هل ينجح روحاني في اجتياز فترة الاختبار؟

تاريخ الإضافة الأحد 1 كانون الأول 2013 - 6:21 ص    عدد الزيارات 342    التعليقات 0

        

 

هل ينجح روحاني في اجتياز فترة الاختبار؟
سليم نصار – لندن... كاتب وصحافي لبناني
عندما شعر رئيس وزراء اسرائيل، بنيامين نتنياهو، بأن محادثات النووي في جنيف قد تتبلور عن اتفاق مع ايران، فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة خاطفة استمرت ساعتين ونصف. وبسبب أهمية اللقاء، اصطحب معه معاونه العسكري إيال زمير ومستشار الأمن القومي يوسي كوهين. وقد حرص على إبلاغ سفيره في واشنطن بأن الولايات المتحدة لم تعد وحدها المرجعية المفضلة، والحليفة التي تعتمد اسرائيل على مواقفها الصلبة.
رأت صحيفة "معاريف" أن خيبة الأمل التي أصيب بها نتنياهو، جراء الدور المحوري الذي لعبه الوزير الاميركي جون كيري في المفاوضات، كانت الحافز الذي شجعه على زيارة موسكو. وفي تصوره أنه سيجد لدى بوتين مرارة الخاسر بسبب فقدان حظوة الاستثناء التي تمتعت بها روسيا لدى ايران مدة تزيد على العشر سنوات. لذلك باشر حديثه في الكرملين باحتمال تخلي طهران عن روسيا بعد زوال خطر العزلة والمقاطعة الاقتصادية، مُذكراً بما حدث في آخر عهد ميلوسيفيتش يوغسلافيا وآخر عهد قذافي ليبيا.
الأنباء التي رشحت عن المحادثات ركزت على إظهار الدور الهادىء الذي قابل به بوتين إنفعال نتنياهو وقلقه الواضح على مصير العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة. خصوصاً بعدما تجاوز في حديثه المحاذير السابقة، وأخبر بوتين أن في نيته إقامة تعاون اقتصادي-تجاري، مع الاستعداد الكامل لارسال شركات استثمار اسرائيلية الى روسيا.
ويتذكر المستشار يوسي كوهين أن بوتين علق على مقترحاته بالعبرية، وبلهجة روسية ثقيلة، قائلاً: "تودا رابا،" والتي معناها "شكراً جزيلاً". ولما بلغ حديثهما الموضوع المركزي – أي السلاح النووي – عرض بوتين وجهة نظره بصراحة، مؤكداً أن الاتفاق المؤقت يفترض أن تجمد ايران مشروعها النووي مقابل التخفيف من العقوبات.
عندها أبدى نتنياهو إعتراضه على الاخراج المبهم الذي صاغته وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي، كاثرين اشتون، حول سلمية البرنامج النووي. وردّ عليه بوتين بلهجة المستغرب قائلاً: لا داعي لأن نوهم أنفسنا. فالايرانيون لن يفجروا أجهزة الطرد المركزي التي اشتروها بمليارات الريالات... ولن يدفنوا المفاعلات... ولن يفككوا قواعد الصواريخ. ولكن طالما أبعد اتفاق جنيف ايران عن القدرة العسكرية النووية، فلا أرى هناك ما هو أفضل.
وقال نتنياهو في مؤتمره الصحافي، إن الأفضل في نظره كان تكرار تجربة إصرار روسيا على نزع كامل للسلاح الكيميائي في سوريا. ولاحظ الصحافيون، الذين انتظروا ثلاث ساعات في أروقة الكرملين، أن رئيس الحكومة الاسرائيلية إمتنع عن ذكر أي دور للولايات المتحدة، كمؤشر على البديل الذي يمكن أن تمثله روسيا في المستقبل. وقبل أن يغادر موسكو، وجّه رسالة شكر وتقدير الى بوتين لأنه أطلعه على أسرار الصفقة التي تشغل باله.
