إسلاميو البرلمان تحت عباءة «المستقبل»... وفي أحضان «حزب الله» (1)

تاريخ الإضافة السبت 25 تموز 2009 - 7:17 ص    عدد الزيارات 710    التعليقات 0

        

كلير شكر

تمكّنت التيارات الإسلامية خلال الانتخابات النيابية الأخيرة من إيصال ثلاثة نواب إلى برلمان «قانون الستين»، اثنان منهم بواسطة محدلة «تيار المستقبل» فيما استقل الثالث بوسطة «حزب الله». إذ لم تعد شرعية مشاركة الإسلاميين في الانتخابات النيابية موضع نقاش على طاولة معظم هذه التنظيمات التي أفتت لنفسها ومنذ عقود طويلة المشاركة في الحياة السياسية نيابياً وربماً حكومياً، وإن كان الانطباع السائد عن التيارات السلفية رفضها الدخول إلى مؤسسات الدولة الرسمية أو المشاركة في الحياة السياسية اللبنانية كونها تعتبر أن الدولة اللبنانية لا تلتزم الشريعة الإسلامية. فكانت الجماعة الإسلامية أول تنظيم إسلامي تطأ قدماه ساحة النجمة في العام 1972 من خلال النائب محمد علي الضناوي ممثلاً طرابلس.
أما اليوم، فرغم أن مدينة طرابلس كانت أول من استحضر الفكر السلفي في لبنان في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي، حيث أنشأ مؤسس التيار السلفي في لبنان الشيخ سالم الشهال، حركة أسماها «الجماعة مسلمون» تقوم على اعتناق «منهج السلف الصالح»، فقد عجزت التيارات السلفية المتعددة المرجعيات والتوجهات، في أن تتمثل طرابلسياً رغم خوض ثلاثة مرشحين إسلاميين المعركة النيابية، لأن انقسام السلفيين هو ما أسهم في استبعادهم عن اللوائح في «معاقلهم» الأساسية. فكان التمثيل النيابي الإسلامي عن بيروت (الدائرة الثالثة) من خلال النائب عماد الحوت، وعن عكار من خلال النائب خالد ضاهر، وعن بعلبك ـ الهرمل من خلال النائب كامل الرفاعي.
ولأن مهد التيارات السلفية هو جمعيات خيرية وتربوية ترتبط بنشر تعاليم الإسلام (يحكى عن أكثر من 25 أو 30 مركزاً ومعهداً وجمعية)، تلتقي وتختلف وفق فتاوى المرجعيات الدينية التي تدير هذه المؤسسات، ما يساهم في تحويل الحالة السلفية إلى مروحة واسعة من تنظيمات إسلامية، فإن الطابع التربوي يحتل الجزء الأكبر من وجه التيارات السلفية في لبنان، فيما القليل منها امتهن العمل السياسي بشكل مباشر، ومنها «الجماعة الإسلامية»، «جمعية المشاريع الإسلامية»، و«جبهة العمل الإسلامي»، ولهذا أيضاً من الطبيعي أن تكون الحالة السلفية موزعة على العديد من المرجعيات الدينية، وهي تعجز عن توحيد صفوفها ولو انتخابياً بفعل التنافس بينها، بعد عجزها عن صياغة مشروع سياسي مشترك أو الانضواء تحت مظلة جبهة مشتركة.
الاصطفاف السياسي الحاد الذي أصاب الحالة اللبنانية منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط العام 2005 ساهم في ولوج الإسلاميين إلى تحت قبة البرلمان. إذ أن «تيار المستقبل» الممسك بالشارع السني بسواده الأعظم، سعى إلى إحكام قبضته من خلال احتواء هذه التيارات، التي احتمت في عباءته هرباً من «اضطهاد تهمة الإرهاب الافتراضية»، مستجيبة لنداءات قواعدها والتي كان النزاع السياسي ـ المذهبي سبباً أساسياً في تقريب المسافة بينها وبين قواعد «المستقبل»، وهو تقارب تستغيثه التيارات الإسلامية لأنه يجعلها على خط تماس أطول مع قواعد الشارع السني.
