عند تغيير الدول... المسيحيون «يحفظون رأسهم»!

تاريخ الإضافة الخميس 28 تشرين الثاني 2013 - 7:41 ص    عدد الزيارات 354    التعليقات 0

        

 

عند تغيير الدول... المسيحيون «يحفظون رأسهم»!
طوني عيسى
كشفت حادثةُ اليسوعية عن كثير مما هو خلف الأكَمَة. وتجرّأ النائب سامي الجميل على طرح سؤال خطِر على «حزب الله»: «هل تريدون الإنقسام عَنّا؟ وإلى أين تريدون الوصول بهذا الطلاق؟ قولوا إنكم لا تريدون العيش معنا»!
هناك مَن يعتقد أن الكلام الذي قاله الجميل، وكذلك الدكتور سمير جعجع وأقطاب مسيحيون آخرون، خلال أزمة اليسوعية، سواء في العلن أم في داخل الغرف المقفلة، لا يعبّر فقط عن اللحظة. إنه يؤكد الأزمة الكيانية التي يمرّ بها لبنان، والتي تعصف بالجميع، ولكن بالمسيحيين والدروز خصوصاً. ومرّة جديدة: "إنها ليست عين الرمانة، إنها قلوب ملآنة".
اليوم، الجميع قلِق على مصيره في الشرق الأوسط. والأمزجة المذهبية والطوائفية والقومية تتحرك وفقاً للمصالح. والمجموعات كلُّها تبحث عن الصيغ التي تضمن إستمرارها: السنّة والشيعة والعلويون والدروز والأكراد والمسيحيون. فاللعبة تبدو وجودية للجميع. لكنّ المعركة الفعلية تدور بين السنّة والشيعة. فالطائفتان تمتلكان المقومات لخوض النزاع، وتحاول كلّ منهما إستيعاب المجموعات الأقلية تحت جناحها لتكون داعمة لها في هذا النزاع.
ويبدو السنّة مطمئنّين إلى غلبة الجغرافيا والديموغرافيا في النهاية. وأمّا الشيعة فمطمئنّون إلى شبكة تحالفات إقليمية ـ دولية تعوِّضهم كونهم أقلية عددية. وبين حجرَي الرحى السنّي والشيعي، يخشى الآخرون أن يطحنهم الشرق الأوسط... فينقرضون كالهنود الحمر في أميركا.
في سوريا، بدأ الأكراد يبلورون كيانهم، وفق النموذج العراقي. والعلويون يرتّبون منطقة نفوذهم، مع الشيعة، مستفيدين من فرصة إمساكهم بالسلطة. وربما تأتي فرصة ليعبّر الدروز عن إتجاهاتهم.
وأمّا في لبنان، وفيما يدور النزاع السنّي ـ الشيعي كجزء من النزاع الكبير، يجد المسيحيون أنفسهم في المأزق. والأصعب هو أنهم لا يتفقون على توصيف موحّد لهذا المأزق، وتالياً على سبيل للخروج منه.
السنّة والشيعة يدركون أنهم يخوضون الحرب في لبنان بالأصالة عن أنفسهم وبالوكالة عن "إخوانهم"، من بلاد الشام إلى جبال بختياري وطوروس. وعندما يجتاز الشيعة والسنّة حدود سايكس ـ بيكو ليقاتلوا خارجها ويسقط لهم الشهداء، فهذا يعني أنّ حدودهم الحقيقية تتجاوز الـ10452 كلم2. وأما المسيحيون، والدروز على الأرجح، فلا حرب يخوضونها اليوم ضدّ أحد، ولا يتجاوز طموحهم "مرقد العنزة" في جبل لبنان، أي إنه أصبح دون الـ10452 كلم2. فكيف يلتقي "الخارجون" مع "الداخلين"، وأين؟
في مزاج المسيحيين اللبنانيين خصوصاً، والمشرقيّين عموماً، إتجاهات متزايدة إلى الخروج من الحالة الملتبسة التي يذهبون ضحيتها في لبنان، والتي كرَّسها "إتفاق الطائف". وكان الرئيس أمين الجميل، أمام الحشد الكتائبي الأخير، واضحاً في التعبير عن هذه الإتجاهات التي لم يتسنَّ لآخرين أن يُعبِّروا عنها في داخل 14 و8 آذار، لأسباب مختلفة:
- التعديلات التي أُدخلت على الدستور في "الطائف" أتت في ظروف قاهرة، وإفتقرت إلى الإجماع الوطني، ويجب تصحيحُها.
- في مقابل رفض التقسيم والدويلات، المساواة مطلوبة بين المسلمين والمسيحيين، وفق حلّة دستورية حديثة، وإعتماداً على اللامركزية الموسعة.
واللامركزية الموسَّعة تبدو، بالنسبة إلى كثيرين من الباحثين "كلمة السرّ" المسيحية. فهي "التعبير الديبلوماسي" عن "الفيدرالية"، الخيار الذي لطالما نادت به نُخَبٌ مسيحية، وعلى خلفيته تعرّضت لحربٍ شعواء وإتهامات بالسعي إلى التقسيم. لكنّ هذه النُخَب تفضّل اليوم إستخدام تعبير "اللامركزية الموسّعة"، علماً أنّ ساعة الفيدرالية في الشرق الأوسط ربما دقّت، بدءاً من العراق وصولاً إلى سوريا وسواها.
والمثير أنّ في لبنان اليوم نظاماً فيدرالياً وقحاً، يتمّ فيه تقاسم الكعكة والمناصب والمؤسسات والمواقع... وحتى المناطق على أساس مذهبي وطائفي. لكنه مشوَّهٌ تماماً وظالم، خصوصاً للمسيحيين. ويستقوي فيه البعض على البعض الآخر بالعدد أو بالقوة، أو بكليهما معاً.
المسيحيون اللبنانيون يلعبون اليوم على الأرجح أوراقاً حسّاسة قد تقرِّر مصيرهم. فالشرق الأوسط في صدد إعادة التشكُّل والتأسُّس، جغرافياً وجيوسياسياً. و"عند تغيير الدول، يريد المسيحيون أن يحفظوا رأسهم"!... ولا يفعل السنّة والشيعة والدروز سوى ذلك أيضاً.

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,311,907

عدد الزوار: 7,627,489

المتواجدون الآن: 0