في هذا الوقت، وصلته أنباء الجالية اليهودية في ايران، وأن حشداً كبيراً من أعضائها تظاهر أمام مكاتب الأمم المتحدة في طهران للاعراب عن تأييده لموقف الوزير محمد جواد ظريف. وألقى في المناسبة عضو البرلمان الايراني اليهودي، سيامك مورا، خطاباً قال فيه: نحن هنا كي ننتقد الوقحين ومروجي الحروب مثل نتنياهو، ونحذرهم من التدخل في شؤوننا الداخلية.
السؤال المطروح بعد إعلان الاتفاق يتعلق بفترة اختبار النيّات، وما إذا كانت ايران ستلتزم بما وقعته مع الدول الست، أم أن الأشهر الستة المقبلة ستبدل الموقف الرسمي بواسطة الحرس الثوري المعارض.
يقول الباحث الاميركي انطوني كوردسمان إن المصالحة التاريخية التي أعلنتها واشنطن وطهران، تحتاج الى أكثر من نصف سنة لمحو آثار خلافات عميقة نشأت عقب إنقلاب مصدق سنة 1953. ثم ازدادت تعقيداً وخطورة بعد ثورة الخميني ومحاصرة السفارة الاميركية في طهران طوال 444 يوماً. وبسبب موقف واشنطن المنحاز للعراق في حرب 1984، إتسعت شروخ العداوة بين شعبي الدولتين وحلفائهما.
ويرى المشككون أنه باستطاعة ايران قبض سبعة مليارات دولاراً العائدة من رفع العقوبات، على أن تستأنف عملية صنع قنبلة نووية بعد انقضاء مهلة الستة أشهر! ويستبعد جون كيري حدوث هذا الاحتمال، لأن ايران تكون قد خسرت صدقيتها وتعهداتها الدولية، الأمر الذي يبرر للموقعين معها فرصة ضرب المفاعلات وتدميرها.
يُجمع المراقبون على القول إن وصول الشيخ حسن روحاني الى رئاسة الجمهورية في ايران كان بمثابة الانتقال من مرحلة التصلب والعزلة والعنف... الى مرحلة الانفراج السياسي والاعتدال العقائدي والانفتاح الخارجي. خصوصاً أنه حظي بدعم المرشد علي خامنئي والاصلاحيين المطالبين بانهاء أسلوب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. وبما أن الاتفاق الجيد هو الذي يتقبّله الشعب ويؤيده، فان المسافة الزمنية المحددة بستة أشهر ستكون بمثابة جسر التكيّف مع المتغيرات الجديدة. أي مزج عناصر رفض الآخر، وإعادة بناء الثقة بين مجتمع "الشيطان الأكبر" ومجتمع زعيمة دول "محور الشر"!
وكما تحولت صين ماوتسي تونغ الثورية الى دولة معتدلة، براغماتية، في عهد دينغ سياو بينغ سنة 1978... هكذا تتحول ايران تدريجياً من دولة مصدِّرة للقلاقل والاضطرابات الى دولة مرتبطة بقواعد النظام الدولي.
ومن المؤكد أن الانخراط في هذا النظام سيوّلد لدى ايران ديناميكية جديدة بحيث أن رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون وظفها على عجل، واتصل بالرئيس حسن روحاني واتفقا على تحسين العلاقات بين الدولتين.
بقي السؤال المتعلق بالعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على ايران... وما إذا كان انخراطها في محادثات جنيف يهدف أساساً الى إزالة الحظر المفروض على مؤسساتها وشخصياتها.
مطلع هذا الأسبوع أكد الرئيس حسن روحاني أن بلاده تريد إعادة إطلاق التجارة الاقليمية مع شركائها في منظمة التعاون الاقتصادي، أي المنظمة التي تضم سبع دول في آسيا واوراسيا. وبما أنها أظهرت بعض اللين في المفاوضات النووية، فهي تتوقع الانضمام الى منظمة شانغهاي للتعاون. وهي منظمة بالغة الأهمية من الناحيتين الاقتصادية والتجارية.
