تثبيت الجيوبوليتيك الطائفي

تاريخ الإضافة الأربعاء 1 تموز 2009 - 12:11 م    عدد الزيارات 755    التعليقات 0

        

ميشال سبع

انتهت الانتخابات إلى تثبيت الجغرافيا الطائفية في حدودها الجديدة. وإذا كانت النتائج قد حسمت أمر الاقطاعات الطائفية، وأماكن إقامتها، فبات السنّة في المدن، والشيعة في البقاع والجنوب، والدروز في الجبل، فإن المعركة «الديموقراطية»، ستستمر في المناطق المسيحية، بعناوين سياسية وطائفية وذات امتدادات إقليمية ودولية. أفرزت الانتخابات الأخيرة في لبنان واقعا ليس مستجدا بقدر ما هو تثبيت لواقع لبنان، هذا الواقع الذي حاول المشرّعون الأوائل عند نيل استقلاله عام 43 أن يضعوه على سكة النظام العلماني الفرنسي، لكنه لم يرَ النور، لأن لبنان الخارج من المعارك الطائفية في الأعوام 1840 و1860 و1864 كان يلبس طوائفيته، كما تلبس المحارة صدفتها، خوفاً من إيذاء الآخرين لها، ولكن دون الهروب من واقعها. لذا سرعان ما تفتقت عبقرية الطوائفيين بإرساء ميثاق 43 الذي فيه يعترف الطرفان بحكم الطائفتين الأكبر عددا في لبنان، وهما السنة والموارنة، بحيث إن السنة مثلوا كل المسلمين والموارنة مثلوا كل المسيحيين. وقد لعب المال السياسي المتمثل آنذاك بهنري فرعون على تثبيت الكلفة لمصلحة الموارنة مع دعم سياسي فرنسي مكشوف لمصلحة البطريركية المارونية المتمثلة سياسيا بميشال شيحا.
لقد حدثت متغيرات كثيرة في لبنان بدءا من نكبة فلسطين عام 48 وتغلغل المهاجرين الفلسطينيين على أرض لبنان، مرورا بتأثيرات الوحدة السورية ـ المصرية عام 58 وما لحقها من ثورة، تريد الالتحاق بهذه الوحدة، ثم محاولة انقلاب السوريين القوميين الاجتماعيين عام 61 إلى نكبة حرب حزيران 67 وانتهاء بالحرب الأهلية العبثية عام 75.
هذه المتغيرات السياسية ـ العسكرية رادفها تغيير كبير في التموضع الديموغرافي نتيجة الهجرة الداخلية ـ خصوصا بعد حرب الجبل عام 82 ـ والاجتياحات الإسرائيلية المتكررة، ونتج من ذلك تجمع الموارنة في جبل لبنان وبعض الجيوب في كل من بيروت وزحلة والشمال. وتجمع الشيعة في الجنوب والبقاع وبعض من بيروت ـ الضاحية. فيما بقي الدروز في الجبل وبقي السنة في المدن يتقاسمونها مع الرومين الأرثوذكسي والكاثوليكي، أما الأرمن فقد شكلوا (شبه غيتو) في منطقة تمتد من شرق بيروت حتى جنوب المتن الشمالي. لقد ظهرت قبل الانتخابات تحالفات سياسية بين معارضة وموالاة أو ما أطلق عليه 14 آذار و8 آذار نتيجة أمرين: الأول هو مقتل الرئيس الحريري والثاني تنامي قوة «حزب الله» بعد أدائه التحريري، ضد العدو الإسرائيلي. ففي 14 آذار شكلت معرفة الحقيقة في مقتل الرئيس الحريري، الذي كان رمزا وواقعا لقيادة السنة في لبنان، الهدف الأول والهاجس الأساس الذي أصاب أولا بأصابع الاتهام الدور السوري، مما أحرج الجيش السوري وأخرجه من لبنان، في حين ان فريق 8 آذار شكل قوة المقاومة بقيادة حزب الله الذي جابه الإسرائيليين ومنعهم من الدخول إلى لبنان، لاسترداد الأسيرين مسجلا أول انتصار عربي حاسم على إسرائيل منذ 48..... هذه الأحداث أفرزت أمرا أساسيا وهو خروج الطرف الثاني من معادلة الميثاق وهو الموارنة، ليحل محله الطرف الشيعي. في حين أن الطرف الماروني صار تابعا لهذين الطرفين وليس متبوعا، كما كان الأمر العام 43، وكحصيلة لهذا الواقع انشق الموارنة ومعهم بقية المسيحيين إلى قسمين، واحد التحق بـ14 آذار وآخر التحق بـ8 آذار. وكان الاصطفاف الإقليمي والدولي داعما لتركيبة كهذه، ففي الوقت الذي وقفت إيران وسوريا مع 8 آذار بكل ما يعني هذا الوقوف من دعم معنوي ومادي. وقفت السعودية ومصر والأردن عربياً والولايات المتحدة الاميركية وأوروبا مع 14 آذار.
ظهر أن الشيعة عادوا إلى مواقعهم في الجنوب والبقاع وخرجوا عمليا من المدن ـ صيدا وزحلة وطرابلس ـ وحتى في بيروت من خلال خروج حليفهم ميشال عون. وبالتالي إعادة الاعتبار إلى دورهم المقاوم ومنطقة المقاومة أكثر من تكبير دورهم في الحجم السياسي على مستويات أكبر. أما السنة فقد عادوا إلى المدن من خلال عودتهم إلى صيدا وزحلة وطرابلس، ما يجعلهم في خانة الاعتدال، لأن الوجود السياسي في المدن يرتبط بالاعتدال حتماً، بسبب ارتباط المدن بالعلاقات التجارية والاقتصادية الإقليمية والدولية. وقد ساعدتهم في ذلك تحالفاتهم القوية مع الروم الأرثوذكس والكاثوليك الذين كانوا تاريخيا شركاء السنة في المدن.
