كيف ينظر "حزب الله" إلى مرحلة ما بعد إخفاق حساباته الانتخابية؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 1 تموز 2009 - 12:10 م    عدد الزيارات 717    التعليقات 0

        

ابراهيم بيرم     

 بدا واضحاً خلال الأيام الماضية ان "حزب الله" كان الأكثر استغراقاً وانشغالاً في تقديم الاجابات والتصورات الشافية والشفافة، عن أمرين رئيسيين: الاول لماذا اخفقت قوى المعارضة مجتمعة في تحقيق ما كانت وعدت نفسها وجمهورها به على مدى اشهر وهو حصد المزيد من المقاعد النيابية في الانتخابات الأخيرة لتغدو هي الأكثرية القادرة على رسم معالم الحكم والسلطة في المرحلة المقبلة؟ والثاني ما هي الخطوات الواجب اتباعها لامتصاص صدمة "الهزيمة" وترداداتها من جهة، ورسم المعادلات والمخططات التي من شأنها ملاقاة المرحلة المقبلة من جهة أخرى؟...... ليس خافياً ان الحزب بات في الواجهة اكثر من سواه من قوى المعارضة لاعتبارات عدة ابرزها انه كان الاكثر مجاهرة في الاسابيع التي سبقت الانتخابات النيابية بقدرة المعارضة على حصد المقاعد التي تمكنها من بلوغ مرتبة الاكثرية، ولأن قسماً كبيراً من مسؤولية عدم الفوز قد القي على عاتقه اكثر من سواه لأنه العمود الفقري لقوى المعارضة، ولأنه لم يبادر الى "تحصين" وضع المعارضة وتمتينه من خلال خطاب سياسي موحد، وكذلك بسبب التلكؤ في جبه حملات الاتهام التي كانت توجهها قوى الموالاة منفردة ومجتمعة، وجملة مواقف اطلقها رموز الحزب وقادته اعتبر بعضهم انها صبت في غير خانة مكونات المعارضة ولاسيما المسيحية.
التبريرات.... على هذا الاساس، لم يطل احتجاب الحزب عن الواجهة بعد صدور نتائج الانتخابات، وتيقن  الجميع من اخفاق حسابات المعارضة، اذ سرعان ما انبرى للمواجهة من خلال أربعة مستويات:
المستوى الاول – تقديم الخطاب "التبريري" للجمهور المحيط بالحزب احاطة السوار بالمعصم، والذي، ولا ريب مني بالاحباط وهو يشعر بتهاوي التطمينات وتبددها، فكانت الاجابة هنا على ثلاث مراحل: الاولى، ان لوائح المعارضة ومرشحيها الحاضرين في كل الدوائر الانتخابية نالوا من الاصوات اكثر مما نال مرشحو الموالاة، لتكون المحصلة ان المعارضة نالت اكثرية شعبية موصوفة، وهذا تعويض معنوي لا يستهان به.
والثانية، ان "الخيرة هي في ما اختاره الله"، وبالتالي يتعين ان "لا نحزن" على ما فاتنا، ما دام الأمر لا يعدو كونه خسارة لمعركة، والتعويض عنها أمر "ساعة".
والثالثة، ان نتائج الانتخابات لن تغير من جوهر المعادلة السياسية الحالية المعلومة الشيء الكثير ما دام الفريق المنتصر للتو، غير قادر نتيجة ظروف موضوعية وذاتية معروفة على المضي منفرداً في رحلة الحكم.
وحدة المعارضة والاداء.... المستوى الثاني – المحافظة على وحدة المعارضة واعادة استنهاض همتها، وبالتالي دفعها الى ملاقاة مهمات المرحلة المقبلة.
وفي السياق كانت خطوة خروج الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله من انكفائه القسري عن المواجهة، وبالتالي فتح ابواب مقراته الموقتة للاجتماع برموز المعارضة وليبحث معها سر ما صار يعتبر ثغرة اساسية في عمل المعارضة ومسارها، وهو الانتظام في اطار سياسي جبهوي تكون له صيغته التنظيمية الموحدة (منسقية أو أمانة عامة...) الجاهزة لتقديم الاجابات او وجهات النظر على كل طارئ او مستجد.
