الأتراك والأرمن

تاريخ الإضافة الخميس 8 تشرين الثاني 2012 - 5:17 ص    عدد الزيارات 766    التعليقات 0

        

 

الأتراك والأرمن

مصطفى أكيول... لم أكن أتوقع حقا أن آكل أفضل بيتزا تركية في حياتي على الساحل الغربي للولايات المتحدة الأميركية (البيتزا التركية نوع من البيتزا باللحم المفروم، يشتهر بها المطبخ التركي)، بيد أن «جاكز بيكري»، مطعم صغير تملكه عائلة في مدينة لوس أنجليس، فاق كل توقعاتي.. ليس بسبب طبق البيتزا؛ لكن كل شيء تذوقته هنا كان شهيا وتركيا بامتياز.
عندما علمت أكثر بشأن قصة جاك البالغ من العمر 51 عاما، الذي يغطي شاربه الكث ابتسامته الواسعة، أدركت كل شيء. فاسمه الأصلي أغوب وعائلته من كيليس (مدينة قديمة في جنوب تركيا)، وكانوا من بين مئات الآلاف من العائلات الأرمنية التي كانت تعيش في الأناضول إلى أن تم ترحيلهم بصورة مأساوية إلى سوريا في عام 1915.. حادث مؤلم في تاريخ أصفه، وأضنه، بأنه تطهير للأرمن العثمانيين.
قد تتمكن من ترحيل الأرمن من الأناضول، لكن لن تتمكن من إخراج الأناضول منهم. كان جاك مثالا حيا على ذلك، فقد تحدث معي بلغة تركية سليمة بلكنة سليمة ولغة جميلة يصعب معها تبين أن متحدثها غير تركي.
وقال لي، وهو يتذكر أيامه في الكويت حيث هاجرت عائلته بعد عدة عقود في سوريا: «كنا نتحدث التركية على الدوام في المنزل. ولم أتقن اللغة الأرمنية إلا في المدرسة».
القصة الغريبة لجاك تذكرني بكيفية حياة الأتراك جنبا إلى جنب مع الأرمن في سلام كجيران لألف عام تقريبا، قبل أن يلقي الجانب المظلم للحضارة بظلاله عليهم. في هذه الأوقات، اعتبر الأتراك جنسا أعلى، لكن بفضل الشريعة الإسلامية كان ينظر إلى الأرمن أيضا كأهل كتاب. وحولت الإمبراطورية العثمانية التعددية الإسلامية التقليدية إلى «نظام ملي» يحظى فيه أبناء كل ملة كالمسلمين واليهود والأرمن بدرجة معينة من الاستقلال الذاتي.
الحقيقة أن الأرمن كانوا مندمجين بشكل جيد في الإمبراطورية حتى إن النخبة العثمانية وصفتهم بالملة المخلصة. وكان المهندسون المعماريون الأرمن واضعي تصاميم بعض أجمل المساجد في إسطنبول. وبفضل منحهم حق المواطنة الكاملة في عام 1856 التحق كثير من الأرمن بالوظائف العثمانية؛ بل وحتى البرلمان.
بيد أن هذه التعددية العثمانية سرعان ما تعرضت لمصاعب، وانهارت في النهاية على يد فكرة تتعارض تماما مع الوجود العثماني نفسه، والمتمثلة في تيار القومية. فالاعتقاد الذي ظهر في العصر الحديث (والعلماني في الغالب) بأن كل أمة ينبغي أن تكون لديها دولة ذات سيادة خاصة بها أدى إلى قيام حالات تمرد وحروب وعمليات تطهير عرقي في أنحاء الإمبراطورية. وقد نال الأرمن نصيبهم المفزع من هذا عام 1915.
منذ ذلك الحين، سادت للأسف حالة من العداء الشديد بين الأتراك والأرمن. واختار الأتراك خطأ أن ينفوا المأساة التي تعرض لها الأرمن، في الوقت الذي ألقى فيه الأرمن باللائمة على الأتراك ككل في ما قامت به حكومة «تركيا الفتاة» عام 1915.
وسألني جاك، وهو يشاطرني الحديث حول كثير من الأساطير التي نرويها نحن الأتراك بشأن شتات الأرمن: «كيف يمكن أن أكرهك على ما حدث قبل عقود من ولادتك؟» (قيل لنا إنهم جميعا يكرهوننا). ومنحني بعض الأمل في أن الهوة بين الشعبين ليست بالنوع الذي لا يمكن تجاوزه إلى هذا الحد.. وهي ليست كذلك على الإطلاق، لأن الأوضاع تتغير، على الجانب التركي على الأقل.. فمهما تأخرت أو تباطأت، هناك كثير من الأتراك الذين يدركون أن حادثة 1915 ليس شيئا نفخر به.. بل إن هنا الكثير منهم يدرك أن هناك شيئا ما خطأ إلى حد بعيد في نموذج القومية الذي حكم تركيا لقرن تقريبا. وأعتقد أن في «عثمانيتهم الجديدة» يكمن مفتاح المصالحة التركية - الأرمنية.
* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية
 

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 172,015,742

عدد الزوار: 7,655,631

المتواجدون الآن: 0