الآمال والمخاوف: ثمن غموض السياسة الأميركية

تاريخ الإضافة الأحد 1 كانون الأول 2013 - 8:17 ص    عدد الزيارات 343    التعليقات 0

        

الآمال والمخاوف: ثمن غموض السياسة الأميركية
حسن منيمنة

تطوران رئيسيان من شأنهما تأطير مسار التموقعات السياسية في منطقة الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة، الأول الإصرار الظاهر لحكومة الرئيس باراك أوباما على الاستحصال على اتفاق مع طهران بأي ثمن، والثاني كشف محادثات سرية جرت بين واشنطن وطهران، بتسهيل من عُمان، في الأشهر الماضية. والمسألة في كلا الأمرين ليست خطورة الفعل، فالاتفاق بين مجموعة خمسة زائداً واحداً وإيران، حتى قبل أن يفرض عليه الإصرار الفرنسي بعض الوضوح الإضافي في أوجهه التنفيذية، لا يتعدى حدود تنفيس الأزمة بين الجانبين من حيث التأسيس لخطوات تمهيدية لبناء الثقة في انتظار اتفاق أوسع بعد ستة أشهر. والمحادثات السرية، رغم أن مضمونها لم يكشف بالكامل، صُنِّفت في إطار بناء الثقة وتبيّن مدى عمق التفويض الذي حصل عليه الرئيس الإيراني الجديد من مرجعيته.

إلا أنه لا يمكن التقليل من مقدار التشتيت الذي يشكله الحدثان على مستوى منظومة العلاقات الأميركية في المنطقة، لا سيما لاندراجهما في سياق خطوات مستمرة طعنت لتوّها بصدقية أوباما، بخاصة تأرجحه بل تهافته في الموضوع السوري. يذكر هنا أن حكومة أوباما أظهرت مقداراً عالياً من التجانس في مواقفها إزاء هذا الموضوع. والتجانس هنا سلبي، إذ ثابرت من دون انقطاع على التخلف بالوعود التي قطعتها تباعاً لدعم المعارضة السورية، ما أثار لدى بعضهم ريبة يبدو أنها تتأكد اليوم بأن الأمر لم يكن تردداً بل كذباً متعمداً يهدف إلى ثني هذه المعارضة عن السعي إلى مصادر دعم بديلة.

وفي قراءة مشابهة، يطرح بعضهم القصد والعمد والخطة المسبقة في التبدل في مواقف الرئيس الأميركي من موضوع السلاح الكيماوي السوري. إذ بدا يوماً أنه عقد العزم على معاقبة نظام مارق، هو نظام دمشق، لارتكابه جريمة ضد الإنسانية وتجاوزه خطوطاً حمراً وضعها هذا الرئيس نفسه، انطلاقاً من التزام مفترض لحكومته بشرائع دولية وأخلاقية تحتم عليه التدخل، لينتقل بين ليلة وضحاها إلى شراكة ضمنية مع هذا النظام، بل الثناء عليه أحياناً لتسليمه إحدى أدوات الجريمة، مع إتاحة الاستمرار في الجرائم الأكثر فظاعة وفداحة شرط ألا تكون بالسلاح المحظور.

فبناءً على انكشاف أمر المحادثات السرية مع إيران، يعتبر بعضهم أن الرئيس الأميركي لم يكن قط صادقاً في كلامه عن معاقبة دمشق، لما في ذلك من إضرار بالمصالح الإيرانية، بالتالي بالمسار التفاوضي السري بين طهران وواشنطن. بل ثمة تسريبات بهذا الفحوى من أوساط مقربة من أوباما. إلا أن محاولة إظهار نهجه على أنه محكم في التخطيط والأداء، وإن على حساب المبدئية، تكاد أن تكون اعتذارية صرفة، إلا إذا كان ارتأى اعتماد التخبط المبدد للثقة والصدقية غطاءً لهدف ما لا يبدو أن أحداً قادراً على تحديده. فلو كانت النتيجة، أي تسليم النظام السوري لسلاحه الكيماوي، هي الهدف، فلماذا سبق لأوباما أن رفع درجة التشديد على فداحة الجريمة المستوجبة للعقاب، أي مقتلة الأبرياء لا سيما منهم الأطفال، ليعود ويغيّبها تاركاً التساؤلات المتكررة حول ما جاهر به من أخلاقيات، بل لكان أطّر المسألة بإبهام يستوجب تسليم السلاح فحسب.

