رئيس الجمهورية التوافقي والتوفيقي ليس ادارة التوازنات، انما بلورة الحلول المتوازنة وفرض قيامها والحسم دائما لمصلحة الوطن الواحد. ان الحفاظ على روحية الطائف والدستور هو واجب الجميع وحق هذا الوطن علينا. ان الغاء الطائفية السياسية لا يعني الغاء الطوائف. لا مكان في الميثاق للمثالثة، بل للمشاركة الكاملة في الحفاظ على وطن الارز".... يرى بعض النواب ان خطاب الرئيس سليمان يمكن تطويره مع خطاب القسم، ليشكلا معا برنامجا لمرحلة السنوات الخمس الباقية. وربما وظف المناسبة ليعلن للمشككين بقدرته السياسية، انه هو الحكم والحاكم ايضا. وعليه يرى ان المرحلة الصعبة المقبلة تقتضي منه الحفاظ على الامن الداخلي وسط الانقسامات الاقليمية والدولية. اي الانقسامات التي واجهتها سوريا والسعودية والاردن بالتضامن ووقف شحنات التحريض في انتظار بلورة المشروع الاميركي الجديد، اي مشروع انهاء الحروب الاقليمية في الشرق الاوسط وآسيا من طريق ايجاد حلول عادلة لنزاعات استمرت اكثر من ستين سنة....... في مواجهة هذا المشروع، تستعد حكومة نتنياهو لافتعال حرب ضد ايران قد تنقذها من اعباء الضغوط السياسية التي تمارسها عليها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي وروسيا ايضا. وهي تعتمد في حساباتها على مخاوف الدول العربية من الهجمة الايرانية التي وصفها الرئيس محمود احمدي نجاد، بأنها محاولة لمساعدة الدول الكبرى على تنظيم السلام العالمي. ومن المؤكد أن المعركة العسكرية المقبلة تنتظر انتخابات 12 حزيران المقبل في طهران... تماما مثلما ينتظر اللبنانيون نتائج المعركة الانتخابية يوم 7 منه من اجل اعادة ترتيب البيت الداخلي!..

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 172,005,036

عدد الزوار: 7,655,080

المتواجدون الآن: 0