الأميركيون العرب بحاجة إلى التطبيع السياسي

تاريخ الإضافة الأربعاء 21 تشرين الثاني 2012 - 5:41 ص    عدد الزيارات 787    التعليقات 0

        

الأميركيون العرب بحاجة إلى التطبيع السياسي
بقلم حسين أيبش ....فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين - "الدايلي بيست" ترجمة نسرين ناضر

 

عقب الانتخابات الرئاسية الاميركية الأخيرة، ومع صعود تأثير الكتل غير التقليدية مثل اللاتين، أثار الأميركيون العرب من جديد السؤال الآتي: كيف يمكنهم أن يصبحوا ممكَّنين سياسياً؟ ثمة جواب واحد لا غير: بأن يصبحوا أميركيين "طبيعيين" سياسياً.

يبدو جواباً استفزازياً وفي الوقت نفسه سطحياً إلى درجة عبثية. فمن يريد أن يكون "غير طبيعي"؟ قد يكون ردّ الفعل الأول الغضب: كيف لك أن تلمّح إلى أننا لسنا "أميركيين طبيعيين"؟ لكن بالنسبة إلى عدد كبير من الأميركيين العرب، ولا سيما في إطار المجموعة، يسهل عليهم أن يتبنّوا نظرياً التطبيع السياسي - أي التفاعل ثقافياً مع المنظومة السياسية الأميركية والانخراط فيها - لكن التطبيق صعب للغاية.
يعني التطبيع القبول بأن المنظومة مفتوحة أمام الجميع. ليست هناك قوانين تمنع المشاركة الفاعلة، ويخضع كل المرشّحين لعوامل النفوذ المعهودة، أي الأصوات والمال والوقت والدفاع عن قضايا معيّنة. لكن عدداً كبيراً من الأميركيين العرب يتوهّم بأنه ضحيّة إقصاء شديد لا مثيل له، مما يولّد شعوراً انهزامياً. ويعتبر البعض أن العنصرية المناهضة للعرب أو الإسلاموفوبيا هما حاجزان يتعذّر تخطّيهما. ويقول آخرون إن خصومهم نافذون جداً بحيث لا يمكنهم إسماع صوتهم.
فضلاً عن ذلك، الأميركيون العرب منقسمون بشدّة حول محاور عدّة. فقد استورد كثرٌ بينهم ولاءاتهم السياسية من الشرق الأوسط. وهم يتماهون في شكل أساسي مع تنظيمات أو مجموعات ناخبة في لبنان أو سوريا أو العراق أو فلسطين، بدلاً من الولايات المتحدة، ويصوغون سياساتهم على هذا الأساس.
في الواقع، غادر عدد كبير من الأميركيين العرب الشرق الأوسط هرباً من السياسة بالتحديد لأنها هناك مرتعٌ للقمع والفساد، وقبل كل شيء الهزيمة. تُعتبَر السياسة قذرة، لأنها كذلك فعلاً في العالم العربي. فالخاسرون في المعارك السياسية الكبرى تحلّ بهم الويلات في معظم الدول العربية. ولذلك هناك انطباعٌ غير واقعي على الإطلاق عن كلفة الانخراط السياسي. يعتقد كثرٌ من الأميركيين العرب أن الالتزام السياسي، حتى لو كان ضمن الاتّجاه السائد، يضعهم على "لائحة" ما، ويدفع بالجهات المسؤولة عن إنفاذ القوانين إلى مراقبتهم، ويؤثّر سلباً في فرص العمل التي يمكن أن تتوافر لهم. غالباً ما تُستخدَم هذه البارانويا مجرّد عذر لرفض التبرّع بالوقت والمال.
لقد تمكّن العنصريون المناهضون للعرب والمتعصّبون الكارِهون للإسلام من الصعود والنمو خلال العقد المنصرم. لكن أحد الأسباب الأساسية هو العجز النسبي للردّ السياسي غير المنظَّم والمنقسم من جانب العرب والمسلمين. إن الانخراط الجماعي الجدّي والمحترم والوطني في المنظومة السياسية لبلدنا يرفع من الكلفة المترتِّبة على خطاب الكراهية، ويثبت أن المتعصّبين على خطأ.
لعل العائق الأكبر أمام التطبيع العربي في السياسة الأميركية هو النفور الكبير الذي يشعر به كثرٌ من السياسات الأميركية، ولا سيما في موضوع الشرق الأوسط وإسرائيل. يؤدّي ادّعاء الصوابية السياسية ومحكّات الاختبار التي يفرضها بقسوة من يمارسون الترهيب الاجتماعي والأيديولوجي، إلى شلّ قدرة الأميركيين العرب على المشاركة بنجاح في عملية صنع القرارات في الولايات المتحدة.
يمثّل عدد كبير من الأميركيين العرب النافذين في الأكاديميا أو المنتديات الإلكترونية، أقصى اليسار. وينتمي آخرون إلى اليمين الديني المسلم، مع العلم بأنهم يتحرّكون بهدوء أكبر إنما بالمكر نفسه. يزمجرون في القاعات التي تُرجِّع صدى أصواتهم وفي محيطهم المتعصّب، مدّعين الصوابية ومستنكرين بأن النظام السياسي الأميركي فاسد ومفسِد برمته، والانخراط معه فعلٌ منحطّ ومذِلّ، ومن ينخرطون معه يرتكبون خيانة خطيرة للقيم والمبادئ الأخلاقية التي لا غنى عنها.