إضافة الى هذه المكاسب، فان المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي عززت مكانتها السياسية، وهيأت لها فرص المساهمة في رسم مستقبل بعض دول المنطقة. خصوصاً بعدما أدى موقف روسيا المتصلب، بشأن الأزمة السورية، الى إعادة خلط الأوراق بين موسكو وطهران. وهكذا وجدت الدول الغربية نفسها مضطرة الى التعاون مع ايران لحلحلة العقد التي رسمها التحالف الديني-الجيوسياسي الممتد من موسكو الى طهران وبغداد ودمشق وصولاً الى "حزب الله" في لبنان. وفي ضوء هذا الواقع، طلبت موسكو مشاركة ايران في مؤتمر "جنيف-2". وعلى الفور أعلن وزير الخارجية محمد جواد ظريف استعداد بلاده لحضور المؤتمر من دون شروط مسبقة.
ردود الفعل العربية حول الاتفاق النووي راوحت بين التحفظ والترقب. وقد أصدر وزير الثقافة والاعلام السعودي، عبدالعزيز خوجة، بياناً عن وقائع مجلس الوزراء الأخير قال فيه: إن ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز تمنى إستتباع المزيد من الخطوات المؤدية الى ضمان حق كل دول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية. وقال أيضاً: إن الاتفاق يمكن أن يشكل خطوة أولى في مسار الحل الشامل للبرنامج النووي الايراني، إذا توافرت النيات الحسنة.
أما يوسف بن علوي، وزير الدولة للشؤون الخارجية في سلطنة عُمان، فقد اكتفى بالقول: إن الاختبار الحقيقي للاتفاق يظهر في مرحلة التنفيذ. وبما أن الايرانيين هم جيران، فان لدول الخليج مصلحة استراتيجية في استقرار الأوضاع.
وفي ردّ مسبق على هذا التطور كتب وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، رسالة نشرتها الصحف قال فيها: "على الرغم مما يجري الترويج له بتسليط الضوء على علاقاتنا مع الغرب، فان الحقيقة المغيّبة هي أن الأولوية تبقى لسياستنا الخارجية في المنطقة. والسبب أن هذه السياسة تتعامل مع الثوابت كالجغرافيا وشعوب الدول المجاورة. ولأن مصيرنا متشابك، فان أكبر وهم نقع فيه هو الاعتقاد بأنه يمكن أحدنا أن يحقق مصالحه دون الأخذ في الاعتبار مصالح الآخرين".
ومن المؤكد أن كلام الوزير ظريف مستوحى من السياسة العامة التي رسمها الرئيس حسن روحاني، والتي تولي الواقع الجغرافي أهمية قصوى. وفي البرنامج الانتخابي الذي أعلنه أثناء ترشحه للرئاسة، أجاب على سؤال مندوب "الشرق الأوسط"، بمنح دول الجوار أهمية استثنائية. وقال في ذلك: "إن ايران تشترك مع 15 بلداً في حدودها البرية والبحرية. ويمكن أن تلعب مع المملكة العربية السعودية دوراً ايجابياً في التعامل مع القضايا الاقليمية".
ويُستفاد من هذا الكلام، أن روحاني مستعد لازالة أجواء الخصومة التي نشرتها الثورة الايرانية في منطقة الشرق الأوسط، تماماً مثلما أزال غورباتشيوف أجواء الحرب الباردة بين بلاده والولايات المتحدة. وهو يرى أن تنازله عن الطموح النووي قد يهيء بلاده للعب دور سياسي في سوريا ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن. وأكثر ما فعلته هذه الثورة المخملية في ايران أنها حجبت الجانب العسكري الاستفزازي، وقدّمت الجانب الأمني السياسي الذي تريده منسجماً مع معادلة التعاون القائمة على احترام مصالح الجارات.
وفي مطلق الأحوال، تبدو أشهر الاختبار الستة وكأنها فترة قصيرة من عمر الثورة، منحها المرشد علي خامنئي لصديقه القديم، لعله ينجح في إنقاذ النظام من المؤامرات التي يتعرض لها...
 

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,311,253

عدد الزوار: 7,627,476

المتواجدون الآن: 0