من المستفيد من تغييب الإعلام عن تغطية الجرائم في سوريا؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 17 كانون الأول 2013 - 7:29 ص    عدد الزيارات 349    التعليقات 0

        

 

"الدولة الإسلامية" و"النصرة" تُكرّران تجربة "الجماعة المسلحة" في جزائر التسعينات
من المستفيد من تغييب الإعلام عن تغطية الجرائم في سوريا؟
لندن ـ رانيا كرم
تُعتبر سوريا هذه الأيام، وبحق، إحدى أكثر دول العالم خطورة على الصحافيين، في ظل تفشي ظاهرة خطفهم أو قتلهم. ولكن من له المصلحة في أن يتم إبعاد الإعلاميين عن تغطية ساحة الصراع السوري؟
قد يكون مفهوماً أن النظام يرغب في إيجاد ظروف غير مناسبة لعمل هؤلاء، خصوصاً الأجانب، خشية نقلهم حقيقة الأوضاع المأسوية التي يعيشها السوريون نتيجة القصف والتدمير الذي تقوم به القوات الحكومية ضد المدن والبلدات الثائرة. ولكن ما يثير الاستغراب هو أن تتم تلبية هذه الرغبة "المفهومة" من النظام على أيدي من يقول إنه جاء ليقاتله، والمقصود هنا بالطبع جماعة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ومجموعات أخرى مرتبطة بها أو متنافسة معها ولكنها تتبع في النهاية لفكر تنظيم "القاعدة".
فهل "الدولة الإسلامية" تخدم فعلاً، بقصد أو عن غير قصد، أهداف النظام، كما تقول أطراف عديدة في المعارضة السورية؟
ربما تحتاج الإجابة عن هذا السؤال إجراء مقارنة سريعة بما كان يجري في تسعينات القرن الماضي في الجزائر. فبلد "المليون شهيد" شهد في تلك الحقبة أحداثاً تشبه في أوجه عديدة منها ما تشهده سوريا اليوم. أحد هذه الأوجه هو بالطبع استهداف الصحافيين على أيدي مجموعات محسوبة على المعارضة وتحديداً "الجماعة الإسلامية المسلحة". وقد تبنت تلك الجماعة ـ التي أسسها "جهاديون" محليون بالتعاون مع "أفغان جزائريين" تدرب بعضهم في معسكرات أنشأها تنظيم "القاعدة" مباشرة بعد إنشائه ـ في بيانات عديدة سلسلة اغتيالات طالت عدداً من الصحافيين الجزائريين بحجة أنهم موالون للنظام أو بحجة انتمائهم إلى فكر "علماني" معارض للإسلاميين. وعلى رغم أن الغموض ما زال يلف إلى اليوم بعض تلك الاغتيالات التي طالت صحافيين وكتاباً مشهورين، إلا أن النتيجة الواضحة لذلك كانت أن الجسم الأساسي للطاقم الإعلامي في الجزائر تكتل حول النظام ودافع عن سياساته ووقف معه في مواجهة "التهديد الإرهابي" (أي جماعات المعارضة المسلحة). وسواء كانت "الجماعة المسلحة" مخترقة أم لا من أجهزة المخابرات الجزائرية (وهي على الأرجح كانت مخترقة)، إلا أن ما قامت به ـ بقصد أو غير قصد ـ قدّم في نهاية المطاف خدمة جلية للنظام باستعدائها الصحافيين المحليين ودفعهم إلى أحضان النظام.
لكن الأمر لم يتوقف هنا، بل انسحب أيضاً على عمل الصحافيين الأجانب. فهؤلاء كانوا يواجهون أصلاً عقبات من السلطات الجزائرية للحصول على تأشيرات لتغطية أحداث العنف الدائرة في البلد، فجاءت "الجماعة المسلحة" لتشن حرباً على الأجانب في موازاة حربها على الصحافيين. وكانت النتيجة، في نهاية المطاف، أن الإعلاميين الأجانب توقفوا إلى حد كبير عن المجيء إلى الجزائر خشية أن يتم قتلهم أو خطفهم على أيدي "الجماعة المسلحة" أو على أيدي جهات أخرى "تمسح" عملها باسم هذه الجماعة.
وبسياساتها هذه ضد الصحافيين تكون "الجماعة المسلحة" قد ساهمت في جعل الكثير من الأحداث التي عاشتها الجزائر في ما يُطلق عليه "العشرية الحمراء" (حقبة التسعينات) ـ من الاغتيالات حتى المذابح الجماعية ـ خارج دائرة الضوء وبعيدة عن رقابة "السلطة الرابعة". ومع غياب الصحافيين الغربيين بسبب استهدافهم من ضمن "الأجانب" في الجزائر، بات مصدر الخبر الأساسي هو الإعلام المحلي الذي أرغمته "اغتيالات الجماعة" على الوقوف في صف النظام، علماً أن كثيرين من أفراده ربما كانوا ليختاروا صف المعارضة السياسية للنظام القائم لو لم يشعروا بأنهم مضطرون إلى العيش في حماية قوات الأمن (بسبب تهديدات "الجماعة")... أو الرحيل إلى المنفى (وهو ما كان مصير كثيرين من الصحافيين الجزائريين الذين اختاروا ترك بلدهم بسبب رفضهم للنظام ولتصرفات "الجماعة" في الوقت ذاته).