إلا أن ثمة درساً واضحاً، للحكومة الإيرانية كما لحلفاء واشنطن القدامى في منطقة الشرق الأوسط، من تجربة السلاح الكيماوي السوري. فالإنجاز الأميركي المزعوم بهذا الصدد شكلي في أحسن تقدير، ذلك أنه يزيل المخزون السوري من هذا السلاح، إلا ما تمكن النظام من تعميته، من دون أن يتطرق إلى القدرة الفنية لإعادة تكوينه، أو لمنظومة القمع التي أنتجته أساساً. ورغم ذلك، فبالنسبة إلى الاعتذاريين الداعمين لأوباما، ما تحقق هو منتهى الإنجاز ومقصده في الشأن السوري، ويمكن للنظام القمعي متابعة مسعاه القاتل إلى تحقيق حسم عسكري، تحت غطاء مستمر من الأعذار المتراكمة لامتناع الحكومة الأميركية عن اعتراض فعله. والدرس هو بالتالي أنه في حال قدّمت الحكومة الإيرانية انتصاراً شكلياً لأوباما في موضوع السلاح النووي الإيراني، وشرط هذا الانتصار أن يكون قابلاً للتسويق لدى جمهوره، فإنه مستعد للانكفاء عن التعرض للمصالح الإيرانية في ما عدا هذا الموضوع. أي، بعبارة أخرى، السلاح النووي في مقابل التغاضي عن طموحات إيران في النفوذ والتوسع في المنطقة.

ولكن، قد يكون في هذه القراءة مقدار عالٍ من التجني. فعلى رغم الأهمية العالية التي يوليها أوباما للحصول على إنجازات تسجل له، كنزع السلاح الكيماوي السوري، وربما أيضاً منع إيران من الحصول على السلاح النووي، ليس هناك ما يدعو إلى الاقتناع بأن الرئيس يرغب بالفعل في التغاضي عن توسع النفوذ الإيراني، أو أنه، حتى لو كانت هذه فعلاً رغبته، قادر على هكذا تغاضٍ. ذلك أنه ليس من تصور للمصالح الأميركية يتوافق مع ما تعتمده طهران من رؤى وطموحات، لا موضوعياً أي من حيث التعارض الفعلي في المصالح في أكثر من موقع، ولا سياقياً من حيث استدعاء أي توافق بين طهران وواشنطن، في حال افترضت إمكانية حصوله، لردود فعل رافضة بل عدائية من أطراف في المنطقة هي في موقع الصديق والحليف، وكذلك من واقع سياسي في واشنطن متداخل في توافقاته وعلاقاته مع هذه الأطراف الصديقة والحليفة.

فالأقرب إلى الواقع هنا هو ملاحظة التفاوت بين الخطوات المحدودة التي يقدم عليها فريق أوباما، والتي تهدف فعلاً إلى ما تهدف إليه قولاً، أي بناء الثقة مع طرف خصم هو إيران، وبين التوقعات المتفائلة لمن هم في صف إيران كما المخاوف المتشائمة لمن هم في مواجهتها، بأن هذه الخطوات إرهاصات لتبدل عميق من شأنه قلب المعادلات وإعادة رسم التحالفات. فخيبة الأمل في صف أصدقاء أوباما اليوم قد تتبعها في غد قريب خيبة أمل أخرى في صف خصوم الأمس الطامحين إلى صفقات كبرى ليس الرئيس الأميركي راغباً فيها أو قادراً عليها..

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,310,330

عدد الزوار: 7,627,454

المتواجدون الآن: 0