الصراع النووي - الإقليمي - الدولي في إيران انفتاح أوباما فجّر صراع الإصلاحيين والمتشدّدين

تاريخ الإضافة الأربعاء 1 تموز 2009 - 12:16 م    عدد الزيارات 758    التعليقات 0

        

بقلم عبد الكريم أبو النصر

انفجر النظام الايراني من الداخل لانه يواجه اخطر مأزق منذ قيام الجمهورية الاسلامية واندلاع الحرب مع العراق قبل ثلاثين عاما، وليس فقط بسبب وقوع عمليات تزوير في انتخابات الرئاسة لمصلحة الرئيس محمود احمدي نجاد. فالانتفاضة الشعبية التي تشهدها ايران وما يرافقها من صراع حاد بين ابناء الثورة الاسلامية وقياداتها هي في الحقيقة انتفاضة على سياسات نجاد المتشددة التي تلقى دعما من مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي. وهي سياسات جعلت هذا البلد في حال مواجهة مع المجتمع الدولي ومع الكثير من الدول العربية نتيجة اصرار النظام الايراني على مواصلة مساعيه لانتاج السلاح النووي، وعلى محاولة الهيمنة على المنطقة من طريق التدخل سلبا في عدد من الساحات العربية، والتعاون مع القوى المتشددة لزعزعة الامن والاستقرار في الكثير من دول المنطقة. وهذه السياسات المتشددة، التي تعيد الى الاذهان مرحلة انطلاق الثورة الايرانية عام 1979 وتصميم قيادتها على تصديرها الى دول اخرى، ادت الى عزل ايران اقليميا ودوليا، والى فرض عقوبات دولية متعددة عليها مما احدث تدهورا كبيرا في اوضاعها الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، وجلب للايرانيين المعاناة الشديدة، وفجر نقمة عارمة في صفوفهم ونفوسهم".
هذا ما اكدته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع في باريس استنادا الى معلومات وتقارير تلقتها من داخل ايران ومن دول اخرى. وذكرت هذه المصادر ان معركة ايران الكبرى هي في وقت واحد معركة داخلية تتعلق بدور الولي الفقيه المرشد خامنئي وبطريقة ادارة البلد ومعالجة مشاكله الحادة المتعددة وبالتنافس على السلطة بين ابناء الجمهورية الاسلامية، وهي كذلك معركة خارجية لبنانية وفلسطينية وعراقية واقليمية ودولية يرتبط بها وبنتائجها مصير القنبلة النووية الايرانية ومستقبل العلاقات الايرانية – الاميركية – الدولية، والايرانية – العربية وطبيعة دور المحور الايراني – السوري وادوار حلفائه في المرحلة المقبلة. وكشفت هذه المصادر ان الصراع الحقيقي في ايران وعلى مستقبلها يدور بين تحالفين اساسيين داخل النظام هما:
- تحالف المحافظين المتشددين الثوريين المسيطر على الحكم حاليا ويضم المرشد علي خامنئي والرئيس نجاد والمؤسسة العسكرية – الامنية التابعة للمرشد والتي تتشكل من الجيش والحرس الثوري والميليشيات الاسلامية المسلحة وما يرتبط بها من اجهزة.
ويلقى هذا التحالف دعما من مرجعيات وشخصيات دينية تحتل مواقع مهمة في مؤسسات الدولة. ومصدر قوة هذا التحالف ان ايران خاضعة لحكم الولي الفقيه، اي حاليا خامنئي، غير المنتخب من الشعب والذي يتمتع باوسع الصلاحيات، اذ انه يسيطر على مؤسسات الدولة ويتخذ القرارات الاساسية المتعلقة بادارة شؤون البلد وتوجيه مساره. ويعطي هذا التحالف المتشدد الاولوية لتحويل ايران قوة اقليمية عظمى من خلال امتلاك السلاح النووي ومواجهة الانظمة العربية المعتدلة واضعافها، وهو لذلك يسعى الى تغيير موازين القوى والمعادلات في الشرق الاوسط لمصلحة بلده من خلال تحدي مطالب مجلس الامن والمجتمع الدولي وقراراتهما، والاصرار على مواصلة عمليات تخصيب الاورانيوم ومختلف النشاطات والجهود لانتاج السلاح النووي، ومن خلال الاعتماد على القوى الاقليمية المتشددة كـ"حزب الله" و"حماس" والنظام السوري، وعلى وسائل العنف والضغط المختلفة لمحاولة فرض الهيمنة الايرانية على المنطقة وزعزعة الامن والاستقرار في عدد من الدول العربية المعتدلة وتفجير النزاعات المسلحة والحروب في ساحات غير ساحته بهدف احراج خصومه واضعافهم.
ضد القنبلة والحروب العبثية...