في المقابل، سعت المعارضة، عبر «حزب الله» إلى فتح أبوابه لتيارات إسلامية يلتقي وإياها في الرؤية السياسية، ليوقع بداية وثيقة تفاهم مع بعض القوى السلفية في 18 آب العام 2008 ثم «يجيّر» العضو في كتلته الرفاعي لصالح «جبهة العمل الإسلامي». وكلها خطوات تصب أولاً، في خانة التقارب مع الشارع السني وإسقاط صفة الاحتكار التي بلغها «تيار المستقبل»، وثانياً في التخفيف من حدة التشنج المذهبي الذي طاف على سطح العلاقة بين الشارعين السني والشيعي.
ورغم ذلك، لا تزال علاقة القوى السلفية بعضها ببعض محكومة بعلاقة الفريق السياسي الأكبر الذي تنتمي إليه، ويقف في ما بينها الكثير من القضايا الخلافية، بدءاً بمسألة العلاقات اللبنانية ـ السورية، وصولاً إلى قضية سلاح المقاومة.
حكومياً طالبت «الجماعة الإسلامية» بتمثيل التيارات السلفية في الحكومة العتيدة، انطلاقاً من «وجود نائبين إسلاميين»، إلا انه يفترض انتظار انتهاء المشاورات.
«الجماعة الإسلامية»
في الخامس من شباط الماضي وفي خطوة استباقية ومن باب الضغط على الغير، قدمت «الجماعة الإسلامية» ستة مرشحين للانتخابات النيابية، رأت في حينه أنه من الأفضل حسم خياراتها الترشحية مبكراً بهدف: أولاً لأن الانتخابات تشكل فرصة للتواصل مع الرأي العام وإنشاء جسر تواصل طبيعي مع الناس، كما أن هذه الاندفاعة تتيح مجالاً أوسع لإجراء حوار مع القوى السياسية الأخرى الممكن التحالف معها.
تتمتع «الجماعة» بتجربة نيابية طويلة، تعود إلى العام 1972 مع الضناوي، وفي العام 1992 فاز مرشحوها الثلاثة، فتحي يكن عن طرابلس، أسعد هرموش عن الضنية، وزهير العبيدي عن بيروت. وفي العام 1996 وصل خالد ضاهر إلى مجلس النواب باسم «الجماعة»، أما في العام 2000 فقد «حال النفوذ السوري دون وصول أي من مرشحيها»، وفي العام 2005 قاطعت «الجماعة» الاستحقاق «كي لا تكون جزءاً من الاصطفاف».
بالأمس، رست خيارات «الجماعة الإسلامية» التحالفية على «تيار المستقبل» الذي بدت مؤشرات التقارب معه واضحة منذ فترة غير قصيرة، وحسمت الجماعة تأرجحها بين ضفتي النزاع لا سيما بعد أحداث السابع من أيار وبعدها من أحداث أمنية في الشمال، لتقف إلى جانب الفريق الأقرب إليها لا سيما لجهة لونه المذهبي، وفي الأسباب التي تسوقها الجماعة لخياراتها التحالفية، تعدد قانون الانتخابات الذي يقيد حركة القوى السياسية ويحد من هامش التحرك تحالفياً لا سيما وأن التقسيمات بمعظمها ذات لون طائفي غالب.
في محصلة مشاوراتها كانت الخريطة الانتخابية للجماعة أشبه بالموزاييك الذي لا تتلاقى مكوناته في الشبه أبداً، فوقع خيار التحالف على «تيار المستقبل» في بيروت وصيدا كونه الفريق الأقوى، فيما خاضت المعركة بشكل منفرد في طرابلس دائرة المنية ـ الضنية، وسحبت مرشحيها من دائرتي البقاع الغربي وعكار. لا شك بأن الخطوتين الأخيرتين كانتا لمصالحة الحليف الوحيد للجماعة، لا سيما وأن خوضها المعركة في البقاع الغربي كان من الممكن أن يكرس توازن رعب بين المتخاصمين الأساسيين، في حين أن انضمام خالد ضاهر (المنشق عن الجماعة الإسلامية) إلى لائحة «تيار المستقبل» في عكار، ساهم في انسحاب الجماعة من المعركة كونه لا طائل منها. أما في طرابلس والضنية فكان الإبقاء على الترشيحين منفردين من باب تثبيت الوجود في منطقتين هما الأكثر تعبيراً عن وجود التيارات السلفية، لا سيما وأن التحالف المضاد كان غير منتج.
