الاستقلاليون هزموا المحور الايراني – السوري..والمزاج الشعبي المسيحي رفض طروحات عون

تاريخ الإضافة الأربعاء 17 حزيران 2009 - 3:06 م    عدد الزيارات 731    التعليقات 0

        

بقلم عبد الكريم أبو النصر

"احبط انتصار الاستقلاليين في انتخابات السابع من حزيران مشروعا تغييريا كبيرا اعده حزب الله وكان ينوي تنفيذه مع حلفائه في حال صحت توقعاته وفاز بالغالبية النيابية، وهو مشروع يهدف، اولا، الى العمل على اضعاف دور الرئيس ميشال سليمان الاستقلالي التوجهات وتقليص قدرته على التأثير في مجرى الاحداث وفي اتخاذ القرارات، ثم استخدام اساليب مختلفة لتقصير ولايته او لاطاحته في حال رفض الرضوخ لمطالب حلفاء دمشق المنتصرين في الانتخابات. كما ان هذا المشروع يهدف، لاحقا، الى اجراء تغييرات مهمة في الدستور وتركيبة النظام بوسائل مختلفة واعادة ربط لبنان تدريجا بسوريا من خلال احياء العمل بمعاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق الموقعة عام 1991 والتي ادت الى ايجاد وحدة امر واقع بين البلدين استمرت الى حين انسحاب القوات السورية من هذا البلد في نيسان 2005".
هذا ما كشفته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس وثيقة الاطلاع على تطورات الاوضاع اللبنانية، واوضحت ان فوز فريق 14 آذار وحلفائه بالغالبية النيابية والشعبية في الانتخابات "مفاجأة سارة ويشكل انتصارا للمعتدلين اللبنانيين والعرب وردا قويا على الذين قالوا إن ثورة الارز انتهت بعد الهجوم المسلح الذي نفذه حزب الله وحلفاؤه ضد بيروت ومناطق في الجبل في 7 ايار 2008. كما ان هذا الانتصار يؤكد ان صوت الشعب اقوى من تأثير السلاح والعنف، ويعكس وجود التفاف شعبي واسع وقوي ومن مختلف الطوائف حول المشروع الاستقلالي السيادي داعم له ورافض لمشروع حزب الله الاقليمي الذي يهدد امن البلد واستقراره ومصالح اللبنانيين الحيوية". وأكد لنا ديبلوماسي اوروبي بارز معني مباشرة بهذا الملف ان الكثير من الديبلوماسيين والحللين الغربيين راهنوا على احتمال فوز حزب الله وحلفائه في هذه الانتخابات المصيرية استنادا الى الحسابات الخاطئة الآتية: راهن هؤلاء، اولا، على ان قوة حزب الله المسلحة ستتحول في هذه الانتخابات قوة سياسية شعبية تدفع اللبنانيين في غالبيتهم العظمى الى تقبل سياساته ومنحه غالبية نيابية كبرى له ولحلفائه. وهذا ما لم يحدث. وراهن هؤلاء، ثانيا، على ان استخدام حزب الله سلاحه في الداخل في ايار 2008 خصوصا سيجعل اللبنانيين "يهابونه" وسيدفعهم الى تقديم الولاء والدعم الكبير له ولحلفائه. لكن ما حدث فعلا هو النقيض اذ ان احداث 7 ايار 2008 جعلت اللبنانيين عموما يدركون مدى خطورة سلاح حزب الله ويلتفون حول القيادات الاستقلالية لحمايتهم. وراهن هؤلاء، ثالثا، على ان شعبية العماد ميشال عون في صفوف المسيحيين لا تزال قوية ولم تتبدل نتيجة تحالفه مع حزب الله. لكن هذا الرهان كان خاطئا تماما اذ اظهرت نتائج الانتخابات الرسمية ان غالبية واضحة من المسيحيين ترفض سياسات عون وخياراته. واعتمد هؤلاء، رابعا، في تحليلاتهم وتوقعاتهم على استطلاعات للرأي العام تجريها مراكز متخصصة في لبنان وقد رجح معظمها فوز فريق 8 آذار في الانتخابات. لكن نتائج الانتخابات اظهرت مدى ابتعاد هذه الاستطلاعات عن الواقع، ذلك ان اللبنانيين والعرب عموما ليسوا معتادين فعلا على "ثقافة" الاستطلاعات بل انهم يتعاملون معها بحذر شديد وباستخفاف.
تفويض شعبي للاستقلاليين
واكدت هذه المصادر الديبلوماسية الاوروبية المطلعة ان اهمية هذه المعركة الانتخابية ونتائجها نابعة من العوامل والاسباب الاساسية الآتية:
اولا، هذه المعركة الانتخابية كانت ذات طابع وطني واقليمي ولم تكن حصيلة معارك محلية صغيرة في كل دائرة من الدوائر. فقد خاضها اللبنانيون على اساس انها معركة مصيرية واضحة في مضامينها وبرامجها ومبادئها وشعاراتها وقيمها واهدافها، وعلى اساس انها استفتاء شعبي وطني حقيقي على هوية لبنان وطبيعة دوره وتوجهاته المستقبلية داخليا وخارجيا. ولذلك شكلت نتائج الانتخابات انتصارا سياسيا وشعبيا كبيرا للمشروع الاستقلالي – السيادي بكل معانيه ومعطياته، واظهرت مجددا ان ميزان القوى السياسي والشعبي هو لمصلحة الاستقلاليين المعتدلين الذين يمثلهم فريق 14 آذار والمستقلون المتحالفون معه. واعطت نتائج الانتخابات تفويضا شعبيا جديدا للاستقلاليين لكي يواصلوا معركتهم الاساسية السلمية من اجل حماية لبنان من اي هيمنة اقليمية وتعزيز الدولة ومؤسساتها الشرعية وتحصين النظام الديموقراطي التعددي وتدعيم السلم الاهلي والوحدة الوطنية وهو ما يضمن الامن والاستقرار ويساعد على تحسين وتطوير الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية للبنانيين.
ثانيا، اكدت نتائج الانتخابات ان اللبنانيين لم يتعبوا ولم ييأسوا من خوض معركة حماية استقلال البلد والدفاع عن سيادته وقراره الحر، كما اكدت ان اللبنانيين في غالبيتهم الواسعة يرفضون الاستسلام والرضوخ للقوى المحلية والاقليمية التي استخدمت خلال السنوات الاربع الماضية سلاح الاغتيالات ومختلف وسائل العنف المسلح والترهيب والتهديد والضغط والتعطيل من اجل منع الاستقلاليين من ان يحكموا البلد ويديروا شؤونه بما يؤمن المصالح الحيوية للبنانيين. وجاءت نتائج الانتخابات وما رافقها من اقبال كثيف على صناديق الاقتراع خصوصا في المناطق المسيحية والسنية والدرزية لتشكل حماية سياسية وشعبية ووطنية جديدة للاستقلاليين ولتؤكد عزم اللبنانيين، في غالبيتهم الواسعة، على مواصلة انتفاضتهم السلمية ضد مختلف القوى والجهات التي ترى في لبنان مجرد ورقة مساومة او ساحة لتعزيز مواقع سوريا وايران التفاوضية مع الدول الكبرى ولتأمين مصالحهما وإن على حساب مصالح اللبنانيين.
ثالثا، اظهرت نتائج الانتخابات ان اللبنانيين في غالبيتهم الواسعة يدركون تماما مدى جدية التهديدات والاخطار الداخلية والخارجية التي سيواجهونها في حال حصل فريق 8 آذار على الغالبية النيابية، ولذلك منحوا ثقتهم للقوى الاستقلالية المعتدلة تماما كما منحوا هذه القوى ثقتهم عام 2005 حين خاضوا معها اكبر معركة سلمية شعبية في تاريخ لبنان منذ الاستقلال وهي معركة ادت الى انهاء الهيمنة السورية على هذا البلد. وقد شكلت نتائج الانتخابات انتفاضة شعبية سلمية حقيقية ضد المشروع الاقليمي لـ"حزب الله" قائد المعارضة الذي يهدف الى اعطاء الاولوية للمواجهة المستمرة وليس للبناء والاستقرار، والى جعل لبنان ساحة معركة مفتوحة مع اسرائيل ودول عربية واجنبية عدة، كما يهدف الى اعطاء الاولوية لمصالح السوريين والايرانيين ويمهد لربط هذا البلد بالمحور الايراني – السوري مما يقضي على مقومات الاستقلال والسيادة ويجلب للبنانيين الموت والخراب والدمار كما حدث في غزة. واظهرت نتائج الانتخابات ان اللبنانيين يرفضون على نطاق واسع دولة "حزب الله" المسلحة كما يرفضون بشكل محدد احتفاظ الحزب بسلاحه وبقرار الحرب مع اسرائيل خلافا لما هي الحال في سائر دول العالم، كما يرفضون استخدام الحزب سلاحه في الداخل من اجل فرض مطالبه وشروطه على سائر الافرقاء.
أسباب فشل عون
رابعا، تغلب لدى الناخبين المسيحيين تحديدا القلق والخوف من سلاح "حزب الله" واخطاره على النظرية القائلة ان التحالف مع الحزب يعزز نفوذ المسيحيين ودورهم في البلد، وهي نظرية خاطئة تماما، لكن تم الترويج لها في صفوف فريق 8 آذار. الواقع ان ما يريده "حزب الله" هو تعزيز مواقف ومواقع حلفائه الايرانيين والسوريين وتقوية دور الشيعة في البلد. ويذكر اللبنانيون ان الدور المسيحي تقلص وضعف خلال سنوات الهيمنة السورية على لبنان.