- تحالف الاصلاحيين والمحافظين والواقعيين، ويقود "ثورة" من اجل السلام والتغيير الديموقراطي ضمن النظام القائم. وهو يضم شخصيات بارزة ساهمت في قيام الجمهورية الاسلامية وابرزها خصوصا المرشحان الاصلاحيان للرئاسة مير حسين موسوي الملقب "غاندي ايران" او "أوباما ايران"، ومهدي كروبي، والرئيسان السابقان محمد خاتمي وعلي اكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام ورئيس مجلس الخبراء، وعلي لاريجاني رئيس البرلمان. وتدعم هذا التحالف مجموعة كبيرة من المرجعيات والشخصيات الدينية وقطاعات واسعة من الشعب. ويرى هذا التحالف أن سياسات محمود احمدي نجاد اوصلت ايران الى طريق مسدود، واضعفت هذا البلد ولم تعزز مواقعه، وهو لذلك يريد حماية النظام الايراني وانقاذه من سياسات المتشددين واخطائهم، وليس الانقلاب على النظام او اطاحته. ويريد هذا التحالف اعطاء الاولوية ليس لامتلاك السلاح النووي بأي ثمن، بل لتحسين الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية البالغة الصعوبة وتطويرها في هذا البلد بدلا من الانفاق على معارك خارجية عبثية، وهذا يتطلب العمل على رفع العزلة الدولية والاقليمية عن ايران بما يؤدي الى الغاء العقوبات الدولية والاميركية المفروضة عليها والتي الحقت بها اضرارا بالغة ومنعت نموها وتطورها كما تستحق في ضوء امتلاكها الثروة النفطية وامكانات بشرية هائلة. ومن اجل رفع هذه العزلة والغاء العقوبات يتمسك هذا التحالف بحق ايران في امتلاك برنامج نووي سلمي متطور، وهو ما تؤيده سائر الدول، ويمتنع عن الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي من اجل محاولة امتلاك السلاح النووي، ويسعى الى تحسين العلاقات وتعزيزها مع الدول الكبرى، وعلى رأسها اميركا، ومع الدول العربية عموما. وانطلاقا من ذلك فان هذا التحالف يؤيد الحوار الجدي مع ادارة الرئيس باراك أوباما من اجل التوصل الى تفاهمات معها ومع الدول الكبرى الاخرى حول البرنامج النووي تحفظ حق ايران في امتلاك قدرات نووية لاغراض سلمية ومدنية وتطمئن في الوقت نفسه المجتمع الدولي والمجموعة العربية الى ان الجمهورية الاسلامية ليست راغبة في امتلاك القنبلة النووية، وهو ما يفترض تعزيز رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المنشآت النووية الايرانية واعتماد الشفافية التامة في التعامل مع هذه الوكالة والامتناع عن القيام بنشاطات نووية سرية بهدف انتاج السلاح النووي، ويريد هذا التحالف ان يتناول الحوار مع الادارة الاميركية ايضا المشاكل الاقليمية الاساسية، كالعراق وافغانستان وفلسطين ولبنان، والدور الايراني في المنطقة عموما المفترض فيه ان يكون ايجابيا داعما للامن والاستقرار والسلام ومحافظا في الوقت نفسه على مصالح ايران المشروعة غير المتناقضة مع المصالح المشروعة لدول اخرى.
ويرى قادة هذا التحالف ان التوصل الى تفاهمات نووية واقليمية مع اميركا والدول الاخرى المعنية بالامر مقبولة من مختلف الاطراف يعزز دور ايران في المنطقة وفي الساحة الدولية ويساعد كثيرا على معالجة وحل المشاكل الداخلية الحادة. ووفقا لما قاله لنا ديبلوماسي اوروبي مطلع، فان "تحالف الاصلاحيين والمحافظين الواقعيين يرفض تشجيع وتمويل نزاعات وحروب في المنطقة يفجرها المحور الايراني – السوري وحلفاؤه، ويرى ان المتشددين بقيادة خامنئي ونجاد فشلوا في ايجاد حل للمشكلة النووية بين ايران والمجتمع الدولي تحقق للايرانيين مكاسب حقيقية وليست وهمية وكلامية. ويبدي مخاوف جدية من احتمال قيام اسرائيل او اميركا بضرب المنشآت النووية والحيوية الايرانية في حال اصر النظام الايراني على تحدي العالم ومواصلة مساعيه ونشاطاته لامتلاك السلاح النووي". اضافة الى هذه الاهداف كلها، فان تحالف الاصلاحيين والمحافظين الواقعيين يريد اجراء اصلاحات وتغييرات مهمة في الداخل وفي تركيبة السلطة والنظام تشمل خصوصا المجالات والمسائل الاساسية الآتية:
اولاً – يريد هذا التحالف تقليص دور الولي الفقيه وصلاحياته من خلال اجراء تعديلات في الدستور تؤدي الى تعزيز دور وصلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب وعدم ترك مقاليد الحكم في ايدي الولي الفقيه وحده. وهذا ما حاول محمد خاتمي القيام به حين كان رئيسا للجمهورية الاسلامية في الفترة ما بين 1997 و2005 لكنه فشل بسبب رفض خامنئي هذا المطلب.