وفي توصيف للعلاقة التي تجمع الحليفين الانتخابيين يقول النائب عن «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت أن التنسيق مع «تيار المستقبل» هو على مستوى جيد حول العديد من القضايا الداخلية، وإن كانت «الجماعة» تصر على استقلاليتها وعدم التحاقها بخندق الرابع عشر من آذار إلا أن ذلك لا يفسد التوافق حول بعض المفاصل الداخلية ومنها على سبيل المثال، الرغبة في تعزيز مؤسسات الدولة، العلاقات الجيدة مع المحيط العربي ولا سيما سوريا، ولكن تحت عنوان علاقة متوازنة بين دولتين، الحرص على الوصول إلى استراتيجية دفاعية تحفظ للمقاومة دورها الدفاعي دون أن يكون لهذا الدور تأثير على الوضع الداخلي.
ولكن هذا التوافق لا يلغي الفروقات القائمة بين «الجماعة الإسلامية» وبعض مكونات قوى الرابع عشر من آذار، وقد تكون قضية المقاومة في صلب هذه الاختلافات. إذ أن الجماعة تميز بين المقاومة وحزب الله، فالأخير حزب سياسي وجزء من التركيبة اللبنانية، أما المقاومة فهي خارج أي نزاع قد ينشأ بين اللبنانيين، في حين أن بعض قوى الرابع عشر من آذار تفضل إلغاء المقاومة لعدم استخدام سلاحها في الداخل، ولذا المطلوب تنظيم المقاومة كي تكون شاملة وغير محصورة بطرف واحد أو فريق واحد أو طائفة واحدة، على أن يكون عملها دفاعيا ضد أي عمل هجومي وتكون الدولة جزءاً منه.
الذوبان في الوعاء الأزرق
ويبدو أن «الجماعة الإسلامية» ذهبت كثيراً في تحالفها الانتخابي الذي ينحو باتجاه السياسي وتفاصيله اللبنانية، وأصبحت «الجماعة» جزءاً من «تكتل لبنان أولاً» الذي لا يتعدى بنظرها كونه «لقاءً نيابياً تشاورياً يضم نواباً خاضوا الانتخابات النيابية في قائمة واحدة، وهو يهدف إلى التنسيق في العمل النيابي داخل البرلمان، أما المواقف السياسية فمتروكة للمكونات السياسية».
ولكن وقوف «الجماعة الإسلامية» إلى جانب تيار «المستقبل» في السياسة لا يعني بنظر قادتها الذوبان في «الوعاء الأزرق» لأن «التيارات السلفية موجودة وهي متعددة القيادات والمرجعيات» كما يقول الحوت. وبالتالي فإن «التحالف مع المستقبل لم يكن من باب تقديم الأصوات على طبق أو نتيجة ضعف وإنما هي مصلحة مشتركة ومنتجة للفريقين، فالجماعة ساهمت في إنجاح لائحة المستقبل في صيدا وهذا أمر مفروغ منه، وهو يعني أن ضم المستقبل لمرشح الجماعة في بيروت ليس منّة من أحد وإنما هو تعبير عن حضورها الشعبي». وتبرز «الجماعة» الكثير من الدلائل التي تثبت استقلالية موقفها وذاتيتها النابعة من اعتباراتها في القراءات السياسية، ومنها على سبيل المثال الموقف من أحداث غزة لا سيما مع بداية العدوان حيث بدا الاختلاف واضحاً في الموقف بين «الجماعة» و«المستقبل». وهذا يعني أن استقلالية «الجماعة» مؤمنة، وقرارها لا يرتبط بأي فريق، وإذ كان هناك من التقاء فهذا الأمر لا يزعج الجماعة أبدا. المشكلة هي أن الاصطفافات حادة جداً والجميع يريد تصنيف القوى السياسية في أحد الخندقين، وهذا ما عانت منه الجماعة كونها تتخذ مواقف نابعة من رؤيتها وقد تتفق في هذه المواقف مع فريق دون آخر، وفي مجال آخر تتفق مع الفريق الثاني. ولكن هذا لا يلغي وضوح الطرح أو الموقف».