خامسا، فشل العماد عون زعيم "التغيير والاصلاح" في تحقيق هدفه الاساسي وهو الحصول على كتلة مسيحية كبرى تضم 35 نائبا وتسمح بالتالي لفريق 8 آذار بالفوز في الانتخابات وقد تمهد لاحقا لتأمين وصول الجنرال الى رئاسة الجمهورية بطريقة او باخرى. وفشل عون هذا ناتج من خمسة اسباب اساسية هي الآتية:
1 – اظهرت الانتخابات ان المسيحيين وفي غالبيتهم الواسعة، يرفضون تحالف عون مع "حزب الله" لانهم يدركون ان هذا التحالف يضعف الدولة ومؤسساتها ويؤمن تغطية مسيحية لسلاح الحزب. وهم لم يقتنعوا بدفاع الجنرال عن هذا التحالف وبتأكيده انه لمصلحة المسيحيين.
2 – اظهرت نتائج الانتخابات ان عون ليس قادرا على ان يأخذ المسيحيين معه الى حيث يريد. فالكثير من الناخبين المسيحيين الذين منحوا عون ثقتهم عام 2005 لانه خاض الانتخابات آنذاك على اساس انه منقذ لبنان من الهيمنة السورية ومن سلاح "حزب الله"، وانه بطل الاستقلال والمسيحيين، تخلوا عنه هذه المرة لان الجنرال استخدم انتصاره السابق للتحالف مع المحور الايراني – السوري ولمحاربة الاستقلاليين المعتدلين. وقد اظهرت نتائج الانتخابات ان 58 في المئة من المسيحيين يؤيدون فريق 14 آذار وسياساته وان 42 في المئة منهم فقط يؤيدون عون.
3 – لم يستطع عون اقناع قسم كبير من المسيحيين بمشروعه الاساسي القاضي باقامة جمهورية جديدة – الثالثة على انقاض "جمهورية الطائف" لان مشروعه غامض ولان الجنرال لم يكشف للبنانيين مضمون هذا المشروع  والصيغة البديلة من صيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين التي حددها اتفاق الطائف، والتي يفترض بها ان تؤمن للمسيحيين دورا اكبر في ادارة شؤون البلد.
4 – اعتمد عون سياسة الهاء المسيحيين عن المسائل الجوهرية من خلال رفع شعار محاربة الفساد او شن حملات مستمرة على المسلمين المعتدلين، كما عمل على ابعاد المسيحيين عن الاهتمام بالقضايا المصيرية وهي الدفاع عن استقلال لبنان وسيادته والعمل على صيانة امنه واستقراره وسلمه الاهلي وحمايته من مخططات المحور الايراني – السوري الخطرة داخليا واقليميا.
5 – بدا واضحا من نتائج الانتخابات ان المزاج الشعبي في المناطق المسيحية يعكس تمسك المسيحيين عموما بالدولة القوية وبمؤسساتها الشرعية وبدور الجيش والقوى الامنية، كما يعكس الحرص على دعم الرئيس ميشال سليمان وعلى رفض "دولة حزب الله" المسلحة وعلى التمسك مع المسلمين بالمحكمة الدولية لتحقيق العدالة. ويعكس المزاج الشعبي المسيحي ايضا رفضا للعودة الى سياسة التهديد المستمر والتعطيل وشل الحياة الاقتصادية والاجتماعية واستخدام السلاح والعنف في الصراع السياسي الداخلي.
6 – شكل انتصار الاستقلاليين في الانتخابات هزيمة سياسية حقيقية للمحور الايراني – السوري وخصوصا ان نظام الرئيس بشار الاسد خاض خلال السنوات الاربع الماضية حربا متعددة الجانب ضد القوى الاستقلالية واصفا الغالبية السابقة بانها "وهمية" ومؤكدا ان حلفاء دمشق هم الاقوى. كما ان النظام الايراني تبنى نظرية انتصار حلفائه في الانتخابات لذلك اكد وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي للرئيس نيكولا ساركوزي حين التقاه في باريس مطلع هذا الشهر ان فريق 8 آذار هو الذي سيفوز في الانتخابات وان على فرنسا واميركا وسائر الدول تقبل هذا الواقع والتعامل مع الحكم الجديد وتقديم الدعم له. وقد اظهر اللبنانيون في هذه الانتخابات وفي غالبيتهم الواسعة مدى حرصهم على ان يكونوا جزءا من المجتمع الدولي والمجموعة العربية ككل ومدى تمسكهم بتطبيق قرارات مجلس الامن وبدعم عمل المحكمة الدولية، ولذلك منحوا القوى الاستقلالية الغالبية النيابية والشعبية لان ذلك يؤمن استمرار الحماية الدولية والعربية الواسعة للبنان المستقل...

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 172,012,310

عدد الزوار: 7,655,480

المتواجدون الآن: 0