صانع الحلم الفلسطيني

تاريخ الإضافة الخميس 21 تشرين الثاني 2013 - 6:39 ص    عدد الزيارات 539    التعليقات 0

        

صانع الحلم الفلسطيني

 

تزامنت الذكرى التاسعة لرحيل الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات- مع تأكيد اللجنة الطبية السويسرية الروسية على أن الراحل قد مات مسموما. هذه النتائج المخبرية لتحليل عينات من رفات عرفات، لم تكن مفاجئة بالنسبة للفلسطينيين، بل كانت في صلب توقعاتهم، فرجل بحجم وتاريخ وسيرة أبو عمار- دائما ما كان في دائرة الاستهداف الإسرائيلي.
وعلى الرغم من مرور تسع سنوات على اغتيال عرفات، إلا أنه ما زال يسكن قلوب وعقول الفلسطينيين في الوطن والشتات حتى الذين اختلفوا معه اختلفوا معه ولم يختلفوا عليه وظل عرفات رقما صعبا على الكسر وخارج المنافسة حتى بعد وفاته.
يشعر الفلسطينيون باليتم بعد أبو عمار، الذي كان يفهم الجميع وله قدرة فائقة على التعامل مع البسطاء والنخبة على حد سواء. عرفات ورفاقه الذين أعادوا تخليق الشعب الفلسطيني سياسياً وحولوه من سديم غير محدد المعالم إلى حالة وطنية تموج بالثورة. لقد وضع أبو عمار الكوفية الفلسطينية ليستفز كل عناصر الوعي المكبوت للشعب الفلسطيني، وكل مكونات تاريخ وهوية اللاجئين الفلسطينيين المهددة بالذوبان والانصهار في كيانات أخرى. ومع الوقت تحول عرفات إلى طيف رمزي قادم من عالم الحكايات والأساطير، وجزء أصيل من الهوية الفلسطينية نحن الذين صنعناه، صنعنا أحلامنا، حاجتنا النفسية، وعينا الجماعي، صراعنا من اجل البقاء هكذا يقول الدكتور فضل عاشور.
ياسر عرفات الوجه الآخر لفلسطين، لا يمكن أن تكتمل الحدوتة الفلسطينية دون ذكر ياسر عرفات، كما لا يمكن فهم أوديسة الضياع الفلسطيني وسيمفونية النضال الوطني والكفاح المسلح من دون البدء بياسر عرفات. فهو بداية كل حديث عن فلسطين.
ليس لأنه أول من حمل السلاح وأشار بفوهة بندقيته نحو فلسطين، وليس لأنه حمل اسمها وطار به فوق سحب الكون ليجد لها مكاناً بين الأمم، وليس لأنه قال لا شرقية ولا غربية بل هي فلسطينية، وليس لأنه نجح ورفاقه في فتح وفي فصائل الثورة الفلسطينية في فرض فلسطين في أصعب معادلة في القرن العشرين وفجروا ثورة المستحيل في منطقة النفط. ولكن لأنه كل هؤلاء (عاطف أبو سيف).
ياسر عرفات صاحب الكاريزما القيادية المدهشة- والشخصية البسيطة المركبة التي تجمع بين العظمة والتواضع المفرط بين الليونة والحزم العسكري والدهاء السياسي. وفي هذا السياق يحلل الطبيب النفسي د. فضل عاشور شخصية عرفات في نقاط بارزة :
امام ياسر عرفات نحن تحديدا امام نمط شخصية يعرف ( بالشخصية المنشرحة )، وهي نمط شخصية مرتفعة المزاج والإيجابية بحيث ان المزاج دائما بل وفى احلك الظروف يميل للتفاؤل والقدرة على رؤية اضواء في نهاية النفق، ويرى نفسه عائدا إلى فلسطين ويلوح بإشارة النصر، رغم أنه يغادر بيروت على بواخر المنافي بعيدا عن فلسطين. وبسرعة يستطيع صاحب هذه الشخصية بث روح التفاؤل بالمحيطين به وبشعبه الذي قصمت ظهره الحياة بما يشبه العدوى، كما لديه قدرة جيدة لفهم الجانب الساخر للحدث.
عرفات أيضا امتلك شخصية فائقة الديناميكية - فهذا النمط من الشخصية دينامو حركة لا يهدا، ولا يتوقف عن الحركة، والعمل لديه ليس مجرد واجب او وظيفة بل هو نمط وجود، دائما يجب ان يعمل شيئا. والاحساس بالإرهاق لديه اقل من المعدل العام ، عدا ان نشاطه الذهني دائما يكون في حالة مرتفعة ومتقدة فهو يستطيع الانتباه و التركيز على عدة مواضيع دفعة واحدة ويستطيع التذكر وبسهولة ومهما تراجعت الذاكرة كعملية طبيعية وتلقائية مع تقدم السن. وبحكم تسارع التفكير عموما فان قدرته على استخدام ما هو متوفر لدية من ربط منطقي بين الظواهر تكون عالية ايضا فهو يستطيع ان يزج بهذه القدرة في حيز العمل بكامل طاقتها ضمن نشاطه الذهني المرتفع- قد يكون هناك افراد لهم مستوى ذكاء اعلى من اصحاب هذه الشخصية لكنهم على عكسها لا يستطيعوا ان يستخدموا كامل طاقة ذكائهم بمعنى ان هذا الذكاء يستمر كطاقة وضع استاتيكية وليس طاقة ذكاء ديناميكية كالتي يتمتع بها اصحاب الشخصية الديناميكية المنشرحة_.