ومن الثابت ايضا ان بحث نصرالله مع رموز قوى المعارضة تناول ايضا فكرة وضع برنامج سياسي يقدم رؤية قوى المعارضة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي صلبها رؤية المعارضة الى مستقبل مشروع الدولة والعلاقة بالآخر. ومن البديهي ان هذا الامر جاء اثر نجاح الفريق الآخر في محاصرة المعارضة بجملة اتهامات وشكوك حول مواقف حساسة مثل مضامين اتفاق الطائف و"المثالثة" وما الى ذلك، بحيث بدت الموالاة كأنها تحمل وحدها مشروع العبور الى الدولة فيما القوى الاخرى لا تقيم لهذا الامر وزنا واعتبارا.
وبالطبع فان لقيادة الحزب غاية أبعد في مباشرة رحلة البحث عن اطار جبهوي يكون ناظما لعقد قوى المعارضة، وهو الرد غير المباشر على جملة اتهامات وجهت الى الحزب والقوى الاخرى الرئيسية في المعارضة بأنها "بخست في السابق قوى المعارضة الاخرى حقها وموقعها وجعلتها مجرد "تابع"، يعلم بالامور بعد فوات الاوان ولا يشترك في اتخاذ القرارات الحساسة والرئيسية.
وبالطبع أراد الحزب من خلال الشروع في رحلة البحث عن ناظم لأمر قوى المعارضة تقديم اجابات عاجلة عن جزء من العوامل التي قدمها كثيرون، ولا سيما من هم في مناخ المعارضة، على أنها من الاسباب التي أفقدت المعارضة فرصة بلوغ هدفها بكسب الانتخابات والتي يمكن ايجازها بغياب بندي الاطار والرؤية.
ومع أن الحزب يعمل بجد وكد للوصول الى هدف دفع قوى المعارضة الى الانضواء في اطار سياسي موحد، فان قيادة الحزب على بينة من ان الامر يحتاج الى مزيد من الاتصالات واللقاءات لبلورة هذا الهدف، وهي لا تريد ان يبدو الامر كأنه يتم تحت وطأة صدمة "الهزيمة" في الانتخابات النيابية واستعجال السير في خطوات متسرعة لا تأخذ وقتها من الدرس. ومما لا شك فيه ان ثمة نقطة ارتكاز رئيسية ينطلق منها الحزب في اطار سعيه هذا، وهي أن قوى المعارضة صمدت خلال الفترة الماضية امام العديد من الاغراءات والضغوط لتفكيك صفوفها او لفك عرى تلاحمها، ومع ذلك "آثرت" الصمود، وبعضها مثل حزب الطاشناق فضل المغامرة والخسارة على مبارحة اطار المعارضة. وعليه، فان بالامكان الاتكاء على هذا الواقع بغية بلورة اطار جامع مع برنامج وقضية تستأهل النضال من أجلها عوض ان تبدو قوى المعارضة كأنها موجودة لتأمين "شبكة أمان" لـ"حزب الله" فحسب.
محدودية انتصار الغالبية... المستوى الثالث – ان دوائر القرار في "حزب الله" تبدو مطمئنة الى حد بعيد الى أمر أساسي هو على رغم ان الاكثرية عادت بأكثريتها "المريحة" الى مجلس النواب، فان ذلك على بلاغته وأهميته لا يسمح لهذه الاكثرية بولوج باب أمرين:
الاول: المضي قدما في مغامرة الحكم منفردة وتشكيل حكومة من لون سياسي واحد، انفاذا للشعار الذي رفعته قبيل موعد الانتخابات. وليس "اضطرار" الاكثرية، على رغم رفض الكثير من اعضائها، اعادة انتخاب الرئيس نبيه بري رئيسا لمجلس النواب للمرة الخامسة على رغم كل الحملات السياسية التي استهدفته بعيد الانتخابات ووصلت الى حد التجريح الشخصي، سوى دليل أول على هذا التشخيص السياسي.
وبالنسبة الى هذه الدوائر، فان فريق الموالاة ليس في مقدوره الذهاب بعيدا في "تسييل" نصره الانتخابي وفق ما يطمح اليه بعض تلاوين هذا الفريق، لأسباب وعوامل عدة أبرزها:
- حاجة زعيم الاكثرية النيابية النائب سعد الحريري الى توفير ظروف ومقومات تؤمن له انطلاقة سلسة وقوية للحكومة الاولى التي بات في حكم المرجح انه سيشكلها هو وتؤمن لها استقرارا لأبعد مدى زمني ممكن. إذ ان الحريري يريد، وفق الدوائر نفسها، ان تكون حكومته الاولى على غرار حكومة والده الشهيد الاولى بعد انتخابات 1992، حيث بدت بمثابة حكومة "إنقاذ" وطني التف الجميع حولها، ويبدو ايضا انه يريد تفادي مصير حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الاولى التي وقعت في قبضة المأزق بعد اقل من ثمانية أشهر على انطلاقتها وبقيت أسيرة الازمة.
وبمعنى آخر، ان الحزب على يقين ان الحريري يسعى جاهدا الى الحصول على "ضمانات" أكيدة من المعارضة لحكومته العتيدة تحول دون جنوحها نحو لجة الازمة بعد أشهر من اقلاع أشرعتها.
مقاربة شروط المعارضة... هذا الواقع الجلي من شأنه، وفق الدوائر ذاتها، أن يحول دون تكرار الاكثرية لتجربة الحكم الأولى بعد انتخابات عام 2005، وهي كانت تجربة بالغة المرارة بالنسبة الى الجميع، مما يفتح الباب أمام دنو أكبر من شروط المعارضة ومقاربة أكبر لهواجسها المعروفة وتنازلا معقولا عن سقف شروطها، وهذا من شأنه ايضا ان يوفر فرصة أعرض لبروز صيغة تسوية سياسية ممكنة للمرحلة المقبلة، تؤمن الاستقرار الذي يسمح   للجميع بالتقاط الانفاس، والتصرف بروية، وليس تحت وطأة اللحظة السياسية الضاغطة التي تستدعي رد فعل سريع. وعلى هذا الاساس كانت قيادة الحزب تعد نفسها وملفاتها منذ مدة استعدادا للقاء الذي تم ليل أول من امس بين الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله والنائب الحريري، وهذا اللقاء كان بالنسبة اليها محسوما ومحطة أساسية وتبني على نتائجه تصورات ورؤى للمرحلة المقبلة، وخصوصا ان قيادة الحزب "فوجئت" الى حد بعيد بالاشارات الايجابية التي بعث بها اليها النائب الحريري، خصوصا لجهة سلوكه السياسي المستقبلي ورغبته الضمنية في تكرار تجربة والده مع الحزب ومع القضايا الخلافية. وليس خافيا ان قيادة الحزب كانت في حاجة الى هذا اللقاء لتتيقن من توجهات الحريري المستقبلية، وهو يطالب بضمانات لحكومته العتيدة، وهل هي توجهات ثابتة أم أنها تبددت بفعل فاعل، لتتكرر التجربة المرة بين الحزب والحريري على غرار تجربة اتفاق السعودية خلال عام 2007 وقبلها سلسلة اللقاءات الشهيرة بين الحريري ونصرالله.
المستوى الرابع – ان الحزب لم يعد يعيش الهواجس نفسها والقلق نفسه الذي عايشه طوال الاعوام الاربعة الماضية، فالى التحولات الاقليمية التي يراها الحزب جدية ومؤثرة، ثمة تحولات داخلية لا يسقطها من حساباته للمرحلة الآتية، وهذا على سبيل المثال تحول رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، ورغبته المعلنة والمضمرة في آن واحد، في أن يخرج نهائيا من دور "رأس الحربة" الذي اضطلع به سابقا في مواجهة "حزب الله" والمعارضة عموما.
وفي كل الاحوال يبقى القرار المؤكد بالنسبة الى الحزب ان المعارضة ستبقى معارضة ويتعين تطوير وضعها، ولا مجال أبدا "لاستفراد" هذه المعارضة و"إغواء" بعض مكوناتها لعزل فريق منها، فالمشاركة في الحكومة إما تكون مشاركة من كل أطياف المعارضة وبرضاها وإما لا تكون.
ويمكن التأكيد ختاما ان ثمة فرصة متاحة لاعادة النظر في الحسابات بروية وهدوء، ولكن الثابت أن المشاركة في الحكومة المقبلة ليست أمرا عابرا، بل هي ضرورة حاضرة ومستقبلية.
 

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 172,011,752

عدد الزوار: 7,655,436

المتواجدون الآن: 0