ثانياً – يريد هذا التحالف حماية ايران من "عسكرة النظام" عبر تقليص دور المؤسسات العسكرية – الامنية في البلاد واخضاعها لسلطة المؤسسات الدستورية المنتخبة من الشعب وليس لسلطة الولي الفقيه وحده.
ثالثاً – يريد هذا التحالف تعزيز الحريات السياسية والتعددية في المجتمع والحياة العامة لان ذلك مطلب شعبي حقيقي، ولانه لن يشكل خطرا على النظام وعلى الجمهورية الاسلامية.
رابعاً – يريد هذا التحالف الافادة الى اقصى حد من الثروة النفطية ومن امكانات ايران الهائلة ومن العلاقات الجديدة المتطورة مع الدول الغربية وعلى رأسها اميركا ومع الدول العربية عموما من اجل تركيز الجهود على تحسين الظروف الاجتماعية والمعيشية للايرانيين وعلى اجراء الاصلاحات الضرورية من اجل تطوير مختلف القطاعات بدلا من تركيز الجهود على خوض معارك من دون جدوى مع الكثير من الدول تلحق اضرارا بالايرانيين، وعلى ابقاء هذا البلد اسير التحالف مع سوريا والقوى المتشددة في المنطقة.
دور أوباما.... يبقى سؤال مهم: هل ان الادارة الاميركية متورطة في احداث ايران؟
المعلومات التي تملكها جهات ديبلوماسية اوروبية معنية مباشرة بملف هذه القضية تؤكد "أن المسؤولين الاميركيين لم يقوموا بأي دور لدفع الاصلاحيين الى التحرك ضد المتشددين من اجل دفع النظام الايراني الى اجراء تغييرات جذرية في سياساته وتوجهاته تنسجم وتتلاءم مع ما تريده الولايات المتحدة والكثير من الدول. لكن ما حدث هو ان سياسة الانفتاح على ايران التي اعتمدتها جديا ادارة أوباما شكلت العامل الذي فجر في هذه المرحلة الصراع المستمر في الخفاء ومنذ سنوات بين تحالف المتشددين وتحالف الاصلاحيين. ذلك ان سياسة أوباما الجديدة المنفتحة على ايران اعطت الآمال لقوى اساسية داخل النظام الايراني بوجود فرصة تاريخية حقيقية للتوصل الى تفاهمات نووية واقليمية مع الولايات المتحدة تضمن حق الايرانيين في امتلاك برنامج نووي سلمي وتؤدي الى تحسين العلاقات وتطويرها مع الدول الكبرى البارزة والمؤثرة وكذلك مع الدول العربية المعتدلة، مما ينعكس بشكل ايجابي على الاوضاع الايرانية في الداخل والخارج. وقد تحركت هذه القوى الاصلاحية بعد اتهامها السلطة بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية من اجل التلاقي مع الادارة الاميركية ومع المجتمع الدولي وتحقيق مكاسب للنظام الايراني وتعزيز مواقعه في اطار احترام المصالح المشروعة للدول الاخرى، وهو ما عجز عن تحقيقه تحالف المتشددين".
واكدت لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية دقيقة الاطلاع انه "في حال تمكن تحالف خامنئي ونجاد من فرض سيطرته على ايران وقمع الحركة الاصلاحية، فان ذلك سيكون لفترة مؤقتة اذ ان ثمة احتجاجات واسعة داخل النظام وفي صفوف الشعب على السياسات المتشددة التي يتبعها الحكم الحالي والتي تجعل ايران على خط المواجهة الاول مع مجموعة من الدول البارزة والمؤثرة في العالم. ومثل هذا التطور يضعف الى حد كبير فرص التوصل الى اي نوع من التفاهمات الايرانية – الاميركية حول الملف النووي والمشاكل الاقليمية الاساسية، ذلك ان تحالف خامنئي ونجاد على اقتناع بأن تعزيز النظام الايراني يتحقق باعتماد استراتيجية التشدد وليس الانفتاح والحوار، ويتحقق برفض اي صفقة تدفع ايران الى التخلي عن امتلاك السلاح النووي. وسيطرة المتشددين على ايران قد تمهد في مستقبل منظور لهجمات اسرائيلية واميركية على المنشآت النووية والحيوية الايرانية، لان الولايات المتحدة لن تسمح لايران بامتلاك سلاح نووي يتيح لها ولحلفائها التحكم بمسار الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط التي تحتوي على اكثر من 60 في المئة من الاحتياط النفطي العالمي، اضافة الى احتياطات غازية هائلة، وتشكل موقعا استراتيجيا بالغ الاهمية للامن القومي الاميركي وللمصالح الحيوية الاميركية والغربية"..

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 172,011,736

عدد الزوار: 7,655,434

المتواجدون الآن: 0