هذه الشخصية وبدون ان تسعى او تتصنع تتحول لبلدوزر في مسار الحركة التاريخية لا شيء يستطيع إيقافه، لأنها تلقائيا تصبح مركز وروح أي مجموعة تقع في وسطها، فحجم اندفاع وديناميكية هكذا نمط من الشخصيات لا يمكن منافسته من بقية اعضاء المجموعة، وخصوصا عندما تدخل شخصية كهذه معترك السياسة والايديولوجيا بوجود قضية عادلة وتوفر خلفية تعليمية وثقافية عالية و دوافع وطنية أصيله لهذه الشخصية.
كانت القدرة الحدسية لياسر عرفات أو ما يعرف بالإلهام الداخلي- مهولة. بالرغم انه كان مهووساً بجمع المعلومات والتفاصيل وسماع تحليلات المحيطين به، الا انه كما يبدو كان يستخدم كل هذه المعلومات والتحليلات لتأكيد او نفي قراراته التي سيتخذها بناءا على حدسه المتطور، تعقيدات وتشابك العوامل المؤثرة على الوضع الفلسطيني كانت مهولة ومتشابكة ولم يكن التحليل او البحث العلمي كافيا ليغطي كل جوانبها فمسرح الحدث غير محكوم بجغرافيا محددة، والكتلة السياسية غير متجانسة إيديولوجيا، واللاعبين السياسيين من كل جنس ولون.. فكان لا بد من الاسلوب الحدسي للمعرفة والقرار، وفى الاطار العام عندما نعود لمسار الاحداث كل القرارات الحدسية التي اتخذها ابو عمار كانت اكثر دقة من التحليل الصحفي او الاكاديمي. وعلى هذا الصعيد يتحدث المقربين منه : كان يفاجأ الجميع، حين يقفز من سفينة إلى سفينة مخالفا كل التوقعات والرهانات وتقديرات الموقف وسائرا عكس التيار.
وإذ نجح أبو عمار- في لعب أدوار مطلقة في التراجيديا الفلسطينية، وإذ نجح في ان يكون زعيما تأسيسيا للشعب الفلسطيني دون منازع، وإذا نجح نجاحا باهرا في إعادة تخليق الفلسطينيين سياسياً، ثم انتقل في مرحلة ثانية، لزرع شعبه في الجغرافيا السياسية وتحويله إلى دولة.
و لكنه فشل في أن يكون رجل مؤسسات، أو أن يقيم دولة القانون والمحاسبة والشفافية والنزاهة،نعم هذه هي الحقيقة. فقد دفعت أبوة عرفات الجارفة أمام شعبه المحروم، بان يفتح أمامه كل الأبواب، فلم يرد طالبا ولم يخيب قاصدا، وأتخم السلطة الفلسطينية وجهازها الإداري بعشرات الآلاف من الوظائف بدون النظر إلى معيار الكفاءة أو الخبرة أو النزاهة وكأنه أراد أن يكافأ كل شعبه دفعة واحده على صبره. كما أن الرئيس ياسر عرفات رغم أنه عاش ومات زاهدا في الدنيا وفي المال - أغدق المناصب والمزايا والعطايا على الموالين له، مما جعله عرضة لسهام أنصاره و معارضيه على حد سواء. كذلك لم يسعَ الراحل عرفات لإقامة دولة القانون أو دولة تتمتع باستقلالية السلطات، وفي هذا السياق يصرح رئيس المجلس التشريعي السابق روحي فتوح في شهادته على عهد ياسر عرفات قائلا : بأن الانتقال من نمط الثورة إلى نمط الدولة أدخلنا في صراعات لا تنتهي مع ابو عمار، فعرفات أراد مجلسا تشريعيا رديفا وتابعا له وليس مؤسسة مستقلة تحاسب الحكومة. هذا إلى جانب أن الرئيس عرفات كانت له حساسية شديدة في توقيع المراسيم الصادرة عن المجلس التشريعي كقانون الخدمة المدنية او القانون الأساس للسلطة الفلسطينية -، فقد كان يرى ذلك تحجيما من صلاحياته، أو أنه كان يخشى من ان يجد نفسه في مواجهة مع المحكمة الدستورية العليا والقانون.
أبو عمار ايضا، أراد وزراء بلا صلاحيات ومن التابعين له مباشرة، ودخل في معارك مع حركته حركة فتح على ضروه فصل منصب الرئيس عن منصب رئيس الوزاء حيث كان عرفات بشغل منصب رئيس السلطة ورئيس مجلس الوزراء معا وعلى آلية تسمية الوزراء، وضرروه تمتعهم بالصلاحيات المناسبة وعلى......
بالتأكيد الرئيس عرفات لم يكن ديكتاتورا، ولكنه قرر ان يجمع كل خيوط اللعبة وكل خيوط السلطة في يده، فقبض على ملف الأمن وعلى ملف المال وموازنة السلطة وعلى ملف الإعلام، وربما أراد من وراء ذلك أن يطمئن على قضيته - وليس على نفسه، لأنه يعلم حجم التحديات وحجم المؤامرة، وهو لا يريد أن تجري مياه من تحت الجسر هكذا تصور-.
مع الزعيم التاريخي ياسر عرفات، أنجز الشعب الفلسطيني رحلة البحث عن القائد وعن الرمز، كما أنجز رحلة البحث عن الأمل.

عبير بشير

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 172,027,770

عدد الزوار: 7,656,144

المتواجدون الآن: 0