واذا لم يتغير الموقع الدرزي في الجبل، إلا أن الموارنة المتمثلين بالزعيم السياسي الأكبر ميشال عون، عادوا إلى محافظة جبل لبنان، وقد تمثل المحيط السياسي بالديموغرافي من خلال إعطائه جزين وجبيل ومنعه من الوصول إلى زحلة وبيروت.
واذا كان الوضع الشيعي مستقراً في مناطقه مع اعتبار ألا تكون الضاحية إلا جزءا استراتيجيا للمقاومة وليس لامتداد سياسي آخر، واذا كان الوضع السني في المدن مرتبطاً بتنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية وتهدئة المتطرفين من السنة، وفتح علاقات حسن جوار مع الجوار الإقليمي، وعدم تضخيم الاتهامات إلى سوريا بمقتل الرئيس الحريري، والانتظار الطويل لقرارات المحكمة الدولية... واذا كان الوضع الدرزي منتهياً أمره، فإن الملعب المفتوح على الصراعات الحقيقية للبنان الديموقراطي على الساحة المسيحية، وتحديدا في جبل لبنان.
القوى المتصارعة اليوم في جبل لبنان تتمثل في خمسة: أولها التيار الوطني الحر وما يمثله الجنرال عون من حالة شعبية شعارها محاربة الفساد والتفاهم مع حزب الله والعلمانية، ورغم غموض هذه الشعارات حيث ليس واضحا كيف ستتم محاربة الفساد، وهل يمكن الجنرال أن يفتح ملفات الوزراء والنواب والإدارات التي لا يمكن الجزم أن أعداءه فيها فقط بل حلفاءه وجماعاته ايضا، وهل يمكن (لطنسه) وحده أن يكون في الجيش؟ كما ان التفاهم مع حزب الله لا يصل أبدا إلى الجوهر حيث الاستراتيجية العسكرية لحزب الله ملك خاص به وأما الاستراتيجية الدفاعية فهي مختلفة وليست فقط بين عون و«حزب الله» بل بين كل الأطراف، واذا كان الجنرال يعتقد أن هذا التفاهم سيوصله إلى الرئاسة، فلربما كان هذا واردا قبل الدوحة، لكنه حلم وانتهى بعدها. وأما العلمانية وهي الشعار الذي جذب الآلاف من الشباب والصبايا خصوصا من المسيحيين حول الجنرال، فهذا ما زال طفلا يحتاج إلى رعاية ولعل الآن وبعد انجلاء غبار الانتخابات، يتمكن الجنرال ومن معه من المفكرين، بوضع أسس حقيقية وواقعية للعلمانية، التي هي البرنامج الحقيقي لخلاص لبنان من الحالة التي يتخبط فيها مسيحيا وإسلاميا. وهنا يحتاج الجنرال إلى توحيد فئات الشعب المسيحية حولها لأنه صراع لتثبيت العلمانية مع المسلمين هو أشد وأصعب.
البطريركية المارونية هي الطرف الثاني وهي واضحة في نقدها لموقف التيار الوطني الحر وحليفه في الزعامة المارونية في الشمال النائب سليمان فرنجية، وهي اذا كانت تتفق معه في شعار محاربة الفساد، إلا أنها تختلف معه حكما في الطرحين الآخرين، وهما ورقة التفاهم والعلمانية، واذا كانت ورقة التفاهم ليست سببا للصدام لأنها لا تهم البطريركية لكن الطرح العلماني يهم جدا البطريركية وهي ستتصدى له مع أن كل المؤشرات تدل على أنها طريقة لتثبيت المسيحية الراديكالية والديموقراطية في العالم العربي من خلال لبنان.
الطرف الثالث هو مثلث «القوات اللبنانية» و«الكتائب» و«الكتلة الوطنية» وقد انضم اليها الأحرار من خلال نيابة دوري شمعون. هذا الطرف له أتباع وقدرات وهو يشكل تحديا دائما للجنرال ويمكن أن يستقطب الكثيرين من أتباعه نتيجة الإحباط الذي أصاب الكثيرين من أتباعه بعد وعوده لهم باكتساح كل لبنان، وهذا الطرف يتحفظ على كل طروحات الجنرال وان لم يكن مخالفا عمليا لممارسة الفساد أو العلمانية لكن ضد ورقة التفاهم حكماً.
الطرف الرابع هو جبهة ميشال المر وهذه الجبهة مرتبطة تماما بالجهة الخامسة وهي الأرمن، اذ طالما شكل المر مع الأرمن كتلة لعبت دورا في المتن الشمالي، لكن معطيات إقليمية وداخلية مزقت هذا التحالف وجعلت الأرمن ينقسمون، مما أعطى وزنهم ثقلا للائحة الجنرال لكنهم خسروا على جبهتين الأولى وحدتهم، والثانية عدم حصدهم ربح ما طمحوا اليه، لكن رغم هذه الخسارة فإن وجودا واقعيا مميزا بدا على الساحة السياسية.

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 172,011,967

عدد الزوار: 7,655,455

المتواجدون الآن: 0