الحرب المحتبسة والتوازن الرمزي المفقود

تاريخ الإضافة الأربعاء 25 كانون الأول 2013 - 9:05 ص    عدد الزيارات 371    التعليقات 0

        

الحرب المحتبسة والتوازن الرمزي المفقود

 

لم يعد الصراع اللبناني سياسياً منذ وقت غير قليل. صار صراعاً ثقافياً. ليس ذلك لأنه ارتقى في المنزلة، بل لأن آليات الاحتكام الى السياسة، سواء لادارته أو ابتغاء لحسمه قد تعطّلت، وآليات الاحتكام للعنف قد دخلت مع انخراط "حزب الله" في الحرب السورية في طور يزيد الأخيرة اشتعالاً مذهبياً والمجتمع السوري تدميراً فيما يحكم على الاحتباس اللبناني بأن يتحوّل الى خروج مطلق على كل سوية ذهنية ومنطقية وأخلاقية. كما لو أنه تلازم وتمايز مسارين: مسار "الكارثة" في سوريا، ومسار "الكابوس" في لبنان. انه صراع ثقافي في هذا النطاق: نطاق الانعكاس الكابوسي لبنانياً للكارثة السورية، ما يتشكّل من مظاهر عديدة، يبقى وجهها الأهم هو ان مشروع الغلبة الفئوية المذهبية الذي يقوده "حزب الله" ويشمل كل المتمسكين بالأساطير المؤسسة لـ"الحرمانية" و"المظلومية" و"الانتصارية" في مجتمع "الأهالي"، انما هو مشروع عجز، في مرحلة احتكاره المطبق للسلاح في الداخل، عن جرّ أخصامه للتطبع مع هذا السلاح، وعن جرّ النظام السياسي الى مراجعة دستورية تجيء لصالحه، وعن اجتراح سردية بديلة للكيان اللبناني، فظلّ مشروعاً يحاكي "المارونية السياسية" لكنه يحكم على نفسه اذ يعطّل السياسة، بأن يبقى في حدود "الشيعية الثقافية".
من "المارونية السياسية" التي قضت نحبها في سني الحرب، الى "الشيعية الثقافية" التي أرادت الجمع بين استجماع الماء في اناء وبين كسر الاناء: هذه نظرة محتملة لمسار الأمور في لبنان. لكن الصراع الثقافي عندما يفرض سطوته بسبب من تعطّل آليات السياسة، وبسبب من ارتباط آليات التغلّب العنفي الحزب اللهي بنزاع جذري للغاية على الأرض السورية، انما يصير مرادفاً للحرب المحتبسة من ناحية، ومن دون أي فكرة واضحة من ناحية ثانية، سوى حرص المشروع التغلبي على عدم فهم أنه ليس، وأهله، لا المصدر الحصري للحقيقة ولا المصدر الحصري للأسطورة في لبنان، وهنا بيت القصيد اليوم: ان نزع السحر الأسود عن هذا المشروع هو العتبة الاولى الذي ينبغي الخطو باتجاهها اذا ما أردنا اليقظة من هذا "الكابوس" والتحكم بعلاقتنا، كطوائف لبنانية، بـ"الكارثة" الحالة في سوريا جراء تعنّت الأقلية الحاكمة فيها ومكابرتها الدموية على الوقائع الانتفاضية للنسيج الأكثري من المجتمع السوري. الخروج من الحرب المحتبسة يكون بفك السحر الأسود للمشروع التغلّبي، وفي الدرجة الأولى كل أخلاقيات الحنق التي يستند اليها، وكل الحرد الذي يطبعه اذا مسّ أحد ما "أحاسيسه المرهفة" فيما هو يدوس على مقدّسات الآخرين وكراماتهم. التوازن الرمزي هو الشرط الأوّل لكسر هذا المشروع. التوازن الرمزي يكون شرطه بأنك يا ذا المشروع لست من يحدّد دائرة المسموح والممنوع في هذا البلد، وأن الكيانية اللبنانية تغتني بكل الاسهامات المتعاقبة لكنها اما ان تنطبق من ذاكرة أساسية تنتمي الى تراكم القرنين السابقين، واما على الدنيا السلام. هذا المشروع نقطة فشله انه يريد تأسيس لبنانه هو من عدم، وانه يريد في الوقت نفسه اعدام لبنان. صار الصراع ثقافياً بسبب من تعطّل آليات السياسة، لكنه صراع ثقافيّ يقدّس فيه المتغلّب نفسه وتندثر فيه الأفكار. العودة الى السياسة تبدأ باستعادة التوازن الرمزي: لا مصدر أحادي للحقيقة والأسطورة بعد اليوم.

وسام سعادة

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,251,670

عدد الزوار: 7,626,103

المتواجدون الآن: 0