يستمتعون بالسلطة الأخلاقية الوهمية التي يُخيَّل إليهم بأنهم يحصلون عليها بفعل تصوير أنفسهم بأنهم الضحية وبأنهم يتعرّضون للإقصاء، ويفرضون صوابية سياسية مسبِّبة للشلل وترتكز على قومية عربية تعاني من البارانويا والشوفينية. ويؤدّي هذا إما إلى نأي متعمّد عن الالتزام، وإما إلى فقدان أكيد للفاعلية عبر الإصرار على توجيه رسائل سياسية لا تلقى أصداء جيدة لدى الحكومة أو واضعي السياسات أو المجتمع الأميركي الأوسع.
يردّد الأميركيون العرب منذ عقود "ينبغي علينا أن نحذو حذو اليهود والسود واللاتين والإيرلنديين، إلخ. وأن نسعى إلى الانخراط وتمكين أنفسنا". بالفعل، يعني التطبيع السياسي الأميركي القيام بالضبط بما تفعله تلك المجموعات: وضع السياسات والولاءات المستورَدة من العالم القديم جانباً، وانتهاز كل الفرص الممكنة للانخراط مع الحكومة ومختلف الفاعلين البارزين على أساس من الاحترام المتبادل. لكن محكّات الاختبار التي يفرضها ادّعاء الصوابية السياسية تؤدّي في الحال إلى تشويه صورة كل أميركي عربي يحاول أن يقتدي بتلك النماذج وأن يصبح طبيعياً بالمعنى السياسي الأميركي، وإلى وصفه بالخائن والفاسد والمفلِس أخلاقياً.
هناك العديد من الأميركيين العرب الذين دخلوا الكونغرس ومجلس الشيوخ وأصبحوا حكّاماً على الولايات، كما حقّق آخرون نجاحاً سياسياً. لكن في شكل عام، لا يتمتّعون بالشعبية أو النفوذ في أوساط الأميركيين العرب. فجميعهم وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تلقاء أنفسهم، وعلى الرغم من هويتهم الأميركية العربية وليس بفضلها. لا تزال هذه الهوية عائقاً سياسياً حتى الآن، ولم تكن في أيّ من الحالات ورقة رابحة لأي مسؤول منتخَب أو معيَّن.
في السياسة الخارجية، يعني التطبيع التأقلم ثقافياً مع عملية صنع السياسات والخطاب المؤطِّر لها، لا الانجراف وراء الانتقادات الاستفزازية المستمرّة، أو تخيّل نسخ بديلة للمصلحة القومية. ويعني أيضاً عرض أفكار على المسؤولين من شأنها مساعدتهم على تحقيق أهدافهم، وليس الرفض الغاضِب للإجماع حول المصلحة الوطنية.
يقتضي التطبيع الانخراط الفعلي في المنظومة السياسية وعملية صنع القرارات. لا يعني ذلك الموافقة على كل السياسات، بل يتطلّب التخلّي عن الموقف العدائي التلقائي والشديد الوضوح حيال الجهات المعنيّة بإنفاذ القوانين والدفاع والاستخبارات والسياسة الخارجية. تتعرّض المنظمات العربية-الأميركية التي تسمح للجيش أو الاستخبارات أو مكتب التحقيقات الفيديرالي (إف بي آي) أو وكالات حكومية أخرى باستئجار أكشاك للتجنيد في المناسبات التي تنظّمها، لانتقادات تعسّفية شديدة اللهجة. لكن هل من عاقل يُفضّل ألا يكون هناك أيّ دور للأميركيين العرب في هذه الوكالات الأساسية، وأن تقتصر إدارتها على الآخرين؟ لا أحد يريد ذلك ما عدا أولئك الذين يستمدّون رضى عاطفياً ينم عن اضطراب عصبي، من المتعة والسلطة الأخلاقية المزعومة اللتين يولّدهما ألم التهميش الاجتماعي والسياسي، مع العلم بأن هذا الشعور منتشر على نطاق واسع في أوساط الأميركيين العرب.
وقبل كل شيء، يعني التطبيع الاستعداد للعمل مع الناخبين من مختلف الإثنيات والتوجّهات لتحقيق النتائج المرجوّة، وعدم السماح بأن يكون الأمثل عدواً لما هو أفضل. كما أنه يقتضي التطبيع مع جميع الأميركيين الآخرين - بما في ذلك التيار الأساسي لليهود الأميركيين - للمشاركة في النقاشات، وعند الإمكان، بناء تحالفات تحقيقاً لأهداف تعود بالفائدة على الجميع.
الاتّهام بـ"التطبيع" مع إسرائيل والإسرائيليين والمجموعات اليهودية الأميركية الرئيسة هو من أكثر الانتقادات حضوراً في خطاب من يدّعون أنهم قيّمون على الصوابية السياسية للأميركيين العرب، كما أنه من الأكثر تسبّباً بالأذى. وتُوجَّه اتّهامات مماثلة، ولو كانت أقلّ تماسكاً وأكثر ضمنية، ضد من يتجرأون على "التطبيع" مع الحكومة والإستابلشمنت والمنظومة السياسية الأميركية.
ما دام السلوك السياسي الأميركي المعياري موصوماً ومنبوذاً، ستبقى الحالة السياسية الطبيعية والسويّة حلماً بعيداً بالنسبة إلى الأميركيين العرب كمجموعة. وسيستمرّ التهميش الذي يفرضونه على أنفسهم. وسيظل الأميركيون العرب الانهزاميون ينظرون إلى "التطبيع" ليس كهدف إنما كأسوأ شتيمة يتعرّضون لها على الإطلاق.

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 172,000,631

عدد الزوار: 7,654,855

المتواجدون الآن: 0