"التكفيري" السنّي و"الفاشي" المسيحي

تاريخ الإضافة الخميس 5 كانون الأول 2013 - 6:44 ص    عدد الزيارات 395    التعليقات 0

        

"التكفيري" السنّي و"الفاشي" المسيحي

 

طريفة للغاية المحاولة من جانب نائب عن "حزب الله" لإعطاء صبغة أيديولوجية إضافية للاشتباك الطائفي الذي حصل في باحة وجوار حرم العلوم الاجتماعية في "جامعة القديس يوسف", فاعتبر أنّ "القمصان السود" يواجهون "الفاشية" هناك.
أوّل وجه للطرافة أنّ الطرف نفسه الذي يهوّل على نصارى بلاد الشام هول المصاب لو دالت مقاليد الأمور لأهل السنّة، انّما يستعيد من دفاتر الحرب الأهلية نعت "الفاشية" التي كان يُرمى بها اليمين المسيحي خلالها.
هي حكاية متشابهة في الحالتين: بخلاف الجماعات المصنّفة "سلفية جهادية" التي يناصب الشيعة كشيعة الكراهية والعداء، ينفي "حزب الله" عن نفسه تهمة معاداة السنّة كسنّة، لكنه يعتبر أنّه، في هذه المرحلة التاريخية على الأقل، من الأفضل أن تعقد ولاية الشيعة على السنّة، فبما أن الشيعة أخذوا على عاتقهم القضية العزيزة عند أهل السنّة، أي قضية فلسطين، وبما أنّ الحزب المهدوي المسلّح يترفّع عن الخطاب المذهبي النافر الذي يكثر في المقلب الآخر، أمكن لـ"أشرف الناس" أن يفرضوا أنفسهم كأوصياء على السنّة.
ألم يحمِ الأمراء الشيعة البويهيون الخلافة العباسية "السنّية" من الخطر "الفاطمي" ذات يوم، لكن في مقابل إخضاع الخلافة وقتذاك لملكهم هم، فعلامَ لا يتكرّر الشيء نفسه اليوم، ولحماية السنّة من أنفسهم في الدرجة الأولى هذه المرة؟
بالتوازي، يتوجّه الحزب المهدوي للمسيحيين: هم أيضاً لا يعرفون مصلحتهم بشكل راشد ومسؤول. "حزب الله" أقرب إليهم من الفرق الإسلامية الأخرى، بل المذهب الشيعي أقرب إلى النصرانية من المذاهب السنّية، ويمكن الاستعانة بالمفاضلة الاستشراقية بين السنّة والشيعة التي غلب عليها تفضيل الشيعة على السنّة بين المستشرقين.
وعليه، "السنّي" الذي لا يعرف مصلحته، أي لا يعرف أن "حزب الله" هو خير من يمثّل تطلّعاته ومصالحه وقضاياه في هذه الآونة، هو "تكفيري"، أما "المسيحي" الذي لا يعرف مصلحته، أي لا يعرف أن "حزب الله" هو حركة أنجيلية ملكوتية من حيث الجوهر، إنما هو "فاشي". ولولا الأحقاد "التكفيرية" و"الفاشية" لأيقن السنّي والمسيحي حاجتهما إلى قوامية "الشيعي المهدوي" عليهما، وعلّة هذه القوامية أنّ الأخير يحمي السنّة من أنفسهم، ويحمي المسيحيين من السنّة.
مع ذلك، ورغم العجب العجاب من رؤية حزب كـ"حزب الله" يندّد بالتكفيرية السنّية والفاشية المسيحية كما لو أنّه حزب ماركسي لينيني يساجل من موقع الماديتين الجدلية والتاريخية، ضد هذه الرجعية وتلك، تبقى بعض الفائدة من وراء اعتماد "حزب الله" لهذه المصطلحات.
فهذه أول خطوة كي يتعرّف الحزب على "تكفيريته" هو، و"فاشيته" هو. صحيح تماماً، أنّ تكفيريته لا تشبه تكفيرية الفصائل المنسّبة لتنظيم القاعدة، وفاشيته تختلف بأسلوب جمعها الفظ بين الانتصارية والمظلومية على النزعة الفاشية في القسم الأول من الحرب اللبنانية، والتي كانت تستهدف الحفاظ على النظام القديم معاكسة اتجاه الريح، في مكابرة هجومية كارثية.
لكن هذا لا يلغي أبداً أنّ ما يعيبه الحزب عند السنّة تحت مسمّى "التكفير" وما يعيبه عند المسيحيين تحت مسمّى "الفاشية" إنما يجمع بين طرفيه. بل إنّ المصيبة تكمن في أنه، ولما كان يجمع الخصلتين، التكفيرية والفاشية، في عقيدته ونمط تعبئته وحروبه، وفي الصلف المتعاظم لخطابه السياسي، فقد تملكه الوهم أنّ لديه من الشرعية ما يفرض وكالته على السنّة والدروز والمسيحيين، سواء لحمايتهم من أنفسهم، أو لحمايتهم من بعضهم البعض.
هذا الجمع الفظّ بين مظلوميتين، مظلومية شيعية بإزاء السنّة في المراحل السلطانية، الأيوبية والمملوكية والعثمانية، وبإزاء الموارنة في المرحلة اللبنانية، يتحوّل الى جمع فظّ بين المظلومية المزدوجة وبين الانتصارية المزدوجة: على "تكفيرية" السنّي و"فاشية" المسيحي. لكن ذلك يترتب عليه أن "الأمة" التي "كانت قلقة" (اذا ما شئنا محاكاة أطروحة وضاح شرارة في هذا الإطار) في مراحل تهميشها، صارت "أمة تقمع رعبها المتجدد" في مرحلة مظلوميتها الانتصارية.

 

وسام سعادة



Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,302,978

عدد الزوار: 7,627,271

المتواجدون الآن: 0