ورغم ذلك تقرّ «الجماعة» بتراكم التجارب الانتخابية بينها وبين «المستقبل» لا سيما على المستوى البلدي خلال العامين 1998 و2004 وإن كانت هذه المرة الأولى التي يتعاونا فيها نيابياً، «إلا أن ذلك لم يحصل عن طريق المونة لا سيما من جانب المملكة العربية السعودية، وإن لم تمانع في حصول التقارب. فالتحالف الانتخابي هو نتيجة للتقارب في تحليل الواقع الداخلي، ولكن في النتيجة الجماعة أقرب في التنسيق على المستوى الداخلي إلى «المستقبل» من غيره من القوى السياسية».
ماذا عن التمويل؟ لا ينفي النائب البيروتي وجود سعي من التيارات الإسلامية باتجاه «تيار المستقبل» للاحتماء بعباءة التمويل ولكن يُفترض بنظره «التنبيه إلى مسألة يتم التداول بها، وهي أن «تيار المستقبل» لا يقوم بتمويل هذه التنظيمات بهدف إقامة مشروعات عسكرية أو أمنية كما يروج له البعض، وإنما اجتماعية بحت».
في تقدير «الجماعة الإسلامية» فإن العلاقة مع سوريا تحديداً ومع سائر الدول العربية عموماً هي قضية جوهرية بالنسبة للبنان، لأن التقارب هو أمر مفيد وضروري شرط أن تكون هذه العلاقة قائمة على الاحترام المتبادل وسيادة الدولتين وأن تكون علاقة دولة بدولة وليس علاقة أحزاب بدولة. ومن هنا دعوة الجماعة إلى تطوير العلاقة مع سوريا وستبقى هذه الدعوة على مضمونها مهما اختلف رأي الآخرين وتحديداً الحلفاء.
أما بالنسبة للعلاقة مع «حزب الله» فإن «الاتصالات لم تنقطع يوماً، ما يجمعنا هو الرؤية المشتركة لأهمية وجود المقاومة وهذا بعد استراتيجي في العلاقة، وإن كان الخلاف وقع حول الكثير من الملفات الداخلية منها حوادث السابع من أيار وغيرها. واللقاءات تحصل بين قياديي الفريقين، وقد حصل اجتماع مؤخراً منذ نحو أسبوعين، إلا أن الفريقين ليسا بوارد وضع وثيقة تفاهم، لأن الحوار القائم كفيل بتظهير نقاط الاختلاف والاتفاق. ويشمل الحوار الجاري قضية المقاومة وآلية تطويرها لكي تكون أكثر شمولية وأكثر انسجاماً مع واقع الدولة ومؤسساتها، كما يتناول كلّ ما من شأنه وأد الفتنة وتخفيف حالة الاحتقان السائدة في الشارع.
في العلاقة مع التيارات السلفية الأخرى تسعى «الجماعة» لأن تكون نقطة التقاء لمختلف التيارات الإسلامية وهي تقوم بحوارات دائمة تهدف إلى الوصول إلى «رؤية متقاربة حول مستقبل لبنان ودوره في محيطه العربي مما يخفف من امكانية اختراق الساحة الإسلامية بواسطة عناصر متطرفة لا تنتمي إليها أصلاً وإنما هي نتيجة ضغط الظروف السياسية والأمنية وارتدادات لأثار المشروع الأميركي في المنطقة». ثمة لقاءات دائمة تحصل بين التيارات السلفية إلا أن مشروع التقائها تحت مظلة «جبهة إسلامية» هو أمر غير مطروح اليوم على بساط البحث بسبب الاختلافات الكثيرة التي تبعد بين هذه التيارات إن على مستوى المرجعيات الدينية أو الطروحات الفكرية. 

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 171,844,713

عدد الزوار: 7,647,661

المتواجدون الآن: 0