ما حصل في الجزائر في حقبة التسعينات يبدو وكأنه يكرر نفسه اليوم في سوريا. فقد حلت "الدولة الإسلامية" و "جبهة النصرة" ـ وكلاهما فرع تابع لـ "القاعدة" ـ محل "الجماعة الإسلامية المسلحة" الجزائرية في استهداف الغربيين والصحافيين الأجانب الذين يأتون إلى سوريا. فبعدما لعب هؤلاء دوراً أساسياً في بدايات الثورة عام 2011 في تسليط الضوء على ما يقوم به النظام من قتل وتدمير في المدن الثائرة، لجأت "النصرة" ثم "الدولة الإسلامية" الى استهداف الغربيين عموماً بما في ذلك الصحافيون الذين باتت أعدادهم تقل يوماً بعد يوم بعدما بات واضحاً أنهم لم يعودوا بأمان حتى ولو كانوا بحماية الثوار، كما اكتشف الصحافيان الإسبانيان خافيير إسبينوزا وريكاردو غارثيا فيلانوفا في 16 ايلول (سبتمبر) الماضي خلال تغطيتهم القتال في شمال سوريا - فقد اخذتهما جماعة "الدولة الإسلامية" من أيدي عناصر "الجيش السوري الحر" في منطقة تل أبيض بالرقة، وما زالا محتجزين حتى اليوم.
واللافت أن "الدولة الإسلامية" ـ وقبلها "النصرة" ـ تلتزم صمتاً مطبقاً إزاء قضية الصحافيين الغربيين المحتجزين لديها، إلا أن الواضح أن استهداف هؤلاء يتم على أساس الاشتباه في أنهم "كفار" يعملون لمصلحة أجهزة استخبارات أجنبية (شبهة تحوم دائماً حول الصحافيين في أوساط الجماعات الجهادية)، أو لمجرد الرغبة في استخدامهم "ورقة مساومة" مع الغرب في مرحلة من المراحل (سواء لمفاداتهم بمبالغ مالية أو للمطالبة بالإفراج عن سجناء إسلاميين في الغرب، على غرار ما فعل الفرع الصحراوي التابع لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في دول الساحل الافريقي خلال السنوات الماضية).
وعلى الرغم من أن استهداف الصحافيين اليوم في سوريا يمكن أن يؤدي إلى تراجع درجة تسليط الضوء على ما يحدث من قتل وتدمير في هذا البلد، إلا أن الأرجح أنه لن يؤدي إلى غياب كامل للتغطية كما حصل في الجزائر خلال تسعينات القرن. ففي العقد الأخير من القرن العشرين كانت تكنولوجيا الاتصالات ـ المتاحة لعامة الشعب ـ ما زالت غير متطورة جداً، بحيث كان يمكن أن تحصل مذابح مروعة في قرى نائية لا يدري بها أحد سوى بعد أيام ومن خلال ما تبثه وسائل الإعلام الرسمية ـ أو الخاصة التي دفعتها تهديدات "الجماعة المسلحة" إلى أحضان النظام. أما اليوم فإن ما يحصل في أي مكان في سوريا سرعان ما يحمّله ناشطون محليون على شكل صور ومقاطع فيديو تنقلها هواتف ذكية إلى أثير وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلالها إلى ملايين المشاهدين في أرجاء المعمورة.
وعلى رغم أن الجماعات المرتبطة بـ"القاعدة" في سوريا وسّعت في الفترة الماضية نطاق تهديداتها لتشمل ناشطين حقوقيين وإعلاميين محليين، إلا أن الأرجح وعلى المدى المنظور على الأقل أن غياب الإعلام الأجنبي لن ينسحب في شكل كامل على الإعلاميين السوريين ويؤدي إلى غياب التغطية عالمياً عن تطورات الأزمة السورية. وانطلاقاً من ذلك يمكن القول وبدرجة عالية من الثقة إن النظام السوري لن يتمكن من الاستفادة من تصرفات "الدولة الإسلامية" و "النصرة" في سوريا كما استفاد النظام في الجزائر من تصرفات "الجماعة المسلحة" في حقبة التسعينات ... إلا إذا نجح فرعا "القاعدة" في العراق في إسكات الناشطين الإعلاميين المحليين كما يتم إسكات الإعلاميين الأجانب حالياً.
 
 

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,276,238

عدد الزوار: 7,626,646

المتواجدون الآن: 0